د. منير جمعة: علينا أن نعظم الاستفادة من مدرسة رمضان التربوية
إننا لو أردنا أن نُسمِّي شهر رمضان باسم يدل عليه، ويُعرف به، لحقَّ لنا أن نسميه "شهر التربية"؛ ذلك لأن مدرسته مدرسة الثلاثين يومًا ... كما كان الرافعي رحمه اللَّه يسمِّيها، تُعد بمثابة معسكر إيماني ومحضن تربوي، ينتقل الناس فيه من حال إلى حال، ومن خلق إلى خلق. فيالها من مدرسة كُبرى،
وياله من شهر هو زاد العام كله، يَبُث فينا خير زاد، فتظل نفوسُنا وأرواحنا تعمل بتأثيره، إلى أن تفتُر العزيمة، وتضعُف الهمة رويدًا رويدًا، فتهفو النفوس وتتطلع الأرواح إليه من جديد، تدعوه ليجدد الإيمان ويشحذ الهمم، وذلك لأن طبيعة هذا الشهر الكريم من الخير العميم الذي خص به، والأوامر الإلهية والسنن النبوية فيه، تمكن الإنسان من تغيير كثير من العادات السيئة، والسلوكيات الخاطئة، وذلك إذا صحت نيته، وقويت عزيمته، وارتفع إلى مستوى الشهر المبارك. أن من العادات القبيحة، التي يجب أن نتخلص منها في شهر التربية عادة تضييع الأوقات، فالوقت هو الحياة، وكل ورقة تقتطعها من التقويم الذي على حائطك أو مكتبك إنما تقتطع معها جزءًا منك دون أن تدري، وصدق من وصاك: "اغتنم خمسًا قبل خمس" [رواه الحاكم في مستدركه، (7957)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، (3355)]، فكم أسرف الناس على أنفسهم من قبلنا، وأضاعوا أعظم نعمتين، فصاروا من المغبونين فيهما، كما قال صلى الله عليه وسلم: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس؛ الصحة والفراغ" [رواه البخاري، (6412)].
وياله من شهر هو زاد العام كله، يَبُث فينا خير زاد، فتظل نفوسُنا وأرواحنا تعمل بتأثيره، إلى أن تفتُر العزيمة، وتضعُف الهمة رويدًا رويدًا، فتهفو النفوس وتتطلع الأرواح إليه من جديد، تدعوه ليجدد الإيمان ويشحذ الهمم، وذلك لأن طبيعة هذا الشهر الكريم من الخير العميم الذي خص به، والأوامر الإلهية والسنن النبوية فيه، تمكن الإنسان من تغيير كثير من العادات السيئة، والسلوكيات الخاطئة، وذلك إذا صحت نيته، وقويت عزيمته، وارتفع إلى مستوى الشهر المبارك. أن من العادات القبيحة، التي يجب أن نتخلص منها في شهر التربية عادة تضييع الأوقات، فالوقت هو الحياة، وكل ورقة تقتطعها من التقويم الذي على حائطك أو مكتبك إنما تقتطع معها جزءًا منك دون أن تدري، وصدق من وصاك: "اغتنم خمسًا قبل خمس" [رواه الحاكم في مستدركه، (7957)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، (3355)]، فكم أسرف الناس على أنفسهم من قبلنا، وأضاعوا أعظم نعمتين، فصاروا من المغبونين فيهما، كما قال صلى الله عليه وسلم: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس؛ الصحة والفراغ" [رواه البخاري، (6412)].
وإذا كان الناس قد درجوا على قضاء الأوقات في الغفلة واللهو والهزل، فإن رمضان شهر التربية والتغيير، الوقت فيه نفيس ومحدود، فلا مجال فيه لما يصنعه كثير من الناس من قضاء الأوقات الطوال أمام التليفزيون، يقولون: "نقطع الفراغ"، ولا شك أنه فراغ أرواحهم لا أوقاتهم، إذ الواجبات في غير رمضان أكثر من الأوقات، فكيف برمضان؟
ولا مجال في رمضان لمجالس اللهو التي يحتشد فيها الناس احتشادًا، وتقام من أجلها السرادقات ليسمعوا ما حرم اللَّـه، ولينظروا إلى ما حرم اللَّـه، وليتكلموا بما حرم اللَّـه، وكل ذلك بمناسبة رمضان، ثم لا تجد قيامًا ولا قراءة للقرآن الكريم، ولا ذكرًا ولا دعاء، ثم يتبجحون بعد ذلك ويقولون كل عام: هل يصح الصوم بلا صلاة؟!
