--------------------------------------------------------------------

المشاركات الشائعة

زوار المدونة

أحدث التعليقات

المتابعون

إحصائية المدونة

تعلقات القراء

إقرأ أيضا

وحشية النظام السوري وانتصار الثورة السورية

ثورة سوريامع مجزرة الفجر في المسجد العمري في مدينة درعا السورية الشهيدة يسجل نظام القتل والإرهاب والجريمة والخيانة الوطنية والقومية في دمشق، جريمة مضافة إلى ملف وسلسلة جرائمه التي لا تحصى، والتي ستظل شاهدًا على أقبح وأبشع نظام سياسي متفرعن ظل يقاوم الفناء والاندثار، وآن وقت ترحيله على يد الجماهير السورية وبإرادتها الوطنية الحرة نحو مزبلة التاريخ.
المراهنة على شجاعة وإيمان وفدائية جماهير سورية لم تكن يومًا موضع شك أبدًا؛ فمقاومة الجماهير السورية الأسطورية للقمع والتقتيل هي واحدة من أشجع الظواهر المضيئة في تاريخ سورية المعاصرة, ومقاومة إرهاب السلطة الأسود هو وسام شرف تاريخي لا تستحقه غير تلك الجماهير التي أثبتت بسالتها، وتحدتْ مختلف الظروف والتعتيم والتواطؤ في سبيل إبراز الهوية الكفاحية التاريخية لشعب الشام العظيم، الذي ينفض اليوم عن جسده الطاهر غبار الذل والخنوع، ويتهيأ ليوم المواجهة الكبرى ضد القتلة والفاشيين والمجرمين من أهل نظام المخابرات الجبانة، التي لم تفلح في صيانة حدود وثغور الوطن، بل نجحت وتميزت في قتل الأبرياء ودفن الأحرار وتصنيع الإرهاب وتصديره والتحالف مع شياطين الحرس الثوري الإيراني الصفوي في التآمر على وحدة الأمة العربية وسلامتها.
لقد وصل نظام القتل الاستخباري السوري لنهاية المطاف، وجماهير حوران الشجاعة المجاهدة الذين ردووا الشعارات المستنكرة للتحالف مع النظام الإيراني وأدواته في المنطقة، وأهمها تنظيم حزب "خدا" الإيراني اللبناني الإرهابي. لقد رصدت بالضبط نقطة التآمر المركزية وأشارت بالتحديد لطبيعة ذلك النظام العدواني الناهب للوطن وثرواته. لقد أحرقت الجماهير قصور الدجل ومحاكم التفتيش بأحكامها المضحكة والمجافية للمنطق والعقل والتحضر، وتُهمها السخيفة الجاهزة ضد كل صوت حر ينادي بالحرية والعدالة, فلا عدالة حقيقية في ظل نظام القمع الوراثي الفئوي الاستغلالي الاستخباري.
كما كان رد فعل الجماهير بإحراق مقر حزب البعث الحاكم اسميًّا، بمنزلة حكم جماهيري وشعبي فاصل ومبرم على نهاية الدور التمويهي والكارتوني لذلك الحزب، الذي تحول خرقة بالية وممسحة رخيصة بيد الحكام الوراثيين الذين أنهوا سيرة ومسيرة وتاريخ ذلك الحزب منذ عقود وعقود، ولم يعد وجوده مجديًا أو ذات فائدة في زمن الشلل والمافيات المالية والاقتصادية والسياسية والاستخبارية التي تحكم الشام، وتمتص ثرواتها وتحيلها مزرعة لأهل العشيرة والعائلة الذهبية المحظوظة، فيما يكون نصيب الشعب السوري الظلم والتجهيل والإفقار والنهب والاستغلال، وتوسيع مساحات السجون السرية والعلنية واعتقال الأطفال وتلفيق التهم الجاهزة، واستباحة الأعراض والمقدسات، ومحاولة طمس الهوية والتاريخ النضالي المشرف للشعب السوري.
لقد قلناها سابقًا: لقد انطلق المارد السوري الذي سيسحق تحت أنفاسه الثورية الساخنة كل الطغاة, واشتعلت الثورة الشعبية الكبرى في سورية المجد, ولن تستطيع كتائب ماهر الأسد الخاصة ولا فيالق آصف شوكت، ولا فرق المملوك ولا صعاليك الفروع الاستخبارية السورية من الوقوف بوجه إرادة الشعب والتاريخ, وسورية مقبلة على فصول ساخنة..
فالنظام المتفرعن الطائش وهو يرى تهاوي حصونه وقلاعه تدريجيًّا لن يسلم أوراقه بسهولة، بل سيحاول إعادة العجلة للوراء وتطبيق أساليب الماضي القريب القمعية والاستئصالية رغم تغير الظروف والمعطيات الدولية؛ فمجزرة كبرى من طراز ما حصل في حماة عام 1982م أو ما حصل في سجن تدمر الصحراوي عام 1980م، لا يمكن أن تتكرر من دون نتائج مدمرة ستصب مباشرة على رءوس قادة النظام من الشباب الطائش أو العواجيز المتهالكين الذين لن يفلتوا أبدًا من عقاب الشعب وتوبيخ ولعنة التاريخ.
لا توجد اليوم سرايا الدفاع المطلقة اليد بتصريح فاعل من النظام الدولي القديم الذي كان يغض الطرف، ويعمي العيون عن المصائب أبدًا!! سيقتل ماهر الأسد وعصابته من القتلة بالطبع معارضيهم, وسيزرعون الرعب والموت والدمار وسيهددون بالوحشية المفرطة، وسيقدم الشعب السوري ضحايا غالية من زهرة شبابه، ولكنها في جميع الأحوال ستكون المواجهة الأخيرة وستكون الغلبة للشعب، وستحل النهاية الإغريقية البائسة على رءوس الطغاة إن لم يرعووا ويرتدعوا عن مخططاتهم الإجرامية، ويفسحوا في المجال لقوى الحرية الشابة لكي تقود المسيرة وتعزز الوطن، وتعلي بناءه بعد أن تسبب القتلة والفاشلون من الوارثين للذل والعار والإرهاب بتشظية ذلك الوطن وإفقاره وإفراغه من طاقاته الجبارة التي تشهد بها مهاجر الدنيا.
الشعب السوري بكل تأكيد على موعد مقدَّس وحاسم ونهائي مع التاريخ, وأحرار سورية سيغيرون كل قواعد اللعبة وسيصححون المسيرة، وستبرز سورية بكل إرثها الحضاري نجمة من نجوم الشرق القديم والجديد.. ليرحل الطغاة عن كل شبر طاهر من أرضنا, واللعنة على كل القتلة والإرهابيين الذين يعيشون على امتصاص دماء شعوبهم.
الثورة السورية لن تتوقف أبدًا حتى تنبثق سورية الحرة التي لا يركع شعبها إلا لرب العزة والجلال.. مرحى بأبطال الثورة الشعبية السورية المجيدة، وهم يعيدون كتابة تاريخ الشرق بدمائهم الغالية.. ولن يفلت القتلة واللصوص.

