خدعوك فقالوا: الطوارئ للإرهاب والمخدرات
فهمى هويدى
ليست المشكلة فى تمديد العمل بقانون الطوارئ، ولكنها فى الإصرار على التلاعب بالقانون واستمرار استغفال المصريين بذرائع شتى تطلق كل حين.
1ـ يوم 14 مايو الذى أبرزت فيه الصحف المصرية موافقة مجلس الشعب على التمديد لمدة سنتين، مع التأكيد على أن تطبيقه سيكون مقصورا على مكافحة الإرهاب والإتجار فى المخدرات، نشرت جريدة «الشروق» على صفحتها الأولى خبرا كان عنوانه كما يلى: أوامر باعتقال مرشحى الإخوان إذا أصروا على الشعارات الدينية. وذكر الخبر أن وزير الداخلية أصدر أوامره إلى مساعديه باعتقال المرشحين لانتخابات مجلس الشورى الذين يرفعون شعارات طائفية (المقصود شعار الإسلام هو الحل). لم يكذب الخبر أو يصحح، لكنه مر دون أن تستوقف أحد المفارقة فيه. ودون أن يتساءل أحد عما إذا كان رفع ذلك الشعار يدخل أم لا، ضمن الإرهاب أم جلب المخدرات. لكن الأهم من ذلك أن المفارقة تجسد الكيفية التى توظف بها الحكومة قانون الإرهاب. كما أنها تكشف المسافة الشاسعة بين الإعلان السياسى الذى استهدف تمرير القانون بعبارات منمقة، وتعهدات مغرية، وبين التطبيق العملى الذى لا يبالى بكل ذلك، بحيث تطلق يد السلطة فى أن تنكل بالمعارضين وتقمعهم.
فى اليوم ذاته أجرى رئيس تحرير إحدى الصحف المستقلة اتصالا هاتفيا مع صديق من كبار رجال القانون، وطلب منه تحليلا للآثار المترتبة على التمديد فى ظل الإعلان عن اقتصاره على حالتى الإرهاب وجلب المخدرات. فما كان منه إلا أن اعتذر عن الاستجابة لرغبته، قائلا إن تلك الخطوة لا علاقة لها بالقانون، لأنها بمثابة عبث سياسى يستخدم القانون لاستمرار احتكار السلطة وإحكام القبضة على المجتمع.
وكانت وجهة نظره، كما سمعتها منه فى وقت لاحق، أن الرئيس مبارك كان قد أعلن على الملأ أن مصر هى الدولة الوحيدة المستقرة فى المنطقة التى انتصرت على الإرهاب، وأن رئيس الوزراء الحالى ذكر أمام مجلس الشعب أن مصر تنعم الآن بالاستقرار. كما أن أحدا لا يستطيع أن يقول إن فى مصر ظاهرة إرهابية، فكيف يمكن لعاقل أن يصدق أن المشكلة أصبحت فجأة تهدد المجتمع الآن وأن الإرهاب هو القضية.
فى الوقت ذاته فإن فى مصر قانونا خاصا للمخدرات يصل بالعقوبة إلى حد الإعدام فى بعض الأحيان، وإذا صح أن قانون الطوارئ سيطبق على من يجلبون المخدرات ويصدرونها، فعلى من إذن سيطبق قانون المخدرات الأصلى؟ ثم إن المخدرات أصبحت مشكلة عالمية، ولم نسمع أن بلدا اضطر لإعلان الطوارئ فى تعامله معها.
2ـ الاستغفال والتدليس واضحان فى مفهوم «الطوارئ». ذلك أن المصطلح فى تعريفه القانونى يعبر عن الحالة التى تفاجئ المجتمع، دون أن يكون مستعدا لمواجهتها بتنظيم تشريعى محدد. إذ فى هذه الحالة يكون إعلان الطوارئ مخرجا لمواجهة تلك المفاجأة الطارئة. لكن هذا المفهوم انقلب عندنا، بحيث تحول إلى قانون وإجراءات استثنائية فرضت وطبقت للتعامل مع أوضاع المجتمع العادية والطبيعية. إذ لا يستطيع عاقل أن يدعى أن مصر ظلت تعيش المفاجآت طوال الثلاثين عاما الماضية. وحتى إذا قيل إن الإرهاب كان شيئا طارئا هز المجتمع المصرى وروعه، فإن هذه الظاهرة عالجتها أيضا تعديلات أدخلت على قانون العقوبات فى عام 1992، وتضمنت نصوصا غاية فى الشذوذ والغرابة.