صدق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين قال في أمثال هؤلاء: "رُبَّ صائم حظه من صيامه الجوع، ورب قائم حظه من قيامه السهر" [رواه الحاكم في المستدرك، (1521)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، (1083)].
ويستطرد د. منير جمعة أن من العادات القبيحة، التي يجب أن نتخلص منها في شهر رمضان أيضًا كثرة النوم، وهي عادة مرذولة، وصفة ذميمة، اعتادها كثير ممن لا يقدرون معنى الحياة، وتجدهم يرددون كالببغاوات، لابد للجسد أن يستريح! وهل قال أحد بغير ذلك، ولكن الراحة لا تعني أن نضيع نصف الوقت أو أقل قليلًا في نوم لا حاجة للجسد إليه.
ويضيف د. منير جمعة أن من العادات القبيحة التي يجب أن نتخلص منها في شهر رمضان كذلك الشبع والتخمة، صدق العلي الكبير حين قال: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 184]، فما ملأ ابن آدم وعاء شرًّا من بطنه، ولهذا علمنا الحكيم الخبير: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31].
وقد قال الإمام الغزالي: "الصوم زكاة النفس، ورياضة الجسم، وداع للبر، فهو للإنسان وقاية، وللجماعة صيانة، في جوع الجسم صفاء القلب وإيقاد القريحة، وإنقاذ البصيرة؛ لأن الشبع يورث البلادة، ويعمي القلب، ويُكثر البخار في الدماغ فيتبلد الذهن، والصبي إذا ما كثر أكله، بطل حفظه، وفسد ذهنه، أحيوا قلوبكم بقلة الضحك وقلة الشبع، وطهروها بالجوع حتى تصفو وترق"، وقال لقمان الحكيم: "يا بني، إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة، وخرست الحكمة، وقعدت الأعضاء"، أي: عن العبادة
فما أعجب أن يتحول شهر الصيام إلى شهر الطعام! وأن نحتشد للصوم بكميات إضافية من المواد الغذائية، وأن ننتقم من النهار بالغرق في ملذات الطعام والشراب، إذا أردت من الآن أن تعرف: هل صمت حقًّا؟ فعليك أن تزن نفسك، لتعرف وزنك ليلة رمضان الأولى، ثم انظر في ليلة العيد هل زاد وزنك أو نقص؟ فهذا معيار لا يخطئ.
أن رمضان فرصة لمن تمكنت من نفسه عادة التدخين المحرمة، أو المكيفات المستنكرة، فإن كان صادقًا مع اللَّه، فعليه أن يقطع على نفسه بأن يبدأ في الإقلاع عنها من أول يوم في رمضان، فإن الصوم فرصة أي فرصة! فإذا أضاعها فليعلم أن ذلك علامة الخور في العزيمة، والضعف في الإرادة والهمة، فهيهات هيهات أن يجد مثل هذا الجو الروحاني العظيم لو تركه يفلت منه!
: إن اللَّه سبحانه وتعالى جعل لبعض الأزمنة حُرمة، كما جعل لبعض الأماكن حرمة، فكما أن حرمة المكان الذي حرمه الله لا ينبغي أن تُنتهك، فكذلك حرمة الزمان، ولرمضان حرمة، ولأيامه منزلة، وللياليه قدسية، ومن أخلَّ بتلك الحرمة في الزمان المحرم كرمضان، كان كمن أخل بها في المكان المحرم، كالمسجد الحرام: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32].
إن رمضان ضيف عزيز يحل بنا أيامًا قليلة ثم يرحل، ولا ندري هل نلقاه ثانية أو لا، فلنعتبره الفرصة الأخيرة، ولنحاول أن نخرج صيامنا فيه من إلف العادة إلى لذة الإحساس بالعبادة، فإذا كان همنا فيما مضى إبراء الذمة وقضاء المهمة "بالصوم" فليكن همنا هذا العام تحقيق معنى الصوم "إيمانًا واحتسابًا"، وإذا كانت العادة أن تختم القرآن مرة واحدة في رمضان، فليكن عامنا هذا مختلفًا، إذ فيم سيُمضي الصائم وقته؟
قبسات من أنوار وأقلام العلماء والكتاب قبسات أون لاين حيث الإعلام الهادف قبسات أون لاين
6:30 م
مقالات الدكتور منير جمعة
.