2:53 م | تحت قسم | إقرأ المزيد

ثورة ليبيا .. المخاض العسير

ثورة ليبياتفجرّت الثورة التونسية وكانت بمنزلة الحجر الكبير الذي أُلقي في ماء عالمنا العربي الراكد الآسن، ثم التقطت مصر الراية ضاربة بثورتها السلمية أعظم النماذج الثورية في تاريخنا المعاصر، وكانت الأنظار تتجه بعدهما إلى العديد من الدول العربية مثل الأردن أو البحرين أو اليمن أو الجزائر، متوقعين اشتعال الثورة الثالثة على أراضيها..
لم يفكر أحد في ليبيا، وتوقع الجميع أنها ستكون آخر الدول العربية المتحررة من الدكتاتورية -إن استطاعت التحرر-، ولكن الشعب الليبي خالف كل التوقعات، ونجح في هزّ أركان نظام العقيد المجرم معمر القذافي.
 القذافي وتكميم الأفواه
لا شك أن النصيب الأكبر من هذه الثورة المفاجئة كانت من نصيب القذافي نفسه؛ فقد كان همّ العقيد الأول منذ نجح في انتزاع السلطة عام 1969م هو تصفية أي معارضة لحكمه، واستخدم في سبيل تحقيق هذا الهدف من الأهوال ما يشيب له الولدان..
فهذا صحافي فكّر في معارضة القذافي، فتم اختطافه وتعذيبه حتى الموت، ووجدت جثته ملقاة في إحدى ضواحي مدينة بنغازي وآثار التعذيب واضحة عليها، وأكثر من ذلك حيث كانت مقطّعة الأصابع؛ لتوصيل رسالة واضحة لكل حر تسوّل له نفسه الخوض في سيرة القائد الفذ، ومناقشة أفكاره ومحاولة فك طلاسم خزعبلاته الفكرية التي أضحت مسار سخرية شعوب العالم أجمع.
وهذه قصة الزعيم مع المعارضة الإسلامية التي استمّر القائد في اغتيال قادتها لسنوات وسنوات في داخل وخارج ليبيا، وإعدام المئات من سجنائها المحتجزين في ليبيا، تنفيذًا للسياسة الرسمية الداعية إلى التصفية الجسدية لخصوم الحكومة السياسيين.
كل ذلك بهدف تكميم أفواه المعارضين.
كما تضخّم ملف السجناء السياسيين والمفقودين والمغيبين في داخل السجون الليبية، وانتشرت الأخبار عن حجم الانتهاكات التي ترتكبها الدولة الليبية في حق مواطنيها، وتضمنت التقارير الحقوقية أبشع وسائل التعذيب بدءًا من الضرب بالأيدي والأقدام والأحزمة والعصي والأسلاك الكهربية، ومرورًا باستخدام الصدمات الكهربية، وصولاً إلى اغتصاب السجناء والتهديد باغتصاب زوجات المعتقلين وبناتهم لإجبارهم على الاعتراف، فضلاً عن المعاملة غير الإنسانية التي يعامل بها السجين داخل السجن، كأن يجبر في مرات عديدة على شرب بوله، وفقدت العشرات من عائلات السجناء السياسيين الأمل في رؤية أبنائهم وأقاربهم مرة أخرى.
ويكفي أن نذكر هنا ما حدث في مذبحة سجن أبو سليم الواقع في مدينة طرابلس، والتي عُدّت من ضمن الجرائم الأشد ضد الإنسانية، حيث راح ضحيتها نحو 1200 سجين سياسي، وذلك عندما فتحت قوات الحرس نيران أسلحتها الخفيفة والثقيلة على السجناء العزّل، وذنبهم الوحيد أنهم أعلنوا تمردًا وإضرابًا داخل السجن نتيجة الأوضاع الصحية السيئة والمعاملة غير الإنسانية، واحتجاجًا على أصناف التعذيب والإهانة، واستمرار حبسهم دون تقديمهم لأي محاكمة
وذلك إلى جانب سن النظام الليبي بقيادة معمر القذافي منذ وصوله إلى السلطة المئات من القوانين بغرض تقليص الحريات العامة، والتضييق على أي نشاط سياسي أو ثقافي، مثل القانون رقم 45 لسنة 1972م الذي يجرّم الإضرابات والاعتصامات ‏والمظاهرات، وقانون رقم 71 لسنة 1972م الذي يجرّم الحزبية بعدما اعتبرت إحدى مواده ممارسة الحياة الحزبية خيانة في حق الوطن!!
ولهذه الأسباب وغيرها الكثير، استشعر الجميع مدى صعوبة قيام الشعب الليبي بالثورة على هذا الطاغية ونظامه.
لكن أبناء هذا الشعب المُعلِّم أبوا إلا أن يضربوا لنا أعظم الأمثلة في معاني الشجاعة والفداء، فضلاً عن معاني البطولة والصمود أمام هذا النظام الغاشم وآلته العسكرية التي كدسها عبر سنوات من أموال الشعب الليبي، وها هو الآن يستخدمها في قمع إرادته!!
 اندلاع الثورة الليبية ومسارها
بالتأكيد كان لنجاح الثورة التونسية ثم المصرية أعظم الأثر في الوصول بغضب الشعب الليبي المكتوم إلى درجة الغليان، بعدما شعر أبناء ليبيا بإمكانية الخلاص من هذا المجنون الجاثم على عرش ليبيا.
وكانت البداية بدعوة أطلقها العديد من النشطاء على شبكة الإنترنت للقيام بانتفاضة شعبية ضد نظام القذافي، وحددوا لها يوم 17 فبراير.
لم ينتظر الليبيون حتى يوم الخميس 17 فبراير حيث بدأت المظاهرات الاحتجاجية منذ صباح الأربعاء 16 فبراير في مدينة بنغازي الواقعة في شرق ليبيا، وفي يوم الجمعة 18 فبراير توسعت الاحتجاجات لتنتقل إلى الغرب الليبي، وعلى الرغم من القمع العنيف والدموي للمتظاهرين إلا أن الوضع في المدن الليبية خرج تباعًا عن سيطرة قوات الأمن التابعة لنظام القذافي..
بدأ هذا التداعي بمدن الشرق في ليبيا؛ إذ انضمت أجدابيا ودرنة وبنغازي والبيضاء وطبرق وشحات والمرج ثم الكفرة.
ثم تحول الأمر إلى المدن القريبة من العاصمة طرابلس، التي شهدت كرًّا وفرًّا بين المتظاهرين وكتائب الأمن التابعة للقذافي، فقد انضمت للمتظاهرين مدن بني الوليد والزنتان ومصراتة والزاوية وزوارة والخمس وترهونة.
كذلك على صعيد القبائل، حيث انضمت كل من قبيلتي ترهونة ورفلة -وهما أكبر قبيلتين في ليبيا ويناهز عددهما المليونين- إلى المتظاهرين ضد نظام القذافي، كما أكدت قبائل الطوارق في جنوب ليبيا تأييدها للمطالبين بإسقاط النظام
وجاء رد العقيد معمر القذافي على احتجاجات مواطنيه شاذًّا وغريبًا كعادته، فقد واجه مطالب شعبه المشروعة بأن أطلق عليهم الآلاف من المرتزقة الأفارقة الذين استأجرهم القذافي خِصِّيصَى لقمع الثورة الليبية، وأمّن هجومهم بغطاء من القصف الجوي للطيران الحربي الليبي!!
وقد ساهم القذافي وأداة قمعه الرهيبة -من حيث لا يدري- للمظاهرات الليبية السلمية في قطع خط الرجعة لدى الثوّار، فتدفق مخزون الشجاعة والإباء والنخوة والشهامة الليبي لاستيفاء استحقاق التغيير الذي ظل ثمنه يرتفع نتيجة التخاذل الدولي في كبح جماح النظام السفاح.
أخيرًا وبعد أيام طوال قضاها الثوار تحت قصف الطيران والمدفعية الثقيلة، قرّر المجتمع الدولي التدخل وفرض الحظر الجوي على سماء ليبيا؛ ليُحرم القذافي المجرم من متعة قتل العشرات في كل طلعة جوية.
ورغم الاعتراض والمخاوف التي أثيرت حول التدخل الدولي إلا أننا في ظل التخاذل والعجز العربي والإسلامي لن نستطيع منع القوات الدولية من الدفاع عن أشقائنا الليبيين، وخاصة بعدما قَبِل الثوار استكمال جهادهم تحت هذه المظلة، وإن كنا نؤكد على خطورة الركون إلى التدخل الغربي، ولا نملك إلا الدعوة بالاكتفاء بهذا الحظر الجوي والقبول ببعض الأسلحة التي تعين على التصدي لهذا السفاح القاتل، مع التحذير الشديد من استقدام جندي أجنبي واحد إلى الأراضي الليبية؛ مخافة الدخول في متاهات خبرناها كثيرًا على مر تاريخنا.
وها هي المعركة الليبية المصيرية تقترب من نهايتها، وننتظر خبر هروب السفاح المجنون ما بين ساعة وأخرى بأيدي أشقائنا الثوّار في ليبيا؛ ليكملوا ما بدأه إخوانهم في تونس ومصر، ونسمع صداه مدويًّا في اليمن وسوريا، وننتظره في باقي دول عالمنا العربي التي أذن لها الله بعد عقود من الذل والاستعباد على يد الاحتلال الغربي، ثم الاحتلال الوطني المحلي -المتمثل في أنظمة وطنية لا تقل شراهة في السرقة والاستنزاف لموارد البلاد والعباد عن الاستعمار الخارجي- أن تتنسم عبير الحرية وترنو إلى مستقبل مشرق لتلحق بالعالم المتحضّر المتقدم.
 وختامًا..
الصبر الصبر أيها الثوار، والاعتصام بحبل الله والثقة في نصره {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [يوسف: 110].
يأيها الثوار، جددوا نياتكم لله، فهذه المحنة ليس لها من دون الله كاشفة.. واعتبروا مما حدث لإخوانكم في مصر الذين لم ينزل عليهم النصر إلا بعدما تيقنوا أن لا ناصر لهم إلا الله.. وتدبروا أحداث الليلة الأخيرة في حكم الرئيس المصري المخلوع مبارك عندما استيئَس المصريون من حولهم وقوتهم، واتجهوا بكاملهم إلى الله يدعونه؛ ليكشف عنهم الغُمَّة بحوله وقوته، فلم يمر عليهم يوم آخر إلا وقد نصرهم الله على الفرعون

2:50 م | تحت قسم | إقرأ المزيد

تركيا: على الزعماء العرب مواجهة الهزيمة

قال وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، الأربعاء 30 مارس: إن عهدًا جديدًا يجتاح الشرق الأوسط، وإنّ على الحكام العرب أن يتبنوا التغيير أو المخاطرة بإزاحتهم.
ورفض أوغلو مزاعم كثير من الحكام العرب بأنّ موجة الانتفاضات الشعبية، التي لم يسبق لها مثيل وأطاحت برئيسي تونس ومصر، وألهمت حشودًا في كل من ليبيا واليمن والبحرين وسوريا من عمل "عناصر أجنبية".
وقال داود أوغلو: إنّ الشرق الأوسط يمر بحالة جيشان سياسي واجتماعي، مثل تلك التي هيمنت على شرق أوروبا في التسعينات وأطاحت بعدد من الدكتاتوريات الشيوعية.
وأضاف في مقابلة مع وكالة "رويترز": إنّ العالم يتغير وأن الأجيال العربية الشابة "أرادت مزيدًا من الكرامة والرخاء الاقتصادي والديمقراطية. وتابع: "والآن ينبغي للزعماء الحكماء في المنطقة قيادة هذه العملية وليس محاولة منعها. من يحاولون منع هذا العملية سيواجهون مزيدًا من المصاعب مثلما هو الحال في ليبيا".
ومضى يقول "هذا عهد جديد سيفرز كثيرًا من التحديات، وكثيرًا من الفرص، وكثيرًا من المخاطر".
وكان داود أوغلو يتحدث بعد يوم من تكثيف تحالف دولي في لندن للضغط على العقيد الليبي معمر القذافي للتخلي عن السلطة، وقراره مواصلة العمل العسكري ضد قوات القذافي إلى أن يمتثل لقرار للأمم المتحدة.
وردًا على سؤال بشأن اتهامات سوريا بأنّ "عناصر أجنبية" تقف وراء أسبوعين من الاحتجاجات المناهضة للحكومة؛ قال داود أوغلو "ليس لدينا أي دليل. في تونس ومصر وليبيا وسوريا والبحرين واليمن.. في كل تلك الدول كانت بداية أصيلة".
وقال: إنّ محمد بوعزيزي بائع الخضراوات التونسي، الذي أشعل النار في نفسه احتجاجًا، بعدما صفعته ضابطة شرطة على وجهه وأهانته كان "تونسيًا عاديًا".
وأضاف: "إذا اعتقدنا أن تلك الأمور تقودها عناصر أجنبية فهذا يعني عندئذ أننا نعتقد أنه لا يمكن للأفراد العرب أو المجتمعات العربية المطالبة بالتغيير أو فعل شيء كهذا" وتابع: "يريد عرب عاديون.. شبان عرب.. رجال ونساء مزيدًا من الكرامة والحرية والمشاركة في الحياة السياسية. أعتقد أن المطالب بالتغيير أصيلة".
وقال: "ينبغي أن نفهم تلك الأصوات في ميدان التحرير.. وفي تونس وفي المناطق الأخرى. عندئذ يمكننا الاستعداد للمستقبل".
وكشف عن أن بلاده أجرت مشاورات عديدة مع سوريا مع تنامي التحدي لحكم الأسد الذي بدأ قبل 11 عامًا.
وقال: "نحن ندعم الإصلاحات والتحول إلى الديمقراطية، لكن ينبغي أن يكون تحولاً سلميًا، وليس من خلال العنف والهجمات ضد المدنيين أو من خلال محاولة الإبقاء على الوضع الراهن أو زعزعة الاستقرار".
ويتطلع داود اوغلو إلى عهد جديد في ليبيا بمجرد إقناع القذافي بأنّ عصره قد ولى، وقال: "طول أمد الوضع الراهن المتمثل في التوتر الأهلي أو انقسام ليبيا.. خيارات غير جيدة.. وينبغي للقذافي أن يدرك هذا أيضًا".

2:46 م | تحت قسم | إقرأ المزيد

إنقاذ اليمن .. مسئولية من ؟!

