--------------------------------------------------------------------

المشاركات الشائعة

زوار المدونة

أحدث التعليقات

المتابعون

إحصائية المدونة

تعلقات القراء

إقرأ أيضا

كي نخلص منهم

ميدان التحرير 
 قصة الاسلام /قبسات أون لاين
مشاعر في ميادين التحرير متأججة. لقد خُدع الثائرون؛ لأنهم ظنوا أن ثورتهم ستنتج نظامًا سياسيًّا يعبر عن مطالبهم وطموحاتهم. ولكن ما حدث هو العكس؛ فثورتهم تحتاج لثورة جديدة. ولكن هذه الثورة الجديدة لا ينبغي أن تكون بآليات الثورة الأولى. هذه المرة نحن بحاجة لانتخابات تأخذ أهداف الثورة وتصوغها في صورة تشريعات تجعلنا ننتقل من رفض القائم، وإنما بناء البديل.

كيف نخلص من وضع مرتبك، وشرطة على أدائها عشرات علامات الاستفهام، وحكومة فشلت في أن تترك لنا شيئًا نذكره بخير في حقها، ومجلس عسكري تحول تفكيره إستراتيجيًّا من كيان حارس للثورة إلى طرف يريد أن يقرر المستقبل؟!

مع الأسف لا يوجد عندي بديل إلا أن نجتهد رغمًا عن كل التعقيدات في أن نمرر الانتخابات بأقل قدر ممكن من الخسائر. مجلس عسكري ومعه مجلس وزاري يديران مشهدًا أعقد من قدرتهما، وإرهاق غير منطقي للمجتمع والدولة، والأغرب أنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا.

لا بد من بناء المؤسسة التشريعية من خلال انتخابات تحدث في موعدها. وليلاحظ كل من خطط لتأجيلها، أن التأجيل جاء وبالاً على الجميع، وكل يوم -بل كل ساعة- تستمر فيها مصر بلا مجلس تشريعي وحكومة منتخبة، سيستمر النزيف من شرفاء في السجون العسكرية، ونبلاء يصابون برصاصات موجهة في العين، وشهداء أحياء عند ربهم يرزقون.
 ولي هنا رسالتان أساسيتان:
الأولى: إلى المجلسين العسكري والوزاري، الرصيد بدأ ينفد بالفعل على أقل تقدير. وجهودكم في تفكيك الدولة المصرية وتحلل المجتمع المصري، بعجزكم أحيانًا وبتخبطكم أحيانًا وبوعودكم التي لم تفوا بها أحيانًا، قد آتت من الثمار ما يجعل أعداء الوطن يتوجهون لكم بالشكر على تعاونكم معهم ضد الوطن، وهذا لا ينفي أنكم تظنون أنكم تحسنون صنعًا، فهذا هو المعتاد؛ فأنا لا أعتقد أن القذافي كان يعتبر نفسه يضر بليبيا. هذا هو "شيطان السلطة" كما كان يقول به أشوكا، الإمبراطور الهندي الشهير.
إذن لا مخرج لكم ولنا منكم إلا بالانتخابات التي أعلم بحكم المعلومات أنكم حريصون عليها، ولكن بحكم السلوك وكأنكم تعملون ضدها، بل ضد الصالح العام. من المسئول عن الاثنين وعشرين قتيلاً الذين ماتوا؟ ومن المسئول عن مليارات الدولارات التي ضاعت؟ ومن المسئول عن روح الثورة التي اختفت؟ هي مسئولية مشتركة بين كثيرين، ولكن على رأسهم المجلسان، وهو ما سيذكره التاريخ بأن تولي الأمر بعض رجال لم يرتقوا إلى مستوى التحدي. وآخر اختبار لكم هو أن تمر الانتخابات بأقل قدر من الخسائر، وأن تسلموا السلطة لمن هو أقدر على إدارتها.
الثانية: إلى شباب ميادين التحرير، وكما رأيت حماسهم بنفسي، فهم معبئون بمشاعر كثيرة مختلطة منها خيبة الأمل ممن وثقوا فيهم، والإحباط مما حدث، والحزن على من مات، والخوف على المستقبل، والتشكك في من يحكم. وكما قال أحدهم بحزن: "لو إسرائيل كانت بتضربنا، ما كنتش هتعمل كده فينا؟". إذن نحن متفقون على أننا لا نريد لهؤلاء أن يحكمونا، بل نريد أن يحاكم كلٌّ على ما فعل وعلى ما كان ينبغي عليه فعله، وهي محاكمة أخلاقية في المقام الأول.
ولكن قبل أن نحاكمهم ونتحاكم بشأنهم، فعلينا أولاً أن نخلص منهم. أرجو من كل قلبي أن يتم فض الاعتصام، مع علمي بأن الجرح غائر، وإن كان لا بُدَّ ألا يتم فض الاعتصام، فلا ينبغي أن نغلب مصلحة اللحظة على مصلحة المستقبل، والقضية الجزئية الملحة بكل ما تحمله من عدالة، على القضية الكلية العامة المصيرية والتي لا تقل عدالة. أيًّا ما كان قرار المعتصمين، فأرجوكم فكروا فيما وراء اللحظة الملحة والضاغطة. إلغاء أو تأجيل الانتخابات سيعني استمرار هذه الوجوه في مناصبها، وهو ضرر وضرار للبلاد والعباد.

10:58 ص | تحت قسم | إقرأ المزيد

إحراق مصر

إحراق مصرإنهم يحرقون مصر من أجل ألا يصل الإسلاميون إلى سدة الحكم فيها..
هذه خلاصة المشهد وقراءته الأولية دون الدخول كثيرًا في التفاصيل؛ فما يحصل في مصر قد بات مفهومًا لكثير من عقلاء مصر، إذ لا شيء يبدو مبررًا في كل ما يحصل.
السلطات المصرية الموالية للغرب حشرت كل شعب مصر الكبير في شارع واحد، وحاولت أن توحي بأنها غير قادرة على فرض الأمن في الشارع، وأرادت أن توصل تلك الرسالة بأن سلطة عاجزة عن بسط هيمنتها على عشرات أو حتى مئات الأمتار ليس بوسعها أن تضمن نزاهة أو تؤمِّن انتخابات في طول البلاد وعرضها.. هكذا أرادت أن تقول برغم كل تأكيداتها، بل وقسم مسئوليها على أنها ستُجرِي الانتخابات في موعدها المقدَّر منذ شهور.
كان من الممكن تفهم أي اضطرابات في مصر تعرقل المسار الديمقراطي في مصر، وقد حاول كثيرون إشعال النار في طريق الحرية، لكن هذه المرة لا يمكن أن يفسر هذا المسار التدميري؛ لأنه لا يمكن تفهم إحجام جميع القوى العسكرية والأمنية عن وقف هذا العنف، ووضع سياج حول مبنى وزارة الداخلية، وهو ما حصل بالفعل حول السفارة الصهيونية ومبنى وزارة الدفاع المصرية ومبنى ماسبيرو من قبل، وليس غائبًا بالطبع عن أذهان النظام العسكري والأمني في مصر، وهو ما بدأت في تنفيذه قوات من الجيش في اليوم الخامس من الاضطرابات!
لقد عمدت مجموعات شبابية مشبوهة إلى تأجيج الموقف في أعقاب مليونية رفض وثيقة السلمي المعيبة وطلب تسليم السلطة للمدنيين وفق جدول زمني معروف، وتناغمت معها بعض القوى من داخل النظام نفسه تعاملت بشكل متعمد لتمديد فترة الاضطرابات، وتراخت بشكل واضح في فرض الأمن في محيط وزارة الداخلية بما ضاعف من عدد الضحايا من القتلى والجرحى، وألقى بظلال داكنة على مستقبل مصر الجديدة.
وبالتوازي مع هذه الاضطرابات، عملت وسائل الإعلام الرسمية وغيرها على تأجيج المشكلة أكثر ومفاقمتها في مسعى من بعضها لوضع العربة أمام حصان الانتخابات، وكبح جماح الإسلاميين ووأد مشروعهم الحضاري، وكان لافتًا أن أكثر وسائل الإعلام نسبة لما يُسمى بـ"الفلول" هي الأكثر حماسة لتأجيج مشاعر الجماهير ضد ممارسات الشرطة العنيفة.
وكان من المفترض أن يكون للإسلاميين موقفهم الموحَّد سواء بالمشاركة في المليونية مجهولة الهدف التي أعلن عنها أصحابها، أم بعدم المشاركة، لكن مواقف الإسلاميين المتباينة أضعفت من تأثيرهم في الأحداث، فاتخذوا أسوأ السيناريوهات وهو مشاركة البعض وإحجام البعض الآخر، ما نجم عنه في النهاية حالة متأرجحة لا يبدو الإسلاميون فيها رقمًا فاعلاً، رغم كثرتهم وغالبيتهم الواضحة.
وبدا أن التسويق لفكرة سيطرة علمانيين وليبراليين على مقاليد السلطة بعناوين مختلفة يلقى صدى في دوائر صنع القرار، كبديل مقنّع لبناء المؤسسات الرسمية وفقًا لاختيار الشعب المصري، وغدت مصر سائرة إلى مجهول وضعها الغرب على سكته الموحشة؛ إما للوصول إلى نهاية معروفة أو لإحداث فوضى "خلاقة" تحول مؤقتًا دون وصول الإسلاميين لسدة الحكم، وإن لم تحل المشكلة بشكل جذري.

10:53 ص | تحت قسم | إقرأ المزيد

توحيد الألوهية

12:41 م | تحت قسم | إقرأ المزيد

لماذا محمد

10:52 ص | تحت قسم | إقرأ المزيد

0017عدل الإسلام

10:27 ص | تحت قسم | إقرأ المزيد

تلميح برفع التعليق ودمشق تدعو لقمة طارئة

قصة الإسلام -
نبيل العربي لم يستبعد توجه لمجلس الأمن الدولي قال وزير الخارجية الجزائري مراد مدلسي إن الجامعة العربية يمكن أن ترفع تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية قبل السادس عشر من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، فيما لم يستبعد الأمين العام للجامعة نبيل العربي التوجه لمجلس الأمن الدولي من أجل حماية المدنيين بسوريا، في حين دعت دمشق اليوم الأحد إلى عقد قمة عربية طارئة لمعالجة الأزمة السورية.
وأوضح مدلسي في مؤتمر صحفي عقده مع نظيره المصري محمد كامل عمرو بالجزائر أن تعليق عضوية سوريا مؤقت ويمكن رفعه في أقرب وقت ممكن، ولم يستبعد أن يتم ذلك قبل السادس عشر من الشهر الجاري موعد اجتماع وزراء الخارجية العرب على هامش المنتدى العربي التركي بالرباط.
وأشار الوزير الجزائري إلى ضرورة أن تتجاوب الحكومة السورية بالعمل على وقف العنف بسرعة، وذلك بغية التوصل لحل سوري-عربي للأزمة. وكشف في هذا السياق أن الجزائر رفضت المسودة الأولى للقرار العربي وضغطت إلى جانب مصر من أجل تعديلها بما لا يفتح المجال أمام التدخل الأجنبي بسوريا. 
من جانبه قال وزير الخارجية المصري إن مبادرة الجامعة العربية لا تزال حية وتشكل أساس الحل في سوريا، مشيرا إلى أن هدف مصر والجزائر هو تجنب التدخل الأجنبي في سوريا تحت "أي مسمى وتحت أي غطاء".
من جانبه، وفي إشارة لتطور محتمل باتجاه تدويل الأزمة في سوريا، قال الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي إنه "لا عيب في التوجه إلى مجلس الأمن، لأنه المنظمة الوحيدة القادرة على فرض هذه الإجراءات" لحماية المدنيين. 
وأوضح العربي في زيارته لطرابلس اليوم أن الجامعة العربية تعمل على استحداث آلية لتوفير الحماية للشعب السوري، مذكرا بالقرار الذي اتخذته الجامعة لحماية المدنيين في ليبيا واعتبر ذلك الموقف "أمرا طبيعيا".
ورحب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بالرغبة التي أبدتها الجامعة العربية لتقديم حماية للمدنيين، مبديا استعداده لتقديم الدعم المناسب "في حال طلب منه ذلك".
سوريا تدعو لقمة عربية طارئة في المقابل دعت سوريا اليوم إلى عقد قمة عربية طارئة و"بصورة عاجلة" لمعالجة الأزمة السورية، نظرا لأن تداعياتها يمكن أن "تمس الأمن القومي وتلحق ضررا فادحا بالعمل العربي المشترك".
ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) عن مصدر مسؤول لم تسمه قوله إن دمشق لا تزال ترى في خطة العمل العربية إطارا مناسبا لمعالجة الأزمة بعيدا عن أي تدخل خارجي.
وأعلنت دمشق ترحيبها بقدوم اللجنة الوزارية العربية إلى سوريا قبل السادس عشر من الشهر الجاري، واصطحاب من تراه ملائما من مراقبين وخبراء مدنيين وعسكريين من دول اللجنة ومن وسائل إعلام عربية للاطلاع المباشر على ما يجري على الأرض والإشراف على تنفيذ المبادرة العربية بالتعاون مع الحكومة والسلطات السورية المعنية.
الاعتر اف بالمجلس الوطني السوري من جانب آخر قال الأمين العام للجامعة العربية إن المعارضة السورية بجميع أطيافها ستجتمع بعد غد الثلاثاء وستعرض النتائج التي ستتوصل إليها على المجلس الوزاري للجامعة، غير أنه فضل عدم التحدث كثيرا عن اعتراف الجامعة بالمجلس الوطني السوري معتبرا ذلك الأمر سابقا لأوانه.
وفي سياق متصل عقد نحو 80 معارضا سوريا أمس الأحد اجتماعا في فيينا برعاية اتحاد السوريين المقيمين في الخارج، وبحضور أعضاء من المجلس الوطني السوري الذي يضم معظم تيارات المعارضة.
وقال المتحدث باسم الاتحاد عامر الخطيب إنه مع تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية السبت، تحقق أحد مطالب الاتحاد. ودعا المشاركون في اللقاء قادة العالم العربي للوقوف إلى جانب الشعب السوري، مشددين على دعمهم للمجلس الوطني السوري الذي عدوه "الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري".
وحدد الاتحاد هدفه في "إسقاط النظام السوري وإقامة ديمقراطية حزبية تعددية"، وطالب بعدم اللجوء إلى العنف ومعارضة التدخل العسكري في سوريا. 
وضمن ردود الفعل على قرار الجامعة العربية بتعليق عضوية سوريا، دعت تركيا المجموعة الدولية إلى التحرك بـ"صوت واحد" إزاء الوضع في سوريا، وعبرت عن دعمها للقرار العربي.
وصرح متحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بأن القرار يبعث برسالة واضحة إلى الرئيس الأسد ونظامه، مؤكدا على ضرورة "تنحي الرئيس السوري وحدوث تحول سياسي الآن".
ورحبت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بقرار الجامعة العربية الذي عدته زيادة في الضغط على نظام بشار الأسد، وتحدثت ألمانيا عن أنه "إشارة هامة إلى هؤلاء الشركاء في مجلس الأمن الذين يعارضون صدور قرار بالإجماع"، في تلميح إلى دول كروسيا والصين.
من جانبها انتقدت الحكومة العراقية القرار بشدة، معتبرة أنه "أمر غير مقبول" وأكدت أنه لم يتخذ قرار إزاء دول لديها أزمات أكبر من الأزمة السورية.

