فدك وحقيقة الخلاف بين الصديق وفاطمة رضوان الله عليهما.
قبسات أون لاين
تعريف بأرض فدك:
أرض فدك قرية في الحجاز كان يسكنها طائفة من اليهود، ولمّا فرغ الرسول عليه الصلاة والسلام من خيبر، قذف الله عز وجل في قلوبهم الرعب، فصالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على فدك، فكانت ملكاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنها مما لم يُوجف عليها بخيل ولا ركاب.
طريقة الشيعة في التعامل مع قضية فدك:
ورغم أنّّ خلاف الخليفة أبي بكر مع السيدة فاطمة رضوان الله عليهما كان خلافاً سائغاً بين طرفين يملك كل منهما أدلة على رأيه، إلا أنّ حساسية البعض من شخصية أبي بكر تجعله ينظر إلى الأمور بغير منظارها فتنقلب الحبة إلى قبة.
ولو أننا استبدلنا شخصيات القصة أبو بكر وفاطمة بفقيهين من الشيعة مثلاً أو مرجعين من مراجعهم لكان لكل طرف منهما مكانته وقدره دون التشنيع عليه واتهام نيته، ولكانت النظرة إلى رأي الطرفين نظرة احترام وتقدير على اعتبار وجود نصوص وأدلة يستند إليها الطرفان في دعواهما وإن كان الأرجح قول أحدهما.
لكن أمام أبي بكر وفاطمة الأمر يختلف، فأبو بكر عدو للشيعة، وما دام عدواً فكل الشر فيه وكل الخطأ في رأيه، هكذا توزن الأمور! توزن بميزان العاطفة التي لا تصلح للقضاء بين متنازعين، فكيف بدراسة أحداث تاريخية ودراسة تأصيلها الشرعي؟!
الطريقة المثلى في التعامل مع قضية فدك:
لكن المنصف الذي لا ينقاد إلى عاطفته بل إلى الحق حيث كان، يقف وقفة تأمل لذاك الخلاف ليضع النقاط على الحروف، فأرض فدك هذه لا تخلو من أمرين: إما أنها إرث من النبي صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة رضوان الله عليها، أو هي هبة وهبها رسول الله لها يوم خيبر.
فأما كونها إرثاً فبيان ذلك ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من أنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم جاءت فاطمة رضوان الله عليها لأبي بكر الصدّيق تطلب منه إرثها من النبي عليه الصلاة والسلام في فدك وسهم النبي صلى الله عليه وسلم من خيبر وغيرهما. فقال أبو بكر الصدّيق: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: {إنّا لا نورّث، ما تركناه صدقة} وفي رواية عند أحمد: {إنّا معاشر الأنبياء لا نورّث}، فوجدت فاطمة على أبي بكر، بينما استدلت رضوان الله عليها بعموم قوله تعالى: (( يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ))[النساء:11].
ولنكن حياديين هاهنا ولننس أنّ المطالب بالإرث امرأة نحبها ونجلها لأنها بنت نبينا، وأنّ لها من المكانة في نفوسنا وعند الله عز وجل ما لها، لنقل: كلام محمد عليه الصلاة والسلام فوق كلام كل أحد، فإذا صح حديث كهذا عن رسول الله فلا بد أن نقبله ونرفض ما سواه، فإذا كان الأمر كذلك فلماذا نلوم أبا بكر على التزامه بحديث رسول الله وتطبيقه إياه بحذافيره ؟!!
تصحيح السنة والشيعة للحديث:
لقد صح حديث {إنّا معاشر الأنبياء لا نورّث} عند الفريقين السنة والشيعة، فلماذا يُستنكر على أبي بكر استشهاده بحديث صحيح، ويُتهم بالمقابل باختلاقه الحديث لكي يغصب فاطمة حقها في فدك؟!! أما صحته عند أهل السنة فهو أظهر من أن تحتاج إلى بيان، وأما صحته عند الشيعة فإليك بيانه: روى الكليني في الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام قوله: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم {… وإنّ العلماء ورثة الأنبياء، وإنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً، ولكن ورّثوا العلم، فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر} قال عنه المجلسي في [مرآة العقول (1/111)]: الحديث الأول -أي: الذي بين يدينا- له سندان الأول مجهول والثاني حسن أو موثق لا يقصران عن الصحيح ) فالحديث إذاً موثق في أحد أسانيده ويُحتج به، فلماذا يتغاضى عنه علماء الشيعة رغم شهرته عندهم!!
استشهاد الخميني بالحديث على جواز ولاية الفقيه:
والعجيب أن يبلغ الحديث مقدار الصحة عند الشيعة حتى يستشهد به الخميني في كتابه الحكومة الإسلامية على جواز ولاية الفقيه فيقول تحت عنوان (صحيحة القداح) : (روى علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن القداح (عبد الله بن ميمون) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : {من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً، سهل الله له به طريقاً إلى الجنة … وإنّ العلماء ورثة الأنبياء، وإنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً، ولكن ورّثوا العلم، فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر})، ويعلق على الحديث بقوله: (رجال الحديث كلهم ثقات، حتى إنّ والد علي بن إبراهيم -إبراهيم بن هاشم- من كبار الثقات المعتمدين في نقل الحديث فضلاً عن كونه ثقة).