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
ثورة اليمنحتمًا علينا أهل اليمن -ونحن نعيش أزمة خانقة في هذه الفترة الحرجة- أن نقف على أخطر الأسباب التي آلت بنا إلى هذه الحالة المفزعة، وأوصلتنا إلى حافة الهاوية إن لم نتدارك أنفسنا بأسرع وقت سقطنا جميعًا في قعرها.
فليس من الحكمة أن ننظر إلى العرض ونتجاهل أصل المرض؛ لأن معرفة الداء هو بداية الدواء، وما يدور في اليمن هو حصيلة أسباب متراكمة سأذكر أخطرها -حسب ظني- على سبيل الإجمال مع بيان السبب الذي أدى إلى تفاقم الأزمة، واستحكام حلقاتها، وما هو الواجب على الجميع فعله لإنقاذ اليمن.
 فأخطر الأسباب هي:
السبب الأول: ترك أو ضعف الالتزام بشرع الله I في السياسات العامة والتصرفات الخاصة، وعدم اللجوء والرجوع إلى تحكيم الشرع عند التنازع والاختلاف، وهذا يعتبر السبب الأصل.
السبب الثاني: الإخفاقات السياسية في إدارة الأزمات والصراعات، والتي خلّفت احتقانات سياسية في الساحة اليمنية، وكان للنظام دور في إيجاد بعضها، والحرص على عدم خلو الساحة منها -حسب ما يطرحه المختلفون مع السلطة- خاصةً في العقد الأخير.
السبب الثالث: الإخفاقات الاقتصادية التي وقع فيها النظام، وعلى وجه الخصوص الفساد المالي والإداري، وسوء التصرف بالمال العام الذي نتج عنه اتساع دائرة البطالة، وارتفاع نسبة الفقر، وظهور طبقة رأسمالية على حساب القوت الضروري لبقية طبقات المجتمع، وكان لتدهور الاقتصاد العالمي أثر في زيادة الأزمة المالية.
السبب الرابع: قيام الثورات الشبابية السلمية في بعض الدول العربية دوافعها الأولى اقتصادية، تليها في الرتبة دوافع سياسية، فكان لنجاحها الكلي بإسقاط النظام في تونس ومصر أثر في تشجيع الشباب في اليمن على السير في نفس الطريق، ولنفس الدوافع، وحظيت بمساهمة ومساندة من أحزاب المعارضة في الداخل، وبدعم إعلامي، ولوجستي من الخارج.
السبب الخامس: المكايدات والمزايدات الحزبية لدى السلطة والمعارضة، مما جعل العلاقة بينهما قائمة على سوء الظن، ورصد السلبيات وتهويلها أو اختلاقها وافتعالها؛ فالمعارضة توصلت إلى قناعة تامة بأن السلطة لا تريد إعطاء الحقوق التي كفلها الدستور، ولا تستطيع أيّ جهة انتزاع بعض حقوقها من السلطة إلا بتهويل وتصعيد إعلامي قوي، والسلطة لا تستجيب في الغالب إلا لأدنى سقف من المطالب، ولمن له ثقل سياسي أو اجتماعي، وكلما وجدت فرصةً للتخلص من المطالب والحقوق، وفي ذلك مصلحتها تخلصت ولا تبالي بالآخر وحقوقه؛ مما جعلها مفقودة الثقة.
ولا مبالغة في اعتبار هذا هو أخطر سبب في تفاقم الأزمة وتعقيدها؛ لأنه يعتمد على أقوى سلاح في معركة العصر الحديث وهو الإعلام الذي يصنع الحياة أو يدمرها، وإذا استخدم بطريقة غير صحيحة من السلطة والمعارضة؛ فإنه لا يترك مجالاً للاعتراف بالأخطاء، فضلاً عن تصحيحها، ويولد ردود أفعال متشنجة تخلق من الأزمة أزمات، وتؤجج نار الفتنة، وتقود إلى تفجر الوضع، ولعله قد أخطأ في التقدير من قال: إن الإعلام السلطة الرابعة، والصحيح أنه السلطة الأولى؛ لأنه هو الذي تعتمد عليه بقية السلطات.
وإذا كان من يرقب الوضع السياسي في اليمن منذ بضع سنوات يصاب بالخوف على مصير اليمن؛ لغياب الإنصاف والموضوعية في معظم ما تطرحه وسائل الإعلام الرسمي والمعارض؛ فإنه اليوم يصاب بالفزع لما يشاهده ويسمعه من تصريحات غير موضوعية، ومجانبة للعدل والإنصاف.
ففي الوقت الذي نحن بأمسّ الحاجة إلى نزع فتيل الفتنة، وتقريب وجهات النظر، وإقناع جميع أطراف النزاع بأنه لا بد من التنازل من أجل المصلحة العامة للأمة، وذلك بقول كلمة الحق، والإنصاف في الطرح والحكمة في التعامل مع الأزمة، وأن لكل طرف حظَّه من الحق، وحظه من الصواب، وأن كل طرف محتاج إلى الآخر، والوطن بحاجة إلى الجميع.
يفاجأ الغيورون على مصلحة الأمة -الناظرون إلى النتائج في المتوقع من منظور الواقع- بأنه ومع بداية تفاقم الأزمة استمرت السلطة والمعارضة في شنّ الحرب الإعلامية والاتهامات المتبادلة؛ فكان الغالب في التصريحات هو منطق التهميش والإلغاء والإقصاء، والسخرية والتجريح والاستعداء، وهذا المنطق إنْ استمر سيقود الجميع إلى هاوية الفتنة والسقوط فيها.
وسيتم الاقتصار على ذكر بعض النماذج الصادرة في الآونة الأخيرة من باب التمثيل لا الحصر، مع بيان ما للمبالغة وعدم الإنصاف في الطرح من ضرر، ونتائج عكسية؛ لأنه ما زاد عن حده انقلب إلى ضده.
فماذا يعني أن يصرح مصدر مسئول رفيع المستوى قبل تفاقم الأزمة بأن المتظاهرين المطالبين بالتغيير ليس لهم ثقل، وأنهم يعدون بالمئات فقط؟
ألا يعني التهميش والاستخفاف بالآخر؟ ألا يفهم منه محاولة الإقصاء والإلغاء للآخر؟ ألا يؤدي إلى تحريض الآخر وحثه على استعراض جميع قواه لإظهار حجمه في الواقع، وإغاظة من ينتقص من شأنه؟
وفعلاً كان الرد سريعًا، وخرج المطالبون بالتغيير بالمئات كما صرح المصدر المسئول، لكن مئات بحساب الواقع المنظور، لا بحسبان المصدر المسئول. نعم، إنهم مئات الآلاف في العاصمة وحدها، فضلاً عن بقية المحافظات.
وماذا يعني أن يصرح مصدر مسئول أن شباب التغيير قد انفضوا من الساحات، ولم يبق فيها إلا الذين لهم اتجاه تنظيمي، ويخص بالذكر شباب الاتجاه الإسلامي بأنهم ليس لهم مشروع واضح، وأن فكرههم مرفوض؛ بل قد تقفز بعض التصريحات إلى الاتهام بالإرهاب والتطرف، وأسوأ ما تكون عندما يصرح بها الرجل الأول في السلطة؟
ألا يعني هذا عدم التحري في الطرح، وأن فيه تحريض الآخر على الحشد الجماهيري إلى ساحات الاعتصام، مما يوسع نطاق المطالبين بالتغيير، وهذا بدوره يغيظ النافذين في السلطة، وقد يفقد بعضهم السيطرة على أعصابهم؟
ألا يفهم من هذا النيل من العاطفة الإسلامية للشعب اليمني -التي كانت وما زالت السبب الرئيس في استتباب الأمن وتهدئة الأوضاع- خاصةً العاطفة الناشئة عن العقيدة الصحيحة والمنهج السليم، ويثير حفيظة الشعب اليمني المتدين على النظام الذي يعتمد على مثل هؤلاء الذين يؤلبون ضده في الظروف الحرجة؟
ألا يؤدي هذا إلى استعداء القوى الخارجية على البلاد، والوصول بها إلى ما يسمى بالأرض المحروقة؟
ألا يدل هذا على اللعب بأوراق محروقة سبق أن لعبت بها أنظمة فكان مصيرها الخسران؟
وبالمقابل ماذا يعني أن يصرح أكثر من مصدر مسئول في المعارضة في اتصال أو حوار بأن فترة الرئيس من أول يوم تولى فيه الرئاسة إلى يومنا هذا كلها فترة ظلم وظلام لم يحصل فيها عدل، ولم توجد فيها جوانب مشرقة؟
ألا يعني هذا استثارة حفيظة الرئيس؛ لأنه قد يفهم من هذه التصريحات بأنه مجرد تسليمه السلطة سيُسلك في سلسلة من العقوبات والانتقامات، ولا رجعة عن هذا المصير؛ مما يجعله يصرُّ على رأيه في عدم التنحي إلا في نهاية المدة، ويتمسك بكرسي الرئاسة حتى تحل الكارثة؟
ألا يفهم من هذا بأن بعض رموز المعارضة مشاركين للرئيس في الظلم والظلام؛ لأنهم كانوا في فترة من الفترات جزءًا من نظامه، ومنهم من كان معه على حلف مستمر؟
ألا يئول إلى وضع بذور عدم الثقة في المعارضة إن تسلمت السلطة في المرحلة القادمة؛ لعدم تحريها العدل والإنصاف في الانتقاد والطرح عن الآخر؟
وكذلك ماذا يعني تصريح مصدر مسئول في المعارضة بأنه أخبره بعض الشباب المعتصمين أن يوم الجمعة القادمة -باعتبار تاريخ التصريح- هو يوم الزحف إلى القصر الرئاسي، ويقول للرئيس أن يعمل ما بدا له من قتل وسفك للدماء؛ فإن كل ذلك -لو حصل- لن يوقف زحف الشباب حتى يصلوا إلى القصر ويخرجوه من مخبئه؟
ألا يقدم هذا فرصةً للسلطة أن تقول للرأي العام بأن المعارضة تريد تحويل مسار ثورة الشباب من الاتجاه السلمي إلى الاتجاه الدموي؟
وهو ما حصل بالفعل؛ فكان هذا التصريح ورقةً رابحةً للسلطة استعادت بها قوى كثير من الأنصار والأعوان، واستثارت بها العواطف للوقوف معها؛ مما ساهم في تكثير سواد الحشد الجماهيري المؤيد لمبادرة الرئيس، وهو ما قد يغري السلطة فتتراجع عن الإسراع في الاستجابة لمطالب الشباب، فتطول فترة الأزمة.
ألا يعني هذا -على فرض لو حصل الزحف- عدم اعتبار المآلات، وفتح الذرائع إلى سفك الدماء إمّا بإطلاق النار على مسيرة الشباب، أو بحصول اقتتال بين القوات المسلحة المنتشرة على الطرقات في العاصمة، خاصةً بعد أن حدث شرخ فيها، وتناوش بينها؟
ألا يدل هذا -على فرض لو حصل الزحف- على عدم اعتبار الواقع؟ فهل الرئيس قد صار إلى حالة من الضعف، وفقدان النصير حتى يستطيع الشباب الوصول إليه وإخراجه بأيديهم الخالية من السلاح؟
أما أن الرئيس بمحل من الزهد والورع بحيث أنه سيمنع كل القوات عن اعتراض الشباب وهم في طريقهم إليه، حتى وإن دخلوا القصر الرئاسي يريدون قتله فلن يدافع عن نفسه، وسيمنع الحرس الخاص عن إطلاق النار عليهم؛ لأنه يريد أن يموت مظلومًا؟
هذه نماذج تتعلق بعدم الإنصاف في الأقوال، أما ما يتعلق بعدم الإنصاف في الأفعال: يكفي-هنا- ذكر نموذج واحد وهو: أن السلطة احتكرت الإعلام الرسمي وأقصت المعارضة من أي مشاركة مستقلة إلا في حالات استثنائية وبمساحات إعلامية محدودة محصورة؛ فماذا كانت النتيجة؟
كانت النتيجة حصول تفجر إعلامي فوهته قناة سهيل الفضائية؛ وهي نتيجة طبيعية للانحباس الإعلامي المرئي الذي تكون في فكر المعارضة بسبب احتكار السلطة للإعلام الرسمي منذ سنوات، ومن سوء حظ السلطة أن الشباب -خاصة- قد أعرضوا إعراضًا شبه كلي عن الإعلام الرسمي، واعتمدوا اعتمادًا شبه كلي على المادة الإعلامية التي تقدمها قناتا سهيل والجزيرة، وما تبثه قناة سهيل فهي مادة إعلامية محلية منها القديم المؤرشف والجديد المساير للأحداث ولها تأثير، ولولا احتكار السلطة للإعلام الرسمي لما كان لها ذلك التـأثير، ولكانت المادة الإعلامية القديمة قد افتقدت شيئًا من تأثيرها بعامل الاستهلاك والزمن.