10:12 ص | تحت قسم | إقرأ المزيد

وثيقة السلمي .. ووعد بلفور !!

وثيقة السلميوعد بلفور المشئوم الذي بموجبه أعطى "من لا يملك من لا يستحق"، أعطت الملكة والحكومة البريطانية وعدًا بإنشاء وطن قومي لليهود والصهيونية العالمية، وذلك في أرض فلسطين العربية المسلمة إلى أعداء السلام في العالم، وكذلك علي السلمي (الليبرالي) أعطى ما لا يملك إلى من لا يستحق، فقد أعطى ما يسمى بـ"النخبة" من (الليبراليين، العلمانيين، اليساريين، الأقلية) حق الأغلبية، وأعطى امتيازات للمجلس العسكري لم تكن له في عصر ثورته سنة 1952م أيام عبد الناصر..
ومنها اختيار لجنة إعداد الدستور في حالة فشل مجلس الشعب في اختيار تلك اللجنة في مدة ستة أشهر، وأن له نسبة في اختيار أعضاء هذه اللجنة، وكذلك حق مراقبة وضمانة بعض البنود في الدستور، إضافة إلى مدنيَّة الدولة وهي كلمة "مطاطة" الكل يعرفها بطريقته الخاصة، فلها عند ما يُسمَّى بـ"النخبة" تعريف، ولها عند "الإسلاميين" تعريف آخر، ولها عند "العسكر" تعريف مغاير... إلخ.
إن هذا العطاء السامي من السيد السلمي لهو أكثر من عطاء جلالة الملكة؛ ولذلك "وثيقة السلمي" تأتى قهرًا على رقاب العباد الذين ضحوا بدمائهم من أجل ثورتهم، ثم تأتي بسلطة أعلى من سلطة الشعب صاحب الحق المشروع في إنشاء دستوره.
إن وثيقة السلمي وما يسمى بـ"النخبة" ليس لها مثيل في العالم، ولم نسمع بها في دساتير العالم سوى في مصر.. لماذا؟ لأن الشعب يريد إرادته، وما يسمى بالنخبة يريدون فرض وثيقتهم على الجميع، كل ما في الوثيقة باطل، وها هو المستشار طارق البشرى، الفقيه الدستوري يصرح لقناة الجزيرة مباشر مصر فيقول: إن المجلس العسكري لا يملك سلطة إصدار "وثيقة السلمي" في إعلان دستوري لتعارضها مع الاستفتاء، ويشير البشري إلى أن الوثيقة كشفت النوايا التي يخطط لها في الدستور الجديد.
وأضاف البشري، في لقائه مع الجزيرة، أنه إذا تم إقرار الوثيقة فسوف يتم الطعن عليها بسهولة بالمحكمة الإدارية العليا، لافتًا أن وثيقة السلمي غير ملزمة، وعلى اللجنة التي يشكلها البرلمان الجديد أن تتحرر منها.
وأوضح البشري أن المجلس العسكري لا يستطيع تغيير المواد التي استفتى الشعب عليها إلا باستفتاء جديد، لافتًا إلى أنه لا يمكن للدستور أن يقرَّ بوجود مؤسسة فوق الدستور.
ولكن العجب أن من ليس له وجود في الواقع والشارع شارك في الوثيقة ووافق عليها، وأن أصحاب التأثير في الشارع ومن لهم وجود حقيقي قاطعوا تلك الوثيقة؛ لعلمهم بأنها تخالف إرادة الشعب، ومع ذلك تُصاغ ويطالب بها من لا يملك إلا صوته، لكن هيهات أن يوافق عليها من قِبل الشعب!!
إن هذه الوثيقة المشئومة لا تمثل إلا جس نبضٍ للأغلبية لمعرفة ردة الفعل عليها، أو كنوع من العرقلة للعملية الانتخابية، وفي كل الأحوال أنتم تريدون أن يتحرك الشارع ضدكم.
يا عقلاء الأمة، إلى متى التخبط؟ كلما بدأت الأمور في الهدوء، وبدأت العملية الانتخابية من الاقتراب افتعلتم المشاكل التي هي بفعل فاعل، ويقصد منها الرجوع إلى الخلف. وهل للغرب دور في ذلك بتحريك عملاء الداخل؟! إن هناك مؤشرات لهذه الأمور، وإن ما حدث في انتخابات تونس وانتصار ليبيا يؤرق ما يسمى بـ"النخبة"، والشعب لن يسمح لأحد أن يأخذ مكتسباته التي ضحى من أجلها.
إن الشارع لنا ومليونيات الجُمَع لنا، وأنتم تريدون والشعب يريد، وهو صاحب الحق... ولا لـ"وثيقة السلمي" ولا لـ"وعد بلفور" المشئوم الذي ما زلنا نعاني منه منذ ما يقرب من مائة عام.

10:06 ص | تحت قسم | إقرأ المزيد

مهلة للعسكري حتى الأربعاء للتراجع عن وثيقة السلمى

قرر الاجتماع الموسع للقوى السياسية أمس في مقر حزب الحرية والعدالة إمهال المجلس العسكري حتى يوم الأربعاء المقبل لسحب وثيقة الدكتور علي السلمي والتراجع عنها, أو تنظيم مليونية يوم الجمعة 18 نوفمبر القادمة.
د. سعد الكتاتني أثناء القاء بيان القوي السياسيةوجدد أكثر من 15 حزبًا مصريًّا، ومرشحون محتملون لخوض انتخابات الرئاسة، ورموز وطنية وسياسية رفضهم لوثيقة د. علي السلمي.
وقالوا في بيان ألقاه د. محمد سعد الكتاتني، الأمين العام لحزب الحرية والعدالة، في مؤتمر صحفي عقد، عصر أمس، بمقرِّ الحزب: "إنه انطلاقًا من إيمان المشاركين في اجتماع اليوم بأن الشعب الذي استرد حقَّه في الاختيار هو مصدر السلطة وصاحب السيادة، فقد جددوا تمسكهم بهذا الحق، وتصميمهم على حمايته، ومقاومة أية محاولات لتقييده أو فرض الوصاية عليه، وحرصهم على أن يكون الدستور الجديد معبرًّا عن التوافق الوطني، والإرادة الشعبية والمشاركة الحرة، وإلا ستكون المليونية في الجمعة القادمة".
وأكد د. الكتاتني أن معارضة مسودة (إعلان المبادئ الأساسية لدستور الدولة المصرية الحديثة) وفقًا للصيغة التي طُرحت بها، وأثارت جدلاً واسعًا إنما تنطلق من هذا الموقف المبدئي، وتهدف إلى حماية دور الشعب ورفض أية مصادرة لإرادته.
وأشار إلى قبولهم لوثيقة الأزهر ووثيقة التحالف الديمقراطي، فضلاً عن وثيقة مجلس الوزراء الأولى، والتي كانت خالية من المادتين التاسعة والعاشرة اللتين اقتحما في الصيغة الأخيرة، وبدون القسم الأخير الخاص بمعايير تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور؛ حتى تكون هذه الوثائق استرشادية عند وضع الدستور، وميثاق شرف يلتزم به الجميع طواعية واختيارًا لا يفرض على أحد، وإنما يُترك الأمر فيه للإرادة الشعبية.
وأكد د. الكتاتني- في بيانه الذي ألقاه- أهمية أن تكون اللجنة التأسيسية التي سوف تشكل توافقية، وألا تقتصر على مكونات الأغلبية البرلمانية فحسب، وأن تكون معبرة عن كل فئات الشعب وشرائحه.
وشدد على اعتقاد المجتمعين أن منح المجلس الأعلى للقوات المسلحة والمحكمة الدستورية العليا سلطة الاعتراض على عمل الجمعية التأسيسية هو مصادرة لإرادة الشعب.
وأوضح أن القوات المسلحة سوف تظل بكلِّ تاريخها في قلب وعقل كل مصري، وهو ما يجب أن يراعيه الدستور من حيث الخصوصية عند مناقشة الميزانية الخاصة بها، والشئون الني تتصل بالأمن القومي.
وطالب المجلس العسكري بضرورة إعلان جدول زمني لتسليم السلطة إلى حكم مدني منتخب ينتهي بانتخابات الرئاسة في غضون شهر أبريل 2012م، وإنهاء الجدل حول هذا الموضوع، والتوافق على الوثائق الاسترشادية سالفة الذكر، مؤكدًا أنه ستكون هناك اجتماعات لبحث التصعيد وتنظيم المليونيات، وأولها الجمعة القادمة إذا لم يتم سحب الوثيقة.

