--------------------------------------------------------------------

المشاركات الشائعة

زوار المدونة

أحدث التعليقات

المتابعون

إحصائية المدونة

تعلقات القراء

إقرأ أيضا

مقابر البعث السوري الجماعية .. نهاية العبث !!

مقابر البعث السوري الجماعيةمع الاكتشاف الشعبي الجديد لأول مقبرة جماعية حفرها مجرمو النظام البعثي الوراثي السوري لطمس وإخفاء معالم جرائمهم ضد الإنسانية في مدينة درعا السورية المجاهدة، بات واضحًا أن ذلك النظام الفاشي الدموي يسير على خُطا شبيهه وصنوه نظام البعث العراقي البائد، الذي اختتم مسيرته التاريخية الدموية لخدمة الأمة العربية بسلسلة مقابره الجماعية في العراق والكويت. والنظام السوري ليس غريبًا أبدًا على خدمة حفر القبور لشعبه, فهو في الماضي القريب تمكّن من تحويل مدن كاملة بقضِّها وقضيضها لمقابر مغلقة بعد أن استباحها.
كما أن له سبق الفضل في تحويل سجون كاملة لمقبرة جماعية، كما حصل في جريمة سرايا الدفاع أيام رفعت الأسد ضد نزلاء سجن تدمر الصحراوي وقتل أكثر من 500 إنسان، وكانت مكافأة العناصر الإرهابية الحكومية التي نفذت الجريمة هي تسلمهم لمبلغ تافه 200 ليرة سورية، فما أرخص الإنسان في مملكة النظام السوري الذي لم يخلق مثله في البلاد!! والذي يخوض اليوم حرب إبادة شاملة ضد الشعب السوري في مدنه وقراه، ويكرر الأسلوب نفسه لنظام البعث العراقي البائد.
البعثيون في النهاية ملة واحدة، والحزب الشمولي بأفكاره الفاشية البدائية الحاقدة على الإنسانية والحياة هو نفسه، فلا فرق في تكتيك القمع ونهاياته، ولا فرق كذلك في المصير,؛ فمعركة المصير الواحد قد انطلقت في الشام فعلاً, وكل محاولات قمع الثورة السورية الشعبية لن تجدي النظام نفعًا,وانفراده في حصار المدن السورية وممارسة الجرائم من دون تغطية إعلامية من وسائل الإعلام العربية والدولية لن تمحو أبدًا آثار جرائمه، أو تخفي موبقاته وبصماته الإرهابية الدموية التي سوَّدت التاريخ السوري المعاصر..
لن يفلت إرهابيو وقتلة وشبيحة النظام الاستخباري أبدًا من أيدي العدالة الإلهية أو الإنسانية، بدءًا من كبيرهم الذي علمهم القتل والاستئصال، ووصولاً لأصغر عنصر أمني حقير أو شبيح مرتزق.
لقد حفر النظام السوري بمقابره الجماعية قبره بيديه, وبات العد التنازلي لنهاية النظام قاب قوسين أو أدنى, ومع كل إيغال في الدم السوري تتوسع مساحات الفراق النهائي مع الشعب السوري، ويندحر البعث السوري مهزومًا نحو مصيره النهائي والحتمي في مزبلة التاريخ، التي تضم رمم وجيف الطغاة والمستبدين.
وأعتقد أن على قُوى الشعب السورية الحرة التحرك بفاعلية على المستوى الدولي من أجل محاصرة النظام أمميًّا، وإبراز فظائعه وجرائمه وتوثيق انتهاكاته التاريخية القديمة والجديدة، وإعداد ملف تاريخي موسوعي وشامل لجرائم هذا النظام، والذي سيتعزز مع الاكتشاف الجديد لمقابر درعا الجماعية، والتي تكررت بكل تأكيد في حمص وبانياس واللاذقية وكل بقعة سورية مقدسة وثائرة. الشعب قرر أن ينتصر لدماء شهدائه، وأن يطارد القتلة حتى آخر الدنيا، ولن يفلت مجرم أو شبيح مهما تجنس بكل جنسيات الأرض.

لقد جاء يوم إنصاف الظالم من المظلوم، وهو يوم لو تعلمون عظيم, وحانت لحظة الحقيقة الوطنية السورية الشاملة التي ستزغرد معها حناجر حرائر الشام وهن يزفن الأبطال والشهداء لجنان الخلد، ويرسلن النظام الإرهابي المجرم لمزبلة التاريخ. بكل تأكيد فإن التاريخ الإرهابي الموثّق لجرائم النظام السوري ضد الإنسانية في الشام لم يكتب بعدُ بالكامل، وسيكون سفرًا تاريخيًّا مخجلاً لجرائم نظام البعث، وبما سيجعل من المجرمين والقتلة عبرة لمن يعتبر..
لقد كان تاريخ البعثية الفاشية في الشام منذ عام 1963م الذي حملهم لسدة السلطة تاريخًا دمويًّا حافلاً بصور المقابر التي تحولت لسجون وبالمعتقلات الإرهابية التي أضحت سمة ذلك النظام الفاشل، الذي قاد سورية العظيمة لهزائم تاريخية مخجلة، وصادر إمكانياتها وعطل طاقاتها.. ليس غريبًا بالمرة أن تفضح مقابر النظام الجماعية، بل الغريب كل الغرابة أن يلف الصمت المحلي والدولي عن تلك الحقائق الدامغة؛ فمهرجان القتل الشعبي الشامل الذي أطلقه النظام ومارسته بصفاقة ونذالة منقطعة النظير آلته العسكرية الجبانة والمهانة لن يمنع الشعب السوري أبدًا من أخذ زمام المبادرة والاستمرار في الكفاح والصمود والرفض حتى اندحار الطغاة وهزيمتهم، وهي مهمة مقدسة يتحملها الشعب السوري البطل العظيم الذي سيدوس على كل المخططات الدولية المشبوهة التي تحمي النظام وتدافع عن جرائمه، في ظل موجة الصمت المخجلة عربيًّا ودوليًّا..
الجامعة العربية التي انتصرت لحق الشعب الليبي في الحرية والكرامة، تقف اليوم عاجزة أشبه بدور المتواطئ وهي ترى أن المقابر الجماعية قد تكررت في بلاد الشام بعد أن كان لها -وما زال- حضورها في بلاد الرافدين!!
والعرب اليوم يقفون -للأسف- ببلاهة منقطعة النظير أمام مهرجان الدم السوري النازف, ولربما يصدق البعض منهم روايات النظام الاستخبارية البائسة عن العصابات السلفية المزعومة! أو الضباط الإسرائيليين المشاركين في الانتفاضة الشعبية!! وطبعًا لا أعتقد أن الرأي العام العربي قد وصل من السذاجة إلى حد بحيث يعتقد بأن النظام السوري الراهن هو خصم حقيقي لإسرائيل.
إن مقابر البعث السوري الجماعية لن ترهب الشعب، بل ستكون الحاضنة الاستراتيجية لتشديد النضال مهما بلغت الأثمان، حتى جرجرة المجرمين لمحكمة الشعب السوري العادلة، وساعتها سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون..
الشعب السوري بكل أطيافه قد حسم الموقف، وهو لا ينتظر موافقة أي طرف؛ فالنظام الدموي حَفَّار القبور إلى سعير.. تلك هي الحقيقة الساطعة التي سيؤكدها أبطال الشام وهم يعيدون كتابة تاريخ الجهاد السوري بدمائهم الطاهرة.
المصدر: موقع البينة، نقلاً عن صحيفة السياسة الكويتية.