اعتمدت على تطوير مواد قانونية أصدرها الديكتاتور الفاشى موسولينى فى إيطاليا عام 1930. وهو ما يعنى أن التعامل الحازم مع ملفى الإرهاب والمخدرات له مرجعيته الثابتة فى قانون العقوبات المصرى، ولا يحتاج لا إلى إعلان الطوارئ ولا إلى إصدار قانون جديد للإرهاب.(للعلم فإن قضية خلية حزب الله التى صنفت ضمن قضايا الإرهاب حوكم المتهمون فيها أمام القضاء العادى وصدرت أحكامها المشددة دون أن تخضع لقانون الطوارئ).
وطالما كان التعامل مع الإرهاب ومكافحة المخدرات تتكفل به النصوص الموجودة أو التعديلات التى أدخلت على قانون العقوبات، فإن التذرع بها لفرض الطوارئ يغدو نوعا من التدليس، كما قال بعض القانونيين بحق، أهم من ذلك أنه يدل على أن ثمة هدفا آخر أبعد يراد تحقيقه من خلال فرض الطوارئ، يتمثل فى استمرار احتكار السلطة وإطلاق يدها فى إجهاض أى بديل لها وسحق أى معارض يعترض طريقها.
فى الدراسةالتى أعدها المستشار طارق البشرى حول الموضوع، فى مناسبة مرور 60 سنة على إعلان الأحكام العرفية فى مصر، واقترح الاحتفال بعيد الطوارئ على غرار الاحتفال بعيد الدستور، سجل أكثر من ملاحظة مهمة على الوضع القائم. منها أن مصر شهدت تلازما وتعايشا مدهشا بين أمرين متناقضين، أحدهما الطوارئ التى تنفى الدستور، والدستور الذى ينفى حالة الطوارئ، بحيث لم يعد يعرف أيهما الأصل وأيهما الاستثناء.
منها أيضا أنه خلال ثلاثة أرباع القرن المنقضى (من عام 1923 حتى الآن)، صدرت ثلاثة قوانين للأحكام العرفية والطوارئ وستة دساتير وبيانان دستوريان، بحيث بدا أن الطوارئ أكثر ثباتا من الدستور. منها كذلك أن إعلان الطوارئ فى مصر تزامن عادة مع أجواء انتهاء الحروب (الحرب العالمية الثانية ــ حرب فلسطين ــ العدوان الثلاثى ثم بعد توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل)، لكنها منذ أعلنت فى عام 1981 ظلت مستمرة إلى الآن، الأمر الذى يعنى أن الطوارئ أصبحت حالة ملازمة للسلم. بل وملازمة للدستور وأكثر أصالة منه.
3ـ للمستشار السابق سمير حافظ دراسة فى الموضوع ركزت على أزمة القانون فى مصر، التى وصفها بأنها «خانقة». وفى رأيه أن بعض النصوص والتشريعات التى تصدر تحولت إلى أدوات فى يد السلطة توظف لأغراض معينة، الأمر الذى يفقدها شرائط القانون ومضمونه وإن اتخذت شكل القانون.
وهو المسار الذى بدأ منذ رفع شعار «الشرعية الثورية» قبل نصف قرن، التى كانت تعنى أن إرادة الحاكم هى القانون. ثم رفع فى مرحلة تالية شعار الشرعية القانونية ودولة المؤسسات، الذى أثبتت التجربة أنه مجرد تغيير فى المسمى وليس المضمون. وتبين أن الهدف من التشريع فى تلك المرحلة هو إحكام قبضة الحاكم وتفرده بالحكم.
حتى وصفت تلك المرحلة بأنها سيادة بالقانون وليست للقانون.