9:29 ص | تحت قسم | إقرأ المزيد

دراسة إسرائيلية: الثورة المصرية أخرجت السلفية من الغيبوبة

نشر مركز "موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط وإفريقيا" في أكتوبر 2011، في سلسة الدراسات الدورية التي ينشرها، دراسة عن "السلفيين في مصر بعد ثورة 25 يناير" أعدها الباحث "مايكل باراك" ووصفت الدراسة الثورة المصرية بنقطة التحول المحورية في تاريخ التيار السلفي، ورأت الدراسة أن الثورة أخرجت التيار السلفي من غيبوبته السياسية، إلى المشاركة في السياسة.
                                          التقارب بين مبارك والسلفية
وأشارت الدراسة أن السلفيين لم يشاركوا في الثورة ضد حكم مبارك،  ولكنهم اتخذوا موقفا محذرا من "الفتنة" التي قد تعم البلاد بسبب الثورة، ولذا حرصت غالبية القوى السلفية على منع تابعيها من المشاركة في المظاهرات، تحت ذريعة عدم الخروج على ولي الأمر، واستشهد الباحث الإسرائيلي بتصريحات الشيخ السلفي "مصطفي العدوي" الذي بث التلفزيون المصري دعواته للمتظاهرين بضرورة العودة إلى بيوتهم والكف عن التظاهر، وكذلك نزول بعض مشايخ السلفية إلى ميدان التحرير، مثل "أسامة القوصي" الذي حاول إقناع المتظاهرين بفض المظاهرات، ودعوات مشايخ آخرين، مثل محمود المصري لاستخدام القوة من أجل فض المظاهرات.ورأت الدراسة أن السلفيين فضلوا الوقوف إلى جانب مبارك في بداية الثورة، خوفا من تدهور العلاقات معه، مستندين إلى تفاسير دينية بتحريم الخروج على الحاكم، ولكن الدراسة أشارت إلى أن هناك شيئا آخر أثر في توجه تلك الجماعات، ألا وهو علاقتها الجيدة مع نظام مبارك، خاصة في السنوات الخمس الأخيرة ، ورأت أن هناك ثلاثة أسباب رئيسية كانت وراء هذا التقارب.
الأول: رغبة النظام في استخدام التيار السلفي كقوة مؤثرة يمكن استخدامها لمواجهة القاعدة الاجتماعية الكبيرة للإخوان المسلمين، خاصة بعد حصولهم على (88) مقعدا في البرلمان في انتخابات 2005.
الثاني: رغبة نظام مبارك في استغلال السلفية، لوقف تسرب الأفكار المتطرفة للتيارات الجهادية، وعلى رأسها تنظيم القاعدة .
الثالث: إن التيار السلفي في مصر لم يظهر أبدا رغبته في المشاركة في العمل السياسي، لذلك بدا كقوة يمكن للنظام استغلالها
ورأت الدراسة أن السلفيين جنوا ثمار هذه التوافق مع النظام المصري، الذي أتاح لهم حرية التعبير، وهذا ما ظهر عام 2006 عندما سمح لهم النظام بافتتاح عدد من الفضائيات السلفية، وعن طريقها استطاع التيار السلفي التوغل لجميع البيوت المصرية وتوسيع دائرة نفوذه في المجتمع، لكن تلك الفضائيات أدت إلي زيادة شعبية شيوخ السلفية وتحولوا إلى نجوم في المجتمع، وعندما تعاظمت قوتهم قامت السلطات المصرية في عهد مبارك بإغلاق عدد من القنوات السلفية في 2010، إلا أن تلك الخطوة لم تحرك السلفيين ضد مبارك.
 السلفيون بعد مبارك
وبعد تنحية مبارك في فبراير 2011 دخل السلفيون على الساحة السياسية في مصر، وقرر السلفيون ترجمة قوتهم الاجتماعية في الجانب السياسي، وفي الحادي والعشرين من إبريل أعلنت "الدعوة السلفية" عن تأسيس حزبها تحت اسم "حزب النور"، والذي كان بمثابة الإشارة لانطلاق العديد من الأحزاب السلفية في مصر، كحزبي "الفضيلة " و"الأصالة" .
وذكر مايكل أن "الدعوة السلفية" أفتت بأن الانضمام إلى الأحزاب السلفية هو إلزام شرعي، وأن الانضمام للأحزاب العلمانية ممنوع بحكم الشريعة، وذكرت الدراسة أن السلفيين برروا دخولهم العمل السياسي، بالحفاظ على الهوية الإسلامية لمصر.
وأعلنت أطراف سلفية أخرى، تشكيل "مجلس شورى العلماء"، ذلك المجلس الذي يضم عددا من شيوخ السلفية البارزين، وذلك بهدف ممارسة ضغط سياسي على صانعي القرار في مصر، كي لا تلغى المادة الثانية من الدستور، والتي تضمن العمل بالشريعة الإسلامية.
وتناول الباحث خروج القوى الإسلامية إلى ميدان التحرير في التاسع والعشرين من يوليو الماضي، حيث خرج عشرات الآلاف من السلفيين والأخوان فيما عرف بـ"جمعة الحفاظ على الشريعة"، مرددين شعارات دينية مثل "الشعب يريد تطبيق الشريعة" و"القرآن دستورنا".
وبحسب الدراسة، فإن المعضلة الأساسية التي يواجهها السلفيون في مصر، هي نقص الخطة السياسية المنظمة أو الرؤية السياسية الواضحة، مرجعة هذا الأمر إلى فشل السلفيين في الانخراط في الحياة السياسية خلال العقود الأخيرة، ولكن في أعقاب التغيير المفاجئ على الساحة المصرية والخواء السياسي الذي بات موجودا، فقد وجدوا أنفسهم مضطرين إلى تقديم أجندتهم الإسلامية من دون أن يكونوا مستعدين أو لديهم أي تجارب سياسية، لكن الدراسة رأت أن السلفيين سيدخلون في تحالفات مع قوى أخرى مثل الإخوان لتعزيز أهدافهم الإسلامية

1:12 م | تحت قسم | إقرأ المزيد

التدافع السلفي الصوفي للتعبير عن الإسلام


يضم كتاب "زمن الصراع على الإسلام: التدافع الكوني على أنماط التدين الإسلامي بين الشرق والغرب" الصادر2011 للباحث المغربي منتصر حمادة، الذي يعمل رئيس تحرير جريدة منبر الرابطة التي تتبع الرابطة المحمدية للعلماء، مجموعة من القراءات النقدية يستطلع من خلالها الكاتب بعضا من المؤلفات والإنتاجات الفكرية، التي تتمحور خطوطها العريضة حول خلفيات قضية "الصراع على الإسلام"، في المرحلة الزمنية التي تلت صدمة الاعتداءات على برجي نيويورك عام 2001.
ويستعرض الكتاب، الصادر عن دار "صفحات دمشق"، ملامح ما سماه "الاشتباك المعرفي" بين عدد من المفكرين العرب والمسلمين، ونظرائهم الأمريكيين والغربيين، حول الصراع على النطق باسم الإسلام، الأمر الذي وضع تحديات معرفية وفلسفية وفقهية على العقل الإسلامي المعاصر.
وتتوزع مشاغل كتاب حمادة على تمهيد وأربعة فصول، الأول خُصص لبحث استطلاعي حول الكتاب المعروف " الإسلام بين الشرق والغرب" للمفكر والسياسي البوسني الراحل علي عزت بيغوفيتش، والثاني جاء موسوما بعنوان " أسئلة الصراع على الإسلام: أي إسلام نريد نموذجا"، بينما تطرق الفصل الثالث ـ الذي يهتم به هذا العرض أكثر ـ إلى التدافع السلفي الصوفي كنموذج لاستحقاقات الصراع على الإسلام، أما الفصل الرابع والأخير، فقد عرج على معارك "الاشتباك الفكري" بين المثقفين الأمريكيين والعرب.
الإسلام بين الشرق والغرب
بسط  الكتاب في فصله الأول ما وصفه بالتحفة المعرفية " الإسلام بين الشرق والغرب" لعلي عزت بيغوفيتش، مبديا إعجابه الشديد بما قال إنها "فتوحات أنوارية" للإسلام الأوروبي، حيث استطاع بيغوفيتش في مؤلفه الشهير أن يجيب بطريقته المعرفية السلسة عن تساؤلات مفصلية ومحورية، من قبيل موقف الإسلام من التصادم الفكري والإيديولوجي الذي يتسم به العالم المعاصر، وذلك من خلال إيراده لتأملات معرفية وسياسية يحتاجها المسلمون اليوم، رغم أن الكتاب خطه الراحل سنة 1994، أي قبل منعطف أحداث سبتمبر 2001.
وتساءل حمادة، وهو يستطلع كتاب بيغوفيتش، عن الدوافع التي تجعل من فكر بيغوفيتش يحتل أهمية ذات اعتبار خلال السنوات الأخيرة، وأيضا عن الأسباب التي تمنح للكتاب ذاته إمكانية هز العقل الإنساني المعاصر هزة معرفية قوية.
فبيغوفيتش يتحدث متناولا قضية مكانة الإسلام وموقفه من الصدام الإيديولوجي الراهن، عن تشكل العالم المعاصر من ثلاثة وجهات نظر أساسية، وهي النظرة الدينية، والنظرة المادية والنظرة الإسلامية، والتي تعكس كلها ثلاث إمكانيات مبدئية، هي: الضمير، والطبيعة، والإنسان؛ وتتمثل كل منها على التوالي في المسيحية والمادية والإسلام.
وبالنسبة للمفكر البوسني، فإن الأولى تبتدئ من وجود الروح، والثانية من وجود المادة، والثالثة في الوجود المتزامن للروح والمادة معا، حيث إنه لو كانت المادة وحدها هي الموجودة، فإن الفلسفة التي تترتب على ذلك هي الفلسفة المادية، وعلى عكس ذلك إذا وجدت الروح، فالإنسان بالتالي يكون موجودا أيضا، وحياة الإنسان تصبح بلا معنى بغير نوع من الدين والأخلاق. والإسلام هو الاسم الذي يطلق على الوحدة بين الروح والمادة، وهو الصيغة الأسمى للإنسان نفسه.
استحقاقات الصراع على الإسلام
الفصل الثالث الذي يتناول "التدافع السلفي الصوفي" كنموذج في مسألة استحقاقات الصراع على الإسلام، وذلك من خلال الطواف المعرفي في ثنايا كتاب "الإسلام والأصولية وخيانة الموروث الإسلامي" وهو عبارة عن أبحاث كتبها باحثون مسلمون غربيون، بعضهم من معتنقي الإسلام، والبعض الآخر مسلمون مقيمون في الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا.
ويُدرج حمادة هذا الكتاب في خانة ما وصفه بالاشتباك المعرفي فقهيا وفكريا مع أدبيات الحركة الإسلامية الجهادية، بل جاء الكتاب منتقدا أيضا لعمل وأداء الحركات الإسلامية المعتدلة، ذات التوجه الإصلاحي، ليخلص مؤلفوه إلى أن البديل ليس سوى أحد أمرين: الإسلام التقليدي أو التصوف دون غيره.
ولفت حمادة الانتباه إلى ما جاء في دراسة داخل الكتاب ذاته، موسومة بعنوان: "أفول المعرفة وظهور الأيديولوجية في العالم الإسلامي"، للباحث الأمريكي المسلم جوزيف أ. ب. لمبارد، والذي يشغل منصب أستاذ في الدراسات الإسلامية بالجامعة الأميركية بالقاهرة، حيث انتقد بشكل واضح الحركات الإسلامية الجهادية المتشددة، بسبب تبنيهم للتأويل القرآني الضيق وغير الحقيقي لمعاني الآيات كما هو متفق عليها.
وزاد المفكر الأمريكي بأن الحركات الإسلامية ذات التوجه المتشدد اختزلت الدين في كل ما هو إيديولوجي، الأمر الذي يفضي إلى قلب مهام ووظائف الدين، إذ لن يتمثل في تنقية القلب وتصفيته من الشوائب، بقدر ما ستتحول إلى اللهث وراء تحقيق المكاسب الفردية، والمغانم السياسية ذات الأثر المحدود والزائل.
وبعد أن حاول لمبارد "شيطنة" التيار الوهابي في السعودية وباكستان بسبب ما اعتبره تشبثا حرفيا صارما بالقرآن والسنة دون إعمال للعقل والفكر، انتقل إلى انتقاد الحركات الإسلامية المعتدلة التي لم تسلم بدورها من سهام نقده، باعتبار أن الإصلاحيين يهملون تنمية العلوم الإنسانية الذهنية التي تتيح استعمال ملكات تفسيرية تجعلهم أكثر شمولية في نظرتهم للعلم الحديث، ويكتفون فقط بالعمل بالعلوم النقلية وحدها.
الانتصار للإسلام التقليدي
وبحسب منتصر، فإن المفكرين الذين شاركوا في كتاب "الإسلام والأصولية وخيانة الموروث الإسلامي"، انتصروا لخيار "الإسلام التقليدي"، ففي الوقت الذي بدأ فيه الغرب نفسه يسأل أسئلة حول إرثه الحداثي، من علمانية، وعقلانية، وإنسانية، وغيرها، وبدأ البحث عن الروحانية الحقيقية يزداد بسرعة في الغرب، يستطيع التراث الفكري والروحي الإسلامي أن يقدم أجوبة حاسمة وبعيدة الأثر، فلا الحركات الدينية المتزمتة التي تحصر الحقيقة في نظرة حرفية ضيقة، ولا الحداثة الليبرالية التي تعتبر الحقيقة نسبية تستطيعان القيام بهذه المهمة".
وبالنسبة لكبير مستشاري رئيس وزراء تركيا، إبراهيم كالين، فإن المماثلة بين الإسلام والعنف والقتال من جهة، وبين عدم التسامح والاستبداد من جهة أخرى، أصبحت اليوم من بين الصور القوية التي يتم بواسطتها فهم المجتمعات الإسلامية، والحكم عليها من طرف العالم الغربي.
أما الباحث وليد الأنصاري، في كتاب "الإسلام والأصولية" فقد خصص اجتهاداته في الكتاب لتحليل أسباب وتداعيات الحرب العالمية القائمة بين الولايات المتحدة الأمريكية، والحركات الإسلامية الجهادية، ومن ضمنها الأسباب الخارجية التي تغذي الأرضية التي تقتات عليها هذه الحركات في تبني الخيار الجهادي، وتساهم بالتالي في إطالة أمد هذه الحرب.
ومن تلك العوامل الخارجية، ما أورده باحثون آخرون أبرزوا أن القضية الفلسطينية وحرب العراق قد زادتا من إحساس مسلمي أوروبا بالظلم العالمي، من خلال الاستشهاد بنتائج استطلاع ميداني تأكد فيه أن ما يقارب ثلث الشباب المسلم يوافقون على الرأي القائل بأن التفجيرات وقعت في لندن ، لها ما يبررها بسبب الدعم البريطاني للحرب على الإرهاب.
وبحسب كتاب منتصر حمادة، فإن تزايد عدد الأصوات التي تدعو إلى الانتصار لنموذج الإسلام التقليدي أو الإسلام الصوفي، يتزامن مع مبادرات غربية، وأمريكية على الخصوص، حيث تقوم على الاستعانة بالطرق الصوفية، في مواجهة التيارات السلفية الوهابية.
وُطرح سؤالان رئيسيان في هذا الصدد، الأول: هو إلى أي حد يمكن الرهان على توظيف الطرق والزوايا في الدول العربية والإسلامية في معرض التصدي للفكر الأصولي الوهابي، والثاني: حول طبيعة الأدبيات الصوفية التي يعول عليها التصدي الفقهي لما يصدر عن الحركات الإسلامية القطرية، والتي تتنافس ضد السلطة تأسيسا على أدبيات فقهية؟ ..
وخلص حمادة إلى أن كتاب "الإسلام والأصولية وخيانة الموروث الإسلامي"، نجح في تمرير أوراق نقدية صريحة في نقد أوهام الحركات الإسلامية المتشددة، دون تبني القراءات النقدية الاختزالية، وإنما عبر اللجوء إلى مطرقة "النموذج التفسيري المُركّب، بتعبير المفكر الراحل عبد الوهاب المسيري، في خروج عن النمط التفسيري الاختزالي الذي يُمَيِّز العديد من القراءات النقدية لظاهرة الحركات الإسلامية عموما، والجهادية تحديدا".