ومن باب الإنصاف أقول: ليس كل ما ذكرتُ بأنه قد يُفهم من التصريحات مقصودًا للمصرحين بها، أو أن كل من سمعها سيفهم ذلك الفهم، ولكن من واجبي الديني المناط بذمتي أردت لفت الانتباه إلى استشعار مسئولية الكلمة، وخطورتها وضرورة تجنب التصريحات التي تأجج الوضع، خاصةً وأن سوء الظن بالآخر هو المسيطر على أطراف النزاع في الساحة, وأن رحى الفتنة قد دارت هنا وهناك فأزهقت نفوسًا، وسفكت دماء، ومع ما قد حدث فالتعقلُ مطلوب خشية وقوع ما هو أعظم، وهو اصطلاء الجميع بنار الفتنة.
ومن أقوى الوسائل لإيقاف الفتنة وإطفاء نارها: العدل والإنصاف في القول، بل العدل يعتبر أعظم المقاصد الشرعية وأهمها، وهو من المقاصد العامة الثابتة بكليات الشريعة وجزئياتها، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90].
والعدل في الأقوال من المبادئ الثابتة التي يجب التمسك بها مع المحب والمبغض، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8].
ومع القريب والبعيد، قال سبحانه: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الأنعام: 152].
أما النكران للآخر، وإطلاق القول بأنه ليس له نصيب من الحق والصواب؛ فهو منهج اليهود والنصارى، قال الله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [البقرة: 113].
ومن الآيات التي تدل على أن الإنصاف في مخاطبة الآخر هو منهج الإسلام، قوله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [سبأ: 24]، وهو I يعلم أنهم من الضالين.
ومن الآيات التي تدل على الإنصاف في النقد قوله تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 75]. فذكر I ما لهم وما عليهم، وبدأ بذكر المحاسن قبل المساوئ.
فأقل ما يجب على المسلم عند اختلافه مع أخيه ومخاطبته له أن يكون منصفًا، وأن لا يعين الشيطان على أخيه؛ بل الأولى أن يحسن له القول كي يتمكن من اقتلاع جذور الكراهة والعداء، ووضع بذور المحبة والإخاء، قال الله تعالى: {وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34].
فإذا أراد اليمنيون اقتلاع جذور الفتنة، واستتباب الأمن، وإعطاء فرصة لأصحاب الجهود الطيبة والنيات الصالحة لحل الأزمة، وتسوية الوضع؛ فليقفوا صفًّا واحدًا في وجه من يمارسوا الإرهاب السياسي من السلطة والمعارضة، ويقولوا لهم بصوت واحد: كفى مكايدات.. كفى مزايدات.. كفى تصريحات نارية؛ فقد بلغ السيل الزُّبَى، وقد أطلت الفتنة بقرنيها، والوضع في ضرورة قصوى لا يتحمل أكثر مما قد وصل إليه.
وواجب كل العقلاء والحكماء من أبناء اليمن وخاصةً العلماء أن يكونوا مفاتيح خير مغاليق شر؛ فيطلقوا صيحات التحذير وصرخات الإنذار، ويدعوا جميع مكونات المجتمع المؤثرة من علماء ومشايخ ورجال أمن وقضاة وأكاديميين، وجميع الشرفاء في التنظيمات الحزبية والمنظمات المدنية، وبقية أفراد الشعب الغيورين أن يسارعوا إلى جمع قواهم لانتشال سفينة اليمن من الغرق، وإقناع أطراف النزاع بوجوب تحكيم شرع الله عند التنازع، قال سبحانه: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء: 59]. وبحتمية الصلح وضرورته؛ لأن إصرارهم واستصنامهم على آرائهم سيلقي بالبلاد إلى التهلكة، وأن يدعوا الجميع إلى مراقبة الله تعالى، ويواجهوهم بالأمور الواقعية الآتية:
1- أن يعلم الجميع بأن قضية شباب التغيير قضية موضوعية وعادلة، وقد استمدت قوتها من أحقيتها؛ "فإن لصاحب الحق مقالاً"، وما خرجت تلك الحشود الهائلة إلا لأنها تجرعت الظلم، وذاقت القهر، وعاشت مع الفقر في حلها وترحالها سنوات عديدة؛ فلا بد من تحقيق مطالبهم المشروعة، والنظر إلى قضيتهم بعيدًا عن تصفية الحسابات بين السلطة والمعارضة، وإن كانت المعارضة قد ركبت موجة التغيير فقوّت موقف الشباب وساهمت في تصعيد القضية؛ لأنها رأتها أقوى الوسائل لانتزاع الحقوق من السلطة، أو خافت من افتقاد ثقلها في الشارع. كما أن ركوب الموجات يعد نوعًا من أنواع المكايدات بين السلطة والمعارضة؛ بدليل أن السلطة كادت تخوض انتخابات برلمانية منفردة، وتركب موجة الانتخابات التشريعية المصرية لولا المستجدات في الساحة.
2- على الحزب الحاكم أن يميز بين مرحلتين من تاريخ الأزمة السياسية؛ فمرحلة ما بعد انتفاضة الشباب في بعض الدول العربية غير مرحلة ما قبلها؛ فالمرحلة الأولى كان بالإمكان التعامل معها بمبادرات ومقترحات، بل بمجرد تنظيرات سياسية، وإذا استعصت -أحيانًا- تتم تسويتها ببعض التنازلات السياسية لأطراف النزاع، وأما المرحلة الثانية فمختلفة عن الأولى في الشكل والمضمون، ولا يمكن أن تحل إلا بالاستجابة الفعلية لمطالبها.
3- على الأخ رئيس الجمهورية أن يعلم بأن الأزمة بالدرجة الأولى هي أزمة افتقاد ثقة، وكان الواجب عليه عدم الاقتصار على المبادرات الخطابية؛ لأنها لن تعيد الثقة وحدها ما لم تعزز بخطوات عملية في مسار آمن لتسليم السلطة، ولا بد أن تكون الخطوات سريعة؛ لأن التأخر يزيد من تفاقم الأزمة، فما كان مقبولاً بالأمس قد صار مرفوضًا اليوم.
4- على الحزب الحاكم أن يفرّق بين مرحلتين من تاريخ الأزمة- في الآونة الأخيرة- فمرحلة ما بعد الجمعة الدامية غير مرحلة ما قبلها؛ لأن المجزرة الدموية قد أدمت القلوب، وأدانت السلطة، بل أفقدتها التماسك؛ فحدثت تصدعات مدوية في بنائها، وشروخ في القوات المسلحة حتى كادت السلطة تصاب بمقتل؛ مما رجّح كفة الاستقالة المبكرة، وعلى السلطة أن تعلم أن اختلاف الروايات أو اختلاقها لن يبرئ ساحتها من الجريمة البشعة، وإنما قد يكون للاحتمالات تأثير في توصيف موقفها بين سيئ أو أسوأ، وقد تعتبر نوعًا من أنواع الفجور السياسي.
5- على الأخ رئيس الجمهورية: أن يعلم أن هذه المرحلة مرحلة حاسمة في حياته السياسية، وأن القرار الذي سيتخذه فيها هو الذي سيحدد مكانه في سجل التاريخ، ويرسم صورته في ذاكرة الأجيال؛ فمنطق العقل وداعي الحكمة يقتضيان أن يختم حياته السياسية خاتمة حسنة، ويجنب الوطن ويلات الفتن، وذلك بتقديم استقالته وهو في عزة ومنعة، وكلما أسرع باتخاذ القرار كان الوضع أفضل؛ فيكون قد توج منجزاته الوطنية، ورضي بسنة الله في التغيير؛ لأن بقاء الحال من المحال.
6- على الأخ رئيس الجمهورية: أن يفرّق بين أصحاب المبادئ والقيم الذين يصدقونه القول يريدون براءةً للذمم وإنقاذًا لليمن، وبين أصحاب المصالح والأهواء الذين يقلبون له الأمور، يريدون أكلاً للقم وزرعًا للفتن.
7- على قادة المعارضة: أن يستشعروا مسئوليتهم التاريخية أمام الله سبحانه، ويقدموا المصلحة العامة للوطن، فيسعوا جاهدين إلى نزع فتيل الفتنة؛ بترك الغلو والتعنت في المطالب باعتبارهم الوجه الآخر للسياسة في البلاد، كما يجب عليهم أن يكونوا حلقة وصل بين السلطة وشباب التغيير في الساحات للتوصل إلى انتقال السلطة بحل مرضي للجميع؛ لما لهم من الصفة القانونية في صلب العمل السياسي، ولما لهم -أيضًا- من ثقل وأثر في صفوف الشباب.. في الواقع كل ذلك يؤهلهم أن يكونوا أقدر من غيرهم على التفاهم المشترك مع السلطة ومع الشباب للخروج من الأزمة بأقل الخسائر؛ فيكونوا بهذا الدور الإيجابي قد ساهموا في إنقاذ اليمن، وخففوا على أنفسهم، وعلى الشباب من تبعات ما بعد انتقال السلطة؛ لأنها إذا انتقلت السلطة بتضحيات فادحة فستعقبها انتقامات مؤلمة، وقد تستمر البلاد في سلسلة من الصراعات الدموية تهلك الحرث والنسل، ومن ذا الذي سيفرح بعد ذلك بسلطة أو سيهنأ بعيش، وهو يرى البلاد قد غرقت في نهر من الدماء؟!
8- على الإخوة الشباب في ساحات التغيير: أن يحافظوا على منهجهم السلمي، وأن يحذروا كل الحذر من أن يستدرجوا إلى حلبة الصراع الدموي، أو أن يندس فيهم من يقودُهم إلى فتنة، وأن يجعلوا حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القائل: "الإيمانُ يمان والحكمةُ يمانية والفقه يمان" شعارًا لهم، وعنه تصدر مشاعرُهم، وأن تلتف حوله قلوبُهم كما التفت على مجسّمه أجسادُ إخوانهم بساحة التغيير في صنعاء، فيجمعوا بين جمالية الشكل والمضمون، وأن يحذروا ممن يشوهون جمال قضيتهم داخل صفوفهم بأقوال وألفاظ وشعارات بعيدة عن الدين، ومنافية للأخلاق والقيم.
وفي حين تمت الاستجابة لتنفيذ مطالبهم المشروعة بخطوات عملية، وتوفُّر الضمانات القوية على مواصلة خطوات التنفيذ؛ فعليهم القبول والمسارعة إلى إنهاء الأزمة، وتجنب الإصرار والتصلب على الأمور الشكلية والحرفية إذا تحققت المطالب من الناحية الموضوعية؛ فيكونوا بهذا القبول قد قاموا بواجبهم في إنقاذ اليمن، وسحبوا البساط على أصحاب المواقف الاستفزازية، والتصريحات النارية، الذين يريدون جعلهم مع القوات المسلحة وقودًا لنار الفتنة.
9- على القوات المسلحة: أن يستشعروا المسئولية أمام الله سبحانه، وأنهم صِمام أمان بلد الحكمة والإيمان، وأن يستشعروا عظمة الدماء وحرمتها عند الله، وأنهم بحمايتهم الدماء والأموال والأعراض في جهاد مقدس سينالون أجره من الله.
وأن يحذروا أن يقعوا في سفك الدماء سواء بالاقتتال فيما بينهم وخاصةً بعد حصول الشرخ، أو بالوقوع في الفتنة مع الشباب، فيخسروا دينهم ودنياهم من أجل دنيا الساسة والقادة.
نسأل الله أن يحفظ اليمن من كل مكروه، ويجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، ويهدينا جميعًا إلى صراطه المستقيم، والحمد لله رب العالمين.

