اللامعقول في أحداث مصر
لا يمكن للمتابع للشأن المصري ملاحقة أخبار مصر المهمة هذه الأيام من فرط كثرة تتابع أحداثها بشكل يستعصي على الدراسة المتأنية، بعد سنوات اختفت فيها الأنباء القادمة من مصر في فترة ركودها الطويلة إلا من أخبار الحوادث والكوارث، والكثير مما تقذفه لنا وكالات الأنباء والصحف المصرية من أنباء يمكن إدراج بعضها في إطار اللامعقول واللامنطقي.
والذي يتابع المسألة "الطائفية" في مصر لا يستطيع أن يفسر تقرير لجنة تقصي الحقائق حول ما حصل في حي إمبابة الشعبي بالقاهرة، وإلقائه اللوم بصفة كبيرة على "المتشددين" من الطرف المسلم، وتعريضه بوسائل الإعلام الإسلامية في مصر لاعتبارها تساهم في الترويج لفكرة "الجزية" المتطرفة!!
حيث قال التقرير: إن من أسباب أحداث إمبابة التي أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات "بروز تفسيرات دينية متطرفة في الآونة الأخيرة تطرح إعادة تشكيل المجتمع المصري، وتنظر إلى المسيحيين المصريين على أنهم ذميون ليس لهم حقوق أفضت إلى استخدام العنف ضدهم، وذلك في ضوء الاستخدام المكثف لوسائل الإعلام المرئية التي تغذي هذه التفسيرات لدى بعض شرائح المجتمع". وهو تقرير يمكن تقديم أصحابه للمساءلة؛ بسبب الإساءة للدين الإسلامي نفسه؛ لأن "الجزية" في الإسلام لا يمكن الادعاء بأنها لا تعطي حقوقًا للنصارى، بغض النظر عن آراء بعض الأصوات الإسلامية وغير الإسلامية في إمكانية تطبيقها من عدمها في الوقت الراهن.
اللامعقول ليس هنا فقط، فالتقرير تجاهل أصل المشكلة وهو وجود "محتجزة" في مكان تابع للكنيسة في إمبابة، بغض النظر عن ملابسات احتجازها أو تبريره، وغضَّ الطرف عن إطلاق النار ابتداءً من عناصر "مسيحية"، وخلط بين مَن أسماهم بـ"فلول النظام" وأصحاب "التفسيرات الدينية المتطرفة"، بما يتيح المجال لوصم ناشطين إسلاميين بالبلطجة لمجرد اعتراضهم السلمي وتظاهرهم المشروع أو حتى استفسارهم عن وجود محتجزات، سواء أكن مسلمات أم غير ذلك.
نعم صحيح أن ثمة فلولاً للنظام تقوم بتفجير كل الملفات الآن في مصر؛ تحقيقًا لمقولة الفوضى الخلاّقة التي "بشَّرت" بها وزيرة الخارجية الأمريكية رايس من قبل، ونعم هم من يتقنون لغة المولوتوف، ونعم "إسرائيل" تقف من ورائهم، ولكن ذلك لا يعني أن يتم هذا الخلط المتعمد والمساواة بين الضحية والجلاّد في إعادة صريحة لإنتاج الحالة العرجاء لما يُسمَّى بالوحدة الوطنية في نسختها "المباركية".
التقرير كُتب بنَفَسٍ لا يختلف عن نظرائه مما اعتيد في النظام السابق وبالقلم ذاته تقريبًا، فيما يدعي أنه يدين فلوله، وهو أغمض عينيه عن "التفسيرات الدينية المسيحية المتطرفة" التي أتاحت لتغييب قضية كاميليا وغيرها عن المتابعة القانونية الرشيدة.
والأكثر إيلامًا في "مصر الجديدة"، "مصر الثورة" أن يخرج التقرير وغيره من الإجراءات الأحادية يغضُّ الطرف عن جريمة تُعدُّ واحدة مما يمكن إدراجه تحت طائلة الخيانة العظمى، وهي تلك التي تتعلق بوقوف المئات من "المسيحيين" على أبواب السفارة الأمريكية يطلبون من واشنطن التدخل في الشئون المصرية الداخلية، ويستجدون الحماية منها علنًا دون ملاحقة قانونية ولا محاكمات عسكرية أو أمنية عاجلة، كتلك التي اقتيد فيها العشرات "بسخاء" الآن.
وبعد إطلاق النار من مبنى تابع للكنيسة المصرية في إمبابة؛ فإن أول إجراء قانوني تم اتخاذه من قبل الحكومة المصرية المؤقتة، كان إقرار قانون بناء دور العبادة الموحد، ووعد رئيس الحكومة د. عصام شرف المعتصمين "المسيحيين" أمام مبنى الإذاعة والتليفزيون المصري (المتحدي لقرار المجلس العسكري المانع تمامًا للاعتصامات) بفتح الكنائس المغلقة.
إنه اللامعقول في الانبطاح الواضح أمام النفوذ المسيحي المهيمن على الحالة المصرية اليوم، لتصبح مصر مرة أخرى مجتمع الـ5%، مع تغيير طفيف من المال إلى الطائفة.
قبسات من أنوار وأقلام العلماء والكتاب قبسات أون لاين حيث الإعلام الهادف قبسات أون لاين
4:03 م
مقالات متنوعة
.