1:06 م | تحت قسم | إقرأ المزيد

حرب الفتاوى بين الصوفية والسلفية قرب الانتخابات المصرية

على الرغم من الهدوء الذي ساد الحياة السياسية في مصر بين الصوفيين والسلفيين لفترة عقب مؤتمر التصوف العالمي الذي عقد في 24 سبتمبر 2011، وأعلن فيه الصوفية أنهم ليسوا على خلاف مع السلفيين وقام بعض رموز السلفية في مصر بحضور المؤتمر من بينهم د. محمد مختار المهدي، رئيس الجمعية الشرعية لتعاون العاملين للكتاب والسنة، إلا أن تلك الهدنة انتهت لتظهر خلافات أخرى بين الصوفية والسلفية تتمثل في إطلاق الفتاوى بالتحريم لانتخاب الليبراليين الذين يتضامن معهم الصوفية في حزب التحرير الصوفي، وبالخيانة لمن ينتخب أحدا من السلفيين في الانتخابات القادمة.
فتوى عامر
الفتوى التي أشعلت الصراع من جديد أطلقها الشيخ محمود عامر، القيادي السلفي، ورئيس جمعية «أنصار السنة المحمدية» بدمنهور، عندما أكد حرمة التصويت في الانتخابات للمرشح المسلم الذي لا يصلى، والقبطي والعلماني والليبرالي الذي لم يتضمن برنامجهم تطبيق الشريعة الإسلامية، وفلول الوطني، وذلك رغم تحالف الصوفية في حزب التحرير مع من يسمونهم السلفيين بالليبرالي.
وعامر من المحسوبين على ما يسمى بالسلفية المدخلية التي ترى أن الحاكم هو ولي الأمر الواجب طاعته، وكان عامر قد أفتى بالتوريث لجمال مبارك ابن الرئيس المخلوع، وكان أصدر عددا من الفتاوى مؤيدة للمخلوع مبارك حتى إنه أهد دم الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، والدكتور محمد البرادعي في فتوى لأنهم يعارضون نظام حكم مبارك،
وعلى الرغم من إعلان حزب التحرير المصري الذي يمثل الصوفيون منه 50% أعلن تضامنه مع أحزاب ليبرالية وعلمانية من بينها حزب مصر الفتاة، وحزب الخضر المصري، وحزب الجيل الديمقراطي، باعتبارها شريك في الوطن يجب التعاون معها إلا أن عامر قال :" إن التصويت لهؤلاء حرام شرعاً، ومن يفعل ذلك فقد ارتكب إثما كبيرا وتجب عليه الكفارة»، وطالب الناخبين بالتصويت لمرشحي القائمة الإسلامية، أو أي مرشح دائم التردد على المساجد.
كما أن عامر حرم التصويت للأحزاب التي ينشئها أقباط والتي منها حزب المصريين الأحرار الذي أنشأه رجل الأعمال القبطي المصري نجيب ساويرس وانضم إلى أمانته السياسية شيخ الطريقة الرفاعية طارق الرفاعي وهي أكبر طريقة صوفية في مصر تضم ما يزيد عن ثلاثة ملايين صوفي. .وقال عامر :" «في كل الأحوال حرام شرعاً التصويت للقبطي أو الليبرالي على المقاعد الفردية، أما إذا ترشح في قائمة بها مسلمون وأعلن أنه يؤيد تطبيق الشريعة ويضعها في برنامجه فلا ذنب يقع على من صوت له»، وأضاف أن التصويت للعلمانيين حرام شرعاً سواء مع الشريعة الإسلامية أو ضدها، لأن العلمانية حرام.
                                       عامر ليس وحده

لم يكن عامر وحده هو صاحب تبني فكرة تحريم التصويت للأحزاب العلمانية والليبرالية حيث أفتى الشيخ أحمد فريد، عضو مجلس إدارة الدعوة السلفية في الإسكندرية أن الإسلام لا يعرف المسلم العلماني أو المسلم الليبرالي، «فهذه المبادئ تخالف دين الله، ولا يجوز أن نقول هذا مسلم علماني أو مسلم ليبرالي، فلا تخدع نفسك، إما أن تكون مسلماً، أو تكون علمانياً، أو ليبرالياً.. فالإسلام لا يعرف الليبرالية أو الحرية المطلقة بما فيها من حريات اقتصادية وسياسية واجتماعية وجنسية."
وكان أول رد فعل على تلك الفتاوى السلفية ما أكدته الطريقة العزمية الصوفية عبر موقعها الرسمي من أن تلك الفتاوى لا علاقة لها بالدين، وان المطبخ السلفي يقدم فتاوى لا أصل لها، وأنه في دار الإفتاء السلفي سيفتون بعد ذلك بأن حليق اللحية كافر، وكذلك الأشعري والصوفي .
كما علق الشيخ علاء ابو العزائم على الفتوى بقوله :"كل هم السلفيين هو إقامة دولة إسلامية غير متحضرة، فيريدوننا أن نربى ذقوننا فقط ونرتدي الجلابيب القصيرة والنساء ترتدي النقاب، وذلك وفق مقومات فهمهم الضعيف.
وشدد لـ" إسلام أون لاين " على أنه لا يصح أن ننتخب شخصا كونه متدين، فلا بد من انتخاب من لهم خبرة وفعالين في المجتمع فالمهم خدمة الوطن".
صوفيون: التصويت للسلفيين خيانة!
الفتاوى السلفية في الانتخابات قابلها أيضا فتاوى صوفية تهاجم السلفيين وتعتبر التصويت للسلفيين في الانتخابات خيانة، وهو ما أكده الشيخ علاء أبو العزائم شيخ الطريقة العزمية في فتوى له أصدرها السبت 29 أكتوبر 2011، فقال :" إن التصويت للسلفيين خيانة للوطن نفسه".
واعتبر التصويت للسلفيين في أي انتخابات قادمة هو هدم لمصر، فكل صوت يدلى به مواطن لصالح سلفي فهو يعد بمثابة هدم طوبة في بناء مصر، مؤكدا أنهم إذا وصلوا إلى مجلس الشعب ستتخلف مصر أكثر من مائة عام.
وفي منطقة وسط يبرز رأي علماء الأزهر الرافض لتلك الحرب بين الصوفية والسلفية في قضية الانتخابات، مؤكدين أنه لا يجوز أن تصدر الفتاوى لإشعال حرب بين فصيلين يحملان مسميات إسلامية كالصوفية والسلفية .
ويؤكد د. محمد الشحات الجندي عضو مجمع البحوث الإسلامية لـ" إسلام أون لاين": أنه لا يجوز لأي ممن ينتمي للصوفية أو السلفية أو غيرهما أن يلون الدين بألوان السياسة ويصدر فتاوى تهاجم كل طرف الآخر، بل وتحرم أمورا غير وارد تحريمها "
وأكد أنه لابد وأن تكون السياسة أمرا بعيدا عن عمل كل تيار ديني في مجال الدعوى أو الفتوى، وتصبح الانتخابات خاضعة لتنظيم سياسي وليس لإصدار فتاوى من هنا وهناك.
وأشار إلى أن اشتعال حرب الفتاوى بين الصوفية والسلفية تعد حاجزا جديدا يعوق دون التقريب بين الصوفية والسلفية، حيث تحول كلا التيارين إلى تحصيل مكاسب سياسية، ويبحث كل منهما عن دور في هذه المرحلة .
وشدد الشحات على أن مثل هذه الفتاوى المسيسة تؤدي للبلبلة وتقحم الدين في مسألة من الشئون التي تتغير فيها الأنظار وتتفاوت فيها المصالح وتفسر لصالح هذا أو ذاك دون التفات إلى مصلحة المجتمع.
ويرى د. الجندي أنه يمكن نزع الخلاف بين الصوفية والسلفية، من خلال الفهم المعتدل للإسلام والسنة، وهو ما يتطلب من الصوفية والسلفية أن تطرح الرؤى الضيقة في احتكار تفسير الإسلام وإخضاعها وفق رؤى بعضها سياسي وبعضها خلافي.
ويعتبر د. عبد المعطي بيومي، أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر، أن تلك الفتاوى تزيد من هوة الابتعاد بين الفريقين الصوفي والسلفي ، وتجعلهما أبعد ما يكون عن الفهم الصحيح للدين .
ويؤكد أن مثل تلك الفتاوى التي تحرم التصويت لهذا لكونه ليبراليا أو صوفيا أو لذاك لكونه سلفيا لا يعد من قبيل الفتوى لأنه نوع من الإفتاء وفق الأهواء، ولا يملك مقومات الفتوى، مشيرا إلى أن الخلاف لا ينبغي أن يتحول إلى تراشق بالفتاوى سواء بالتحريم أو الاتهام بالخيانة بهدف احتكار آراء الناس في التصويت في الانتخابات.