ثم يشير الخميني بعد هذا إلى حديث آخر بنفس المعنى ورد في الكافي بسند ضعيف فيقول: (وهذه الرواية قد نقلت باختلاف يسير في المضمون بسند آخر ضعيف، أي أنّ السند إلى أبي البختري صحيح، لكن نفس أبي البختري ضعيف والرواية هي: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن خالد، عن أبي البختري، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: [[إنّ العلماء ورثة الأنبياء، وذاك أنّ الأنبياء لم يورّثوا درهماً ولا ديناراً، وإنما ورّثوا أحاديث من أحاديثهم …]].
إذاً حديث: {إنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً، ولكن ورّثوا العلم} صحيح كما بيّن ذلك الخميني والمجلسي من قبله، فلماذا لا يؤخذ بحديث صحيح النسبة إلى رسول الله مع أننا مجمعون على أنه لا اجتهاد مع نص؟!! ولماذا يُستخدم الحديث في ولاية الفقيه ويُهمل في قضية فدك؟!! فهل المسألة يحكمها المزاج؟!!
بطلان استدلالهم على جواز توريث الأنبياء لأبنائهم:
إنّ الاستدلال بقول الله تبارك وتعالى عن زكريا عليه السلام: ((فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ))[مريم:5-6] على جواز توريث الأنبياء لأبنائهم استدلال غريب يفتقد إلى المنطق في جميع حيثياته، وذلك لعدة أمور هي:
أولاً: لا يليق برجل صالح أن يسأل الله تبارك وتعالى ولداً لكي يرث ماله فكيف نرضى أن ننسب ذلك لنبي كريم كزكريا عليه السلام في أن يسأل الله ولداً لكي يرث ماله؟! إنما أراد زكريا عليه السلام من الله عز وجل أن يهب له ولداً يحمل راية النبوة من بعده، ويرث مجد آل يعقوب العريق في النبوة.
ثانياً: المشهور أنّ زكريا عليه السلام كان فقيراً، يعمل نجاراً، فأي مال كان عنده حتى يطلب من الله تبارك وتعالى أن يرزقه وارثاً، بل الأصل في أنبياء الله تبارك وتعالى أنهم لا يدخرون من المال فوق حاجتهم بل يتصدقون به في وجوه الخير.
ثالثاً: إنّ لفظ: (الإرث) ليس محصور الاستخدام في المال فحسب بل يستخدم في العلم والنبوة والملك وغير ذلك كما قال الله تعالى: ((ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا))[فاطر:32] وقوله تعالى: (( أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ))[المؤمنون:10-11] فلا دلالة في الآية السابقة على وراثة المال.
رابعاً: حديث {إنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً ولكن ورّثوا العلم} الذي ذكرناه آنفاً يتضمن نفياً صريحاً لجواز وراثة أموال الأنبياء، وهذا كاف بحد ذاته.
ماذا ورث سليمان من داود؟
وكذلك الحال في قوله تعالى: ((وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ))[النمل:16] فإنّ سليمان عليه السلام لم يرث من داود عليه السلام المال وإنما ورث النبوة والحكمة والعلم لأمرين اثنين:
الأول: أنّ داود عليه السلام قد اشتُهر أنّ له مائة زوجة وله ثلاثمائة سريّة -أي أمة- وله كثير من الأولاد فكيف لا يرثه إلا سليمان عليه السلام؟!! فتخصيص سليمان عليه السلام حينئذ بالذكر وحده ليس بسديد.
الثاني: لو كان الأمر إرثاً مالياً لما كان لذكره فائدة في كتاب الله تبارك وتعالى، إذ من الطبيعي أنّ يرث الولد والده، والوراثة المالية ليست صفة مدح أصلاً لا لداود ولا لسليمان عليهما السلام، فإنّ اليهودي أو النصراني يرث ابنه ماله، فأي اختصاص لسليمان عليه السلام في وراثة مال أبيه؟! والآية سيقت في بيان المدح لسليمان عليه السلام وما خصه الله به من الفضل، وإرث المال هو من الأمور العادية المشتركة بين الناس كالأكل والشرب ودفن الميت، ومثل هذا لا يُقص عن الأنبياء، إذ لا فائدة فيه، وإنما يُقص ما فيه عبرة وفائدة تُستفاد وإلا فقول القائل: (مات فلان وورث فلان ابنه ماله) مثل قوله عن الميت ( ودفنوه ) ومثل قوله ( أكلوا وشربوا وناموا ) ونحو ذلك مما لا يحسن أن يُجعل من قصص القرآن.