2:47 م | تحت قسم | إقرأ المزيد

ثورة سوريا..متظاهرو البوكمال يحررون عشرات المعتقلين

ثورة سوريا..متظاهرو البوكمال يحررون عشرات المعتقليننجح متظاهرون في مدينة البوكمال على الحدود السورية العراقية، أمس الجمعة، في تحرير عشرات المعتقلين الذين كانوا يقبعون في سجن داخل مبنى مديرية المنطقة. وأفاد شهود عيان بأن "أكثر من 1000 متظاهر أقدموا على حرق 5 سيارات للشرطة و 7 دراجات نارية وحرق جزء من مبنى مديرية المنطقة ووصل الدخان إلى السجن مما عرض حياة عشرات المساجين للخطر مما دفع الأهالي إلى إخراجهم من السجن "، بحسب يونايتد برس إنترناشونال.
وأصيب عدد من المتظاهرين "بجروح نتيجة المواجهات مع قوات الأمن ونتيجة تدافعهم بعد إطلاق قوات الأمن النار".
وأضاف شهود العيان: "إن قوات الامن أطلقت النار في الهواء ولم تطلق الرصاص باتجاه المتظاهرين وأن 9 من رجال الأمن والشرطة أصيبوا بجروح وتعرض أحدهم لكسر في كتفه, وشهدت عدة مدن سورية اليوم مظاهرات في جمعة اطلق عليها جمعة الحرية.
وقال ناشط حقوقي سوري: إن قوات الأمن أطلقت الرصاص على متظاهرين في مدينتي حمص والصنمين، وفي عدة مدن أخرى؛ ما أوقع ما لا يقل عن 27 قتيلا حتى الآن فضلا عن عشرات الجرحى.