12:58 م | تحت قسم , | إقرأ المزيد

هل تحل العلمانية مشكلة التعددية

د. جعفر شيخ إدريس
هل تحل العلمانية مشكلة التعدديةعلى أي أساس يضع المواطنون في بلد ما دستورهم ويصدرون قوانينهم إذا كانوا منقسمين إلى أديان مختلفة؟
يثير هذا السؤال عدة مسائل:
المسألة الأولى: أن دعاة العلمانية ولا سيما في بلادنا العربية في هذه الأيام, يقولون: إن الحل الأمثل هو الحل الذي لجأت إليه أوربا وأمريكا وسائر الدول التي قلدتها, وهو أن تكون الدولة علمانية لا تلتزم بدين لكنها لا تمنع أحدًا من ممارسة دينه في حياته الخاصة. بهذا يكون المجال العام, مجال التشريع والتنفيذ والقضاء, مجالاً مفتوحًا لكل أفراد المجتمع يشاركون فيه باعتبارهم مواطنين لا باعتبارهم منتمين إلى هذا الدين أو ذاك, ويكونون بهذا متساوين في حقوقهم السياسية.
نقول: نعم، إن هذا قد يحدث إذا تنازل كل المنتمين إلى الأديان أو معظمهم عن أديانهم, أو على الأقل عن جانب المجال العام منها, ورضوا بأن يحصروها في الجانب الخاص كما فعل الغربيون. وقد صار كثير من المسلمين المتأثرين تأثرًا شديدًا بالفكر الغربي يعدون هذا أمرًا طبيعيًّا, بل يعدونه أمرًا لازمًا للدولة الحديثة. رأيت ذات مرة في التلفاز أحد هؤلاء وهو يدافع دفاعًا مستميتًا عن الدولة العلمانية, ثم تبين في المقابلة معه أنه من حرصه على أداء الحج بطريقة كاملة لم يكن يكتفي بالسؤال عن أركانه وواجباته بل كان يحرص حتى على مستحباته!
فهذا إذن رجل يرى أنه يمكن أن ينكر جزءًا من الإسلام ويدعو إلى هذا الإنكار ويظل مع ذلك مسلمًا، ربما لأنه لا يعلم أن من شرط الإيمان بالإسلام أن يؤمن الإنسان به كله ثم يجتهد في أن يطبق منه ما استطاع, وأن من أنكر بعض الدين كمن أنكره كله. قال تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ} [البقرة:85، 86].
هذا إذا تبنت الأغلبية المسلمة الموقف العلماني. ولكن ماذا يحدث إذا ظلّ عدد كبير منهم مستمسكًا بدينه كله؟ هل يمكن أن يقال عن أمثال هؤلاء: إن لهم حقوقًا سياسية متساوية مع غيرهم من العلمانيين الذين يشرعون لهم قوانين يخالف بعضها أوامر أديانهم؟ كلا. قد يقال: لماذا لا يقبلون رأي الأغلبية ويعيشون تحت قوانين يعلمون أنها مخالفة لدينهم؟ نقول: هَبْ أنهم فعلوا ذلك, فالسؤال ما يزال قائمًا. هل يقال عن مثلهم: إن لهم حقوقًا سياسية متساوية مع العلمانيين الذين يتولون التشريع له؟ كلا. إذن فالعلمانية لا تحل مشكلة التعددية.
الثانية: أن الخلافات بين الناس ليست محصورة في الخلافات الدينية, بل هنالك خلافات أخرى كثيرة وعميقة كالخلافات الاقتصادية السياسية بين دعاة الرأسمالية ودعاة الاشتراكية. فهل يشعر الاشتراكي في الغرب أنه مساوٍ سياسيًّا للرأسمالي الذي يُشرع للمجتمع تشريعات اقتصادية مبنية على الرأسمالية؟ وقُلْ مثل ذلك عن بعض الاختلافات الاجتماعية والفلسفية والخُلقية التي لا علاقة لها بالدين.
كيف تحل هذه المشكلة إذن؟ هذا يقودنا إلى المسألة الثالثة: وهي أن جون رولز الأمريكي الذي كان يعدُّ أكبر فلاسفة السياسة والأخلاق المعاصرين, زعم في كتابه الشهير الليبرالية السياسية political liberalism أنه توصل إلى إجابة عن هذا السؤال لأنه توصل كما يقول إلى مبدأ يمكن أن تتفق عليه كل الأديان والفلسفات والمبادئ الخلقية المتناقضة تناقضات عميقة؛ لأن كلاًّ منها سيجد له مكانًا في دينه أو فلسفته أو معتقده الخلقي بشرط أن يكون ذلك الدين أو تلك الفلسفة أو ذلك المبدأ الخلقي (معقولاً). لكن تبين أن مربط الفرس كما يقولون: إنما هو في كلمة (معقول) هذه. تساءل ناقدوه عن معيار المعقولية هذه عند رولز، فوجدوه يرجع إلى الموافقة على مبادئ فلسفته الليبرالية السياسية. فقالوا له: إنك لم تفعل شيئًا.
قلت إنك توصلت إلى مبدأ يوافق عليه كل أولئك المختلفين ويجعلونه معيارًا, ويكونون بهذا متساوين سياسيًّا في الدولة الليبرالية الديمقراطية, ثم جعلت شرط موافقتهم عليه أن يكونوا موافقين على فلسفتك السياسية الليبرالية. ولعل من الطريف الذي يبين صدق هذا النقد للقارئ السوداني أن من بين التصورات الدينية التي رآها رولز معقولة كلامًا لمحمود محمد طه نقله إليه أحد الأساتذة, كلامًا يفسر فيه محمود الإسلام تفسيرًا جديدًا لا يكاد يختلف في شيء عن الديمقراطية الليبرالية!
لقد تعجبت كيف ظن هذا الفيلسوف الكبير أنه سيجد حلاًّ لمشكلة يستحيل عقلاً أن تحل؟ أعني أنه يستحيل عقلاً أن توجد دولة لها دستور وقوانين ترضى عنها كل فئات المجتمع المختلفة؛ لأنها تجد لها مسوغًا في دينها أو فلسفتها أو مبدئها الخلقي.
الرابعة: أن الحل الممكن عمليًّا كما هو الواقع في البلاد الغربية مثلاً هو أولاً: أن تبنى الحياة في المجال العام على أحد المبادئ التي لا يشترط أن توافق عليها كل فئات المجتمع المختلفة ذلك الاختلاف الذي ذكره رولز, لكنها ترضى بها لكي تعيش مع غيرها في سلام في وطن واحد. لكن هذا يعني بالضرورة أن لا يكون المواطنون متساوين في الحقوق السياسية. وثانيًا أن تكون لهؤلاء المواطنين جميعًا حقوق إنسانية متساوية باعتبارهم مواطنين وبغض النظر عن الحكم الذي يخضعون له.
الخامسة: يتبين من هذا أن مثل العلمانية في هذا كمثل الحكم الإسلامي في كونها ليست محايدة بين الأديان أو المعتقدات الأخرى كما يصورها لنا القائمون بالدعاية لها؛ لأنها يمكن أن تشرع تشريعات تجيز بعض ما تمنعه بعض تلك الأديان والمذاهب أو تمنع ما تجيزه. وهي ليست بمحايدة بالنسبة للإسلام بالذات بل محادَّة له؛ لأنها يمكن أن تحل ما حرم الله وتحرم ما أحل. وفي التجربة الأمريكية أدلة كثيرة على أن الدولة العلمانية قد تصدر حتى في مجال الممارسات الخاصة قوانين مخالفة لتعاليم بعض الأديان.
ومن الأمثلة الطريفة التي يذكرونها أن تعاليم طائفة المورمون, وهي طائفة تنتمي إلى المسيحية, تبيح تعدد الزوجات تعددًا لا حد له فيما يبدو. لكن المحكمة العليا منعتهم من ذلك وألزمتهم بعدم التزوج بأكثر من واحدة. كما أن القوانين في البلاد العلمانية الأوربية تبيح كثيرًا من الممارسات الجنسية التي لا يوافق عليها كثير من اليهود والنصارى المستمسكين بدينهم.
السادسة: بعض الناس حتى من المنتمين إلى بعض الأديان ما زالوا يفضلون أن يكون الحكم في بلادهم علمانيًّا لا إسلاميًّا؛ لأن بعضهم ما يزال مخدوعًا يظن أن العلمانية محايدة, وأن دولتها دولة مدنية يجد فيها كل المواطنين حقوقًا سياسية متساوية.
إن هؤلاء يغفلون عن كون العلمانية هي أيضًا دين إذا أخذنا الدين بمعناه العربي الواسع, أو هي على الأقل مذهب من مذاهب الحياة؛ لأنها تتضمن مبادئ وتشريعات وأوامر ونواهٍ. فهي إذن ليست ضد الإسلام وحده، وإنما هي ضد كل دين له تشريعات ومبادئ مختلفة عن تشريعاتها ومبادئها.
السابعة: من الدعايات التي يلجأ إليها بعض دعاة العلمانية في تنفير غير المسلمين من الحكم الإسلامي زعمهم بأنه ما دامت القوانين التي تصدرها هيئة تشريعية إسلامية هي بالضرورة قوانين دينية, فإن الدولة التي تصدرها تكون قد فرضت عليهم دينًا لا يدينون به. لست أدري لماذا لا يقولون الشيء نفسه عن القوانين التي تصدرها الهيئات التشريعية العلمانية؟! لماذا لا يقولون إن كل قانون تصدره هيئة تشريعية علمانية هو بالضرورة علماني مخالف لدينهم؟!
لماذا لا ينظرون إلى القوانين الإسلامية نظرتهم إلى القوانين العلمانية فيلتزموا بها؛ لأنها قوانين أصدرتها دولتهم ولا ينظرون إلى عقائد من أصدروها ولا إلى دوافعهم، كما أنهم لا يفعلون ذلك بالنسبة إلى القوانين التي تصدرها الدولة العلمانية؟ إن الدولة العلمانية بإمكانها نظريًّا أن تصدر قوانين متوافقة توافقًا كاملاً مع الإسلام, كأن تمنع الخمر أو الربا, فهل سيقول أمثال هؤلاء إنها لم تعد دولة علمانية بل صارت إسلامية تفرض عليهم دينًا لا يدينون به؟!
الثامنة: أليس من التناقض أن يكون الإنسان من المنادين بالديمقراطية ثم يعترض اعتراضًا مبدئيًّا على إسلامية دولته مهما كان عدد المطالبين بذلك من مواطنيها؟! كيف توفق بين الديمقراطية التي تعطي المواطنين الحق في اختيار نوع الحكم الذي يريدون وتكون مع ذلك مناديًا بمنع طائفة منهم من هذا الحق؟! إن منع فئة من المواطنين من المناداة بأن تكون دولته إسلامية لا يتأتى إلا باللجوء إلى قوة قمعيَّة تحول بينهم وبين ذلك، كما كان الحال في بعض البلاد العربية.
تاسعًا: لقد قال كثير من المنادين بالحكم الإسلامي ونقول معهم: إن الحكم الإسلامي ليس حكمًا دينيًّا بالمعنى الغربي للكلمة, أي أنه ليس حكمًا ثيوقراطيًّا يتولى الأمر فيه أناس يزعمون أنهم يتلقون أوامرهم بوحي مباشر من الله تعالى، كما كان بوش يزعم أن الله تعالى أخبره بأن يفعل كذا ويفعل كذا وهو قائم على رأس دولة تعتبر علمانية.
إن الحكم الإسلامي يختلف عن الحكم الثيوقراطي في ثلاثة أمور مهمة. أوَّلها أنه قائم في النهاية على دستور مكتوب مفتوح لكل الناس هو نصوص الكتاب والسُّنَّة. وثانيهما أنه لا يجبر أحدًا على الدخول فيه كما كانت الطوائف الدينية النصرانية في الغرب تفعل حين تئول السلطة إلى واحدة منها. كان النصارى يخيرون اليهود في الأندلس بين الدخول في النصرانية أو الموت أو مغادرة البلاد. وكانت الطائفة التي تئول إليها السلطة تجبر الطوائف الأخرى على اعتناق معتقداتها. وهذا هو الذي تسبب فيما أسموه في التاريخ الغربي بالحروب الدينية التي كانت -كما يرى بعضهم- هي السبب في نبذ الناس للحكم الديني واللجوء إلى الحكم العلماني.
وثالثهم إن الحكم الإسلامي يعطي غير المسلمين حقوقًا مثل ما يعطيهم إياها الحكم العلماني أو أكثر. قد يقول بعضهم: كيف تقول هذا والدولة العلمانية تساوي بين المواطنين من الناحية النظرية على الأقل في حقهم في أن يتولوا رئاسة الدولة مثلاً, بينما الإسلام يشترط في من يتولى هذا المنصب أن يكون مسلمًا؟ أقول: والعلمانية تشترط فيه أن يكون علمانيًّا! نعم إنه لا يهمها من الناحية النظرية أن يكون مسلمًا أو نصرانيًّا أو يهوديًّا أو بوذيًّا ما دام انتسابه إلى دينه انتسابًا ترضى عنه العلمانية؛ أي أن يكون تدينه تدينًا محصورًا في الجانب الشخصي. أما في المجال العام فهو ملزم بالدستور والقوانين العلمانية.
وبما أن الإسلام لا يفصل هذا الفصل الحاسم بين جانب الدين الخاص وجانبه العام, بل يعدُّ رأس الدولة إمامًا للمسلمين في دينهم كما أنه إمام لهم ولغيرهم في دنياهم كان من الطبيعي أن يشترط في رأس الدولة أن يكون مسلمًا.