هذا الوضع استمر حتى الآن، وتجلى فى التعديلات التى أدخلت على العقوبات، خصوصا تلك التى تمت فى سنة 1992 بدعوى مكافحة الإرهاب ولم تكتف بالأحكام المشددة المنقولة عن قانون موسولينى سيئ الذكر، وإنما مارست العصف بكل القواعد الجنائية المسلم بها، فساوت فى العقوبة بين الشروع والجريمة التامة رغم ما بين الحلقتين من تباين تقره كل القوانين. ولا يقل غرابة عن ذلك أن التعديلات خرجت على أحكام قانون العقوبات، واعتبرت التحريض جريمة كاملة وعاقبت عليها، حتى إذا لم تقع الجريمة محل التحريض(!)
أما الأشد غرابة فإن التعديل توسع فى تعريف الإرهاب بما يفتح الباب لمحاكمة أى معارض أو أى شخص غير مرضى عنه بتهمة الإرهاب إذا عرف بأنه: كل استخدام للقوة أو العنف أو التهديد أو الترويع، يلجأ إليه الجانى.. بهدف الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر، إذا كان من شأن ذلك إيذاء الأشخاص أو إلقاء الرعب بينهم، أو إلحاق الضرر بالبيئة، أو بالاتصالات والمواصلات، أو بالأموال أو بالمبانى أو بالأملاك العامة أو الخاصة.. أو منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامة أو دور العبادة أو معاهد العلم لأعمالها، أو تعطيل الدستور أو القوانين أو اللوائح.
هذا النص الهلامى يهدر مبدأ ضبط النصوص العقابية، إضافة إلى أن من شأنه تجريم الحق الدستورى الذى يسمح بطلب التغيير بالوسائل السلمية، ثم إن عبارات مثل سلامة المجتمع والإضرار بالبيئة والوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى، تتسع لتجريم أى صورة من صور السلوك الإنسانى، بل وتتجاوز تجريم السلوك إلى تأثير النوايا، وبسبب هذه الثغرات فقد تم الطعن على هذا النص بعدم الدستورية فى عام 2003، ولم يفصل فى ذلك الطعن للآن!
4- كل ذلك ليس كافيا فى نظر أهل السلطة، الذين باتوا يعلقون إلغاء قانون الطوارئ على الانتهاء من قانون الإرهاب، الذى يراد له أن يضيف المزيد من التوسع فى التجريم ومزيد من الخروج على القواعد العامة فى شأن الأحكام المتعلقة بالمساهمة الجنائية والأحكام المتعلقة بالشروع فى الجريمة. وهو ما لا يبعث على الاطمئنان أو التفاؤل.
يؤيد ذلك أنه فى عام 2008 نشرت بعض الصحف 15 مادة مقترحة لمشروع قانون الإرهاب، جاءت مطابقة للآراء التى أيدها فى الموضوع الدكتور مفيد شهاب وزير الدولة للشئون القانونية ورئيس اللجنة المكلفة بإعداد المشروع. وهو ما دفع الدكتور محمد نور فرحات استاذ القانون إلى القول إن المشرع المصرى تحت ذريعة مكافحة الإرهاب.
يتجه لحرمان المصريين من الحريات المنصوص عليها دون إذن قضائى مسبق، اكتفاء بما يسمى الرقابة القضائية اللاحقة، وتشمل هذه الحقوق الحرية الشخصية وحرية السكن وحرية المراسلات والاتصالات وغيرها «الدستور 29/2/2008».
ولأن الأمر كذلك، فلا يختلف أهل الذكر على أن قانون الإرهاب لا يراد به إلا تأبيد حالة الطوارئ، وإضفاء الصبغة القانونية الدائمة عليها، بحيث يتحول الهم الاستثنائى إلى هم أزلى. وهو ما يدعونا إلى القول بأنه إذا كان ذلك هو الإصلاح السياسى، فاسمحوا لنا أن نعلن على الملأ أننا نعتذر عنه، لنطالب ببعض «الإفساد السياسى» الذى يخفف عنا وطأته!
