--------------------------------------------------------------------

المشاركات الشائعة

زوار المدونة

أحدث التعليقات

المتابعون

إحصائية المدونة

تعلقات القراء

إقرأ أيضا

|

الشيخ راشد الغنوشي : الإسلام استوعب الحداثة وفق شروطه

وحيــد تاجـــا
  أكد المفكر الإسلامي التونسي الشيخ راشد الغنوشي - في حواره المطول مع "إسلام أون لاين " - أن المشروع الإصلاحي الوسطي يظل العمود الفقري للفكر الإسلامي المعاصر، كما تحدث عن الخطاب الإسلامي وعلاقته بالحداثة ومدى تقبله الآخر.
وأكد أن الاجتهاد في عمقه هو تفاعل بين الثابت والمتطور لتطوير الحياة ولحفظ حيوية الدين وصلاحيته واستمراره، مشيرا أن حركة الاجتهاد في الأمة الإسلامية تشهد نموا مضطردا خاصة في القرنين الأخيرين. 
وأكد الغنوشي في حواره أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي تمكن من استيعاب الحداثة على شروطه على خلاف التجربة الغربية التي تم فيها استيعاب المسيحية وفق شروط الحداثة.
وأشار الغنوشي أن الإصلاحية الإسلامية في العصر الحديث سعت إلى تأسيس لمجتمع مدني متطور ومستقل عن الدولة رغم ضيق هذه المساحة نظرا لأن الدولة ليست الفكرة المركزية في رؤيتها.
 * هل نستطيع القول إنَّ هناك خطاباً إسلامياً معاصراً، له ميزات تختلف عن الطرح التقليدي ؟
** الإسلام رسالةَ الله الخاتمة إلى خلقه، وهو الأعلم بهم،والأقدر على تلبية حاجات الناس في كل أحوالهم وأزمانهم شريطة أن يحسنوا إجراء التفاعل الرشيد الدائب بين نصوص ومقاصد تلك الرسالة من جهة؛ وما يستجد من علوم ومعارف ومشكلات، بهدف التوصل إلى أنجع الحلول المناسبة لها من جهةٍ أخرى، بما يوفرمجال العمل لسنة التطور الضرورية لرقي الحياة ولكن ضمن الاتجاه العام لثوابت الدين ومقاصده.
عملية التفاعل هذه بين الثابت والمتطور الضرورية لتطور الحياة وحيوية الدين واستمراره هي بالضبط ما يعرف في الثقافة الإسلامية بالاجتهاد الذي عليه تتوقف حياة المسلمين- بحسب مداه- رقياً واستقامة أو انحرافاً وجموداً. وعلى الرغم من أنه لم يخل عصر من مجتهدين مجددين إلا أنهم كانوا يكثرون في عهود تطور الأمة وتحضّرها، ويقلّ عددهم وإبداعهم في عهود تخلّفها وانحطاطها.
الثابت أن الأمة تشهد منذ قرنين على الأقل نمواً متواصلاً لحركة الاجتهاد استجابة للتحديات التي واجهتها وتواجهها، وكان ولا يزال على رأسها تحدي الاحتلال الغربي بأبعاده المتشابكة التي تتجاوز المستوى العسكري المتفوق لتطال الأنموذج الحضاري بأبعاده الفلسفية العلمانية ومناهجه العلمية وأنماطه الحياتية وتنظيماته السياسية والإدارية والقضائية والثقافية الحاملة لتحدٍّ خلاصته تقول :" أيها المسلمون سبيلكم الوحيد للتقدم ولتكونوا لنا أنداداً اكتساب العلوم والمعارف والتقنيات، أن تفكروا كما نفكر وترتبوا أنماط حياتكم كما رتبنا، حتى وإن اقتضى الأمرإقدامكم على إجراء جراحات ضرورية على ديانتكم ومواريثكم كما فعلنا نحن مع عقائدنا ومواريثنا. لا مناص لكم من دفع هذا الثمن" !!.
 وما لبثت أن رددت هذا التحدي ذاته ثلة من أبناء المسلمين متأثرين بمنطق الغالب، فكان الخطب شديداً، ولم يكن بد من أن ينبري لهم من علماء الإسلام ومفكريه ودعاته من يرد غائلتهم؛ ويذب عن الملة وعن حضارة الإسلام عن طريق التأسيس لخطاب إسلامي حديث؛ يرسم الحدود بين ما يجوز «اقتباسه» من حكمة الأمم الأخرى - مما يتوافق مع تعاليم الدين ومقاصده وثبت نفعه - وبين ما هو من الخصوصيات الثقافية لأقوام آخرين تصادم قيم ديننا ومقاصده، بل هو عند التحقيق لا ينهض على قواطع من حقائق العلم والتجربة، مما نحن في غنى عنه، والبديل عنه موجود عندنا أو يمكن استنباطه بضرب من الاجتهاد أو استنباته.