12:07 م | تحت قسم | إقرأ المزيد

عبادة رسول الله

د. راغب السرجاني
شكر رسول الله
أَفَلا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًاكان رسول الله شاكرًا لأَنْعُمِ الله العظيمة التي وهبها اللهُ له وأحاطه بها؛ فقد كان واقع رسول الله منسجمًا مع ما أعطاه الله تعالى من نِعَمٍ، فلم يكن شكر رسول الله مجرَّد كلمات تقال، ولكنَّها كانت واقعًا حيًّا مَعِيشًا، فنرى رسول الله في سيرته راكعًا ساجدًا عابدًا لله تعالى، فاعلاً للخير، مسبِّحًا بحمد الله، مُتَّبِعًا في ذلك الآيات القرآنيَّة التي تحضُّ على العبادة والحمد؛ منها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77
حقيقة عبادة رسول الله
رسول الله والصلاة
ذُكرت أحاديثُ كثيرةٌ، ومواقفُ عديدةٌ فَسَّرت وأبانت حقيقة عبادة رسول الله لربِّه جلَّ وعلا؛ فعن عائشة -رضي الله عنها- أنَّ نبي الله كان يقوم من الليل حتى تتفطَّرقدماه، فقالت عائشة: لِمَ تصنعُ هذا يا رسول الله، وقد غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر؟! قال: "أَفَلا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا" وقد أبان هذا الردُّ الجميل رؤية رسول الله لمسألة العبادة، فهو لا يراها تكليفًا ربَّانيًّا فقط، بل إنه يقوم بها عن حُبٍّ وإرادة، كنوع من الشكر العميق للإله القدير الذي أعطى ومنح، وهذا يُفَسِّر أيضًا طول عبادته وشِدَّة إرهاقه لنفسه فيها.
وتصف السيدة عائشة -رضي الله عنها- في حديث آخر صلاة رسول الله بالليل، بقولها: "إِنَّ رَسُولَ اللهِ كَانَ يُصَلِّي إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، كَانَتْ تِلْكَ صَلاتُهُ -تَعْنِي بِاللَّيْلِ- فَيَسْجُدُ السَّجْدَةَ مِنْ ذَلِكَ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ أَحَدُكُمْ خَمْسِينَ آيَةً قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ، وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاةِ الْفَجْرِ، ثُمَّ يَضْطَجِعُ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ لِلصَّلاةِ"
فكان رسول الله يجد راحته في الإكثار من الصلاة وقراءة القرآن؛ فيروي حذيفة قائلاً: صلَّيْتُ مع النبي ذات ليلة فافتتح البقرة، فقلتُ: يركع عند المائة. ثم مضى، فقلتُ: يُصَلِّي بها في ركعة. فمضى، فقلتُ: يركع بها. ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسِّلاً؛ إذا مرَّ بآية فيها تسبيح سبَّح، وإذا مرَّ بسؤال سأل، وإذا مرَّ بتعوُّذ تعوَّذ، ثم ركع، فجعل يقول: "سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ". فكان ركوعه نحوًا من قيامه، ثم قال: "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ". ثم قام طويلاً قريبًا ممَّا ركع، ثم سجد، فقال: "سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى". فكان سجوده قريبًا من قيامه
وكان رسول الله يُكثر من قيام الليل؛ لما فيه من الخلوة بينه وبين ربِّه I؛ لذلك قال عنه رسول الله : "أَفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الْمَفْرُوضَةِ قِيَامُ اللَّيْلِ". ومن شِدَّة حُبِّ رسول الله لقيام الليل كان يقضيه في الصباح إذا فاته لأمر ما؛ فعن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: "... كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ إِذَا صَلَّى صَلاَةً أَحَبَّ أَنْ يُدَاوِمَ عَلَيْهَا، وَكَانَ إِذَا غَلَبَهُ نَوْمٌ أَوْ وَجَعٌ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ، صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً..."
وهذا الحُبُّ العميق لعبادة الله -خاصَّة الصلاة- يُفَسِّر أيضًا قول رسول الله لبلال بن رباح t: "قُمْ يَا بِلالُ فَأَرِحْنَا بِالصَّلاةِ"ويقول رسول الله في حديث آخر: "وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاةِ"
ولا غَرْوَ أنَّ نِعم الله I وعطاياه وفضله تستتبع حمدًا جزيلاً، وهو ما كان يقوم به رسول الله ؛ فكان لسان رسول الله دائمًا رطبًا بذِكْرِ الله وحَمْدِه على نِعمه وأفضاله؛ فعن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: "كَانَ النَّبِيُّ يَذْكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ"
رسول الله والصوم
ونرى رسول الله في الصوم يَزِيدُ البذلَ والعطاء، وفي العشر الأواخر من شهر رمضان يتعهَّد نفسه بمضاعفة العبادة، فقد روت عائشة -رضي الله عنها- فقالت: "كَانَ النَّبِيُّ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ"
كذلك، كان رسول الله مواظبًا على صيام الاثنين والخميس، وقد ذكر عِلَّة ذلك بقوله: "تُعْرَضُ الأَعْمَالُ يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ، فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ" وكان رسول الله يحبُّ الصيام في الهواجروفي الأيام شديدة الحرِّ؛ فعن أبي الدرداء t قال: "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولُ اللهِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، حَتَّى إِنْ كَانَ أَحَدُنَا لَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ، وَمَا فِينَا صَائِمٌ إلاَّ رَسُولُ اللهِ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ "
وهكذا كان رسول الله يتعامل مع قضيَّة العبادة من منطلق الشكر لا الفرض فقط، ومن منطلق البذل والتطوع والزيادة لا أداء الواجب؛ ممَّا أعطى عبادته شكلاً متميِّزًا باهرًا في صورته.

12:00 م | تحت قسم | إقرأ المزيد

فخ العلمانيين للأزهر الشريف

الإسلام اليوم
فخ وثيقة الأزهرعلى نحو غير مفاجئ، دعا الأزهر الشريف مثقفين ومفكرين إلى اجتماع مشترك لإقرار "وثيقة الأزهر" والتي تَمَّ إصدارها قبل ثلاثة أشهر، وجاءت محصلة لنقاشات أخرى أدارها شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب مع مثقفين محسوبين في معظمهم على التيارات الليبراليَّة واليساريَّة، غير أن لقاء الطيب والمثقفين أخيرًا، وبصحبتهم عدد من مرشحي الرئاسة المحتملين للرئاسة المصريَّة كان إقرارًا جديدًا لما تمَّ إقراره بالأساس.
إلا أن اللافت في اللقاء الأخير لشيخ الأزهر مع المفكرين وبعض الشخصيات العامة حضور بعض القوى الإسلاميَّة لهذا اللقاء، والذي استهدف إقرار الوثيقة، فيما ظهر في صدارة المشهد أن اللقاء كان تأييدًا من القوى الإسلاميَّة للوثيقة، حتى ولو كان على سبيل الإقرار والتأييد الضمني.
قد يكون الأمر مقبولاً في أن يلتقي الإسلاميون في رحاب الأزهر الشريف لإقرار وثيقة من هذا النوع تؤسس لمصر الحديثة والديمقراطيَّة، غير أن البارز أن الوثيقة كانت نتاجًا لمناقشات قوى لا تنكر عداءها للحركات والقوى الإسلامية، وهي القوى التي لا تُخفِي رفضها المطلق لأفكار ورؤى التيار الإسلامي، بل وأصبحت حريصةً اليوم أكثر من أي وقت مضى على إقصاء الإسلاميين من المشهد السياسي العام في مصر، لإخلاء الساحة لأي فكر غير الفكر الإسلامي.
وهنا يطرح التساؤل نفسه: لماذا كانت الاستعانة بتيارات إسلاميَّة لحضور لقاء شيخ الأزهر، بهدف إلقاء مزيد من الضوء على الوثيقة، التي أعدها يساريون يرغبون في إقصاء الإسلاميين من أي مشهد سياسي؟
واقع الحال يجيب بأن مليونية 29 يوليو لا تزال ماثلة في أذهان القوى الليبرالية واليسارية، لما حققه الإسلاميون من حضور فاق ثلاثة ملايين في هذه المليونية، التي استهدفت الدفاع عن الشريعة والمطالبة بتطبيقها؛ ولذلك كانت الرغبة من جانب الشيخ الطيب بأن يكون للإسلاميين حضورهم في مناقشة الوثيقة، بعدما أدرك الجميع صعوبة تمرير أي مشروع أو قانون أو حتى ملامح للدستور، وما صار يطلق عليه مبادئ دون مشاركة الإسلاميين؛ خوفًا من تعطيل الموافقة عليه، في حال طرحه للاقتراع عليه.
ولذلك كان يدرك العلمانيون أن الإسلاميين يمكن أن ينجذبوا إلى أضواء الكاميرات، ولذلك تمت دعوتهم للمشاركة في لقاء شيخ الأزهر لإقرار الوثيقة، حتى فوجئوا جميعًا برفض واسع لهذه الوثيقة من جانب القوى الإسلاميَّة، خاصة وأنها ليست من صنعهم، فلم يشاركوا في إعدادها، وتم تنحيتهم جميعًا من التواجد على طاولة بحثها، في الوقت الذي خرجت فيه من صنع العلمانيين واليساريين ومن لف لفيفهم، وثلة من بعض المحسوبين على الفكر الإسلامي، والذين ينازعهم اليسار في هذا الفكر، أو ما يعرف باليسار الإسلامي!
أمثال هؤلاء أصدروا وثيقة ستظل وصمة عار في جبين الأزهر الشريف في أن يصدر اليساريون ومن شاركهم للأزهر وثيقة تحمل اسم هذه المؤسسة الإسلاميَّة العريقة، وتحدد مستقبل مصر السياسي، تدعو إلى ما أصبح لقمة سائغة في أفواه كثيرين للدولة المدنيَّة، والتي تعني في عرفهم الدولة المناهضة للدين، وتدعو إلى إتاحة الحريات على إطلاقها، ولمن يمارس شعائره، حتى إذا أراد من يسمون أنفسهم بعُبَّاد الشيطان ممارسة شعائرهم الفاسدة فإن على الأزهر الشريف وفق وثيقته التي تحمل اسمه أن يسمح لهم بذلك ولا يعطل ممارستهم لها، إضافةً إلى أن من أراد أن يطلق الحرية الفنية لإبداعه، بنشر الفسق والفجور في المجتمع بدعوى الحرية، فإن الأزهر وفقًا للوثيقة ينبغي أن يبارك له ذلك، حيث تشترط الوثيقة عدم نقد كل ما يحض على النيل من الإبداع الفني وحريته!
فضلاً عن ذلك، فإن من أراد أن يختط لنفسه تيارًا فكريًّا، فله ذلك، حتى لو كان يساريًّا أو خلاف ذلك، كل ذلك برعاية الأزهر، وإشراف منه، وبمباركة من شيخه، الذي وجد نفسه بين اليساريين، دون أن يجد نفسه بين الإسلاميين، وفق ما صرَّح به الشيخ نفسه بأنه وجد نفسه بين القوى التي أعدت الوثيقة، على الرغم من أن لقاء الشيخ بهذه القوى استتبع لقاءه بالقوى الإسلاميَّة، غير أن الشيخ يبدو أنه كان له خياره، الذي أعلن عنه وصرح به بعد إعداد الوثيقة بأنه وجد نفسه بين معديها، الذين يشنون حملات إعلاميَّة وتحريضيَّة على الإسلاميين أكثر من غيرهم.
لقد تصور الإسلاميون وقت أن جلسوا مع الشيخ، وقبيل إصدار الوثيقة، أنه سيعضد مطالبهم بإقامة دولة إسلاميَّة، يحكم فيها كتاب الله، وأنه سيناصرهم وينصرهم على من يعاديهم، غير أنهم سرعان ما اكتشفوا أن مثل هذه اللقاءات المشتركة لم تخرجْ سوى عن التصوير الفوتوغرافي والتلفزيوني، وأن الشيخ لم يجد نفسه بينهم، ولذلك لجأ إلى العلمانيين أو غيرهم، أو هم لجئوا إليه، حتى تجالسوا، فوجدوا أنفسهم بين بعضهم البعض، في الوقت الذي كان يطمع فيه الإسلاميون أن يكون الأزهر مرجعًا إسلاميًّا لهم، وأن يكون الطيب شيخهم، وليس شيخًا للأزهر فقط.
غير أنه سرعان ما انكشفت الحقيقة بصدور الوثيقة المزعومة، وأنها صدرت في غيبة الإسلاميين، بل أنها صدرت بحضور ثلاثة من أهل الكتاب، بل وصدرت في كثير منها ما يخالف الفكر الإسلامي وشريعته، والأعجب أن معدي الوثيقة كثيرًا ما انتقدوا الإسلاميين لاشتغالهم بالسياسة، على خلفية مطالباتهم بتجنيب المؤسسات الدينية العمل السياسي، وإقصاء الدين الإسلامي عنه، وكأنهم بوثيقتهم يريدون أن يقولوا للإسلاميين: السياسة ليست لكم، ولكنها لغيركم، وما عليكم إلا أن تسمعوا وتطيعوا لما يقدَّم لكم، فالحق ما يتمّ إقراره لهم، وليس ما يصنعونه هم بأيديهم.

11:51 ص | تحت قسم | إقرأ المزيد

هدي الرسول في صوم

د. أحمد بن عثمان المزيد   
أ- هدي الرسول في صوم رمضان:

رمضان شهر الرحمة والغفران

1- كان من هديه أنه لا يَدْخُلُ في صوم رمضان إلا بِرُؤيةٍ مُحَقَّقةٍ, أو بشهادةِ شاهدٍ, فَإِنْ لم يَكُنْ رُؤْيةٌ ولا شهادةٌ أكملَ عِدَّةَ شعبان ثلاثينَ.

2- وكان إِذَا حالَ ليلةَ الثلاثين دُونَ مَنْظَرِهِ سحابٌ أكملَ شعبانَ ثلاثينَ, ولم يكن يصوم يوم الإغمام, ولا أَمَرَ به.

3- وكان مِنْ هَدْيِهِ الخروج مِنْهُ بشهادةِ اثنينِ.

4- وكان إِذَا شَهِدَ شَاهِدانِ برؤيَتِه بعد خروج وَقْتِ العيد أَفْطَرَ وَأَمَرَهُم بالفطرِ, وصَلَّى العيد بعد الغَد في وَقْتِها.

5- وكان يُعَجِّل الفطر, ويحثُّ عليه, ويَتَسَحَّرُ ويحُثُّ عليه, ويؤخِّرُه ويُرَغِّبُ في تأخِيره.

6- وكان يُفْطِرُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ, وكانَ فِطْرُه على رُطَبَاتٍ إِنْ وَجَدَها, فَإِنْ لَمْ يَجِدْها, فَعَلَى تَمَرَاتٍ, فَإِنْ لَمْ يجد فَعَلَى حَسَواتٍ مِنْ ماءٍ.

7- وكانَ يَقُولُ إِذَا أَفْطَرَ: "ذَهَبَ الظَّمَأُ, وابْتَلَّتِ العُرُوقُ, وثَبَتَ الأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى"
8- وكان مِنْ هَدْيه في شهر رمضان الإكثارُ من أنواعِ العبادةِ, وكانَ جبريلُ يُدَارِسُه القرآن في رمضانَ.

9- وكان يُكْثرُ فيه مِنَ الصَّدَقَةِ والإحسانِ وتِلاوَةِ القرآنِ والصَّلاةِ والذِّكْرِ والاعْتِكَافِ.

