صلاح الدين الايوبي
كان يا ما كان.. كان هناك زمان زمان رجل طبيب صالح يعيش في بلدة صغيرة بجوار بغداد. كان حاكمًا لقلعة حصينة كبيرة اسمها قلعة "تكريت"، كان اسمه "نجم الدين بن أيوب"، وكان من قبائل الأكراد "سكان تكريت".
في يوم من الأيام هاجم الأعداء القلعة، فكان لا بد لعائلة نجم الدين أن تغادر القلعة، وأن تهرب في جنح الليل. بينما هم في طريق الهرب صرخ طفل رضيع صغير من شدة الخوف والبرد، كان اسم الطفل الصغير "صلاح الدين". خاف والده نجم الدين من أن يسمع الأعداء صوت الطفل فيعرفوا مكان القافلة الهاربة فيهجموا عليها، ففكر في قتل الطفل الرضيع، إلا أن أحد الموجودين بجوار الحاكم قال له: "يا مولاي، ما يدريك لعله يصبح حينما يكبر ذا صيت، وذا ملك عظيم، لا تقتله؛ فلا ذنب له".
رجع نجم الدين عن فكرة قتل ولده الصغير، واستكمل الرحلة حتى وصلت العائلة إلى بلاد الشام، هناك عاشت العائلة عند رجل صالح كان حاكمًا للبلاد فأكرمهم، وقدم لهم كل سبل الراحة، كبر صلاح يومًا بعد يوم، وقضى في بلاد الشام أحلى أيام عمره، حفظ القرآن الكريم، وتعلم القراءة والكتابة، وتعلم اللغة العربية، وصار عارفًا لآدابها ونحوها، كما تعلم الكثير من أمور دينه، كما تعلم -مثلما يتعلم أولاد الأمراء في هذه الأيام- الفروسية والمبارزة وفنون الحرب.
أحبه كل من حوله؛ بسبب حسن خلقه، وعلمه، وأدبه، ذكائه وشجاعته، وثقته بالله تعالى.
سرعان ما عيّنه الحاكم قائدًا على جيوش مصر، ثم صار حاكمًا على مصر. حكم صلاح مصر بالحكمة والموعظة الحسنة ففتح المدارس، واهتم بالعلوم، وبنى المساجد، وعبَّد الطرق، وعمر المدن، وازدهرت التجارة.
إلا أن صلاح الدين برغم كل هذا النجاح الذي حققه، فإنه كان دائم الحزن، ويظهر على وجهه علامات الهم، فهو لا يريد القصور، ولا يهتم بالمال أو الغنى، وعندما يجتمع الوزراء والأمراء حوله يجدونه دائم الفكر والحزن، يا ترى فيم يفكر؟ ولماذا هو مهموم حزين؟
تعرفون ما الذي كان يُهِمُّه ويحزنه؟!
البيت! نعم البيت! بيت الله. أليست مساجد الله كلها بيوت الله؟ إنه بيت المقدس.. المسجد الأقصى الذي احتله الصليبيون، فلسطين المحتلة، أرض المسلمين في فلسطين في أسر الصليبيين الذين احتلوها بأسلحتهم وجيوشهم القوية، جاءوا من ممالك أوربا.
اجتمعوا جميعًا ليحتلوا بلاد المسلمين؛ لما فيها من خيرات.
كان المسلمون متفرقين، كل أمير وكل ملك وكل حاكم مهتم بملكه فقط، لا يهتم بأحوال باقي المسلمين، كل أمير وكل ملك وكل حاكم ينافس ولا يحب أحدًا، بل في كثير من الأحيان يحارب جاره المسلم، كانوا متفرقين؛ ممالك وفاطميين وسلجوقيين وأتراكًا، كلها أسماء للمسلمين هنا وهناك، الكل يحارب بعضه بعضًا؛ فصاروا ضعفاء.. ضعفاء.
أخذ صلاح الدين يفكر، ماذا أفعل؟ ماذا أفعل؟ كيف يمكن أن أوحِّد المسلمين؟ كيف؟ الله أنعم علينا بدين واحد، وكتاب واحد، ونبي واحد، وكعبة وقبلة واحدة.. ولكنا مع ذلك متفرقون.
دخل عليه قاضي البلاد، أراد أن يعرف سبب همه وحزنه، فطلب منه صلاح الدين أن يقرأ عليه آيات من القرآن الكريم، فظل صلاح الدين ينصت وينصت. وفجأة تهلل وجهه وفرح، فلما سأله القاضي عن السبب؟ قال له: وجدتها، وجدت حلاًّ لمشكلتي. الحل في الآية التي قرأتها عليَّ الآن: {حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [الأنفال: 65].
نعم، سأوحدهم تحت راية الجهاد، عندما يشعر الجميع في كل البلاد: في العراق وفي مصر وفي الشام وفي السعودية أن الجهاد فرض عليهم، وأن خطر الصليبيين يمكن أن يصل إليهم كما وصل إلى بيت المقدس وسواحل فلسطين، وعندما أذكِّرهم بفضل الجهاد سيقفون معي صفًّا واحدًا، وعندما نقف صفًّا واحدًا كالبنيان المرصوص نستعين بالله ونستمد القوة منه I؛ فسوف ننتصر يقينًا، ولن يخذلنا الله تعالى {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} [الحج: 40].
ومنذ ذلك اليوم أخذ يدعو الناس إلى الجهاد، في المساجد، وفي الشوارع، وفي الدواوين، وفي كل مكان... أخذ الكل يتكلمون عن الجهاد، ويتمنون أن يجاهدوا في سبيل الله، ويشتاقون إلى تحرير فلسطين وتحرير القدس وتحرير بيت المقدس.
أخذ جيش صلاح الدين يكبر ويكبر ويكبر، ويقوى ويقوى ويزحف ويزحف حتى وصل إلى حطين، وهناك انتصر المسلمون، ودخل بعدها صلاح الدين -بعون الله وفضله- بيت المقدس وحرَّرها، ورفع الأذان عاليًا على المسجد الأقصى، بعدما ظل 88 عامًا لا يُرفع هناك أذان. وعندما وقف صلاح الدين على المنبر في المسجد يخطب في الناس ذكَّرهم بـ{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: 4].
فتعلم منذ ذلك اليوم المسلمون أبرز الدروس في تاريخهم، وهو أن الاتحاد والوحدة قوة، وأن التفرق هزيمة وضعف.
قبسات من أنوار وأقلام العلماء والكتاب قبسات أون لاين حيث الإعلام الهادف قبسات أون لاين
9:44 ص
من رموز الاسلام
.