                        سمات الخطاب الإسلامي المعاصر
*هل يمكن الحديث عن سمات لهذا الخطاب الإسلامي المعاصر ؟
** يمكن القول اليوم بعد قرنين من التفاعل مع تحدي الحداثة الغربية في أبعاده العسكرية والحضارية:
أ- إن الإسلام هو الدين الوحيد الذي تمكن من استيعاب الحداثة على شروطه، «مقتبساً» الحقيقي والصالح من كسبها، محتفظاً بشخصيته المستقلة، لأنه الميزان الأعلى للحق والباطل وللخير والشر، وبذلك أمكنه تهميش أيديولوجيات التحديث بمختلف مسمياتها اليمينية واليسارية التي طمحت إلى هضمه وزحزحته عن عرش سيادته " وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ" ، وذلك خلافاً لما فعلته بالديانات الأخرى التي أخضِعت لشروط التحديث فأعيد تشكيلها وفقها، ما دفع الدين إلى هامش الحياة حتى أمكن في مجتمعات مسيحية عريقة التشريعُ لعلاقات زواج مثلي حتى بين القساوسة، بل والحديث عن قس لا يؤمن بالله!!
ب- إن جهود الإصلاح الإسلامي أقامت بفضل الله عملية إحياء ديني واسعة حفظت للمسلمين- أو أعادت لهم - ثقتهم المطلقة في الإسلام منهاجاً للحياة؛ شاملاً صالحاً كفيلاً بأن يقدم لهم كل ما هم في حاجة إليه من قيم وموجهات وتشريعات وفلسفة ونظم للحياة؛ إذا هم أحسنوا التفكر والتزموا بمناهج الاجتهاد المعتبرة.
ج- وكان من نتائج ذلك إحياء مبدأ الجهاد في الإسلام الذي بعث في الأمة من أقصاها إلى أقصاها قوى للمقاومة نجحت في تعديل ميزان القوة المختلة لصالح الأعداء، فما لبثت أن ردت جيوشهم الجرارة المتفوقة، على أعقابها تجرر أذيال الهزيمة، وما بقي اليوم من ذيولها فهو تحت النار، تنصب عليه سهام المجاهدين ولن يكون له من مصير غير ما كان لأسلافه من تولي الأدبارمحسوراً.
د- كما كان من نتائج تلك العملية الإصلاحية الضخمة إنجاز تطويرات مهمة لمختلف مناهج الفكر والبحث العلمي والتعليم والسياسة والاقتصاد والفنون والآداب على نحو أمكن معه للمسلم أن يعيش عصره في توافق تامٍّ مع دينه، فما يزيده اطلاعه وحتى تخصصه في أدق علوم العصر إلا إيماناً وثقة في صلاح الإسلام، وهو ما رجح جانب التيار الإسلامي في مختلف جامعات العالم الإسلامي وحيثما وجد مسلمون، على مختلف التيارات التي كان لها شأن ولوّحتْ بوعود التقدم وتحرير فلسطين وتوحيد الأمة، ثم ما لبثت أن ظهرت عليها شمس الحقيقة خيبة في كل المجالات فتفشت فيها عوامل الشيخوخة أسوة بمرجعياتها الغربية اليمينية واليسارية.
                                  الإسلام والحداثة
 * كيف ترى علاقة الإسلام بالحداثة وكيف انعكست على خطابه ؟
** في هذا الصدد طوّر الخطاب الإسلامي الحديث ثقافة نقدية للحداثة أبرزت ما فيها من معرفة حقيقية ومن نتائج كارثية على جملة العلاقات البشرية وعلى البيئة ذاتها، وهو طور من الخطاب الإسلامي أفاد من خطاب ما بعد الحداثة في سياق إسلامي تجاوزاً لخطاب إسلامي ساد في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وحتى زهاء منتصف القرن العشرين غلب عليه التوفيق بين الإسلام والحداثة الغربية بما جعله لا يخلو من قدر من الإعجاب بالمنجز الغربي، مدفوعاً إلى الحرص على إثبات توافق الإسلام معه ما أمكن ذلك، وهو الخط العام لإصلاحية الشيخ محمد عبده، بينما الخطاب الإسلامي غلب عليه مع سيد قطب والمودودي المنزع النقدي للأنموذج الغربي، غير أن الزاد المعرفي المتخصص في فكر الحداثة الغربية وما بعدها لم يبلغ من العمق ومن استخدام أدوات البحث العلمي أوجاً متقدماً إلا مع خطاب إسلامي أحدث عهداً، يعدّ الدكتورعبد الوهاب المسيري أهمَّ ممثليه في الفكر الإسلامي الحديث؛ وبالخصوص في موسوعته النقدية: «العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة».
 *هل ترى أن الإصلاح الإسلامي اقتصر على تطوير الخطاب فقط ؟