2:34 م | تحت قسم | إقرأ المزيد

المرشد العام يطالب بقائمة موحدة مفتوحة في الانتخابات القادمة

- د. بديع خلال لقائه بـ"العسكري" يقدِّم رؤية الإخوان لإصلاح مصر
- اقتراح بإعادة هيكلة جهاز الشرطة في الشكل والمضمون
- الدعوة إلى محاكمة المسئولين السابقين أمام القضاء المدني الطبيعي
كتب- أحمد سبيع:
التقى اليوم فضيلة الأستاذ الدكتور محمد بديع، المرشد العام للإخوان المسلمين، مع أكثر من 25 من رؤساء وممثلي الأحزاب والقوى السياسية بقيادات من المجلس العسكري الأعلى للقوات المسلَّحة ودار نقاش موسع بين الجانبين لمدة 3 ساعات بمقر إدارة الشئون المعنوية، وأكد الجانبان أهمية الإسراع في بناء مصر من جديد.
من جانبه أكد المرشد العام- في كلمته- أن ما تشهده مصر حاليًّا هو نعمة من نعم الله علينا، والتي أعادت لمصر وجهها الناضج في العالم كله، موجهًا التحية للشهداء الذين قدموا أرواحهم من أجل مصر، مسلمين ومسيحيين، إخوانًا وغيرهم، موضحًا أنهم جميعًا مصريون وكانت دماؤهم وقودًا لهذه الثورة الباسلة.
وأكد فضيلته أهمية تحقيق كل مطالب الثورة وإعادة مصر إلى مكانتها السابقة والتي قزّمها النظام السابق، رئيسًا وبرلمانًا مزوَّرًا وأجهزة أمنية مارست القهر والظلم ضد المواطنينن، وإعلامًا حكوميًّا شوَّه الحقائق، مطالبًا بضرورة محاكمة هؤلاء المسئولين الذين تسبَّبوا في تدمير مصر أمام القضاء المدني الطبيعي الشامخ، موضحًا أن ذلك يؤدي إلى ضرورة أن يظل القضاء المصري مستقلاً وشامخًا، مشيرًا إلى أن هناك أدلة كثيرة لدى الإخوان، وغيرهم من أبناء الشعب المصري، تؤكد إدانة هؤلاء المسئولين، مؤكدًا أن الإخوان- الذين ذاقوا مرارة الظلم من خلال إحالتهم إلى محاكم عسكرية واستثنائية- لا يريدون معاملة هؤلاء المسئولين بالمثل، وإنما يطالبون بمحاكماتهم أمام القضاء الطبيعي العادل.
وأضاف فضيلة المرشد العام أن النظام السابق أراد إحداث صدام بين الإخوان وجيش مصر العظيم عندما قدم قيادات الجماعة طوال أكثر من 15 عامًا لمحاكمات عسكرية، مشيرًا إلى أن هذا المخطط لم ينجح على الإطلاق، فالجماعة تقدِّر وتثمِّن دور الجيش وحفاظه على أمن واستقرار مصر، ووطنيته التي لا يستطيع أحد أن يزايد عليها، وأعرب فضيلته عن ثقته في أن جيش مصر العظيم سوف ينفّذ ما وعد به الشعب المصري، من إجراء انتخابات برلمانية نزيهة في موعدها المقرر، وأن ينقل السلطة إلى المدنيين في الموعد الذي حدده، وهو 6 أشهر.
وأكد فضيلته أن جماعة الإخوان المسلمين، رجالاً ونساءً، كانوا جنودًا لخدمة مصر، وسوف يظلون في خدمة هذا الوطن، كما عهدهم هذا الوطن، منكرين ذاتهم، مقدمين مصلحة مصر على أي شأن آخر.
وأكد المرشد العام أنه سبق ووجَّه الدعوة إلى كل القوى السياسية في أربعة حوارات حملت اسم "من أجل مصر"، وقد بلور المشاركون في هذه اللقاءات عدة أطروحات لخروج مصر من أزمتها، وكنا نتمنى من النظام السابق أن يستمع إلى هذه النصيحة، ولكنه صمَّ آذانه، وتسبَّب في كل ما يحدث لمصر في كل سنوات حكمه، وحمّل فضيلته النظام السابق مسئولية كل هذه الجرائم;
ووجَّه فضيلته الدعوة لكل القوى السياسية إلى المشاركة في حوار "من أجل مصر 5" يوم الأربعاء الموافق 16/3/2011م؛ لنبطل حجة أن الفترة الباقية غير كافية لانتخابات حرة، ووجه فضيلته دعوة أخرى لعمل قائمة توافقية مفتوحة نقدمها إلى شعبنا المصري العريق، وهو وحده صاحب الحق في الاختيار.
كما طالب فضيلته- في كلمته- بسرعة تطهير جهاز الشرطة وإعادته بمضمون وثوب جديدين توضع له ضوابط من قبل المجلس العسكري؛ على أن يتولى هذا الجهاز مسئولية الأمن بزي جديد يوحي بتغيير في الشكل والمضمون، مطالبًا الشعب المصري بأن يشكِّل مجموعات أصدقاء الشرطة الجديدة ليكونوا معًا درعًا لحماية مصر من الداخل لكي يتفرغ الجيش المصري لحمايتها من الخارج، مؤكدًا أهمية أن يبذل الجميع أقصى الجهد لحماية مكاسب الثورة لتنمية الموارد، وتحقيق نهضة مصر بعد ثورة 25 يناير، من خلال نمو اقتصادي لائق بهذه الثورة المصرية.
وأكد فضيلته أن طبيعة الكون أن كل ألوان الطيف الضوئي عندما تتحرك بسرعة واحدة، وفي اتجاه واحد فإنها تشكِّل في النهاية اللون الأبيض، وهو ما يتطلب أن يتحرك الجميع بسرعة واحدة، وفي اتجاه واحد؛ لنصل إلى صورة مصر التي يتمناها الجميع.
وفي نهاية كلمته قال المرشد العام: إنه سوف يقدم تصورات الجماعة لتنمية مصر ونهضتها، مع مندوب عنه، ليقدمها إلى الواء إسماعيل العنتابي، مدير إدارة الشئون المعنوية، للاستفادة منها في تطوير مصر في المرحلة الحالية، مؤكدًا أيضًا أن الإخوان لا يهدفون بذلك إلا وجه الله عز وجل وخدمة هذا الوطن.

7:34 ص | تحت قسم | إقرأ المزيد

ثورات مصر الشعبية

د. محمد عمارة

{وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} [هود: 101].. بل وظلموا البلاد والعباد..!

لقد عرفت مصر الثورات الشعبية -في عصرها الحديث- بأكثر مما عرفت كثير من البلاد..

ثورة مصر الشعبيةثارت ثورة شعبية، قادها "مجلس الشرع" -المكوَّن من علماء الأزهر- سنة 1220هـ/ 1805م، ضد الوالي التركي "خورشيد باشا"، وخلعته عن حكم البلاد، رغم أنه مولَّى من قِبل السلطان.. ويومئذ أعلن السيد عمر مكرم (1168-1237هـ/ 1755-1822م) باسم "مجلس الشرع" أن الأمَّة هي مصدر السلطات، وقال: "إن أولي الأمر هم العلماء وحملة الشريعة والسلطان العادل، ولقد جرت العادة من قديم الزمان، أن أهل البلد يعزلون الولاة، حتى الخليفة والسلطان، إذا ساروا فيها بالجور، فإن أهل البلد يعزلونه ويخلعونه..".

ولقد اختار "مجلس الشرع" -باسم أهل البلاد- محمد علي باشا واليًا على مصر، ونزل السلطان العثماني على إرادة أهل البلاد.

