10:34 ص | كتبت بواسطة قبسات أون لاين
شعيشع: انعدمت روحانيات القرآن فنامت الأصوات
يستكمل الشيخ أبو العينين شعيشع في الجزءالثاني من هذا الحوار مع إسلام أونلاين.نت روايته لرحلته مع قراءة القرآن، فيتحدث عن مواقفه مع الحكام وكبار الساسة، وأغرب وأطرف المواقف التي تعرض لها في سفرياته، وأسباب غياب القراء العظماء في هذا العصر، وعن انتهاء عصر القارئ المدرسة، وانتشار ظاهرة التقليد، وعن محاولته دعم القراء الفقراء ماديا، ومعاقبة كل من لا يحفظ القرآن كاملاً.
الشيخ والحكام
- عاصرت عدة حكام مصريين واقتربت منهم فحدثنا عن مواقفك معهم؟ بعد قراءتي في الإذاعة بعدة أشهر جاءني ضابط نقطة "بيلا" وكان اسمه عبد البر وقال لي: أنت مطلوب في القصر الملكي؛ فشعرت بالقلق؛ وذهبت للقصر الملكي وعلمت أن الملك يريدني لإحياء شهر رمضان، فقضيت الشهر كله في القصر وكان الملك ينزل للجلوس معنا سواء كنا في قصر عابدين أو قصر التين، ويفطر معنا، ويستمع للقرآن؛ فأحببناه في ذلك الوقت، ولم نكن نحن فقط من نحبه بل كانت غالبية الشعب، ولم نر منه في ذلك الوقت إلا كل خير وسماحة، حتى إنه في ذات الليالي التي كان ينزل ليجلس معنا في بهو القصر، عندما جاء الساقي الذي يحمل المشروبات واقترب من الملك سقط هو والصينية على الملك، لكنه لم يتذمر من فعلة الرجل، ثم قمت أنا وأحمد باشا حسنين ومراد باشا محسن ورفعنا الرجل من فوق الملك.
لكننا سمعنا أن الملك فسد في أواخر حكمه وازدادت بطانته سوءاً، أما الرئيس جمال عبد الناصر فقد دعوته لتناول الغداء في بلدي، وأقمت له احتفالية كبيرة، أما علاقتي بالرئيس أنور السادات فكانت علاقة حب متبادل، فلم أحب رئيسا أكثر مما أحببت السادات، أما الرئيس حسني مبارك فقد فعل إنجازات لن تحس إلا بعد ذهاب فترة حكمه، وحينها سنعرف قدره جيداً، والرئيس السوري شكري القوتلي أوصلني للمطار عندما كنت في زيارة لسوريا.
الأتراك والطربوش
- علاقتك جيدة بالأقباط؛ هل لأن أول من اكتشف صوتك كان قبطيا؟
- هم شركاؤنا في الوطن، وأنا رجل لا أحب الفتن، ولن أنسى فخري عبد النور وهو مسيحي كان من السياسيين الكبار في مصر، أحضرني من فلسطين حتى جرجا في طائرة خاصة لأجلس في بيته 3 أيام، ووجدت في البيت سجادة صلاة ليست موجودة في أي مكان، وكان يجلس تحت قدمي هو وأولاده موريس وأمين تحت الدكة ليستمعوا للقرآن مع أهل جرجا.
- شهدت كثيراً من المواقف والطرائف أثناء سفرياتك..حدثنا عن أغربها مما زال عالقا في ذهنك؟
- سافرت إلى معظم دول العالم لأتلو القرآن؛ فقرأت بأكبر وأشهر المساجد في العالم، في المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، والمسجد الأموي بسوريا، ومسجد المركز الإسلامي بلندن، وسافرت بعد العراق إلى سوريا، واليمن، والسعودية، والمغرب، وتونس، وفلسطين، والسودان، وتركيا، وأمريكا، وإنجلترا، وفرنسا، ويوغسلافيا، وموسكو، وهولندا، وإسبانيا، وإيطاليا، ومعظم دول شرق آسيا، وكثير من الدول التي يطول ذكرها.