2:43 م | تحت قسم | إقرأ المزيد

إسلام هوازن

مجيء وفد هوازن لرسول الله

إسلام هوازنانتهت قصة الغنائم على خير، فألف النبي قلوب البعض، واسترضى آخرين، وحلت كل الأزمات، وكانت هذه الأيام من أسعد أيام المسلمين في كل السيرة النبوية، وبعد انتهاء توزيع الغنائم بكاملها ورضي كل فريق بما أخذ سواء من الجزء الرئيسي من الغنيمة، أو من الخمس الذي وُهب للبعض، حدثت مفاجأة ضخمة لم تكن متوقعة، فقد جاء وفد من قبيلة هَوازِن، أو تحديدًا من بطون بني نصر وبني سعد، وكل بطون هوازن الأخرى باستثناء قبيلة ثقيف، وجاءوا جميعًا إلى وادي الجعرانة، ولا أحد يدري أجاءوا للتهديد والوعيد، أم للمفاوضات، أم لتحديد موعد للقتال والثأر؟
لم يأتِ الوفد المكون من أربعة عشر رجلاً لأي سبب من هذه الأسباب، إنما جاء خصيصى لإعلان الإسلام أمام النبي ، وكان الوفد يمثل كل بطون هوازن ما عدا ثقيفًا، وذلك بعد أقل من شهرين من حرب حُنَيْن الهائلة، بعد أن فقدوا كل شيء وخسروا نساءهم وأبناءهم وأموالهم وأنعامهم، خسروا حاضرهم وسيخسرون أيضًا مستقبلهم إن هم ظلوا على الشرك، وكما ذكرنا من قبل أنهم قد فروا إلى الطائف مع ثقيف وما استطاعوا الخروج لحرب المسلمين، وكان من الممكن أن يفقدوا ديارهم ويعيشوا عمرهم لاجئين عند ثقيف في الطائف، وكان موقفهم في غاية الصعوبة، وفكروا في عودتهم إلى رسول الله ، فقد يقبل منهم إسلامهم، ويعيد إليهم بعض الممتلكات، وواضح أنهم لم يدخلوا في الإسلام رغبة فيه، لكن كما تعودنا أن من يدخل الإسلام يحبه بعد فترة من دخوله قد تقصر أو تطول، لكن في النهاية بعد أن يعيشوا الإسلام يشعروا بقيمته.
وأعلن وفد هوازن الإسلام أمام النبي وقالوا: يا رسول الله، إنا أهل وعشيرة، وقد أصابنا من البلاء ما لا يخفى عليك، فامنن علينا مَنّ الله عليك.
ثم قام زهير بن صرد من بني سعد بن بكر، وهم الذين أرضعوا رسول الله ، فقال: يا رسول الله، إنما في الحظائر عماتك وخالاتك وحواضنك، ولو أنا أرضعنا الحارث بن أبي شمر الغساني، أو النعمان بن المنذر لرجونا عطفه، وأنت خير المكفولين.
ثم قال:
امْنُنْ عَلَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ فِي كَرَمٍ *** فَإِنَّكَ الْمَرْءُ نَرْجُوهُ وَنَنْتَظِرُ
 الرسول يرد السبي إلى هوازن
وكان الموقف في غاية الحرج، وها هي القبيلة الضخمة هوازن تأتي لتعلن إسلامها، ويتضح أنهم ما أتوا حبًّا في الإسلام، فقد جاءوا ليستردوا بعض ما ذهب منهم، ولم يعد أمامهم من سبيل إلا أن يسلموا، فيستردوا شيئًا من ممتلكاتهم، وتحتمل ردتهم إن لم يستردوا نساءهم وأبناءهم، وكان النبي قد قسم كل شيء في الغنائم على الجيش، فأربعة أخماس الغنائم قسمت على أفراد الجيش العام، وقسم الخمس الباقي على سادة القادة والعظماء، وطلقاء مكة وغيرهم من المؤلفة قلوبهم، فقد أعطى النبي هذه العطايا ليتألف بها الناس، ولو أخذ النبي منهم ما أعطاه لهم لارتدوا عن الإسلام، فهو يريد إسلام هوازن، وفي الوقت نفسه يريد ثبات أهل مكة وزعماء القبائل، فكيف الخروج من هذه الأزمة؟
وانظر إلى المنهج الإسلامي الذي رأيناه من حبيبنا لحل هذه المعضلة، فقد تحرك النبي في ثلاث خطوات رائعة:
الخطوة الأولى: حاول أن يصل مع هوازن إلى حل وسط، فليس بالإمكان أن يرجع كل شيء، ولكن لنصل إلى أكبر تنازل ممكن يقبلون به مع ثباتهم على الإسلام، فقال لهم النبي في وضوح: "أَبْنَاؤُكُمْ وَنِسَاؤُكُمْ أَحَبُّ إِلَيْكُمْ أَمْ أَمْوَالُكُمْ؟".
وفي رواية البخاري قال لهم النبي : "أَحَبُّ الْحَدِيثِ إِلَيَّ أَصْدَقُهُ، فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، إِمَّا السَّبْيُ وَإِمَّا الْمَالُ، وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ بِهِمْ لِتَرْجِعُوا".
وحاول أن يلطف قلوبهم، وفي الأمر يتصرف النبي بوضوح وتعقل وواقعية، لا يندفع بعاطفته إلى أمر قد لا يقدر عليه، ولا بد من العلم أن السبي والأموال ليست مسروقة، ولا منهوبة من هوازن، وإنما هي حق للمسلمين تطلبه هوازن للتنازل عنه كرمًا منهم، فقالوا: يا رسول الله، لقد خيرتنا بين أموالنا وأحسابنا، فرُد إلينا نساءنا وأبناءنا. ونجحت الخطوة الأولى ووصل معهم النبي إلى حل وسط.
الخطوة الثانية: إشعار هوازن أن النبي معهم قلبًا وقالبًا، وأنه متعاطف معهم إلى أقصى درجة، وسوف يضحي من أجلهم، وسيبذل قصارى جهده لاسترداد السبي من أفراد الجيش الإسلامي، أي أن النبي وضع نفسه في خندق هوازن، ولا شك أن النبي قد ثبت أقدامهم بهذا العرض، وليحقق هذه الخطوة أعلن النبي قائلاً في تجرد: "أَمَّا مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ".
وفي الوقت نفسه لا يستطيع إجبار بقية الجيش على ردّ ما معهم، ولكنه سيحاول معهم، وهنا نجد ما يسمى بواقعية العطاء عند النبي ، فهو لم يعد إلا بما يستطيع، وكان كريمًا واسع الكرم ، فقد تنازل عن نصيبه وأقنع بني عبد المطلب بالتنازل عن حقوقها، لكنه لا يعطي ما لا يملك.
الخطوة الثالثة: اتفق مع هوازن على موقف يقوم به أمام المسلمين ليقنع به الجيش المسلم بإعادة السبي إلى هوازن، وكان هذا الموقف من عند النبي ، والنبي يبذل هذا الجهد من أجل قبيلة كانت تحاربه منذ شهرين، بل كانت حريصة تمام الحرص على استئصاله هو والمؤمنين تمامًا، فقال لرجال هوازن: "فَإِذَا صَلَّيْتُ الظُّهْرَ فَقُومُوا فَقُولُوا: إِنَّا نَسْتَشْفِعُ بِرَسُولِ اللَّهِ إِلَى الْمُسْلِمِينَ، وَبِالْمُسْلِمِينَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فِي نِسَائِنَا وَأَبْنَائِنَا. فَسَأُعْطِيكُمْ عِنْدَ ذَلِكَ وَأَسْأَلُ لَكُمْ".