وثارت مصر ثورة شعبية كبرى (1298هـ/ 1881م) بقيادة أحمد عرابي باشا (1257-1329هـ/ 1841-1911م) شارك فيها الشعب والجيش، عندما طلبت البلاد الحرية والدستور، فقال الخديو توفيق (1269-1319هـ/ 1852-1892م) متحديًا إرادة الأمَّة: "لقد ورثناكم من آبائنا وأجدادنا، وإنما أنتم عبيد إحساناتنا"!.. فأعاد عرابي -وهو على رأس الجيش والشعب بميدان عابدين- كلمات الفاروق عمر بن الخطاب (584- 644م): "لقد خلقنا الله أحرارًا، ولم يخلقنا تراثًا ولا عقارًا، ووالله الذي لا إله غيره إننا لن نورث ولن نُستعبد بعد اليوم". ولقد استمرَّت هذه الثورة الشعبيَّة لأكثر من عام، حتى أخمدها الاحتلال الإنجليزي لمصر سنة 1882م.

وتفجَّرت بمصر ثورتها الشعبيَّة الكبرى (1337هـ/ 1919م) بقيادة سعد زغلول باشا (1273-1346هـ/ 1857-1927م) ابن الأزهر الشريف -وتلميذ جمال الدين الأفغاني (1254-1314هـ/ 1838-1896م) والابن البار للإمام محمد عبده (1266-1323هـ/ 1849-1905م) - وهي الثورة التي قامت ضد الاحتلال الإنجليزي لمصر، والتي دامت مشتعلة لأكثر من عامين، كان الأزهر الشريف فيها منطلق الثورة وحصن الثوار، حتى لقد اقتحمه الإنجليز، وعاثوا فيه فسادًا، كما سبق وصنع بونابرت (1769-1821م) إبان ثورة القاهرة على الاحتلال الفرنسي لمصر (1213هـ/ 1798م).

وثارت مصر ثورتها الرابعة -في العصر الحديث- (1371هـ/ 1952م) بقيادة الضباط الأحرار والجيش المصري -ومن ورائه الشعب- ضدّ الاستبداد والفساد والمظالم الاجتماعيَّة التي جعلت ثروات البلاد حكرًا على نصف في المائة من السكان..

لكن الثورة الشعبيَّة الخامسة، التي فجَّرها الشباب -في 25 يناير سنة 2011م/ 21 صفر سنة 1432هـ هؤلاء الشباب الذين سبقوا آباءهم وأجدادهم، ثم اجتذبوا -إلى الثورة- الآباء والأجداد والأمهات والجدات، وحتى الأطفال، لكن هذه الثورة التي تفجرت في كل ربوع البلاد، والتي انخرط في أتونها كل العباد- قد مثلت تغيرًا نوعيًّا في مستوى الشعبيَّة التي ميَّزت ثورات مصر في العصر الحديث والواقع المعاصر والمعيش.

فلماذا كان هذا التغيُّر النوعي في مستوى العمق والشعبيَّة لثورة 25 يناير سنة 2011م؟! ذلك هو موضوع الحديث القادم إن شاء الله.

7:23 ص | تحت قسم | إقرأ المزيد

السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها

قصة الإسلام/قبسات أونلاين
اسمها وشرف نسبها
خديجة بنت خويلد رضي الله عنهاهي أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد بن أسدٍ بن عبد العزَّى بن قصي القرشية الأسدية، وأمها فاطمة بنت زائدة بنت جندب. ولدت بمكة سنة 68 ق.هـ، وكانت من أعرق بيوت قريشٍ نسبًا وحسبًا وشرفًا، وقد نشأت على التخلُّق بالأخلاق الحميدة، وكان من صفاتها الحزم والعقل والعفة. يلتقي نسبها بنسب النبي في الجد الخامس، فهي أقرب أمهات المؤمنين إلى النبي ، وهي أول امرأة تزوَّجها، وأول خلق الله أسلم بإجماع المسلمين.
في الجاهلية
في الجاهلية وقبل لقاء رسول الله كانت السيدة خديجة -رضي الله عنها- امرأة ذات مال وتجارة رابحة، فكانت تستأجر الرجال لتجارتها وتبعثهم بها إلى الشام، ومرت الأيام ووصل إلى مسامعها ذكر "محمد بن عبد الله" كريم الأخلاق، الصادق الأمين، وكان قلَّ أن تسمع في الجاهلية بمثل هذه الصفات، فأرسلت إليه وعرضت عليه الخروج في مالها تاجرًا إلى الشام، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار.
وحينها قَبِل ذلك منها ، وخرج في مالها ومعه غلامها "ميسرة" حتى قدم الشام، وهناك نزل رسول الله في ظل شجرة قريبًا من صومعة راهب، فاطّلع الراهب إلى ميسرة وقال: من هذا الرجل الذي نزل تحت هذه الشجرة؟ قال ميسرة: هذا الرجل من قريش من أهل الحرم. فقال له الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة قَطُّ إلا نبي. ثم باع رسول الله سلعته التي خرج بها واشترى ما أراد، ولما قدم مكة على السيدة خديجة بمالها باعت ما جاء به، فربح المال ضعف ما كان يربح أو أكثر.
وأخبرها ميسرة عن كرم أخلاقه وصفاته المتميزة التي وجدها فيه أثناء الرحلة، فرغبت في الزواج منه، فتزوجها وهو ابن خمس وعشرين سنة، والسيدة خديجة يومئذ بنت أربعين سنة.
وكان قد قُدِّر لخديجة -رضي الله عنها- أن تتزوج مرتين قبل أن تتشرَّف بزواجها من رسول الله ، وقد مات عنها زوجاها، وتزوجها رسول الله قبل الوحي، وعاشت معه خمسًا وعشرين سنة؛ فقد بدأ معها في الخامسة والعشرين من عمره، وكانت هي في الأربعين، وظلا معًا إلى أن توفاها الله وهي في الخامسة والستين، وكان عمره في الخمسين، وهي أطول فترة أمضاها النبي مع هذه الزوجة الطاهرة من بين زوجاته جميعًا، وهي -وإن كانت في سن أمِّه - أقرب زوجاته إليه؛ فلم يتزوج عليها غيرها طوال حياتها، وكانت أم ولده الذكور والإناث إلا إبراهيم فإنه من مارية القبطية رضي الله عنها، فكان له منها : القاسم وبه كان يُكنَّى، وعبد الله، وزينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة.
إسلامها
كانت السيدة خديجة -رضي الله عنها- قد ألقى الله في قلبها صفاء الروح، ونور الإيمان، والاستعداد لتقبُّل الحق، فحين نزل على رسول الله في غار حراء {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1]، رجع ترجف بوادره وضلوعه، حتى دخل على السيدة خديجة فقال: "زملوني زملوني". فزملوه حتى ذهب عنه الروع.
وهنا قال لخديجة رضي الله عنها: "أَيْ خديجة، ما لي لقد خشيت على نفسي". وأخبرها الخبر، فردت عليه السيدة خديجة -رضي الله عنها- بما يطيِّب من خاطره، ويهدئ من روعه فقالت: "كلا أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدًا، فوالله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكلَّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق".
ثم انطلقت به رضي الله عنها حتى أتت به ورقة بن نوفل -وهو ابن عم السيدة خديجة رضي الله عنها، وكان امرأً تنصَّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربي، ويكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخًا كبيرًا قد عمي- فأخبره النبي خبر ما رأى، فأعلمه ورقة أن هذا هو الناموس الذي أُنزل على موسى u.
ومن ثَمَّ كانت السيدة خديجة -رضي الله عنها- أول من آمن بالله ورسوله وصدَّق بما جاء به، فخفف الله بذلك عن رسول الله ؛ لا يسمع شيئًا يكرهه من ردٍّ عليه وتكذيب له فيحزنه إلا فرَّج الله عنه بها، إذا رجع إليها تثبته وتخفف عنه وتصدقه وتهوِّن عليه أمر الناس.
خديجة.. العفيفة الطاهرة
كان أول ما يبرز من ملامح السيدة خديجة الشخصيَّة صفتي العفة والطهارة، هاتان الصفتان التي قلما تسمع عن مثلهما في بيئة لا تعرف حرامًا ولا حلالاً، في بيئة تفشت فيها الفاحشة حتى كان البغايا يضعن شارات حمراء تنبئ بمكانهن.
وفي ذات هذه البيئة، ومن بين نسائها انتزعت هذه المرأة العظيمة هذا اللقب الشريف، ولقبت بـ"الطاهرة"، كما لُقب أيضًا في ذات البيئة بـ"الصادق الأمين"، ولو كان لهذه الألقاب انتشار في هذا المجتمع آنذاك، لما كان لذكرها ونسبتها لأشخاص بعينهم أهمية تذكر.
خديجة.. الحكيمة العاقلة
وتلك هي السمة الثانية التي تميز بها شخص السيدة خديجة رضي الله عنها، فكل المصادر التي تكلمت عن السيدة خديجة -رضي الله عنها- وصفتها بـ"الحزم والعقل"، كيف لا وقد تجلت مظاهر حكمتها وعقلانيتها منذ أن استعانت به في أمور تجارتها، وكانت قد عرفت عنه الصدق والأمانة.
ثم كان ما جاء في أبلغ صور الحكمة، وذلك حينما فكرت في الزواج منه ، بل وحينما عرضت الزواج عليه في صورة تحفظ ماء الوجه؛ إذ أرسلت السيدة نفيسة بنت منية دسيسًا عليه بعد أن رجع من الشام؛ ليظهر وكأنه هو الذي أرادها وطلب منها أن يتزوجها.
ونرى منها بعد زواجها كمال الحكمة وكمال رجاحة العقل، فها هي تستقبل أمر الوحي الأول بعقلانية قلَّ أن نجدها في مثل هذه الأحوال بالذات؛ فقد رفضت أن تفسِّر الأمر بخزعبلات أو أوهام، بل استنتجت بعقليتها الفذة وحكمتها التي ناطحت السحاب يوم ذاك أن الله لن يخزيه، ثم أخذته إلى ورقة بن نوفل ليدركا الأمر. وهذه طريقة عقلانية منطقية بدأت بالمقدمات وانتهت بالنتائج المترتبة على هذه المقدمات، فيا لها من عاقلة! ويا لها من حكيمة!
خديجة.. نصير رسول الله
وهذه السمة من أهم السمات التي تُميِّز شخص السيدة خديجة رضي الله عنها، تلك المرأة التي وهبت نفسها ومالها وكلّ ما ملكت لله ولرسوله ، ويكفي في ذلك أنها آمنت بالرسول وآزرته ونصرته في أحلك اللحظات التي قلما تجد فيها نصيرًا أو مؤازرًا أو معينًا.
ثم هي -رضي الله عنها- تنتقل مع رسول الله من حياة الراحة والاستقرار إلى حياة الدعوة والكفاح والجهاد والحصار، فلم يزدها ذلك إلا حبًّا لمحمد وحبًّا لدين محمد ، وتحديًا وإصرارًا على الوقوف بجانبه، والتفاني في تحقيق أهدافه.
فلما خرج رسول الله مع بني هاشم وبني عبد المطلب إلى شعاب مكة في عام المقاطعة، لم تتردد -رضي الله عنها- في الخروج مع رسول الله لتشاركه -على كبر سنها- أعباء ما يحمل من أمر الرسالة الإلهية التي يحملها، فقد نَأَتْ بأثقال الشيخوخة بهمة عالية، وكأنها عادت إليها صباها، وأقامت في الشعاب ثلاث سنين وهي صابرة محتسبة للأجر عند الله تعالى.
وكأن الله اختصها بشخصها لتكون سندًا وعونًا للرسول في إبلاغ رسالة رب العالمين الخاتَمة، فكما اجتبى الله رسوله محمد واصطفاه من بين الخلق كافة، كذلك قدَّر له في مشوار حياته الأول لتأدية الرسالة العالمية مَن تضارعه أو تشابهه لتكون شريكًا له في حمل هذه الدعوة في مهدها الأول، فآنسته وآزرته وواسته بنفسها ومالها في وقت كان الرسول في أشد الاحتياج لتلك المواساة والمؤازرة والنصرة.
فضائلها
خير نساء الجنة
لا شك أن امرأة بمثل هذه الأوصاف لا بد أن يكون لها منزلة رفيعة، فها هو الرسول يعلن في أكثر من مناسبة بأنها خير نساء الجنة؛ فقد روي عن أنس بن مالك t أن النبي قال: "حسبك من نساء العالمين: مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعون".
يقرئها ربها السلام
ليس هذا فحسب، بل يُقرِئُها المولى السلام من فوق سبع سموات، ويبشرها ببيت من قصب في الجنة؛ فعن أبي هريرة t أنه قال: أتى جبريلٌ النبيَّ فقال: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلاَمَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لاَ صَخَبَ فِيهِ وَلاَ نَصَبَ".
حب النبي لخديجة.. والوفاء لها
فكان حقًّا أن يكون لهذه الطاهرة فضل ومكانة عند رسول الله ، تسمو على كل العلاقات، وتظل غُرَّة في جبين التاريخ عامَّة وتاريخ العلاقات الأسرية خاصَّة؛ إذ لم يتنكَّر لهذه المرأة التي عاشت معه حلو الحياة ومرها، بل ويعلنها على الملأ وبعد وفاتها؛ وفاءً لها وردًّا لاعتبارها: "إني قد رزقت حبها".
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إنه لم يكد ينساها طيلة حياته وبعد وفاتها، إذ كان يكثر ذكرها ويتصدق عليها؛ تروي السيدة عائشة -رضي الله عنها- فتقول: ما غِرْتُ على أحد من نساء النبي ما غرت على خديجة رضي الله عنها، وما رأيتها، ولكن كان النبي يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء، ثم يبعثها في صدائق خديجة رضي الله عنها، فربما قلت له: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة. فيقول: "إنها كانت وكانت، وكان لي منها ولد".
وفاتها
تاقت روح السيدة خديجة -رضي الله عنها- إلى بارئها، وكان ذلك قبل هجرته إلى المدينة المنورة بثلاث سنوات، ولها من العمر خمس وستون سنة، وأنزلها رسول الله بنفسه في حفرتها، وأدخلها القبر بيده.
وتشاء الأقدار أن يتزامن وقت وفاتها والعام الذي تُوفِّي فيه أبو طالب عم رسول الله ، الذي كان أيضًا يدفع عنه ويحميه بجانب السيدة خديجة رضي الله عنها؛ ومن ثَمَّ فقد حزن الرسول ذلك العام حزنًا شديدًا حتى سُمي "عام الحزن"، وحتى خُشي عليه ، ومكث فترة بعدها بلا زواج.