ذات يوم سافرت إلى تركيا، وكنت حينها أرتدي البدلة والطربوش عندما وصلت إلى تركيا لإحياء ليالي رمضان، قابلني في المطار القنصل العام لسفارة مصر هناك وأخبرني بأن الطربوش محرم حتى على أئمة المساجد إلا وقت الصلاة!، فبحثت في جيبي فوجدت شالاً أبيض قمت بربطه على الطربوش، ومع أن تركيا تأخذ العلمانية لها مذهباً، إلا أني وجدتهم شعبا يُقبل بشدة على القرآن والصلوات، فهم يحبون القرآن، ويعبدون رب القرآن، ومن ساعتها لم أخلع العمامة أبدا.
متهم بالإرهاب
- من تركيا ذهبت إلى بلجراد عبر ميونخ، فحسبوك إرهابيا..فماذا فعلت؟
- نعم حدث هذا في رحلتي من تركيا إلى سراييفو بعدما قضيت النصف الأول من رمضان في تركيا، ذهبت لقضاء النصف الثاني في بلجراد عاصمة يوغسلافيا، وبالفعل أديت النصف الأول في إسطنبول، وبعد أن ذهبت لأستقل طائرة لبلجراد، إذا بي أركب الطائرة خطأً وأنزل في ميونخ، كنت أرتدي الزي الأزهري فظن الألمان أنني عربي إرهابي؛ فالتفوا حولي قائلين هذا زعيم الإرهابيين ويرتدي زي الأزهر الذي يخرج الإرهابيين، أسقط في يدي ووقعت في حيص بيص ولم أنبس ببنت شفة، كنت لا أجيد التحدث بالألمانية، فدعوت الله وأنا في هذا المأزق أن يجعل لي مخرجًا، فبعث الله لي الفرج فتقدم لي شخص ألماني يتحدث العربية بصعوبة وعرفني بنفسه، ثم ذهب إلى السلطات وأقنعهم بأنه لا علاقة لي بالإرهاب، هذا الشخص كان اليوغسلافي "كوكيزا" مدرب فريق الزمالك المصري حينها، وأصر كوكيز أن يكون برفقتي في الرحلة من ميونيخ إلى بلجراد.
الشفاء بمعجزة
- ماذا عن أهل الخليج؟
- كانوا أشد الناس حباً للقرآن وأهله، وهم يبجلون العلماء أشد تبجيل، ولهم معي كرامات، في إحدى السنوات ابتلاني الله بورم في المعدة منعني من الجلوس، وفي أثنائها أرسل لي الشيخ زايد (رحمه الله) للذهاب إلى الإمارات؛ فأرسلت اعتذارًا لمرضي، لكن المسؤولين هناك أصروا على تلبية دعوتهم، فتوكلت على الله وقصدت الإمارات فوجدتني وقد شفاني الله من المرض تماما رغم أن الأطباء أكدوا لي أنه لن يشفى إلا بتدخل جراحي.
وأحييت ليالي رمضان كلها وفتح الله علي، ولم أشعر بأي ألم على الإطلاق وقت القراءة وبعدها، وشاء الله أن أشفى من دون جراحة، ولا أنسى حب الشيخ زايد وشعب الإمارات في الاستماع لقراء مصر؛ لأن القراءة لديهم لها مذاق خاص يختلف عن القراء من أي دولة أخرى.
الشيخ وأم كلثوم
- كان لك علاقة مميزة بأم كلثوم وعبد الوهاب.. حدثنا عنها؟
- كانت أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب يعشقان سماع القرآن، وأم كلثوم كانت تحب تلاوتي وتلاوة الشيخ محمد رفعت، أما علاقتي بها فقد بدأت عندما دعتني لأقرأ القرآن في مأتم والدتها، ومنذ ذلك الوقت لم تنقطع علاقتي بها حتى أنها تدخلت لرفع أجري بالإذاعة. أما عبد الوهاب فمع تحفظه، إلا أنه كان يسعى إلى التعرف على القارئ الجيد، وذات يوم قابلني الصحفي الكبير جليل البندارى في الإذاعة وأخبرني بأن عبد الوهاب يرغب في لقائي، وعندما ذهبت إليه لقيني بترحاب وحفاوة شديدة، ودار بيننا حوار لمدة نصف ساعة وكان وقتها يقوم بتلحين قصيدة الجندول وطلب مني أن أحضر البروفات.