فهو لم يتنازل عن حقه في السبي بينه وبين بني عبد المطلب سرًّا، بل يريد أن يكون ذلك الأمر في العلن؛ ليقلده بقية المسلمين، فيتنازلون عن السبي الذي ملكوه، ويعلّم وفد هوازن ألفاظًا ترقق مشاعر المسلمين: "إنا نستشفع برسول الله إلى المسلمين، وبالمسلمين إلى رسول الله"، وهنا يقبل النبي شفاعة المسلمين، وليس من المعقول أن لا يقبل المسلمون شفاعة الرسول ، ثم يؤكد لهم النبي وفد هوازن أن يسأل بنفسه المسلمين ليردوا السبي إلى هوازن. على واقعية الطلب، وينصحهم ألاَّ يطلبوا الأموال والإبل والشياه، لكن يطلبوا فقط السبي؛ لئلاّ يصعب الأمر على المسلمين فتفشل المحاولة، وقد وعد النبي
ولاحظ مدى الرقي والتوازن والتعامل الحضاري من رسول الله ، فهو مع كونه زعيم الأمة الإسلامية ورئيس الدولة والرسول المطاع إلا أنه لا يريد أن يجبر المسلمين على رأي يرى أنه لا يجوز له تأميم ما لا يملك، وأن هذا حق المالكين الآن، وليس له دخل فيه إنما سيدخل في القضية كشفيع أو وسيط يريد الخير بصدق للطرفين، ولم تنتهِ عظمة الموقف بعدُ، فقد صلى النبي الظهر بالمسلمين وكما هو متفق عليه قام وفد هوازن مخاطبين المسلمين جميعًا، وقالوا كما نصحهم النبي تمامًا: إنا نستشفع برسول الله إلى المسلمين، وبالمسلمين إلى رسول الله في أبنائنا ونسائنا.
فقام قابلاً شفاعة المسلمين، وقال: "أَمَّا مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ".
 موقف المسلمين من رد السبي
وقد قام النبي بما في استطاعته، أما ردّ فعل المسلمين فكان متباينًا، فقد وافق البعض، ولم يوافق البعض الآخر، وقال المهاجرون والأنصار: ما كان لنا فهو لرسول الله.
وفي ذلك دليلٌ على أن المهاجرين والأنصار أخذوا نصيبهم من الغنائم، فهذا سبي أعيد من قسم مهم من أقسام الجيش. وقال الأقرع بن حابس زعيم بني تميم: ما كان لي ولبني تميم فلا.
وقال عيينة بن حصن: ما كان لي ولفزارة فلا.
وقال عباس بن مرداس: ما كان لي ولسليم فلا.
فقالت بنو سليم: ما كان لنا فهو لرسول الله.
فقال: وهنتموني.
وهذا الموقف يحتاج إلى وقفة وتحليل، فقبيلتا تميم وفزارة لم يردا السبي، وردت قبيلة بني سليم السبي مخالفين رأي قائدهم عباس بن مرداس، فظهرت أمام النبي مشكلتان:
المشكلة الأولى: في رفض قبيلة تميم وفزارة في إعادة السبي، وقد تؤثر هذه المشكلة على إسلام هوازن.
المشكلة الثانية: وهي إن بدت في ظاهرها بسيطة إلا أنها كانت في غاية الأهمية عند الرسول ، وهو الخلاف الذي ظهر بين رأي العباس بن مرداس زعيم قبيلة بني سليم وبين أفراد القبيلة، وهذا يعني تعارض وعدم توافق بين الرأي المعلن للزعيم وبين جمهور القبيلة، وإذا كان الأمر قد وضح بالنسبة لقبيلة بني سليم، فإن الأمر لم يتضح بعدُ للجيش الإسلامي بما فيهم المهاجرون والأنصار وبقية القبائل.
 تعامل الرسول مع المشكلة الأولى
استطاع النبي حل المشكلتين، ففي المشكلة الأولى والتي تكمن في رفض قبيلتي تميم وفزارة إعادة السبي، لم ييئس النبي من هذا الأمر، بل وضح له من هذا الأمر نظرة القبيلتين المادية البحتة، لهذا دخل النبي معهم في مساومة مادية تجارية تناسب طبيعتهم في هذه المرحلة، لم يلقِ عليهم النبي لومًا لأنهم لم يقبلوا شفاعته، فقال رسول الله : "مَنْ تَمَسَّكَ بِحَقِّهِ مِنَ السَّبْيِ فَلَهُ بِكُلِّ إِنْسَانٍ سِتَّةُ فَرَائِضَ مِنْ أَوَّلِ شَيْءٍ نُصِيبُهُ".
فردوا على الناس أبناءهم ونساءهم، ولا تجد موقفًا مثيلاً مثل هذا الموقف اللهُمَّ إلا موقفه من طلقاء مكة، فقد أقر النبي بأنه سيدفع لهم ضعف السبي ست مرات من أول سبي يصيبوه، ونجد النبي يدافع عن هوازن مع أنها لم تسلم إلا من ساعة من الزمان، وقبلها كانت من ألد أعدائه ، فمن أجل الحفاظ على عقيدة قبيلة هوازن ستغرم الدولة الإسلامية قيمة ستة أضعاف السبي، ونجد أن النبي يفهم حدود النفس البشرية، ويفهم حدود العدل، ويفهم أسس القيادة، ويفهم قواعد الإدارة ويفهم طرق الحكم، ويفهم فنون التعامل مع الناس بصفة عامة.. إنه -بلا جدال- بحر لا ساحل له، قدوة لا مثيل لها، فمن المستحيل أن نحيط بعظمته ولو قضينا الأعمار في تحليل السيرة النبوية. يتفاوض مع جيشه، ولم يفرض عليهم أمرًا، فهذا السبي من حقهم، والرسول
وأمام هذا العرض المغري قبلت القبيلتان بالكامل إعادة السبي إلى هوازن، ونجح العرض النبوي في الخروج من الأزمة، وعاد السبي كله إلى هوازن إلا عجوزًا كانت في يد عيينة بن حصن الفزاري، فقد رفض إعادتها كيدًا لهوازن، ثم أعادها بعد ذلك، وبذلك حلت المشكلة الأولى وعاد جميع السبي إلى هوازن.
 تعامل الرسول مع المشكلة الثانية
أما المشكلة الثانية والتي كانت بين قبيلة بني سليم وزعيمهم عباس بن مرداس، والسبي حق شخصي لكل فرد وليس حقًّا عامًّا للقبيلة، ولو اعترض فرد أو أكثر في القبيلة ما جاز لنا أن نقول: رأي الأغلبية أو الشورى تقضي بذلك فيأخذ منه السبي، بل السبي حقه وقد يتمسك به، لذلك فلا بد من موافقة شخصية من كل فرد؛ لذا وقف النبي موقفًا رائعًا، وخطب في عموم المسلمين وقال لهم -كما في رواية البخاري عن المسور بن مخرمة t-: "إِنَّا لاَ نَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ، فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ".
فَرَجَعَ النَّاسُ فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ قَدْ طَيَّبُوا وَأَذِنُوا.
وهذا منتهى العدل، وانتهت بذلك مشكلة هوازن، ودخلت في الإسلام بنفس راضية، وقد تيقنت أنها تتعامل مع رسول، وليس مع مجرد زعيم أو قائد.
 إسلام زعيم هوازن
لم تقف العظمة النبوية عند إسلام هوازن، وبقي في قصة هوازن أمر عجيب يحتاج إلى أن نحمله إلى أهل الأرض جميعًا، فضلاً عن حمله للمسلمين؛ لنقول: هذا هو قدوتنا، فأي قدوة تتبعون.
فَقَد النبي في وفد هوازن مالك بن عوف الذي جهّز الجيش لاستئصال المسلمين، فسأل عنه، فقالوا: إنه في الطائف في حصون منيعة يخشى على نفسه.
فقال في روعته المعهودة: "أَخْبِرُوا مَالِكًا إِنْ أَتَانِي مُسْلِمًا رَدَدْتُ عَلَيْهِ أَهْلَهُ، وَمَالَهُ، وَأَعْطَيْتُهُ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ"
