ثورات مصر الشعبية
د. محمد عمارة
{وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} [هود: 101].. بل وظلموا البلاد والعباد..!
لقد عرفت مصر الثورات الشعبية -في عصرها الحديث- بأكثر مما عرفت كثير من البلاد..
ثارت ثورة شعبية، قادها "مجلس الشرع" -المكوَّن من علماء الأزهر- سنة 1220هـ/ 1805م، ضد الوالي التركي "خورشيد باشا"، وخلعته عن حكم البلاد، رغم أنه مولَّى من قِبل السلطان.. ويومئذ أعلن السيد عمر مكرم (1168-1237هـ/ 1755-1822م) باسم "مجلس الشرع" أن الأمَّة هي مصدر السلطات، وقال: "إن أولي الأمر هم العلماء وحملة الشريعة والسلطان العادل، ولقد جرت العادة من قديم الزمان، أن أهل البلد يعزلون الولاة، حتى الخليفة والسلطان، إذا ساروا فيها بالجور، فإن أهل البلد يعزلونه ويخلعونه..".
ولقد اختار "مجلس الشرع" -باسم أهل البلاد- محمد علي باشا واليًا على مصر، ونزل السلطان العثماني على إرادة أهل البلاد.
وثارت مصر ثورة شعبية كبرى (1298هـ/ 1881م) بقيادة أحمد عرابي باشا (1257-1329هـ/ 1841-1911م) شارك فيها الشعب والجيش، عندما طلبت البلاد الحرية والدستور، فقال الخديو توفيق (1269-1319هـ/ 1852-1892م) متحديًا إرادة الأمَّة: "لقد ورثناكم من آبائنا وأجدادنا، وإنما أنتم عبيد إحساناتنا"!.. فأعاد عرابي -وهو على رأس الجيش والشعب بميدان عابدين- كلمات الفاروق عمر بن الخطاب (584- 644م): "لقد خلقنا الله أحرارًا، ولم يخلقنا تراثًا ولا عقارًا، ووالله الذي لا إله غيره إننا لن نورث ولن نُستعبد بعد اليوم". ولقد استمرَّت هذه الثورة الشعبيَّة لأكثر من عام، حتى أخمدها الاحتلال الإنجليزي لمصر سنة 1882م.
وتفجَّرت بمصر ثورتها الشعبيَّة الكبرى (1337هـ/ 1919م) بقيادة سعد زغلول باشا (1273-1346هـ/ 1857-1927م) ابن الأزهر الشريف -وتلميذ جمال الدين الأفغاني (1254-1314هـ/ 1838-1896م) والابن البار للإمام محمد عبده (1266-1323هـ/ 1849-1905م) - وهي الثورة التي قامت ضد الاحتلال الإنجليزي لمصر، والتي دامت مشتعلة لأكثر من عامين، كان الأزهر الشريف فيها منطلق الثورة وحصن الثوار، حتى لقد اقتحمه الإنجليز، وعاثوا فيه فسادًا، كما سبق وصنع بونابرت (1769-1821م) إبان ثورة القاهرة على الاحتلال الفرنسي لمصر (1213هـ/ 1798م).
وثارت مصر ثورتها الرابعة -في العصر الحديث- (1371هـ/ 1952م) بقيادة الضباط الأحرار والجيش المصري -ومن ورائه الشعب- ضدّ الاستبداد والفساد والمظالم الاجتماعيَّة التي جعلت ثروات البلاد حكرًا على نصف في المائة من السكان..
لكن الثورة الشعبيَّة الخامسة، التي فجَّرها الشباب -في 25 يناير سنة 2011م/ 21 صفر سنة 1432هـ هؤلاء الشباب الذين سبقوا آباءهم وأجدادهم، ثم اجتذبوا -إلى الثورة- الآباء والأجداد والأمهات والجدات، وحتى الأطفال، لكن هذه الثورة التي تفجرت في كل ربوع البلاد، والتي انخرط في أتونها كل العباد- قد مثلت تغيرًا نوعيًّا في مستوى الشعبيَّة التي ميَّزت ثورات مصر في العصر الحديث والواقع المعاصر والمعيش.
فلماذا كان هذا التغيُّر النوعي في مستوى العمق والشعبيَّة لثورة 25 يناير سنة 2011م؟! ذلك هو موضوع الحديث القادم إن شاء الله.
قبسات من أنوار وأقلام العلماء والكتاب قبسات أون لاين حيث الإعلام الهادف قبسات أون لاين
7:23 ص
مقالات متنوعة
.