نهضة أم أفول؟
- هل ترى أن عصر القراء المصريين العظماء إلى أفول؟، وأن ثمة من يملأ هذا الفراغ في دول أخرى؟
- القرآن نزل للجميع، وهو محفوظ بوعد الله، وإذا كان هناك نهضة في دول أخرى فهي ليست خصمًا من دور مصر، بل هي ثمرة شيوخ أجلاء سافروا ليغردوا بالقرآن لكي يسمعه الناس، ويتعلموه، ومع ذلك فأنا لا أرى أن عصر نهضة القراء في مصر قد أفل.
القرآن المجود مازالت تتميز به مصر، كما يتميز قراء المملكة العربية السعودية بالقرآن المرتل، فالحكمة تقول "نزل بمكة وطبع بأسطنبول وقرئ بمصر"، والقراء الخليجيون ينافسوننا في الترتيل فقط، والناس يقبلون على سماعهم للتبرك بحضرة النبي (صلى الله عليه وسلم) والأماكن المقدسة هناك.
- لكن لم يعد هناك قراء عظماء كما كان جيلكم؟
- لأن الناس في زماننا كانت تصنع نجوم القُراء، فقد كانت مكانتهم عند الناس عظيمة، كان ينتظرني المئات أمام الإذاعة ليصافحوني، بالطبع كان لنا بريق؛ لأن التنافس بيننا كان شريفًا.
لا أنسى الحفاوة التي قابلني بها الشيخ محمد رفعت في أول لقاء بيننا بالرغم مما كان يقال بأني أقلده في طريقة تلاوته.
وكانت العائلة التي يخرج منها قارئ جيد، يصبح فخرا لها بل للبلدة كلها، كما أننا كنا نعشق القرآن ونبذل مجهودا كبيرا في إتقانه.
- هل يُفسد القراءَ المالُ؟
- المال لا يفسد، ولكن سعي القارئ وراءه قد يفسده، وكم أنصح أبنائي القراء بالاهتمام بالقرآن فقط عندها سيأتي المال.
- هناك قراء نسوا القرآن ولا يقرؤون إلا أجزاء منه في المناسبات لكي يحصلوا على المال؟
- تقدمت بمشروع قانون أمام مجلس الشعب لتوقيع عقوبة على القارئ الذي لا يحفظ القرآن كاملا.
غني وفقير
- هناك فوارق مادية ضخمة بين القراء فمنهم المليونيرات ومنهم من لا يجد قوت يومه، ماهو دور النقابة في مساعدة القراء المحتاجين؟
- تشغلنا هذه المشكلة منذ فترة؛ وتقدمت بمشروع قانون لمجلس الشعب أطالب فيه بتخصيص مبلغ مالي محترم للقراء أعضاء النقابة، الذين للأسف لا يدفع معظمهم اشتراكاتهم للنقابة، وهي قليلة جدا.
- لماذا اختفت الأصوات القوية للمقرئين في هذه الأيام؟
- نعم حدث ذلك، ولكنْ هناك أسباب، وهي اعتماد المقرئ الجديد على أجهزة الصوت المتقدمة، مما كان سببا في تخلي المقرئين عن الاجتهاد في تحسين أصواتهم.
كان المقرئ في السابق يعتمد على قوة حنجرته، وموسيقى القرآن الكريم في صوته، وكان يسمع القرآن ويتعلم أحكامه ويقرأه حبا في كتاب الله، وليس طمعا في الكسب والتربح، خاصة في ظل غياب المدارس القرآنية، كما أن قارئ هذا العصر مريض بالبحث عن الكسب السهل الميسر، وانعدمت روحانيات القرآن فنامت الأصوات، وأصبح التلاعب بالمكبرات الصوتية ومحاولة تحسين الصوت من خلالها هو المحك للقارئ، بعد أن كان الواحد منا يمارس طقوسًا ويشرب بعض المشروبات الساخنة قبل القراءة لتنقية صوته، ويراجع القرآن مرة كل شهر على الأقل، أما اليوم فأصبح بعض ممن يدعي أنه مقرئ لا يحفظ إلا بعض الآيات وهي الطامة الكبرى.
