--------------------------------------------------------------------

المشاركات الشائعة

زوار المدونة

أحدث التعليقات

المتابعون

إحصائية المدونة

تعلقات القراء

إقرأ أيضا

|

ثورة ليبيا .. المخاض العسير

ثورة ليبياتفجرّت الثورة التونسية وكانت بمنزلة الحجر الكبير الذي أُلقي في ماء عالمنا العربي الراكد الآسن، ثم التقطت مصر الراية ضاربة بثورتها السلمية أعظم النماذج الثورية في تاريخنا المعاصر، وكانت الأنظار تتجه بعدهما إلى العديد من الدول العربية مثل الأردن أو البحرين أو اليمن أو الجزائر، متوقعين اشتعال الثورة الثالثة على أراضيها..
لم يفكر أحد في ليبيا، وتوقع الجميع أنها ستكون آخر الدول العربية المتحررة من الدكتاتورية -إن استطاعت التحرر-، ولكن الشعب الليبي خالف كل التوقعات، ونجح في هزّ أركان نظام العقيد المجرم معمر القذافي.
 القذافي وتكميم الأفواه
لا شك أن النصيب الأكبر من هذه الثورة المفاجئة كانت من نصيب القذافي نفسه؛ فقد كان همّ العقيد الأول منذ نجح في انتزاع السلطة عام 1969م هو تصفية أي معارضة لحكمه، واستخدم في سبيل تحقيق هذا الهدف من الأهوال ما يشيب له الولدان..
فهذا صحافي فكّر في معارضة القذافي، فتم اختطافه وتعذيبه حتى الموت، ووجدت جثته ملقاة في إحدى ضواحي مدينة بنغازي وآثار التعذيب واضحة عليها، وأكثر من ذلك حيث كانت مقطّعة الأصابع؛ لتوصيل رسالة واضحة لكل حر تسوّل له نفسه الخوض في سيرة القائد الفذ، ومناقشة أفكاره ومحاولة فك طلاسم خزعبلاته الفكرية التي أضحت مسار سخرية شعوب العالم أجمع.
وهذه قصة الزعيم مع المعارضة الإسلامية التي استمّر القائد في اغتيال قادتها لسنوات وسنوات في داخل وخارج ليبيا، وإعدام المئات من سجنائها المحتجزين في ليبيا، تنفيذًا للسياسة الرسمية الداعية إلى التصفية الجسدية لخصوم الحكومة السياسيين.
كل ذلك بهدف تكميم أفواه المعارضين.
كما تضخّم ملف السجناء السياسيين والمفقودين والمغيبين في داخل السجون الليبية، وانتشرت الأخبار عن حجم الانتهاكات التي ترتكبها الدولة الليبية في حق مواطنيها، وتضمنت التقارير الحقوقية أبشع وسائل التعذيب بدءًا من الضرب بالأيدي والأقدام والأحزمة والعصي والأسلاك الكهربية، ومرورًا باستخدام الصدمات الكهربية، وصولاً إلى اغتصاب السجناء والتهديد باغتصاب زوجات المعتقلين وبناتهم لإجبارهم على الاعتراف، فضلاً عن المعاملة غير الإنسانية التي يعامل بها السجين داخل السجن، كأن يجبر في مرات عديدة على شرب بوله، وفقدت العشرات من عائلات السجناء السياسيين الأمل في رؤية أبنائهم وأقاربهم مرة أخرى.
ويكفي أن نذكر هنا ما حدث في مذبحة سجن أبو سليم الواقع في مدينة طرابلس، والتي عُدّت من ضمن الجرائم الأشد ضد الإنسانية، حيث راح ضحيتها نحو 1200 سجين سياسي، وذلك عندما فتحت قوات الحرس نيران أسلحتها الخفيفة والثقيلة على السجناء العزّل، وذنبهم الوحيد أنهم أعلنوا تمردًا وإضرابًا داخل السجن نتيجة الأوضاع الصحية السيئة والمعاملة غير الإنسانية، واحتجاجًا على أصناف التعذيب والإهانة، واستمرار حبسهم دون تقديمهم لأي محاكمة
وذلك إلى جانب سن النظام الليبي بقيادة معمر القذافي منذ وصوله إلى السلطة المئات من القوانين بغرض تقليص الحريات العامة، والتضييق على أي نشاط سياسي أو ثقافي، مثل القانون رقم 45 لسنة 1972م الذي يجرّم الإضرابات والاعتصامات ‏والمظاهرات، وقانون رقم 71 لسنة 1972م الذي يجرّم الحزبية بعدما اعتبرت إحدى مواده ممارسة الحياة الحزبية خيانة في حق الوطن!!
ولهذه الأسباب وغيرها الكثير، استشعر الجميع مدى صعوبة قيام الشعب الليبي بالثورة على هذا الطاغية ونظامه.
لكن أبناء هذا الشعب المُعلِّم أبوا إلا أن يضربوا لنا أعظم الأمثلة في معاني الشجاعة والفداء، فضلاً عن معاني البطولة والصمود أمام هذا النظام الغاشم وآلته العسكرية التي كدسها عبر سنوات من أموال الشعب الليبي، وها هو الآن يستخدمها في قمع إرادته!!
 اندلاع الثورة الليبية ومسارها
بالتأكيد كان لنجاح الثورة التونسية ثم المصرية أعظم الأثر في الوصول بغضب الشعب الليبي المكتوم إلى درجة الغليان، بعدما شعر أبناء ليبيا بإمكانية الخلاص من هذا المجنون الجاثم على عرش ليبيا.