10 – وكان يَخُصُّه مِنَ العباداتِ بما لا يَخُصُّ به غَيْرَه, حَتَّى إنه ليُواصل فيه أَحْيَانًا, وكان ينهي أصحابَه عن الوِصَال, وَأَذِنَ فيه إلى السَّحَرِ.
 ب- هدي الرسول في ما يحظر وما يباح في الصوم:
1- نَهى الصائمَ عن الرَّفَثِ والصَّخَبِ والسِّبَابِ, وجوابِ السِّبَابِ, وأَمَره أنْ يقولَ لِمَنْ سابَّه: إِنِّي صَائمٌ.

2- وسافَرَ في رَمَضَان فَصَامَ وَأَفْطَرَ, وَخَيَّر أَصْحَابَه بين الأمرين.

3- وكان يأمُرهم بالفِطْرِ إِذَا دَنَوا مِنَ العَدُوِّ.

4- ولم يَكُنْ مِنْ هَدْيِهِ تقديرُ المسافةِ التي يُفْطِرُ فيها الصائمُ بِحَدٍّ.

5- وكان الصحابةُ حِينَ يُنْشِئُون السَّفَرَ يُفْطِرُون مِنْ غَيْرِ اعتبارِ مجاوزةِ البيوتِ, ويخبرونَ أَنَّ ذلك هَدْيُهُ وسُنته .

6- وكان يُدْرِكُهُ الفجرُ وهو جُنُبٌ مِنْ أَهْلِهِ, فيغتسلُ بَعْدَ الفجرِ ويصومُ.

7- وكان يُقَبِّلُ بعضَ أزواجِهِ وهو صائمٌ في رمضانَ.

8 – وكان يستاكُ وهو صائمٌ, ويتمضمضُ ويستنشقُ وهو صائمٌ, وكان يَصُبُّ على رأسِهِ الماءَ وهو صائمٌ.

9 – وكانَ مِنْ هَدْيِه إسقاطُ القضاءِ عَمَّن أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا.

10 – وَرَخَّصَ للمريضِ والمسافرِ أَنْ يَفْطُرا وَيَقْضِيا, والحامل والمرضع إِذَا خَافَتا عَلَى أَنْفُسِهمَا كذلك.
 ج- هدي الرسول في صوم التطوع:
1- كان هديه فيه أكملَ الهدي, وأعظمَ تحصيلٍ للمقصودِ وأسهلَه على النفوسِ، فكان يصومُ حتى يُقَالَ: لا يُفْطِرُ, وَيُفْطِرُ حَتَّى يُقَال: لا يَصُومُ. وما استكمل صيامَ شهرٍ غَيْرَ رمضانَ, وما كان يصومُ في شهرٍ أكثرَ مما كان يصومُ في شعبان, ولم يَكُنْ يخرُجُ عن شهرٍ حتى يَصُومَ منه.

2- وكان مِنْ هديه كَرَاهِيَةُ تخصيصِ يَوْمِ الجُمُعَةِ بالصَّومِ, وكان يَتَحرَّى صِيَامَ الاثنينِ والخميسِ.

3- وكان لا يُفْطِرُ أَيَّامَ البِيضِ في حَضَرٍ ولا سَفَرٍ، وكان يَحُضُّ على صيامِها.

4- وكان يَصُومُ مِنْ غُرَّةِ كُلِّ شَهْرٍ ثلاثةَ أيامٍ.

5- وقال في ستة شوال: "صِيَامُهَا مَعَ رَمَضَانَ يَعْدِلُ صِيَامَ الدَّهْرِ". وكان يَتَحَرَّى صومَ يومِ عاشوراء على سائرِ الأيامِ, وأخبر أن صومه يكفر السنة الماضية.

6- وقال في يوم عرفة: "صَيَامُه يُكَفِّرُ السَّنَةَ الماضية والبَاقِيَةَ"، وكان مِنْ هَدْيِهِ إفطارُ يومِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ.

7 – ولم يَكُنْ مِنْ هديه صيامُ الدهر, بل قال: "مَنْ صامَ الدَّهْرَ لا صَامَ وَلاَ أَفْطَرَ"

8 – وكان أحيانًا ينوي صَوْمَ التَّطوعِ ثم يُفْطِر, وكانَ يدْخُلُ عَلَى أَهْلِهِ فيقول: "هَلْ عِنْدَكُمْ شَيءٌ؟" فإن قالوا: لا, قال: "إِنِّي إِذًا صائِمٌ"

9 – وقال: "إِذَا دُعِي أَحَدُكم إلى طَعَامٍ وَهُوَ صائِمٌ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ"
د- هدي الرسول في الاعتكاف
1- كانَ يَعْتكِفُ العشر الأواخر من رمضان حَتَّى توفاه الله عزَّ وجلَّ, وتَرَكَهُ مَرَّةً فَقَضَاهُ في شوالَ.

2- واعْتَكَفَ مَرةً في العَشْرِ الأُول، ثم الأَوْسَطِ, ثم العَشْرِ الأواخِرِ يلتمسُ ليلة القدر, ثم تَبَيَّنَ له أَنَّهَا في العَشْرِ الأَوَاخِرِ, فَدَاومَ عَلَى الاعتكافِ حَتَّى لَحِقَ بَرَبِّه عَزَّ وجلَّ.

3- ولم يَفْعَلْهُ إِلاَّ مَعَ الصَّومِ.

4- وكان يَأْمُرُ بخباءٍ فيُضْرَبُ لَه في المسجدِ يَخْلُو فيه.

5- وكانَ إِذَا أَرَادَ الاعتكافَ صَلَّى الفجرَ ثُمَّ دَخَلَهُ.

6- وكان إذا اعْتَكَفَ طُرِح له فِرَاشُه وَسَرِيرُه في مُعْتَكَفِهِ, وكانَ يَدْخُلُ قُبَّتَهُ وَحْدَهُ.

7- وكان لا يدخلُ بَيْتَه إِلاَّ لحاجةِ الإنسانِ.

8- وكان يُخرج رأسَه إلى بيتِ عائشةَ فَتُرَجِّلُه وهي حائضٌ.

9- وكان بعضُ أزواجِه تزورُه وهو مُعتكِفٌ, فإذا قَامتْ تَذْهَبُ قَامَ مَعَها يَقْلِبُهاوكانَ ذَلِكَ لَيْلاً.

10 – ولم يَكُنْ يُبَاشِرُ امرأةً مِنْ نِسَائِه وهو مُعْتكِفٌ لا بِقُبْلَةٍ ولا غَيْرِها.

11- وكان يَعْتكِفُ كُلَّ سنةٍ عشرةَ أيامٍ, فَلَمَّا كانَ العامُ الذي قُبِضَ فيه اعتكفَ عِشْرِينَ يَوْمًا.

8:59 ص | تحت قسم | إقرأ المزيد

استنفار أمني بعد منشور للقاعدة يدعو لجعل سيناء إمارة إسلامية

قصة الإسلام -قبسات أون لاين
بيان تنظيم القاعدة في سيناءأعلنت كافة الأجهزة الأمنية بشمال سيناء وقوات الجيش حالة التأهب الأمني القصوى بعد توزيع بيان عند معظم مساجد المحافظة منسوب إلى تنظيم القاعدة.
وقالت مصادر أمنية انه تم إعادة انتشار قوات الجيش من جديد داخل مدن شمال سيناء، كما تم تزويد قوات الشرطة بعربات مدرعة وزيادة التسليح الخفيف لرجال الشرطة، ونشر عدد كبير من قوات مكافحة الإرهاب داخل مدينة العريش.
وأضافت أن الإجراءات الأمنية شملت أيضا الفحص الدقيق لجميع السيارات وهويات سواء القادمين إلى سيناء أو المغادرين لها عند جسر قناة السويس ، مع الاستعانة بأجهزة الكشف عن المفرقعات عند جسر قناة السويس.
ودعا البيان للمبادرة والإمارة الإسلامية بسيناء وأن يكون الدين الإسلامي هو المصدر الرئيسي للتشريع، وهاجم النظام الفاسد والقوات المسلحة التي أقرت واعترفت بالاتفاقيات السابقة مع الكيان الصهيوني.وأشار إلى نزع سلاح سيناء فى اتفاقية كامب ديفيد ومحاصرة قطاع غزة لصالح الصهاينة.
وتساءل عن دور القوات المسلحة فى إيقاف تهريب السموم إلى سيناء، كما تطرق إلى الظلم الذى يتعرض له بدو سيناء ونهب ثروات سيناء.
وتساءل أيضًا عن دور القوات المسلحة من الحصار على غزة من الجانب المصري، ومن خيرات سيناء المنهوبة وانتهى البيان الذي حمل عدد كبير من الآيات القرآنية بـ (كفانا جهل).
وحمل البيان عنوان "بيان تنظيم القاعدة بشبه جزيرة سيناء".
وعلى الأرض هاجمت مجموعة مسلحة مجهولة مستشفي العريش العام مساء أمس، و قاموا بخطف جثة فلسطيني كان قد لقي حتفه أمس متأثرا بجراحة في الهجوم الذي شنه مسلحين على قسم شرطة ثان العريش.
وقال شهود عيان من عمال المستشفى أنهم فوجئوا بنحو 6 مسلحين ملتحين يقتحمون المستشفي من الباب الخلفي وأجبروا عمال المشرحة على فتحها بقوة السلاح وخطفوا جثة فلسطيني يدعى علاء أحمد المصري ـ 18 عاما ـ ووضعوها في الصندوق الخلفي للسيارة و فروا هاربين.
والمصري واحد من بين ثلاثة فلسطينيين أصيبوا في الهجوم وكان متحفظ عليهم داخل مستشفى العريش للتحقيق.
ومن ناحيته نفى الدكتور صفوت عبد الغنى، عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية، علاقة الجماعة بالبيان الذى يتم توزيعه بسيناء والمتضمن دعوات لتحويل سيناء إلى إمارة إسلامية.
وأكد عبد الغنى فى اتصال هاتفى بـ "اليوم السابع" أن البيان لم يصدر من تنظيم القاعدة بحسب ما هو مثبت فى المنشورات، إنما البيان أصدره مجموعه صغيرة لا تتعدى 4 أو 5 أشخاص، مرجعا السبب فى ذلك إلى أن مصر خالية تماما من أى مجموعات تابعة لتنظيم القاعدة أو حتى ذيول مرتبطة بها فكريا.
وأشار عبد الغنى إلى أن البيان قد يكون عملا مدبرا من العلمانيين لإثارة البلبلة والقلق والخوف من انتشار التيار الإسلامى فى مصر، وتحديدا بعد مليونية الجمعة الماضية، وهى المليونية التى تظاهر فيها ما يقترب من 2 مليون مسلم بميدان التحرير لتطبيق الشريعة الإسلامية.