فكان الهدف الأسمى في حياة النبي هداية الناس لرب العالمين، بصرف النظر عن تاريخهم وعداوتهم السابقة له وللمسلمين، وما غاب عن ذهنه هذا الهدف حتى مع هذا الرجل الخطير مالك بن عوف، فما زال يحرص على إسلامه، وما زال يحرص على هدايته، والرسول يعرف لكل رجل قدره، فمالك بن عوف النصري قوة لا يستهان بها، ولا يمكن أبدًا أن تتجاهل رجلاً استطاع أن يجمع ويحرِّك أكثر من خمسة وعشرين ألف مقاتل، ويضحوا بكل ثرواتهم من أجل قضية ما، فوجود هذا الرجل خارج الصف أمر خطير، خاصة أنه في ثقيف، ولم يسلموا بعد، ولم ينقطع خطرهم عن المسلمين، ووجود شخصية كهذه في حصون ثقيف أمر لا تؤمن عواقبه، وهذا الرجل جمع هذه الأعداد الكبيرة من أجل قضية قبليَّة تافهة، بالقياس إلى أهداف القتال في الإسلام، فماذا لو انضم هذا القائد الخطير إلى صلب الجيش المسلم؟ وماذا سيفعل إذا أصبح مقاتلاً في سبيل الله بدلاً من قتاله في سبيل هوازن؟
لذا حرص النبي تمام الحرص على إسلامه، وفي الوقت نفسه حرص على حفظ كرامته، فرفع مكانته، وخصه بإعادة المال مع الأهل، ووعد بإعطائه مائة من الإبل كنوع من تأليف القلوب، والرسول يعرف أن إسلام هوازن ضربة كبيرة لمالك بن عوف، ومع ذلك لم يرد أن يكسر معنوياته، ولم يذله أو يعيره بفقد جنوده، وانضمامهم إلى جيش المسلمين، وإنما عرض عليه عرضًا مغريًا جدًّا، وهو يعلم أن وضع مالك أصبح صعبًا للغاية، ومن ثَمَّ فتح له باب الرجوع إلى الله والانضمام إلى دولة الإسلام.
وهذه هي الحكمة، ومن أراد التعرف على الحكمة فليدرس سيرة النبي ، ووصل الخبر إلى مالك في الطائف، وكما توقع النبي فقد أصبح وضع مالك بن عوف في غاية الصعوبة، فكان يتخوف على نفسه من قبيلة ثقيف، فقد كتب عليهم أن يحاصروا في مدينتهم، وكان مالك سبب وضعهم في هذا الموقف فأصبح خائفًا منهم، ولم يكن مع مالك أتباع فقد أسلمت قبيلته، فكانت دعوة النبي له لتنقذه من أزمة خطيرة، جاءت له هذه الدعوة لتخرجه من موقف لا يحسد عليه، ولم يتردد مالك بن عوف لحظة، بل سارع إلى النبي معلنًا إسلامه بين يديه، ولم يتوقع أحد هذه النتيجة بعد شهرين من موقعة حُنَيْن، وهذه ثمرة من ثمرات المنهج الإسلامي في تعامله مع البشر، فأي قائد غير النبي وغير من سار على نهجه، يكون همه الأول البحث عن قواد عدوه ليقيم عليهم الحدود أو يحبسهم أو يقتلهم أو ينفيهم، لكنه كان حريصًا على كل البشر بغض النظر عن مواقفهم السابقة، وكان نتيجة ذلك إسلام مالك الشخصية الفذة الذي استطاع حشد هذه الجموع لحرب المسلمين، وأصبحت هذه القوى في ميزان الإسلام.
 تأليف الرسول لقلب مالك بن عوف
وقد يكون إسلام مالك بن عوف رغمًا عنه، فقد أسلم في ظروف صعبة، وقد يكون رغبة في المال والأهل والإبل، وقد يكون رهبة من ثقيف، أو من النبي ، فقام النبي بخطوتين باهرتين ليستخدم مالك بن عوف وقدراته لصالح الإسلام، وليثبت أقدامه في الإسلام:
الخطوة الأولى: أعاد النبي مالك بن عوف إلى زعامة هوازن، فقائد مثل مالك لا يمكن أن يقبل بتهميشه، ولن يكون الوضع مستقرًّا إلا إذا رضي ذلك القائد، ولن يرضى من في قدرات مالك إلا بتوليته قائدًا، حتمًا ستستفيد الدولة الإسلامية من طاقات مالك بن عوف إن سخرت لصالح المسلمين، بالإضافة إلى أنه أقدر على قيادة قبيلته، وأكثر معرفة بأحوالها وبرجالها، وأدرى بشئونها وبشئون المنطقة بكاملها، ولا يقال هنا: كيف ولاه على هوازن وقد رفض أن يولي أبا سفيان على مكة؟ فالوضع مختلف تمامًا بين الاثنين، فأبو سفيان له تاريخ طويل من العداء مع المسلمين، ولديه ميراث ضخم من الكراهية للنبي ، بينما مالك بن عوف حديث العهد بالنسبة لهذه العداوات، فكل ما بينه وبين النبي لم يتعدَّ هذه الأيام التي تمت فيها حُنَيْن.
أبو سفيان رجل موتور قتل ابنه حنظلة على يد المسلمين، ومالك بن عوف ليس كذلك.
أبو سفيان ممن تقدم بهم السن، ومن غرقوا في عبادة هبل واللات والعزى سنوات طوال، بينما مالك بن عوف شاب حديث السن لم يفنِ عمره في حب هذه الأصنام.
أبو سفيان يقود عدة قبائل حاربت النبي لسنوات طوال وقد تنقلب عليه في لحظة، بينما يقود مالك بن عوف قبيلة تشعر بالجميل، وتعترف بالفضل لرسول الله الذي أعاد لهم السبي بهذا الأسلوب الحضاري الذي رأيناه.
لكل هذه الأسباب وجد أنه من الأسلم والأفضل ومن الحكمة أن يعيد مالك بن عوف على ولاية قومه، فيكسب بهذا مالك بن عوف، ويكسب كل القبيلة، وكانت هذه الخطة الأولى في تعامله مع مالك بن عوف t.
الخطوة الثانية: هي خطوة تدل على براعة النبي ، فقد كلف مالك بن عوف وقبيلته بمهمة في غاية الأهمية، وهذه المهمة هي حصار قبيلة بني ثقيف في الطائف، وبهذا ينفذ النبي أكثر من أمر بشيء واحد.
أولاً: يُفَعّل مالك بن عوف، ويجعل له دورًا إيجابيًّا ويحمله تبعات مهمة جدًّا، وكل هذه الأمور تربية له، وتشعره بقيمته في الدولة الجديدة، وتشعره كذلك بثقة الرسول ؛ وذلك -لا شك- يثبت أقدام مالك بن عوف وقبيلته في الدين الجديد. وكل هذه الأمور إيجابية بالنسبة لمالك بن عوف، ولا تنحصر الفوائد على ثبات مالك بن عوف وقبيلته، بل هناك فوائد أخرى؛ فالرسول سيُكْفَى مئونة ثقيف، وسيجعل من هوازن درعًا للدولة الإسلامية، وسيحجم من قدرات وإمكانيات ثقيف، ويقلل من خطرها، وفوق ذلك كله يستطيع النبي يستطيع أن يرجع إلى المدينة إلا بعد أن يترك من يسد ثغرة الطائف من أبناء قبيلة هوازن. أن يرجع إلى المدينة بأمان ليدير شئون الدولة الإسلامية الشاسعة، وليتابع المهام العظيمة الموكلة إليه هناك، فلم يكن
فكان قرار إعادة مالك بن عوف إلى زعامة هوازن، وقرار حصاره لثقيف في منتهى الحكمة، وقام مالك بن عوف بالمهمة خير قيام وحاصر ثقيفًا حصارًا شديدًا، وما استطاعوا الخروج من أموالهم إلا بجهد جهيد، فقد تم حصارهم ما يقرب من عام، حتى فكروا في أمر الإسلام كما سيأتي إن شاء الله.
وكانت هذه قرارات النبي وهذه سيرته، وغزواته ومعاملته مع الناس، وهذا جزء يسير جدًّا من سيرته ، فنحن نقف على بعض المواقف من سيرته ، ولا نستطيع أن نحصي فضائله، أو أعماله، أو غزواته، أو ما فعله النبي في حياته.

