القضاء على حملات الدعاة
التجمع الصليبي في القسطنطينية
وصل إليها بطرس الناسك في أوائل أغسطس (488هـ) 1096م إلى أسوار القسطنطينية؛ ليلتقي مع والتر المفلس وفرقته، ليصبح التجمع الصليبي كبيرًا جدًّا. وتختلف الروايات في تقدير عدد هؤلاء الفلاحين والمغامرين، حيث تقدرهم بعض الروايات بخمسة وعشرين ألفًا، بينما تصل بهم بعض الروايات إلى مائة ألف صليبي، هذا بخلاف النساء والأطفال
وعند قدوم بطرس الناسك استقبله الإمبراطور البيزنطي ألكسيوس كومنين استقبالاً حسنًا، وإن كان متعجبًا لهذه الجموع الهمجية التي أرسلتها أوربا لنجدته من المسلمين، غير أنه أدرك أن هذه الجموع ما هي إلا مقدِّمة للجيوش الصليبية المدربة؛ ومن هنا نصح الإمبراطور بطرس الناسك ومن معه بانتظار الجيوش النظامية، وعدم التهوُّر بمقابلة الجيوش السلجوقية المدربة
غير أن الجموع النصرانية ما لبثت أن كررت الفساد في القرى والضِّياع المحيطة بالقسطنطينية، وكادت السيطرة تفلت من أيدي الجيش البيزنطي؛ مما دفع الإمبراطور البيزنطي إلى سرعة نقل هذه الجموع المفسدة عبر مضيق البسفور إلى آسيا الصغرى حيث السلاجقة المسلمين؛ وذلك ليؤمِّن منطقة القسطنطينية وما حولها. ومع غضبه الشديد إزاء هذه الأعمال المتهورة إلا أنه أمدَّهم بالنصح والإرشاد، وساعدهم بالسفن البيزنطية، وأعطاهم بعض السلاح، وأرسل معهم بعض العيون والخبراء
السلطان قلج أرسلان وفخ محكم
دخلت الجموع الصليبية إلى آسيا الصغرى، ولم يطيقوا الصبر حتى تأتي جيوشهم المحترفة، فقاموا بالإغارة على بعض القرى المسلمة، وقتلوا وسلبوا ونهبوا، وزادهم هذا إغراءً فتمادوا في الغيِّ، وهم لا يدركون أنهم أصبحوا على بُعد عدة كيلو مترات فقط من مدينة نيقية قاعدة السلطان قلج أرسلان بن سليمان بن قتلمش، سلطان السلاجقة في آسيا الصغرى آنذاك
دبَّر السلطان قلج أرسلان مكيدة حربية، واستطاع الإيقاع بالجموع الساذجة في فخٍّ محكم، وحاصرت الجيوش السلجوقية جموع الصليبيين، ودارت معركة سريعة ظهر فيها الجهل الواضح لهذه الجموع الشعبية، لينطلق السلاجقة في قتل معظم هذه الجموع، حتى كادت تُباد عن آخرها، لولا أن الإمبراطور البيزنطي سمع بأنباء الكارثة، فأرسل سفنًا حربية وبعض الجنود البيزنطيين الذين استطاعوا إنقاذ ثلاثة آلاف صليبي فقط، بينما دُمِّر الباقي تمامًا في الكمين السلجوقي. وكان ممن قتل في هذا الصدام والتر المفلس، بينما نجا بطرس الناسك الذي كان في مقابلة مع الإمبراطور البيزنطي وقت وقوع الجموع الصليبية في الكمين السلجوقي
كانت صدمة قاسية جدًّا للإمبراطور البيزنطي، وبطبيعة الحال لبطرس الناسك، واحتفظ الإمبراطور بالبقية الباقية من هذه الجموع وقائدهم بطرس الناسك في مدينة القسطنطينية؛ ليكونوا في انتظار الجيوش الصليبية المحترفة.
وهكذا كانت النهاية المأساوية لكل الحملات الشعبية، سواء على يد ملك المجر كولومان أو على يد السلاجقة المسلمين؛ ليدفع فقراء أوربا وفلاحوها ثمن الغرور الذي ملأ رجال دينهم وأمراءهم وإقطاعياتهم، وهكذا دومًا تدفع الشعوب المغلوبة على أمرها ثمن هوانها وذلتها!
وبينما كان الحال كذلك مع هذه الحملات الشعبية كان العمل يجري على قدم وساق في أوربا الغربية وخاصةً فرنسا؛ لتجميع الجيوش النظامية وبأعداد ضخمة لم تسبق في تاريخ أوربا، بل لعلها لم تسبق في تاريخ العالم أجمع!
قبسات من أنوار وأقلام العلماء والكتاب قبسات أون لاين حيث الإعلام الهادف قبسات أون لاين
8:13 م
قصص
.