** لم يقتصر الإصلاح الإسلامي بالطبع على تطوير الخطاب، بل مضى أبعد من ذلك إلى التأسيس لمجتمع مدني متطور مستقل عن الدولة رغم ضيق هذه به ودأبها على تحجيمه وحتى على استئصاله أحياناً؛ إما على خلفية حداثية فاشية متعالية تستخدم أدوات الدولة الحديثة لقمع خصومها المعارضين واستمرار استئثارها بالثروة والسلطة، كما هو حال معظم النخب الحداثوية المحتكرة للسلطة والثروة والثقافة عن طريق السطو على جهاز الدولة واستخدامه في تفكيك الهوية وتأبيد السيطرة قمعاً للداخل وولاء مطلقاً للخارج بما في ذلك المشروع الصهيوني.
 ومن نماذج هذا «الموديل» أنموذج الحداثة التونسية والجزائرية، المستأثرة منذ نصف قرن بالسلطة والثروة،إما اتكاء على شرعية التحديث المزعوم، وإمّا عزواً إلى خلفية ثورية أو عروبية تحريرية وحدوية شأن سورية والعراق البعثيين ومصر الناصرية.
لقد مثل غياب الخلافة صدمة في الوعي الإسلامي العام ما لبث أن دفع إلى البحث الناصب عن بدائل للاجتماع الإسلامي الطوعي؛ فكانت الأحزاب الإسلامية والجمعيات الخيرية والمدارس الإسلامية والنقابات والمكتبات ومنظمات الشباب والجمعيات النسويّةُ والأزياءالإسلامية النسوية والآداب والبنوك والشركات الإسلامية.
وما لبث الإصلاح الإسلامي بشقيه النظري والمؤسساتي أن تحول إلى مد كاسح مع اشتداد الهجمة الدولية على الأمة وتخاذل الحكومات القائمة المتهمة في دينها وولائها ونزاهتها عن القيام بواجب الدفاع عن الأمة، هذا المد الكاسح لم يقف عند حدود دار الإسلام؛ حيث لم يوفر مجالاً لم يقتحمه، حتى ما عاد يرتاب دارس لشؤون المسلمين في أن التيار الإسلامي هو القوة الشعبية الوحيدة التي يحق لها الحديث باسم الأمة وإجماعها، حتى وصف (لويس كانتوري) مستوى الأسلمة في مصر- مثلاً - بأنها أسلمت حتى الرقبة.
تشهد على ذلك كل مناسبة انتخابية تتوفر على حيز من الصدق، فتأتي شاهدة على هذه الحقيقة، بما يؤكد النجاح القَيِّمَ للمشروع الإصلاحي الإسلامي حتى وإن حالت دونه موازين القوة المختلة لصالح خصومه؛ ولكن ذلك لم يمنع كونه قوة الشارع والعمود الفقري للمعارضة؛ بينما المشروع العلماني مستمر – إلى حين – في الحكم ولكن اتكاء على القوة والسند الخارجي، أما آمال الناس في أنموذج الحاكم العادل الذي يستمد مرجعيته في ذاكرة الأمة من عهد النبوة والخلافة الراشدة؛ وتحرير الأوطان ومواجهة التحدي الدولي فمعلقة على الإسلام وحركاته؛ تشهد على ذلك صناديق الاقتراع حيثما سمح لها بالفرز الجاد، كما تشهد عليه ساحات الجهاد ضد المحتلين حيث يتصدى التيار الإسلامي لمواجهة الاحتلال المنتفش بقوته بكفاءة صانعاً توازناً للرعب، منتزعاً بين حين وآخر من فك الأسد انتصارات بـ "النقاط"في جنوب لبنان وغزة..غاب مثلها نهائياً في مسيرة الحكومات.
والدولةُ التي تعجز عن الدفاع عن الأرض والعرض تفقد شرعيتها. ولقد عرى اندحار حكومات العرب في مواجهة الغطرسة الصهيونية والدولية واستطالتهما على الأمة كل ما تبقى من شرعية النظام العربي، حتى امتشق الإسلام سلاحه يرفع التحدي، كعادته كلما انسدت السبل واشتدالظلام.
سيعرفني قومي إذا جدّ جِدّهم    وفي الليلة الظلماء يُفتقدُ البدر
                           المد الإسلامي
 * كيف ترى امتداد الخطاب الإسلامي خارج دار الإسلام ؟