7:18 ص | تحت قسم | إقرأ المزيد

الثبات يا شعب ليبيا

د. راغب السرجاني/قبسات أون لاين
هل نحن في حلم؟!
ثورة ليبياإن ما نراه في عالمنا العربي في هذه الأيام هو أغرب من الخيال في تصورات الكثيرين.. ولو رجعنا بأذهاننا شهرين أو أكثر قليلاً، وقبل بداية ثورة تونس، لكان من المستحيل في عُرْف المعظم أن تحدث مثل هذه الثورات المجيدة في تونس ومصر وليبيا، وأن تصاحبها ثورات أخرى في عدة بلدان عربية في آنٍ واحد.
إنني -والله- أرى رحمات ورحمات تنزل من الله الكريم على الأمة العربية في هذه الأيام.. نعم هناك آلام ومعاناة، لكن منذ متى والشعوب تتحرر دون ألم ومعاناة.. إنها سُنَّة ماضية لا خُلْفَ فيها..
نجحت تونس..
ونجحت مصر..
وقريبًا ستنجح ليبيا إن شاء الله..
في قلبي يقين بذلك.. أكاد أرى نصرها.. وأكاد أرى ذلّ القذافي وبطانته..
أيها الشعب الليبي الحبيب..
الثبات الثبات؛ إنما النصر صبر ساعة..
لست وحدك يا شعب ليبيا الأصيل..
بل كلنا نعاني معك, ويعتصر قلوبنا الألم لألمك، والحزن لحزنك، وننتظر نصرك مثلك تمامًا أو أشد.. فأنتم منا ونحن منكم، وطريقنا وطريقك واحد، وأيدينا مرفوعة إلى الله دومًا أن يُنزِل عليك السكينة، وأن يُهلِك عدوَّك وعدو المسلمين.
لقد عشنا -يا شعب ليبيا العظيم- في مصر ظروفًا مشابهة لظروفكم، ومنَّ الله علينا بأكثر مما كنا نحلم به، وما زالت أفضاله ورحماته تتنزَّل علينا، وقد أردت في هذا المقال أن أتبادل معكم بعض النصائح من واقع خبرتنا في ميدان التحرير وغيره من ميادين مصر، ومن واقع تجربتنا المشابهة لتجربتكم، وأسأل الله أن يعطيكم أفضل مما أعطانا، فهو الكريم سبحانه لا تنفد خزائنه..
أولاً: اعلموا أيها الشعب العظيم أن النصر من عند الله،
وأن كل شيء بيده سبحانه، وأن طواغيت الأرض جميعًا لا يعجزون الله ، ولكنه I يؤخر النصر لحكمة، وإلاّ فإنه يقول للشيء كن فيكون، ونحن لا نحيط بحكمته، ولا نحصي فوائد فعله وتقديره، ولكنه -سبحانه- يُطلِعنا على طرف من حكمته في تأخير النصر؛ حتى تصح عبادتنا وتستقيم له سبحانه.. فمن حكمة تأخير النصر الاختبار للمؤمنين، فلو كان طريق النصر ناعمًا لسار فيه الخلق أجمعون، لكنه شاء -سبحانه- أن يجعله صعبًا عسيرًا طويلاً حتى يتخلف عنه المتخاذلون، فلا يبقى فيه إلا العباد الخالصون المخلصون، وعليهم سينزل نصر الله بإذنه تعالى.
ومن حكمة تأخير النصر انتقال فريق من الظالمين إلى معسكر المؤمنين، فيكونون بذلك عونًا لهم بإذن الله، ويستنقذهم الله من عقاب الظالمين، وهذا نراه كل يوم في ليبيا، حيث تتوافد مواكب الخير، ويترك الكثير من جند الظالمين مواقعهم الأولى إلى مواقع أخرى جديدة ما عهدوها قبل ذلك، وهذه رحمة بهم وبالمؤمنين. ومن حكمة تأخير النصر أن الله يُملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، ولعل المُطالِع لنهاية الرئيس حسني مبارك يفهم هذه الحقيقة جيدًا، وقريبا إن شاء الله سترون نهاية فاجعة للقذافي، وما الله بغافل عما يعمل الظالمون.
إنها حِكَم كثيرة من وراء تأخير النصر، لكنه في النهاية يأتي بإذن الله، ولتعلموا أن النصر لا يأتي إلا بعد أشد لحظات المجاهدة، بل يأتي عندما يصل الناس إلى حالة من الألم والفزع، يظنون فيها أن النصر لن يأتي، فعندها ينزل برحمة الله .. قال تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [يوسف: 110].
أيها الشعب الليبي العظيم، إن قناعتكم بأن النصر من عند الله هي التي ستكون سببًا في سرعة نصركم بإذن الله، ولو اعتقدتم في أعدادكم أو عُدَّتكم، أو الغرب أو الشرق، فإن النصر سيبتعد، وقد يذهب بالكلية؛ فكونوا على حذرٍ، وراقبوا قلوبكم، وأخلصوا لله، وارفعوا أيديكم له، واعتمدوا عليه، واطلبوا منه؛ فهو كاشف النصر ومزيل الهم، وهو على كل شيء قدير.
ثورة ليبياثانيًا: أيها الشعب العظيم، وحِّد صفك، واجمع شملك، وكونوا جميعًا يدًا واحدة على الظلم.. لقد حرص الظالمون الذين حكمونا على تقسيمنا شيعًا وقبائل وفِرقًا وجماعات، ودسُّوا بيننا الضغائن، ووضعوا بعضنا عينًا على بعض، وكان هذا سبيلهم في قيادتنا ووسيلتهم في السيطرة علينا.. فإذا أردنا سبيل النجاة، فإن هذا لا يكون إلا بالوحدة، والاعتصام بحبل الله المتين.. يقول تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103].
فعلى قادة العشائر الليبية، وكذلك على المفكرين والعلماء والدعاة ورءوس القوم، أن يجتمعوا ليل نهار لتنظيم الصفوف الليبية في كيان واحد مواجه لهذا الطاغوت القذافي، ولننبذ أي خلاف، ولنترك كل القضايا الفرعية مهما اختلفت توجهاتنا ومدارسنا ومناهج تفكيرنا، ولنجعل لنا جميعًا هدفًا واحدًا جليًّا واضحًا، وهو إسقاط النظام الفاسد برمته، وبعدها يمكن أن نجلس مرة ثانية لنتفاهم على مستقبل ليبيا وطرق صياغته، أما الآن فلا نشتِّت أنفسنا، ولا نفرِّق جمعنا، بل نقف جميعًا في خندق واحد، وعندها سينزل نصر ربنا إن شاء الله.
ثالثًا: الظالمون ضعفاء للغاية!
هذه -والله- حقيقة غابت عنا السنوات الطوال..
لقد غادر زين العابدين بن علي تونس في وقت كان العالم كله يظن فيه القوة، ويراه جبارًا من كبار الجبارين في الدنيا.
وتنحى حسني مبارك بعد ثمانية عشر يومًا فقط من الثورة المصرية السلمية، ولم تنفعه الأوتاد التي دقّها في أعماق أرض مصر على مدار ثلاثين سنة!
إن الظالمين في غاية الضعف! وما المتاريس التي يضعونها حولهم، وعشرات -بل مئات- الآلاف من الجنود التي يحيطون أنفسهم بهم إلا علامة على شدة جبنهم وضعفهم.
والسؤال الذي سيقفز إلى الذهن مباشرة: كيف يحكم هؤلاء الضعفاء شعوبًا كبرى لعشرات السنين؟!
والجواب أن الشعوب لا تدري مصدر قوتها، ومن ثَمَّ استطاع هذا الطاغوت الضعيف أن يتسلط على شعبٍ لا يعرف مفاتيح قوته..
وما هي مفاتيح القوة للشعب؟
إنها في النقطتين اللتين ذكرناهما في البداية..
قوَّة ارتباط بالله , وقوَّة وحدة في الصف..
لو ارتبط الشعب بصدق بالله ، ولو وحَّد صفه وصار يدًا واحدة في مواجهة الظالمين، فعندها ستُزلزل عروش المتكبرين وسيكتشف الأسد -الذي رُبِّي على أنه حمل وديع- أنه من أقوى الأسود، وسيفر الظالم فرار الجرذان، وإن غدًا لناظره لقريب!
ثورة ليبيارابعًا: أحيانًا يشعر الثوار أن قُواهم قد بدأت تخور، وأن عزيمتهم على وشك الانهيار.. تذكروا عندها أن عدوَّكم يعاني من مثل معاناتكم؛ فالله يقول: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ} [النساء: 104].