فى اليوم ذاته أجرى رئيس تحرير إحدى الصحف المستقلة اتصالا هاتفيا مع صديق من كبار رجال القانون، وطلب منه تحليلا للآثار المترتبة على التمديد فى ظل الإعلان عن اقتصاره على حالتى الإرهاب وجلب المخدرات. فما كان منه إلا أن اعتذر عن الاستجابة لرغبته، قائلا إن تلك الخطوة لا علاقة لها بالقانون، لأنها بمثابة عبث سياسى يستخدم القانون لاستمرار احتكار السلطة وإحكام القبضة على المجتمع.
وكانت وجهة نظره، كما سمعتها منه فى وقت لاحق، أن الرئيس مبارك كان قد أعلن على الملأ أن مصر هى الدولة الوحيدة المستقرة فى المنطقة التى انتصرت على الإرهاب، وأن رئيس الوزراء الحالى ذكر أمام مجلس الشعب أن مصر تنعم الآن بالاستقرار. كما أن أحدا لا يستطيع أن يقول إن فى مصر ظاهرة إرهابية، فكيف يمكن لعاقل أن يصدق أن المشكلة أصبحت فجأة تهدد المجتمع الآن وأن الإرهاب هو القضية.
فى الوقت ذاته فإن فى مصر قانونا خاصا للمخدرات يصل بالعقوبة إلى حد الإعدام فى بعض الأحيان، وإذا صح أن قانون الطوارئ سيطبق على من يجلبون المخدرات ويصدرونها، فعلى من إذن سيطبق قانون المخدرات الأصلى؟ ثم إن المخدرات أصبحت مشكلة عالمية، ولم نسمع أن بلدا اضطر لإعلان الطوارئ فى تعامله معها.
2ـ الاستغفال والتدليس واضحان فى مفهوم «الطوارئ». ذلك أن المصطلح فى تعريفه القانونى يعبر عن الحالة التى تفاجئ المجتمع، دون أن يكون مستعدا لمواجهتها بتنظيم تشريعى محدد. إذ فى هذه الحالة يكون إعلان الطوارئ مخرجا لمواجهة تلك المفاجأة الطارئة. لكن هذا المفهوم انقلب عندنا، بحيث تحول إلى قانون وإجراءات استثنائية فرضت وطبقت للتعامل مع أوضاع المجتمع العادية والطبيعية. إذ لا يستطيع عاقل أن يدعى أن مصر ظلت تعيش المفاجآت طوال الثلاثين عاما الماضية. وحتى إذا قيل إن الإرهاب كان شيئا طارئا هز المجتمع المصرى وروعه، فإن هذه الظاهرة عالجتها أيضا تعديلات أدخلت على قانون العقوبات فى عام 1992، وتضمنت نصوصا غاية فى الشذوذ والغرابة.
اعتمدت على تطوير مواد قانونية أصدرها الديكتاتور الفاشى موسولينى فى إيطاليا عام 1930. وهو ما يعنى أن التعامل الحازم مع ملفى الإرهاب والمخدرات له مرجعيته الثابتة فى قانون العقوبات المصرى، ولا يحتاج لا إلى إعلان الطوارئ ولا إلى إصدار قانون جديد للإرهاب.(للعلم فإن قضية خلية حزب الله التى صنفت ضمن قضايا الإرهاب حوكم المتهمون فيها أمام القضاء العادى وصدرت أحكامها المشددة دون أن تخضع لقانون الطوارئ).
وطالما كان التعامل مع الإرهاب ومكافحة المخدرات تتكفل به النصوص الموجودة أو التعديلات التى أدخلت على قانون العقوبات، فإن التذرع بها لفرض الطوارئ يغدو نوعا من التدليس، كما قال بعض القانونيين بحق، أهم من ذلك أنه يدل على أن ثمة هدفا آخر أبعد يراد تحقيقه من خلال فرض الطوارئ، يتمثل فى استمرار احتكار السلطة وإطلاق يدها فى إجهاض أى بديل لها وسحق أى معارض يعترض طريقها.