تناقض الإمامية في مسألة توريث المرأة:
وأعجب من هذا كله حقيقة تخفى على الكثيرين وهي: أنّ المرأة لا ترث في مذهب الشيعة الإمامية من العقار والأرض شيئاً، فكيف يستجيز الشيعة الإمامية وراثة السيدة فاطمة رضوان الله عليها لفدك وهم لا يُورّثون المرأة العقار ولا الأرض في مذهبهم؟!!
فقد بوّب الكليني باباً مستقلاً في الكافي بعنوان: (إنّ النساء لا يرثن من العقار شيئاً) روى فيه عن أبي جعفر قوله: [[النساء لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئاً]] وروى الطوسي في التهذيب، والمجلسي في بحار الأنوار عن ميسر قوله: [[سألت أبا عبد الله عليه السلام عن النساء ما لهن من الميراث؟ فقال: لهن قيمة الطوب والبناء والخشب والقصب فأما الأرض والعقار فلا ميراث لهن فيهما]] وعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: [[النساء لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئاً]] وعن عبد الملك بن أعين عن أحدهما عليهما السلام قال: [[ليس للنساء من الدور والعقار شيئاً]].
فدك لم تكن إرثاً ولا هبة:
كما أنّ فدك لو كانت إرثاً من النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكان لنساء النبي ومنهن عائشة بنت أبي بكر وزينب وأم كلثوم بنات النبي حصة منها، لكن أبا بكر لم يعط ابنته عائشة ولا أحداً من نساء النبي ولا بناته شيئاً استناداً للحديث، فلماذا لا يُذكر هؤلاء كطرف في قضية فدك بينما يتم التركيز على السيدة فاطمة رضي الله عنها وحدها؟!!
هذا على فرض أنّ فدك كانت إرثاً من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أما إذا كانت فدك هبة وهدية من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة رضوان الله عليها كما يروي ذلك الكاشاني في تفسيره الصافي (3/186) فالأمر يحتاج إلى وقفة أخرى أيضاً.
فعلى فرض صحة الرواية والتي تتناقض مع روايات السنة والشيعة حول مطالبة السيدة فاطمة رضوان الله عليها لفدك كإرث لا كهبة من أبيها، فإننا لا يمكن أن نقبلها لاعتبار آخر وهو نظرية العدل بين الأبناء التي نص عليها الإسلام.
إنّ بشير بن سعد لمّا جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: {يا رسول الله! إني قد وهبت ابني حديقة وأريد أن أُشهدك، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أكُلّ أولادك أعطيت؟ قال: لا. فقال النبي صلوات الله وسلامه عليه: اذهب فإني لا أشهد على جور}.
فسمّى النبي صلى الله عليه وآله وسلم تفضيل الرجل بعض أولاده على بعض بشيء من العطاء جوراً، فكيف يُظن برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كنبي معصوم لا يشهد على جور أن يفعل الجور عياذاً بالله؟!
هل يُظن به وهو أمين من في السماء أن يجور في أمانة أرضية دنيوية بأن يهب السيدة فاطمة فدك دون غيرها من بناته؟!! فكلنا يعرف أنّ خيبر كانت في السنة السابعة من الهجرة بينما توفيت زينب بنت رسول الله في الثامنة من الهجرة، وتوفيت أم كلثوم في التاسعة من الهجرة، فكيف يُتصور أن يُعطي رسول الله فاطمة رضوان الله عليها ويدع أم كلثوم وزينباً؟! والثابت من الروايات أنّ فاطمة رضوان الله عليها لمّا طالبت أبا بكر بفدك كان طلبها ذاك على اعتبار وراثتها لفدك لا على أنها هبة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
اتفاق حكم علي مع الصديق في أرض فدك:
ولذا فإنّ فدك لم تكن لا إرثاً ولا هبة، وهذا ما كان يراه الإمام علي رضي الله عنه نفسه، فلمّا استُخلف على المسلمين لم يعط فدك لأولاده بعد وفاة أمهم فاطمة بحيث يكون له الربع لوجود الفرع الوارث، وللحسن والحسين وزينب وأم كلثوم الباقي ((لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ))[النساء:11] وهذا معلوم في التاريخ، فلماذا يُشنع على أبي بكر في شيء فعله علي بن أبي طالب نفسه؟! بل يروي السيد مرتضى -الملقب بعلم الهدى- في كتابه الشافي في الإمامة عن الإمام علي ما نصه ( إنّ الأمر لمّا وصل إلى علي بن أبي طالب عليه السلام كُلّم في رد فدك، فقال: إني لأستحيي من الله أن أرد شيئاً منع منه أبو بكر وأمضاه عمر).
قبسات من أنوار وأقلام العلماء والكتاب قبسات أون لاين حيث الإعلام الهادف قبسات أون لاين
6:10 ص
من رموز الاسلام
.