فلو صبرتم قليلاً لانهار عدوكم قبل انهياركم، خاصةً أنكم تجاهدون من أجل حق، وهو يقاتل من أجل باطل؛ فأنتم تطلبون رضا الله بوقوفكم في وجه السلطان الجائر، وهو يطلب سخط الله بظلمه الذي زاد على أربعين سنة؛ ولذلك قال الله : {وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ} [النساء: 104]. فهم لا يطمحون في جنة، ولا يبحثون عن غفران، إنما هم قوم فاسقون، عاشوا للظلم والفساد، ويريدون أن يموتوا على نفس الحال، فتعسًا لهم..!!
خامسًا: انشروا روح الأمل والتفاؤل بين الناس,
وعيشوا في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تطمئن قلوبكم، وتبشركم بمستقبل واعد لهذه الأمة, وإياكم والإحباط؛ فإن المحبَطين لا يُغيِّرون، واليائسين لا ينتصرون.
وعليكم بنشر أخبار انتصاراتكم ولو كانت جزئية يسيرة, وتناقلوا أخبار معاناة عدوكم, وكذلك أخبار تحلُّل قوتهم وانفصال الأفراد والهيئات عنهم. كما أن عليكم أن تتابعوا لهفة المسلمين عليكم, وتأييدهم لكم, وقَلَّ الآن أن تسمع خطبة جمعة أو درس إلا ويكون في ختامه دعاء لكم, كما أن صورتكم في عيون الغرب صارت عظيمة, ولقد كنتُ في إيطاليا منذ عدة أيام, ورأيت انبهار الشعب الإيطالي بشجاعتكم, ومع أن برلسكوني صديق للقذافي, إلا إن هذا لم يمنع وسائل الإعلام من إبداء استنكارها الشديد لجرائم القذافي البشعة, وهذا كله يصبُّ في النهاية في مصلحتكم, فأبشروا.
سادسًا: استلهموا تاريخ أجدادكم الأشاوس,
لقد حارب أجدادكم الكرام عدوكم الإيطالي السنوات والسنوات, وقدموا الشهداء والتضحيات، وأذاقوا الجيش الأوربي آلامًا عميقة، ويكفي أن تراجعوا قصة جدكم الشهيد عمر المختار رحمه الله؛ لتروا كيف تحقَّق لكم النصر في النهاية بعد رحلة طويلة من الجهاد والكفاح.
لقد رأيتم في تاريخكم أن النصر يأتي مع الصبر, فاقرءوا تاريخكم جيدًا، بل واقرءوا تاريخ كل حركات التحرر في الدنيا, فهذا -لا شكَّ- سينفعكم أشد النفع. وأنصح أيضًا بقراءة متأنية لثورة تونس ثم ثورة مصر؛ فالظروف تتشابه في أمور كثيرة, وجميل جدًّا أن تبدءوا من حيث انتهى الآخرون, وأن تستفيدوا من إيجابياتهم, وتتجنبوا سلبياتهم.. وعمومًا فقراءة التاريخ تضيف إلى أعمارنا أعمارًا، وتضع لنا في طريق المستقبل أنوارًا.
سابعًا: اعلموا أن من يقوم بنصف ثورة فهو يحفر قبره بنفسه!
فلا بُدَّ لكم -وليس لكم اختيار- من إكمال المسيرة، ولا بد أن تضعوا هدفًا واحدًا واضحًا أمامكم, ولا تكثروا من الأهداف فتتشتتوا, وهذا الهدف الواحد هو إقصاء القذافي عن الحكم, ولا تفكروا في شيء آخر الآن, ولا تكثروا من الرموز التي تريدون إسقاطها, ولا الأحلام التي تريدون تحقيقها؛ حتى لا يأخذكم عدوكم في مسالك متشعبة, أو طرق جانبية. ولعل هذا الدرس كان من أروع الدروس في الثورة المصرية, حيث كان هدف إقصاء الرئيس حسني مبارك هدفًا واحدًا واضحًا للثورة, وتهاوت إلى جواره الأهداف الأخرى من الإصلاحات الكبيرة والصغيرة؛ ولذلك لم يستطع النظام أن يضحك على الشعب أو يخدعه, فلم تسكن حركة الثوار أو تهدأ عندما بدأ الرئيس في نزع بعض رموز السلطة من أماكنها, أو القيام ببعض التعديلات والتطويرات, وإنما كانت الرسالة واضحة, وهي أن لنا مطلبًا واحدًا, وبعده يمكن أن نتكلم في بقية الأمور.
واعلموا أيها الشعب العظيم أن بقاء القذافي في كرسيه سيعني مجزرة أكبر من التي حدثت عشرات المرات؛ فلا تتركوه في مكانه أبدًا.
ثامنًا: احترسوا من الغرب الأوربي والأمريكي..
إن زعماء هذه الدول الاستعمارية ما يبحثون إلا عن مصلحتهم, ولا يعنيهم في شيء المعاناة التي تعيشونها, وقد كانوا هم أشد العون لكل الزعماء الدكتاتوريين في العالم العربي, وما صرحوا بأنهم معكم إلا عندما وجدوا أن ورقة القذافي أو غيره من الزعماء فد صارت محروقة وتالفة, ولو بدا لهم أن القذافي متمكن من الأمور لما قرروا حربه. ويكفي أن تراجعوا تصريحات أوباما المضحكة أثناء الثورة المصرية, فهو مع اختيار الشعب اليوم, ثم مع الرئيس مبارك غدًا, ثم مع الشعب بعد غد, ومرة أخرى مع الرئيس مبارك! هكذا حسب الظروف! والمضحك أن الزعماء الأوربيين كانوا يترنحون خلفه يمينًا ويسارًا, وما جهروا جميعًا بعظمة الثورة المصرية إلا بعد أن سقط النظام ونجحت الثورة!!
ولو كان عمر سليمان هو الذي سيطر وحكم لوضعوا أيديهم في يده, فلا تكترثوا بتعليقاتهم، إنما اعتمدوا على ربكم ثم على قوتكم ووحدتكم.
كما لا ترعبوا أنفسكم باحتمالية دخول الغرب إلى بلادكم,؛ فالغرب يعاني من فشل في العراق وأفغانستان وفلسطين، ولا أعتقد أنه يمكن أن يدخل عسكريًّا عندكم, خاصة أن الأحداث ساخنة حولكم, من الشرق في مصر, ومن الغرب في تونس, فلا داعي لبث القلق والفزع في صفوف الشعب دون داعٍ مهم.
وإياكم إياكم أن تفتحوا أنتم لهم الباب, فلا تقبلوا عونًا عسكريًّا من أوربا أو أمريكا، مهما كان الأمر, وضعوا نصب أعينكم الحكمة العربية القديمة: "ما حكَّ جلدَكَ مثلُ ظُفرِك, فتولَّ أنت جميع أمرك".
ثورة ليبياتاسعًا: دائمًا عيشوا وفي أذهانكم صورة مستقبلكم السعيد إن شاء الله، لو تخلصتم من هذا الطاغية.. إننا الآن في مصر نحقق -بفضل الله- نجاحًا كل يوم، ونكتشف فسادًا في كل لحظة, ولا نستوعب حجم الخير الذي فتحه الله لنا، فعيشوا على هذا الأمل..
إن أموالكم منهوبة، وأفواهكم مكممة, وبلادكم ضعيفة, وحرياتكم مقيدة, وشبابكم عاطل, وكل هذا بسبب نظام فاسد ظالم لا يرقب في مؤمن إلاًّ ولا ذمة..
إن مجرد التفكير في المستقبل السعيد عندما تُرفع غُمَّة القذافي ونظامه عنكم، ستعطيكم شحنة هائلة من القوة والثبات. ويكفي أن تطالعوا أخبار مصر يوميًّا؛ لتروا الخير العميم الذي بدأنا نعيشه من أول لحظات خروج طاغيتنا, فاللهم عجِّل فرجكم.
عاشرًا: اعلموا -أيها الشعب الليبي الأصيل-
أن نجاحكم لن يعود عليكم أنتم وحدكم بالخير, بل سترون الدول هنا وهناك تحذو حذوكم, وتقلد تجربتكم، ولا تستبعدوا "وحدة" رائعة بين كثير من دول العالم العربي والإسلامي، وهذا كله سيكون نتيجة عملكم وجهادكم وثباتكم، فكونوا أنتم السابقين، وضعوا أمام أعينكم قول الله تعالى: {لاَ يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد: 10].
فاللهم اجعل هذه الثورة في ميزان حسناتكم, واجعل كل الثورات التي تحدث بسببها في ميزانكم كذلك.
كانت هذه هي النصيحة العاشرة..
فتلك عشرة كاملة!
أسأل الله أن ينزل عليكم ثباتًا من عنده, وأن يستعملكم لنصرة دينه, وإحقاق الحق, وإزهاق الباطل, وأن يخلص نياتكم, ويصلح أعمالكم, ويحسن خواتيمكم, ويهلك عدوكم, ويشفي صدوركم وصدور المؤمنين..
إنه ولي ذلك والقادر عليه..
وأسأل الله أن يُعِزَّ الإسلام والمسلمين.

7:11 ص | تحت قسم | إقرأ المزيد

الأرشيف