4:10 م | تحت قسم | إقرأ المزيد

اللامعقول في أحداث مصر

لا يمكن للمتابع للشأن المصري ملاحقة أخبار مصر المهمة هذه الأيام من فرط كثرة تتابع أحداثها بشكل يستعصي على الدراسة المتأنية، بعد سنوات اختفت فيها الأنباء القادمة من مصر في فترة ركودها الطويلة إلا من أخبار الحوادث والكوارث، والكثير مما تقذفه لنا وكالات الأنباء والصحف المصرية من أنباء يمكن إدراج بعضها في إطار اللامعقول واللامنطقي.
والذي يتابع المسألة "الطائفية" في مصر لا يستطيع أن يفسر تقرير لجنة تقصي الحقائق حول ما حصل في حي إمبابة الشعبي بالقاهرة، وإلقائه اللوم بصفة كبيرة على "المتشددين" من الطرف المسلم، وتعريضه بوسائل الإعلام الإسلامية في مصر لاعتبارها تساهم في الترويج لفكرة "الجزية" المتطرفة!!
حيث قال التقرير: إن من أسباب أحداث إمبابة التي أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات "بروز تفسيرات دينية متطرفة في الآونة الأخيرة تطرح إعادة تشكيل المجتمع المصري، وتنظر إلى المسيحيين المصريين على أنهم ذميون ليس لهم حقوق أفضت إلى استخدام العنف ضدهم، وذلك في ضوء الاستخدام المكثف لوسائل الإعلام المرئية التي تغذي هذه التفسيرات لدى بعض شرائح المجتمع". وهو تقرير يمكن تقديم أصحابه للمساءلة؛ بسبب الإساءة للدين الإسلامي نفسه؛ لأن "الجزية" في الإسلام لا يمكن الادعاء بأنها لا تعطي حقوقًا للنصارى، بغض النظر عن آراء بعض الأصوات الإسلامية وغير الإسلامية في إمكانية تطبيقها من عدمها في الوقت الراهن.
اللامعقول ليس هنا فقط، فالتقرير تجاهل أصل المشكلة وهو وجود "محتجزة" في مكان تابع للكنيسة في إمبابة، بغض النظر عن ملابسات احتجازها أو تبريره، وغضَّ الطرف عن إطلاق النار ابتداءً من عناصر "مسيحية"، وخلط بين مَن أسماهم بـ"فلول النظام" وأصحاب "التفسيرات الدينية المتطرفة"، بما يتيح المجال لوصم ناشطين إسلاميين بالبلطجة لمجرد اعتراضهم السلمي وتظاهرهم المشروع أو حتى استفسارهم عن وجود محتجزات، سواء أكن مسلمات أم غير ذلك.
نعم صحيح أن ثمة فلولاً للنظام تقوم بتفجير كل الملفات الآن في مصر؛ تحقيقًا لمقولة الفوضى الخلاّقة التي "بشَّرت" بها وزيرة الخارجية الأمريكية رايس من قبل، ونعم هم من يتقنون لغة المولوتوف، ونعم "إسرائيل" تقف من ورائهم، ولكن ذلك لا يعني أن يتم هذا الخلط المتعمد والمساواة بين الضحية والجلاّد في إعادة صريحة لإنتاج الحالة العرجاء لما يُسمَّى بالوحدة الوطنية في نسختها "المباركية".
التقرير كُتب بنَفَسٍ لا يختلف عن نظرائه مما اعتيد في النظام السابق وبالقلم ذاته تقريبًا، فيما يدعي أنه يدين فلوله، وهو أغمض عينيه عن "التفسيرات الدينية المسيحية المتطرفة" التي أتاحت لتغييب قضية كاميليا وغيرها عن المتابعة القانونية الرشيدة.
والأكثر إيلامًا في "مصر الجديدة"، "مصر الثورة" أن يخرج التقرير وغيره من الإجراءات الأحادية يغضُّ الطرف عن جريمة تُعدُّ واحدة مما يمكن إدراجه تحت طائلة الخيانة العظمى، وهي تلك التي تتعلق بوقوف المئات من "المسيحيين" على أبواب السفارة الأمريكية يطلبون من واشنطن التدخل في الشئون المصرية الداخلية، ويستجدون الحماية منها علنًا دون ملاحقة قانونية ولا محاكمات عسكرية أو أمنية عاجلة، كتلك التي اقتيد فيها العشرات "بسخاء" الآن.
وبعد إطلاق النار من مبنى تابع للكنيسة المصرية في إمبابة؛ فإن أول إجراء قانوني تم اتخاذه من قبل الحكومة المصرية المؤقتة، كان إقرار قانون بناء دور العبادة الموحد، ووعد رئيس الحكومة د. عصام شرف المعتصمين "المسيحيين" أمام مبنى الإذاعة والتليفزيون المصري (المتحدي لقرار المجلس العسكري المانع تمامًا للاعتصامات) بفتح الكنائس المغلقة.
إنه اللامعقول في الانبطاح الواضح أمام النفوذ المسيحي المهيمن على الحالة المصرية اليوم، لتصبح مصر مرة أخرى مجتمع الـ5%، مع تغيير طفيف من المال إلى الطائفة.