وعلى الرغم من ذلك كله مصر عامرة وستظل بكنوزها القرآنية الدينية، والتي تحتاج لمن يستخرجها ويدربها على قراءة القرآن بطريقة صحيحة.
المدرسة والتقليد
- انتهت ظاهرة الشيخ المدرسة وتحول الجميع إلى مقلدين للمشايخ الكبار؟
- في السابق كان لكل قارئ مدرسة خاصة به يؤدي من خلالها، أما اليوم فأصبح كل قارئ يدور في فلك الآخر، ولا يوجد من له مدرسة خاصة به.
وإنني أطلب من القراء الجدد ألا يكونوا مقلدين لبعضهم البعض، وقليل منهم يلجئون لتقليد القدامى، وأنا أرفض ذلك أيضا، وأريد للشباب أن يخرجوا من جلباب القراء السابقين، وأن يكون لكل منهم مدرسته.
كما يجب على قراء القرآن الكريم أن يكونوا على خلق القرآن الكريم، وأن يخشوا الله في تلاوته، وأن يحافظوا على التلاوة الصحيحة، وأن يحافظوا على مخارج الحروف؛ لأن لها أصولا وقواعد يجب الالتزام بها.
القارئ الجيد هو الذي يراعي الله في قراءته للقرآن الكريم؛ لأن هناك بعض القراء ينقادون وراء الجمهور، ويتلون القرآن بدون مراعاة تلك الأصول والقواعد.
يجب على كل قارئ للقرآن الكريم أن يخشى الله في قراءة القرآن، وكذلك في أخلاقه؛ لأننا لا نحتاج إلى قراء ماهرين بدون أن يكون لديهم أخلاق القرآن الكريم.
عودة القارئة
- أطلقت دعوة إلى عودة القارئة، جلبت عليك كثيرا من المشاكل، وهاجمك الأزهر؛ هل تراجعت عنها؟
- لقد ظلمني الأزهر وتجنى عليّ؛ فأنا أعود إلى الله في كل أموري، ولم أتركه في أي لحظة، وحقيقة لا أفهم ما سبب هذا الهجوم، فهؤلاء القارئات لهن وظائف بالفعل؛ فمعظمهن طبيبات ومهندسات، وأنا لم أتقدم بطلب للإذاعة لإلحاقهن بها، وكيف هذا وأنا عضو لجنة الاختبار بالإذاعة؛ فهذا الهجوم غير منطقي وفيه تجنٍ واضح.
- هل تم إلحاق القارئات بعضوية النقابة؟
- نعم، تم اختبار كثير من حافظات للقرآن الكريم، واجتزن الاختبار وحصلن على العضوية، ولكن ليس كقارئات للمآتم أو في الإذاعة، بل في كتاتيب لتحفيظ القرآن للفتيات والسيدات، ولا يوجد قانون يمنع أن تكون المرأة عضوا بالنقابة.
الأفضل اليوم
- من الأفضل الآن على الساحة في تقييمك ومن تحب أن تسمع؟
- لا تنس أني نقيب القراء، وكلهم أولادي، ولا أستطيع أن أفضل أحدا على أحد، لكني أحب سماع كثير منهم، فمصر لديها موهوبون كثر والحمد لله، ونحن من جانبنا نحاول أن نكتشف ونظهر الأكفأ، وقد قدمت في الأعوام السابقة العديد من القراء الشباب، مع العلم أن هذه الرغبة عبر عنها الرئيس محمد حسني مبارك للدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف المصري فقمت بتقديم الكثيرين من القراء الموهوبين والمحترفين أمام الرئيس مبارك، وقمنا بإدخال العديد منهم للإذاعة بعد أن قمنا باختبارهم، ووجدنا فيهم الخير الكثير بعد أن اجتازوا الامتحان المكون من ثلاثين سؤالا، ومنهم الشيخ حجاج هنداوي والشيخ أنور الشحات.
قبسات من أنوار وأقلام العلماء والكتاب قبسات أون لاين حيث الإعلام الهادف قبسات أون لاين
10:34 ص
حوارات
.