8:53 ص | تحت قسم | إقرأ المزيد

عدل الرسول مع غير المسلمين في القضاء

العدل في القضاء

العدل في القضاءإن كنا نعجب من مواقف عدل الرسول التي مرَّت بنا في المقالات السابقة، فالعجب كل العجب من مواقف رسول الله عندما يحكم بين مسلم وغير مسلم؛ فالعدل عنده أمر مُطلق لا يتوقف عند أصحاب الأديان والأجناس والعصبيات والمصالح المخالفة، ولا غير ذلك من الوشائج الأرضية والعلاقات الدنيوية.
وأمثال هذه المواقف في السيرة النبوية كثيرة..
 رسول الله وبنو أبيرق واليهودي
منها ما حدث عندما سرق رجل من المسلمين من إحدى قبائل الأنصار من بني أبيرق بن ظفر بن الحارث، وكان اسمه في رواية: «طعمة بن أبيرق»، وفي رواية أخرى: «بشير بن أُبيرق»، وكان هذا الرجل قد سرق درعًا من جارٍ له مسلم يقال له: «قتادة بن النعمان»، وكانت الدرع في جراب فيه دقيق، فجعل الدقيق ينتثر من خرق في الجراب حتى انتهى إلى الدار، ثم خبأها عند رجل من اليهود يقال له: «زيد بن السمين»، فالتُمِسَتِ الدرع عند «طعمة» فحلف بالله ما أخذها، فقال أصحاب الدرع: لقد رأينا أثر الدقيق في داخل داره. فلما حلف تركوه، واتبعوا أثر الدقيق إلى منزل اليهودي، فوجدوا الدرع عنده، فقال اليهودي: دفعها إليَّ طعمة بن أُبيرق!! فجاء بنو ظفر -وهم قوم طعمة- إلى رسول الله ، وسألوه أن يجادل عن صاحبهم، فهَمَّ رسول الله أن يعاقب اليهودي، فأنزل الله هذه الآيات من سورة النساء: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (106) وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا} إلى قوله تعالى: {وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (111) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [النساء: 105- 112]
لقد اعتقد رسول الله أن السارق هو اليهودي لوجود القرائن ضده، ولكن الوحي نزل بخلاف ذلك؛ فلم يكتم شيئًا -وحاشاه- بل قام وأعلن بوضوح وصراحة أن اليهودي بريء، وأن السارق مسلم!!
وليس الأمر هينًا..!!
إن التبرئة تأتي في حق يهودي اجتمع قومه من اليهود على تكذيب الإسلام، والكيد له، والطعن في رسوله ، وبثِّ الفرقة بين أتباعه.. ومع ذلك، فكل هذه السلبيات والخلفيات لا تبرِّر اتهام يهودي بغير حق.
وهذا الاتهام في حق رجل مسلم من إحدى قبائل الأنصار، وما أدراك من هم الأنصار!! هم الذين آووا ونصروا، وهم كَرِشُ الرسول وعيبته، وهم أهل دار الإسلام، وعلى أكتافهم قامت الدولة الإسلامية، ولكن كل هذا ليس مبررًا لتبرئة سارقٍ منهم، ولو كان على حساب يهودي.
إضافةً إلى أن هذا الموقف قد يُعطي مساحة جديدة لليهود يكيلون فيها التُّهم والادعاءات للمسلمين: فها هم المسلمون يسرقون، وها هم يرمون الأبرياء بالتهم، وها هم يجتمعون على نصرة ظالم، وها هم يكذبون. إنها مِساحة واسعة قد أُتيحت لليهود؛ ليواصلوا طعنهم في جسد الأمة الإسلامية.
برغم هذه الخلفيات، كان لا بُدَّ من إحقاق الحق وإقامة العدل.
إن الأمر لم يكن مجرد تبرئة رجل وإدانة آخر، «إنما كان أمر تربية هذه الجماعة الجديدة؛ لتنهض بتكاليفها في خلافة الأرض وفي قيادة البشرية، وهي لا تقوم بالخلافة في الأرض، ولا تنهض بقيادة البشرية حتى يتضح لها منهج فريد متفوِّق على كل ما تعرف البشرية، وحتى يثبت هذا المنهج في حياتها الواقعية، وحتى يُمَحَّصَ كيانُها تمحيصًا شديدًا، وتُنْفَضَ عنه كل خبيئة من ضعف البشر، ومن رواسب الجاهلية، وحتى يقام فيها ميزان العدل -لتحكم به بين الناس- مجردًا من جميع الاعتبارات الأرضية، والمصالح القريبة الظاهرة، والملابسات التي يراها الناس شيئًا كبيرًا لا يقدرون على تجاهله!»
ونتساءل من جديد -وسيكثر هذا التساؤل- هل هناك مثل هذه المواقف في تاريخ أمة غير أمة الإسلام؟!! هل بلغ أي قائد من قوَّاد الأرض مثلما بلغ رسولنا من التجرُّد للحق، وإظهار العدل وتطبيقه، ومن السماحة والأمانة في التعامل مع غير أتباع دينه؟!!
 رواية الترمذي لقصة بني أبيرق
ومن الجدير بالذكر في القصة السابقة أن نذكر أن هذا المسلم الذي قام بالسرقة -واتَّهم بها اليهودي- كان من المنافقين الذين ظهر نفاقهم وتأكَّد بعد هذه الحادثة، وهذا واضح فيما رواه الترمذي عن قتادة بن النعمان قال: كان أهل بيتٍ منا يقال لهم بنو أبيرق بشر وبشير ومبشر، وكان بشير رجلاً منافقًا يقول الشعر يهجو به أصحاب رسول الله ثم ينحله بعض العرب، ثم يقول: قال فلان كذا وكذا، قال فلان كذا وكذا. فإذا سمع أصحاب رسول الله ذلك الشعر قالوا: والله ما يقول هذا الشعر إلا هذا الخبيث -أو كما قال الرجل- وقالوا: ابن الأبيرق قالها. قال: وكان أهل بيت حاجة وفاقة في الجاهلية والإسلام، وكان الناس إنما طعامهم بالمدينة التمر والشعير، وكان الرجل إذا كان له يسار فقدمت ضافطة من الشام من الدرمك ابتاع الرجل منها، فخص بها نفسه وأما العيال فإنما طعامهم التمر والشعير، فقدمت ضافطة من الشام فابتاع عمي رفاعة بن زيد حملاً من الدرمك فجعله في مَشْربة له، وفي المشربة سلاح: درع وسيف، فعُدي عليه من تحت البيت فنُقبت المشربة وأُخذ الطعام والسلاح، فلما أصبح أتاني عمي رفاعة فقال: يا ابن أخي، إنه قد عُدي علينا في ليلتنا هذه ونُقبت مشربتنا، فذهب بطعامنا وسلاحنا. فتحسسنا في الدار وسألنا، فقيل لنا: قد رأينا بني أبيرق استوقدوا في هذه الليلة، ولا نرى فيما نرى إلا على بعض طعامكم. قال: وكان بنو أبيرق قالوا -ونحن نسأل في الدار-: والله ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل -رجلاً منا له صلاح وإسلام- فلما سمع لبيد اخترط سيفه وقال: أنا أسرق؟! فوالله ليخالطنكم هذا السيف أو لتبينُنَّ هذه السرقة. قالوا: إليك عنها أيها الرجل، فما أنت بصاحبها.
فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها، فقال لي عمي: يا ابن أخي، لو أتيت رسول الله فذكرت ذلك له. قال قتادة: فأتيت رسول الله فقلت: إن أهل بيت منا أهل جفاء، عمدوا إلى عمي رفاعة بن زيد فنقبوا مشربة له وأخذوا سلاحه وطعامه، فليردوا علينا سلاحنا، فأما الطعام فلا حاجة لنا فيه. فقال النبي : «سَآمُرُ فِي ذَلِكَ». فلما سمع بنو أبيرق أتوا رجلاً منهم يقال له: أسير بن عروة فكلموه في ذلك؛ فاجتمع في ذلك ناس من أهل الدار فقالوا: يا رسول الله، إن قتادة بن النعمان وعمه عمدوا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح يرمونهم بالسرقة من غير بينة ولا ثبت. قال قتادة: فأتيت رسول الله فكلمته، فقال: «عَمَدْتَ إِلَى أَهْلِ بَيْتٍ ذُكِرَ مِنْهُمْ إِسْلاَمٌ وَصَلاَحٌ تَرْمِيهِمْ بِالسَّرِقَةِ عَلَى غَيْرِ ثَبْتٍ وَلاَ بَيِّنَةٍ». قال: فرجعتُ ولوددت أني خرجت من بعض مالي ولم أكلم رسول الله في ذلك، فأتاني عمي رفاعة فقال: يا ابن أخي، ما صنعت؟ فأخبرته بما قال لي رسول الله ، فقال: الله المستعان. فلم يلبث أن نزل القرآن {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} [النساء: 105].
فلما نزل القرآن أتى رسول الله بالسلاح فرده إلى رفاعة، فقال قتادة: لما أتيت عمي بالسلاح وكان شيخًا قد عمي أو عشي في الجاهلية، وكنت أرى إسلامه مدخولاً، فلما أتيته بالسلاح قال: يا ابن أخي، هو في سبيل الله. فعرفتُ أن إسلامه كان صحيحًا، فلما نزل القرآن لحق بشير بالمشركين فنزل على سلاقة بنت سعد بن سمية فأنزل الله: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115) إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: 115، 116].
فلما نزل على سلاقة رماها حسان بن ثابت t بأبيات من شعره، فأخذت رحله فوضعته على رأسها ثم خرجت به فرمت به في الأبطح ثم قالت: أهديت لي شعر حسان؟! ما كنت تأتيني بخير. بل إنه -في بعض الروايات- هرب إلى مكة مرتدًّا، ومات بها
وإذا كان هذا الحكم العادل قد جاء في حق اليهودي على حساب مسلم ضعيف الإيمان مذبذب العقيدة، فإن هذا الحكم لم يصدر لشكٍّ في إيمان المسلم وعقيدته، بل كان سيصدر مهما كان المخطئ؛ لأن الشريعة لا تُحابي أحدًا، والرسول لا يجامل أصحابه ومعارفه.
قصة جابر بن عبد الله  ويهودي
وإن شئت الإيضاح أكثر لهذا المعنى، والتأكيد بصورة أعمق لهذه الحقيقة، فراجع هذه القصة العجيبة التي حدثت بين يهودي وأحد الصحابة المكرمين، والذي كان مقرَّبًا جدًّا إلى قلب رسول الله ، وهو جابر بن عبد الله بن حرام –رضي الله عنهما، وهو من الصحابة الكرام الذين حضروا بيعة العقبة الثانية في طفولته مع أبيه «عبد الله بن حرام»، وشهد المشاهد كلها ابتداءً من أُحد أو التي عدها
يروي جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما- فيقول: «كان بالمدينة يهودي، وكان يسلفني في تمري إلى الجِداد -وكانت لجابرٍ الأرض الَّتي بطريق رومة- فجلستُ، فخلا عامًا، فجاءني اليهوديُّ عند الجِداد، ولم أجدَّ منها شيئًا، فجعلتُ أستنظره إلى قابل فيأبى، فأُخبر بذلك النبي ، فقال لأصحابه: «امْشُوا نَسْتَنْظِرْ لِجَابِرٍ مِنَ الْيَهُودِيِّ».
فجاءوني في نخلي، فجعل النبي يُكلِّم اليهوديَّ، فيقول: أبا القاسم، لا أنظره.
فلمَّا رأى النبي قام فطاف في النخل، ثمَّ جاءه فكلَّمه فأبى، فقمتُ فجئتُ بقليل رطبٍ فوضعته بين يدي النبي ، فأكل ثمَّ قال: «أَيْنَ عَرِيشُكَ يَا جَابِرُ؟» فأخبرتُه، فقال: «افْرُشْ لِي فِيهِ». فَفَرَشْتُهُ، فدخل فرقد ثمَّ استيقظ، فجئتُه بقبضةٍ أخرى، فأكل منها ثمَّ قام فكلَّم اليهوديَّ فأبى عليه، فقام في الرِّطاب في النَّخل الثَّانية ثمَّ قال: «يَا جَابِرُ، جُدَّ وَاقْضِ». فوقف في الجداد فجددت منها ما قضيته، وفضل منه، فخرجت حتى جئت النبي فبشَّرته، فقال: «أَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ»
فهذه قصة عجيبة يستدين فيها جابر بن عبد الله –رضي الله عنهما- من يهودي، فيأتي ميعاد سداد الدين، وليس مع جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- ما يقضي به دَينه، فجعل يطلب من اليهودي أن يؤخره عامًا حتى يستطيع السداد -وكان جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- من الفقراء المدينين- لكن اليهودي أَبَى وأصرَّ على أن يأخذ دَينه في موعده، فأخبر جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- رسولَ الله بالأمر، وطلب منه أن يتوسط بينه وبين اليهودي، وقام رسول الله بالفعل، بل أخذ معه بعضًا من أصحابه، وذهب إلى اليهودي يستشفع لجابر، فيقول جابر t: فجعل رسول الله يكلِّم اليهودي. أي أنه أكثر في الكلام والاستشفاع عنده، لكن اليهودي رفض بكل وسيلة، وكان مصرًّا على قوله: أبا القاسم، لا أنظره.
هذا موقف يقع فيه أحد الأصدقاء المقربين إلى قلب من يحكم المدينة المنورة بكاملها في أزمة مع أحد رعايا هذه المدينة وهو اليهودي، إنه يريد تأجيل سداد الدين وليس المماطلة فيه أو التغاضي عنه، والرسول بنفسه يستشفع له، ولكن اليهودي يرفض، ومع ذلك لم يجبر زعيم الأمة الإسلامية وقائد المسلمين ورسول ربِّ العالمين ذاك اليهوديَّ أو يُكْرِهْهُ على قبول استشفاعه!
لم ينظر رسول الله هنا إلى صورته التي قد يستضعفها المراقبون والمحللون للموقف، ولم ينظر إلى حبِّه لجابر بن عبد الله وقُرْبِهِ من قلبه، ولم ينظر إلى تاريخ اليهود العدائي مع المسلمين؛ لم ينظر إلى كل هذه الاعتبارات ولا إلى غيرها، إنما نظر فقط إلى إقامة العدل في أسمى صوره.
إن الحق مع اليهودي، والسداد واجب، والاستشفاع مرفوض من صاحب الحق، فليكن السداد، وليكن الإنصاف لليهودي غير المسلم، ولو كان من صحابي جليل وابن صحابيٍّ جليلٍ.
إن هذا هو الإسلام حقًّا..
لم يكن هذا تكلفًا من الرسول ، ولا تجملاً منه، إنما كان التطبيق الطبيعي لقواعد الدين.
يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء: 135].
إن الشفقة على جابر لفقره لم تكن مبررًا للحكم له ضد اليهودي.
يقول الشوكاني في فتح القدير في تفسير هذه الآية {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا}: «إن يكن المشهود عليه غنيًّا فلا يُراعى لأجل غناه استجلابًا لنفعه أو استدفاعًا لضره؛ فيترك الشهادة عليه، أو فقيرًا فلا يُراعَى لأجل فقره؛ رحمةً له وإشفاقًا عليه، فيترك الشهادة عليه»

11:36 ص | تحت قسم | إقرأ المزيد

الأرشيف