4:03 م | تحت قسم | إقرأ المزيد

150عالم إسلامي يحذرون من الزحف إلى فلسطين

أصدر 150 من علماء الدعوة الإسلامية والشريعة والقانون، بياناً وصفوا فيه الدعوة للزحف إلى فلسطين بـ"الخيانة للأمة وسلب اختصاص الجيش"، معتبرين أن تلك الدعوة تمثل "تضييعا لجهود شبابنا وافتراءً على سمعة الإسلام والمسلمين".
وقال الدكتور جميل أحمد علام، عميد معهد الدعوة و الدراسات الإسلامية بالإسكندرية والزقازيق وعضو رابطة العالم الإسلامى بمكة المكرمة: إن 150 عالماً من الشريعة والقانون يرون أن دعاوى الزحف والنفير إلى فلسطين، هى لمصالح فردية وجماعات على حساب مستقبل الإسلام والأمة، مشيرًا إلى أن هذا التصرف من شباب متحمس وجماهير عاطفية غير معدة عسكريا ولا قتاليا ولا مجهزة جهاديا.
واعتبر أن "تلك الدعاوى تخالف معايير الشريعة الإسلامية وأحكامها، مما ينم عن جهل بالشريعة أو عدوان عليها وخيانة للأمة".
وأكد علام أن علماء الدعوة الإسلامية وعلماء الشريعة والقانون ومحاضري المراكز الإسلامية فى العالم يدينون هذه الدعوة، ويحذرون من مغبتها ومخاطرها، موضحا أنه من المقرر فى أحكام الشرعية عند علماء أئمة أهل السنة أنه ليس من حق آحاد الناس الدعوة إلى النفير أو الجهاد أو القتال، وأن حكم الأمر بالقتال تطبيقا لقول الله تعالى "انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم فى سبيل الله ذلكم خير لكم ..."، وقوله تعالى "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم"، مشيرا إلى أن علماء أهل السنة أجمعوا على أنه لا يجوز لآحاد الناس أن يدعوا الناس إلى الجهاد، وإن كان الجهاد فرضا إلى يوم القيامة وإنما الحاكم القائد الأعلى للدولة هو المختص بالدعوة إلى الجهاد وإبرام الصلح مع أعداء الأمة والكف عن القتال.
وأضاف أنه من المقرر شرعا عند علماء أهل السنة أن حكم الدعوة إلى الزحف أو الجهاد والنفير هو الحكم الوحيد الخاص بولي الأمر للدول القائد للجيش حتى ولو كان حاكما غير رشيد وفاسقا، حتى لا تتنازع الأمة فى القتال وحتى لا تقع فى مخالفة لقوله تعالى "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين"، حيث إن هذا الأمر لم يصدر من المجلس الأعلى العسكرى الذى يمثل قيادة مصر فى هذا التوقيت الحرج.
وأكد جميل أن علماء الشريعة يحذرون من تلك الدعوة ومن الداعين إليها والانسياق وراءها، معتبرًا أن هذه الدعوة تمثل أيضا تضييعا لجهود شبابنا وافتراءً على سمعة الإسلام والمسلمين، حيث إن هؤلاء الشباب ليسوا مستعدين عسكريا وليسوا مسلحين قتاليا للقيام بهذا الواجب.
وشدد على "أننا جميعا نتمنى تحرير الأقصى واستعادة فلسطين، فهذا واجب علينا، ولكن يجب أن يسبق ذلك كله التخطيط العلمي المدروس والقيادة العسكرية الخبيرة التى ألزمنا الله بها فى قوله تعالى "فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون".
وأوضح أن الانسياق وراء هذه الدعوات ضررها جسيم، وهى توريط الأمة فى عمل غير معد ومخطط له من جهة الاختصاص، وهى القيادات العسكرية، الضرر الثانى استغلال الجماهيرية العاطفية التى تبتز مشاعر البسطاء وعواطف الجماهير المحبة لدينها وللمسجد الأقصى والتى ترغب فى تحرير فلسطين من الظلم والاستبداد وما ذلك إلا ابتزاز واستغلال لمشاعرهم لتحقيق مصالح جماعاتية تريد التسيد والاستعلاء وتحقيق جماهيرية عاطفية لأغراض دنيوية خسيسة دنيئة.
وأردف يقول إن الضرر الثالث هو الوقيعة بين الجيش والإسلاميين، حيث إن الاختصاص بالنفير والزحف هو اختصاص الجيش وأركانه وليس من حق الإسلاميين أن يسلبو الجيش اختصاصه وأنه من الخيانة.
أما الضرر الرابع، بحسب الدكتور جميل أحمد علام، فهو استفزاز القوى الخارجية لإجهاض ثورة 25 يناير بدعوى أن هذه الثورات ستؤدى إلى وصول "المتطرفين" إلى سدة الحكم وبالتالى تهديد الأمن العالمي، وتأكيد مخاوف المسيحيين والمستثمرين ضد الإسلاميين وطموحاتهم وتصرفاتهم، وبالتالى تكون الوقيعة داخل المجتمع ونسيجه وتكون دمارا لاقتصاده.
ويبدو أن الدكتور علام بنى رأيه بشأن الوقيعة بين الجيش والإسلاميين على أساس أن الإسلاميين هم من يقف وراء الدعوة إلى الزحف إلى فلسطين، في حين أن التيارات الإسلامية على تنوعها حذرت من عملية الزحف هذه، ونصحت الشباب بعدم الانسياق وراءها، أو قصرها على وقفات في الميادين العامة للتعبير عن الرأي دون الزحف إلى الحدود لما في ذلك من مفاسد عظيمة. ومن أبرز هذه الجهات التي أفتت بذلك الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح، وعلى رأسها فضيلة مفتي مصر الأسبق الدكتور نصر فريد واصل، والدعوة السلفية بالإسكندرية، بالإضافة إلى عدد كبير من الدعاة البارزين في مصر أمثال الشيخ مصطفى العدوي، ومحمد عبد الملك الزغبي وغيرهما كثير.
إلى ذلك، طالب العلماء فى بيانهم الجميع بأن يستمعوا إلى صوت العقل والشرع وأن يوفروا الإمكانيات والإنفاق على السفر بالشراب والطعام على أنفسهم خلال سفرهم إلى غزة، وأن يتبرعوا بها لصالح الدواء والعلاج وعلى كل من يريد الذهاب التطوع بالقوات المسلحة وأداء الخدمة العسكرية والتدريب على فنون الحرب قبل الزحف.
وكانت "الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح" قد حذرت في وقت سابق من عواقب الدعوة لزحف الشباب الأعزل إلى حدود بلادهم مع فلسطين، مؤكدة أن ذلك أمر "قد يترتب عليه ما لا يحمد من المفاسد، وعليه فإنه لا يجوز شرعا"، لكنها شددت في الوقت نفسه على أن "جهاد اليهود الغاصبين بكل صوره ووسائله هو الطريق لتحرير فلسطين".
ورأت الهيئة في بيانها العاشر "حول المستجدات في القضية الفلسطينية"، أن "الدعوة لزحف الشباب الأعزل إلى حدود بلادهم مع فلسطين أمر غير محسوب العواقب، وقد يترتب عليه ما لا يُحمد من المفاسد، وعليه فإنه لا يجوز شرعا، وخاصة في هذه الأوضاع الاستثنائية الصعبة التي تمر بها الدولة المصرية وقواتها المسلحة في هذه الأيام".
وانطلقت دعوات على شبكة الإنترنت، خاصة على موقع التواصل الاجتماعي الشهير "فيسبوك"، تدعو إلى زحف جماهيري على فلسطين في 15 مايو الجاري، والذي يوافق الذكرى الـ 63 للنكبة.
وأكدت الهيئة الشرعية للإصلاح أن "تحرير مقدساتنا في فلسطين يبدأ بتصحيح المعتقدات وتحرير الولاء والبراء أولًا، وتحكيم الشرع ظاهرًا وباطنًا ثم الأخذ بالمقدور من الأسباب المادية".
وناشدت الهيئة "فئات المجتمع عامة، والشباب خاصة بالالتفاف حول أهل العلم العدول الثقات، والصدور عن فتاويهم فإن هذا هو الواجب الشرعي على جميع المكلفين، وعن طريقه يسد باب الفتن وتتفادى الأمة كثيرًا من المحن".
ونقلت الهيئة في بيانها إجماع علماء المسلمين على أن "جهاد اليهود الغاصبين بكل صوره ووسائله هو الطريق لتحرير فلسطين، وهو جهاد غايته رضا الله تعالى بإعلاء كلمته ورفع رايته، وتحرير مقدساته، ودفع الفتنة عن عباده بتحريرهم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، قال تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله} [الأنفال: 39]".
من جانب آخر، أعلنت "الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح" أنها "تؤيد المصالحة الفلسطينية على أساس إقامة مرجعية الشريعة الإسلامية، وتعتبرها فريضة دينية، وضرورة وطنية". وثمنت الجهود المصرية في إنجاز المصالحة الفلسطينية، مؤكدة على أهمية الارتفاع عن المصالح الشخصية والفئوية وتقديم المصالح الكلية.
وشددت الهيئة على "ضرورة دعم إخواننا الفلسطينين، ونصرتهم بكل وسيلة نافعة، مادية ومعنوية، وتثني الهيئة على خطوة فتح المعابر لإغاثة أهل غزة الصامدة".