** لم يقتصر المد الإسلامي على هذا المستوى وإنما امتد خارج دار الإسلام التقليدية فكان للإسلام- كما للغرب في عصر اكتشافاته التي تسببت في اختلال هائل لموازين القوة لصالحه- عوالمه الجديدة على امتداد القارات، متفاعلاً مع ثقافاتها محتفظاً بهويته المتميزة مشاركاً في مشاغلها واهتماماتها اليومية.
وكل المؤشرات تدل على أنه سيكون للإسلام - بإذن الله - مستقبل زاهر في عوالمه الجديدة رغم تصاعد المكايد الصهيونية ونزعات التعصب لقطع الطريق دون ذلك، مستفيدة مما تأتيه جماعات إسلامية غاضبة على الظلم الغربي وأذنابه من حماقات بأثر ضعفها المعرفي بالعصر وتعقيداته وبالمشروع الإصلاحي الإسلامي وتنوع مناهجه وفق تنوع مناطات عمله.
غير أن المشروع الإصلاحي الوسطي يظل العمود الفقري للإصلاحية الإسلامية المعاصرة، يعبر عن نفسه حيثما عمل - لا بعدِّه مجرد مشروع سياسي يقاس نجاحاً وفشلاً بقدر ما يحقق على صعيد السلطة كما خيل لبعض الدارسين الذين تسرّعوا في إعلان فشل المشروع الإسلامي بناء على أدائه السياسي - وإنما بتقديره مشروعاً مجتمعياً شاملاً مركزه ليس الدولة وإنما الإنسان والأسرة ومؤسسات المجتمع الأهلي؛ والدولةُ ليست إلا أداة من أدواته؛ بما يجعل الحصول عليها ليس أعز المطالب بل قد يكون في ظل موازين مختلة كما هو اليوم طعماً مسموماً.
يعبر المشروع الإسلامي عن نفسه بشبكة واسعة من المؤسسات الثقافية والتربوية والاجتماعية، ومنها مؤسسات الإفتاء العاملة على استيعاب ما يستجد من علوم ومعارف ومشكلات في بوتقة الإسلام وتراثه. ومن ذلك ما ينهض به المركز الأوربي للدراسات والإفتاء من تطوير لفرع جديد للأصول والفقه الإسلاميين، فقه الأقليات، انطلاقاً من أن فقه الإسلام المعروف تطور في ظل السيادة الإسلامية العالمية بما يجعل جوانب منه على الأقل لا تستجيب لضرورات أقليات مسلمة مستضعفة تمثل اليوم أكثر من ثلث المسلمين المعاصرين.
 * وأين هذا الخطاب من العلاقة مع الآخر الفكري؟
** نستطيع القول إن الإسلام المعاصرقد توفر له المنهج المعرفي والثقافة والمؤسسة التي تفتح أمامه مجال مزيد من التطور المعرفي والمؤسساتي لاستيعاب ما يستجد في العالم وفي حياة المسلمين من تحديات تأسيساً على ثوابته، ومن ذلك انفتاح حركة الإسلام على تيارات أخرى عاملة في البيئة الإسلامية مثل التيار القومي والديمقراطي الليبرالي واليساري.
وتمثل منظمة المؤتمر القومي الإسلامي ومنظمة الأحزاب العربية إطارين للعمل المشترك، معزّزين بتعاون بين التيارين الإسلامي والعلماني المعتدلين، على امتداد كثير من الأقطار.
 كما أن التفاعل حاصل مع تيارات عالمية مناهضة للعولمة المتوحشة ومع مجموعات دينية معتدلة.
ومثلت المعارضة للحرب الإمبريالية على العراق وفلسطين ساحة لقاء بين الرابطة الإسلامية في بريطانيا - مثلاً - وبين الجماعات المناهضة للعولمة وللحرب، كان من نتائج ذلك اللقاء الاستراتيجي تسيير مسيرات مليونية.بما وسم الخطاب الإسلامي بسمات الشمولية في الاهتمامات والمبدئية والواقعية والتطور الدائم عبر التقويم الذاتي والانفتاح على تراث الإنسانية بمنهج نقدي إيجابي يفيد من كل جديد مفيد والالتحام بقضايا التحرر وهموم المستضعفين ومناصرة قضايا التحرر وحقوق الإنسان ومنها حرية المرأة وحقوق الأقليات في سياق وحدة الأمة وأوطانها. تلك ملامح عامة للخطاب الإسلامي المعاصر في سياق تطوره.

قبسات من أنوار وأقلام العلماء والكتاب قبسات أون لاين حيث الإعلام الهادف قبسات أون لاين 9:05 ص .

0 التعليقات "الشيخ راشد الغنوشي : الإسلام استوعب الحداثة وفق شروطه"

شاركنا برأيك ولا تحرمنا من قلمك

الأرشيف