وكانت البداية بدعوة أطلقها العديد من النشطاء على شبكة الإنترنت للقيام بانتفاضة شعبية ضد نظام القذافي، وحددوا لها يوم 17 فبراير.
لم ينتظر الليبيون حتى يوم الخميس 17 فبراير حيث بدأت المظاهرات الاحتجاجية منذ صباح الأربعاء 16 فبراير في مدينة بنغازي الواقعة في شرق ليبيا، وفي يوم الجمعة 18 فبراير توسعت الاحتجاجات لتنتقل إلى الغرب الليبي، وعلى الرغم من القمع العنيف والدموي للمتظاهرين إلا أن الوضع في المدن الليبية خرج تباعًا عن سيطرة قوات الأمن التابعة لنظام القذافي..
بدأ هذا التداعي بمدن الشرق في ليبيا؛ إذ انضمت أجدابيا ودرنة وبنغازي والبيضاء وطبرق وشحات والمرج ثم الكفرة.
ثم تحول الأمر إلى المدن القريبة من العاصمة طرابلس، التي شهدت كرًّا وفرًّا بين المتظاهرين وكتائب الأمن التابعة للقذافي، فقد انضمت للمتظاهرين مدن بني الوليد والزنتان ومصراتة والزاوية وزوارة والخمس وترهونة.
كذلك على صعيد القبائل، حيث انضمت كل من قبيلتي ترهونة ورفلة -وهما أكبر قبيلتين في ليبيا ويناهز عددهما المليونين- إلى المتظاهرين ضد نظام القذافي، كما أكدت قبائل الطوارق في جنوب ليبيا تأييدها للمطالبين بإسقاط النظام
وجاء رد العقيد معمر القذافي على احتجاجات مواطنيه شاذًّا وغريبًا كعادته، فقد واجه مطالب شعبه المشروعة بأن أطلق عليهم الآلاف من المرتزقة الأفارقة الذين استأجرهم القذافي خِصِّيصَى لقمع الثورة الليبية، وأمّن هجومهم بغطاء من القصف الجوي للطيران الحربي الليبي!!
وقد ساهم القذافي وأداة قمعه الرهيبة -من حيث لا يدري- للمظاهرات الليبية السلمية في قطع خط الرجعة لدى الثوّار، فتدفق مخزون الشجاعة والإباء والنخوة والشهامة الليبي لاستيفاء استحقاق التغيير الذي ظل ثمنه يرتفع نتيجة التخاذل الدولي في كبح جماح النظام السفاح.
أخيرًا وبعد أيام طوال قضاها الثوار تحت قصف الطيران والمدفعية الثقيلة، قرّر المجتمع الدولي التدخل وفرض الحظر الجوي على سماء ليبيا؛ ليُحرم القذافي المجرم من متعة قتل العشرات في كل طلعة جوية.
ورغم الاعتراض والمخاوف التي أثيرت حول التدخل الدولي إلا أننا في ظل التخاذل والعجز العربي والإسلامي لن نستطيع منع القوات الدولية من الدفاع عن أشقائنا الليبيين، وخاصة بعدما قَبِل الثوار استكمال جهادهم تحت هذه المظلة، وإن كنا نؤكد على خطورة الركون إلى التدخل الغربي، ولا نملك إلا الدعوة بالاكتفاء بهذا الحظر الجوي والقبول ببعض الأسلحة التي تعين على التصدي لهذا السفاح القاتل، مع التحذير الشديد من استقدام جندي أجنبي واحد إلى الأراضي الليبية؛ مخافة الدخول في متاهات خبرناها كثيرًا على مر تاريخنا.
وها هي المعركة الليبية المصيرية تقترب من نهايتها، وننتظر خبر هروب السفاح المجنون ما بين ساعة وأخرى بأيدي أشقائنا الثوّار في ليبيا؛ ليكملوا ما بدأه إخوانهم في تونس ومصر، ونسمع صداه مدويًّا في اليمن وسوريا، وننتظره في باقي دول عالمنا العربي التي أذن لها الله بعد عقود من الذل والاستعباد على يد الاحتلال الغربي، ثم الاحتلال الوطني المحلي -المتمثل في أنظمة وطنية لا تقل شراهة في السرقة والاستنزاف لموارد البلاد والعباد عن الاستعمار الخارجي- أن تتنسم عبير الحرية وترنو إلى مستقبل مشرق لتلحق بالعالم المتحضّر المتقدم.
 وختامًا..
الصبر الصبر أيها الثوار، والاعتصام بحبل الله والثقة في نصره {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [يوسف: 110].
يأيها الثوار، جددوا نياتكم لله، فهذه المحنة ليس لها من دون الله كاشفة.. واعتبروا مما حدث لإخوانكم في مصر الذين لم ينزل عليهم النصر إلا بعدما تيقنوا أن لا ناصر لهم إلا الله.. وتدبروا أحداث الليلة الأخيرة في حكم الرئيس المصري المخلوع مبارك عندما استيئَس المصريون من حولهم وقوتهم، واتجهوا بكاملهم إلى الله يدعونه؛ ليكشف عنهم الغُمَّة بحوله وقوته، فلم يمر عليهم يوم آخر إلا وقد نصرهم الله على الفرعون

قبسات من أنوار وأقلام العلماء والكتاب قبسات أون لاين حيث الإعلام الهادف قبسات أون لاين 2:50 م .

0 التعليقات "ثورة ليبيا .. المخاض العسير"

شاركنا برأيك ولا تحرمنا من قلمك

الأرشيف