4:00 م | تحت قسم | إقرأ المزيد

الإيجابية في حياة أبي بكر الصديق

د. راغب السرجاني
أبو بكر الصديق بين الإيجابية والتصديق
أبو بكر الصديق  بين الإيجابية والتصديقفي اليوم الثاني بدأ رسول الله والمؤمنون الأوائل يتحركون من جديد بالدعوة لانتقاء عناصر جديدة.
والحق أن أبا بكر الصديق t كان إيجابيًّا بدرجة لا يمكن وصفها ولا تخيلها، أبو بكر الصديق t تحرّك بالدعوة وكأنها أنزلت عليه هو، لم تكن الدعوة عنده مجرد تكاليف من الرسول ، ولكن هو الحب للإسلام الذي ملأ قلب الصديق t، وحبه لحمل الخير لكل الناس، وفي الوقت نفسه حبه هو لكل الناس.
نتج عن حبه للدين وحبه للناس حماسة دعوية على أعلى مستوى تصل إليه من التفكير، وظل الصديق على هذه الروح في حمل الرسالة إلى أن مات t، وظل يحمل همّ الدعوة، ويتحمل مسئولية الإسلام، وكأنه ليس على الأرض مسلم غيره، إيجابية قصوى.
في أول تحرك للصديق t أتى للإسلام بمجموعة رائعة من المسلمين الجدد، وقِفْ مع كل اسم لحظة، أو لحظات لتعرف بلاءه في الإسلام ونصرته لدين الله ، لقد أتى الصديق بعثمان بن عفان، وتفكر في سيرة عثمان t، مجهِّز جيش العسرة، ومشتري بئر رومة، وموسع المسجد النبوي، تفكر في خلافته للمسلمين اثني عشر عامًا، تفكر في حياة فيها إنفاق، وفيها علم، وفيها جهاد، وفيها صيام، وفيها قيام، وفيها قراءة للقرآن، فعثمان بن عفان رغم كل هذه الأعمال حسنة من حسنات أبي بكر الصديق t.
- الزبير بن العوام.
- سعد بن أبي وقاص.
- طلحة بن عبيد الله.
- عبد الرحمن بن عوف. رضي الله عنهم أجمعين.
من المؤكد أن أغلب المسلمين يعرفون قدرهم، وما قدموه للإسلام، وهؤلاء الخمسة من العشرة المبشرين بالجنة، وكلهم في ميزان حسنات أبي بكر الصديق t.
الحدث فعلاً عجيب، فهؤلاء لا يغيّرون شيئًا بسيطًا في حياتهم، لا يغيّرون طعامًا أو شرابًا، لا يغيّرون وظيفة أو سكنًا، إنما يغيّرون ديانتهم، يغيّرون عقيدتهم، يغيّرون أمرًا استمرت به مكة مئات السنين، يسبحون ضد التيار.
أي قوة إقناع كانت عند الصديق حتى يقنع هؤلاء الخمسة بأمر الإسلام؟! أي صدق كان في قلب الصديق حتى يهدي الله هؤلاء الخمسة العظام على يده t؟!
والغريب أن هؤلاء الخمسة لم يكونوا من قبيلته (بني تيم) باستثناء طلحة بن عبيد الله t.
عثمان أموي، والزبير أسدي، وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف من بني زهرة، من المؤكد أن علاقات الصديق كانت قوية جدًّا، ووثيقة جدًّا بهؤلاء قبل الإسلام، من المؤكد أنهم كانوا يحبونه حبًّا عظيمًا، فالخطوة الأولى في الدعوة كما ذكرنا سابقًا هي الحب.
ثم أيضًا نظرة على الأعمار:
- الزبير بن العوام خمس عشرة سنة.
- طلحة بن عبيد الله ست عشرة سنة.
- سعد بن أبي وقاص سبع عشرة سنة.
- عثمان بن عفان ثماني وعشرون سنة.
- عبد الرحمن بن عوف ثلاثون سنة.
كل هؤلاء أخذوا قرار تغيير الدين والارتباط بالإسلام وتحمل المشاق ومواجهة أهل مكة جميعًا، أخذوا هذا القرار وهم في هذه السن المبكرة.
الزبير وطلحة وسعد لو كانوا في زماننا لكانوا في المرحلة الثانوية.
هل أولادنا في هذه المرحلة عندهم من الوعي والإدراك، وتحمل المسئولية والقدرة على الفهم والتفكير واستنباط الصحيح من الخطأ، والحق من الباطل مثل الذي كان عند هؤلاء الشباب من الصحابة؟
كثيرًا ما يحزن المرء عند رؤية بعض شبابنا في هذه المرحلة العمرية الثمينة، وقد فرغت عقولهم من كل ما هو ثمين أو قيم، لا تجد فيها إلا بعض الأغاني، وبعض المسلسلات، وبعض المباريات، وبعض قصات الشعر، وبعض ألعاب الكمبيوتر، مع أنهم نشئوا في بيوت مسلمة، وبين آباء وأمهات مسلمين، وربما عاشوا في بيئة إسلامية صالحة، ولم ينشئوا كما نشأ الزبير وطلحة وسعد في بيوت كافرين.
ولست أدري أين الخلل؟ أين تكمن المشكلة؟
لا ننكر أن هناك دورًا كبيرًا يقع على فساد الإعلام وفساد التعليم. لكن يقع على كاهلنا أيضًا جزء كبير من هذا الأمر، ولعلنا لا نعطي الشباب وقتًا كافيًا من حياتنا، لعلنا نستقلّ بإمكانيتهم، ونستصغر عقولَهم، ونستقلّ بأفكارهم.
ودائمًا ما نردد: الولد ما زال صغيرًا. أكمل المرحلة الثانوية وما زال صغيرًا، وانتهت الجامعة وهو صغير، وقد يتزوج وما زال صغيرًا.
أحيانًا بلوغ العقل عند بعضنا قد يجاوز الأربعين، ولا يعتمد على نفسه، ولا تعتمد عليه أمته إلا بعد أربعين عامًا.
الأمر يحتاج لعدة وقفات، فالشباب هم قوة كامنة، فلو منحوا تربية وجهدا، بإمكانك أن تأخذ منهم كما أخذ النبي من الزبير وطلحة وسعد وغيرهم من الصحابة.
نحن نحتاج إلى إعادة تنسيق لأفكارنا وترتيب لأوراقنا وتنظيم لأولوياتنا وأهدافنا بعد دراسة السيرة النبوية، نحتاج إلى إعادة نظر، وإلى وقفة مع أبنائنا.
نعود إلى الصديق t وحركته في سبيل الله، قد نتخيل أن الصديق t يأخذ قسطًا من الراحة بعد الإنتاج العظيم في يوم واحد، لكن سبحان الله، يبدو أن النشاط يولد نشاطًا، وأن الحركة تولد حركة، وأن العمل يولد عملاً، فالترس الذي لا يعمل يصدأ، في الأيام التالية جاء الصديق بمجموعة جديدة من عمالقة الإسلام، من هم؟
- أبو عبيدة بن الجراح من بني الحارث بن فهر، أمين هذه الأمة حسنة من حسنات الصديق.
- عثمان بن مظعون من بني جمح، من كبار الصحابة ومن أوائل المهاجرين إلى الحبشة.
- الأرقم بن أبي الأرقم من بني مخزوم، ست عشرة سنة.
- أبو سلمة بن عبد الأسد، زوج أم سلمة من بني مخزوم.
وعجيب جدًّا أن يأتي الصديق t باثنين من بني مخزوم؛ لأن قبيلة بني مخزوم تتنازع لواء الشرف مع قبيلة بني هاشم قبيلة رسول الله ، فكأنه قد أتى باثنين من عقر دار الأعداء.
كان لدى أبي بكر الصديق t قوة إقناع كبيرة جدًّا، وكان للصدق في الدعوة مكانٌ كبيرٌ في قلب أبي بكر الصديق.
وبعض هؤلاء الصحابة له علاقة مباشرة برسول الله ، وكان من الممكن أن يتركهم الصديق لرسول الله .
- الزبير بن العوام هو ابن عمة رسول الله السيدة صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها.
- وأبو سلمة بن عبد الأسد هو ابن عمة رسول الله السيدة برة بنت عبد المطلب.
- سعد بن أبي وقاص خال النبي .
لكن الصديق يشعر أن الدعوة دعوته، فهو لا يضيع وقتًا، ولا يضيع فرصة، ومن هنا سبق الصديق.
ولو شعر كل واحد منا بأن هذا الدين هو دينه وأنه مسئول عنه، وشعر بالغيرة الحقيقية على دين الإسلام كما شعر بذلك أبو بكر الصديق لاستطاع أن يصل بهذا الدين إلى قلب كل إنسان حتى ولو لم يعرفه.
هذا هو الصديق، وهؤلاء هم المخلصون الذين نتشبه بهم، ونقتفي أثرهم.
ولم يترك الصديق t بيته، فالصديق لا يعاني من المرض الذي يعاني منه كثير من الدعاة، يعلمون الناس الإسلام، ويتركون دعوة أهلهم، وأحوج الناس لهم، والحق تبارك وتعالى يقول في ذلك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التَّحريم: 6].
إنما ذهب الصديق إلى بيته وأدخل في الإسلام أهل بيته فدعا زوجته أم رومان وأولاده أسماء وعبد الله فآمنوا، أما السيدة عائشة فولدت في الإسلام، والابن الأكبر عبد الرحمن تأخر إسلامه إلى عام الحديبية.
- أعتق الصديق غلامه عامر بن فهيرة بعد أن دعاه إلى الإسلام وأسلم.
- دعا الصديق بلال بن رباح t إلى الإسلام فأجاب، ثم اشتراه وأعتقه في سبيل الله.
حركة دائبة، ونشاط لا يتخلله فتور، هذا هو الصديق t.
وقفات مع استجابة الناس لدعوة الصديق
الوقفة الأولى
لماذا اسْتُجيب للصديق بهذه الصورة؟ المسألة ليست فقط إيجابية وحركة، كثير من المسلمين يتحرك، ومع ذلك لا يستجيب الناس لدعوته، بل إن كثيرًا من المسلمين ينفرون الناس من دين الله، وهم يعتقدون أنهم يتحركون له، حتى قال رسول الله : "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ".
لا بد أن الصديق قد اتصف بصفات لازمة لكل داعية جعلت دعوته قريبة إلى قلوب الناس، فإلى جانب الصدق والتواضع والمروءة والعفة، فقد كان يتميز بصفات مهمة ذكرها طلحة بن عبيد الله t في يوم إسلامه، يقول طلحة بن عبيد الله أحد حسنات الصديق:
- كان رجلاً سهلاً محببًا موطأ الأكناف (أي ليّن الجانب)، ليس بالفظِّ ولا بالغليظ.
- وكان تاجرًا ذا خلق واستقامة.
والمال فتنة، وكثير من التجار يخسرون الناس بسبب التجارة، ولكن الصديق كان عكس ذلك، كان يكسب الناس بسبب التجارة، كان تاجرًا صدوقًا، بل صديقًا، كان تاجرًا كريمًا، كان تاجرًا رحيمًا، فيه رأفة، فيه أدب، فيه خلق حسن، كيف لا يحبه قومه؟
- يقول طلحة: وكنا نألفه ونحب مجالسه؛ لعلمه بأخبار قريش وحفظه لأنسابها.
كان الصديق عالمًا بعلم زمانه، علم الأنساب، وكانت الطبقة المثقفة في مكة ترتاد مجلسه للتباحث في هذا العلم، فالصديق لم يكن يعطي ابتسامة فقط أو مالاً فقط، إنما كان يعطي علمًا كذلك، وكان من أدبه ألا يطعن في أنساب أحد مع علمه بالنقائص في كل نسب، وهذا من حسن خلقه t.
فرجل بهذه الصورة، كيف لا يستجاب له؟!
إذن الأمر لم يأت من فراغ، ولم تكن مصادفة أن يستجيب هذا العدد العظيم من عمالقة الإسلام إلى الصديق، وإذا كنت تريد حقًّا أن تصبح داعية، فعليك بدراسة سيرة الصديق t.
الوقفة الثانية
هي أن الصديق t أتى بهؤلاء، فهل أتينا نحن بأفراد جدد إلى الإسلام؟
ليس بالضرورة أن نأتي بغير مسلمين إلى الإسلام، وليس بالضرورة أن نأتي برجال أمثال عثمان والزبير، ولكن هل تحركنا للدين؟
هل وصلت دعوتنا إلى المسلمين غير الملتزمين بالإسلام؟
هل أتينا إلى المسجد برجل لا يعرف طريق المساجد؟
هل دفعنا إنسانًا إلى قراءة القرآن بعد هجره السنوات الطوال؟
هل شرحنا لمسلم حال المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وقد نسيهم أو تناساهم؟
هل هذبنا من أخلاق أبنائنا وأصحابنا وشركائنا وزبائننا وجيراننا؟
هل وصلنا بالدعوة إلى كل من نعرف؟
مجالات العمل لله لا تُحصى ولا تعد، أبواب الدعوة لا حصر لها، المهم أن يتولد في القلب شعور أنك أنت، وأنت وحدك الذي يحمل هَمَّ الإسلام كله على كتفه، تشعر أنك أنت المسئول، أن القضية قضيتك، وأن المهمة فعلاً مهمتك.
وهذا هو الدرس الذي نخرج به من قصة الصديق t.
ولو سمعنا قصة الصديق لمجرد التمتع بها، لم نفهم الغرض الرئيسي من هذا البحث، وهو كيف نبني أمة؟

4:57 م | تحت قسم | إقرأ المزيد

الأرشيف