فى الدراسةالتى أعدها المستشار طارق البشرى حول الموضوع، فى مناسبة مرور 60 سنة على إعلان الأحكام العرفية فى مصر، واقترح الاحتفال بعيد الطوارئ على غرار الاحتفال بعيد الدستور، سجل أكثر من ملاحظة مهمة على الوضع القائم. منها أن مصر شهدت تلازما وتعايشا مدهشا بين أمرين متناقضين، أحدهما الطوارئ التى تنفى الدستور، والدستور الذى ينفى حالة الطوارئ، بحيث لم يعد يعرف أيهما الأصل وأيهما الاستثناء.
منها أيضا أنه خلال ثلاثة أرباع القرن المنقضى (من عام 1923 حتى الآن)، صدرت ثلاثة قوانين للأحكام العرفية والطوارئ وستة دساتير وبيانان دستوريان، بحيث بدا أن الطوارئ أكثر ثباتا من الدستور. منها كذلك أن إعلان الطوارئ فى مصر تزامن عادة مع أجواء انتهاء الحروب (الحرب العالمية الثانية ــ حرب فلسطين ــ العدوان الثلاثى ثم بعد توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل)، لكنها منذ أعلنت فى عام 1981 ظلت مستمرة إلى الآن، الأمر الذى يعنى أن الطوارئ أصبحت حالة ملازمة للسلم. بل وملازمة للدستور وأكثر أصالة منه.
3ـ للمستشار السابق سمير حافظ دراسة فى الموضوع ركزت على أزمة القانون فى مصر، التى وصفها بأنها «خانقة». وفى رأيه أن بعض النصوص والتشريعات التى تصدر تحولت إلى أدوات فى يد السلطة توظف لأغراض معينة، الأمر الذى يفقدها شرائط القانون ومضمونه وإن اتخذت شكل القانون.
وهو المسار الذى بدأ منذ رفع شعار «الشرعية الثورية» قبل نصف قرن، التى كانت تعنى أن إرادة الحاكم هى القانون. ثم رفع فى مرحلة تالية شعار الشرعية القانونية ودولة المؤسسات، الذى أثبتت التجربة أنه مجرد تغيير فى المسمى وليس المضمون. وتبين أن الهدف من التشريع فى تلك المرحلة هو إحكام قبضة الحاكم وتفرده بالحكم.
حتى وصفت تلك المرحلة بأنها سيادة بالقانون وليست للقانون.
هذا الوضع استمر حتى الآن، وتجلى فى التعديلات التى أدخلت على العقوبات، خصوصا تلك التى تمت فى سنة 1992 بدعوى مكافحة الإرهاب ولم تكتف بالأحكام المشددة المنقولة عن قانون موسولينى سيئ الذكر، وإنما مارست العصف بكل القواعد الجنائية المسلم بها، فساوت فى العقوبة بين الشروع والجريمة التامة رغم ما بين الحلقتين من تباين تقره كل القوانين. ولا يقل غرابة عن ذلك أن التعديلات خرجت على أحكام قانون العقوبات، واعتبرت التحريض جريمة كاملة وعاقبت عليها، حتى إذا لم تقع الجريمة محل التحريض(!)
أما الأشد غرابة فإن التعديل توسع فى تعريف الإرهاب بما يفتح الباب لمحاكمة أى معارض أو أى شخص غير مرضى عنه بتهمة الإرهاب إذا عرف بأنه: كل استخدام للقوة أو العنف أو التهديد أو الترويع، يلجأ إليه الجانى.. بهدف الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر، إذا كان من شأن ذلك إيذاء الأشخاص أو إلقاء الرعب بينهم، أو إلحاق الضرر بالبيئة، أو بالاتصالات والمواصلات، أو بالأموال أو بالمبانى أو بالأملاك العامة أو الخاصة.. أو منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامة أو دور العبادة أو معاهد العلم لأعمالها، أو تعطيل الدستور أو القوانين أو اللوائح.
هذا النص الهلامى يهدر مبدأ ضبط النصوص العقابية، إضافة إلى أن من شأنه تجريم الحق الدستورى الذى يسمح بطلب التغيير بالوسائل السلمية، ثم إن عبارات مثل سلامة المجتمع والإضرار بالبيئة والوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى، تتسع لتجريم أى صورة من صور السلوك الإنسانى، بل وتتجاوز تجريم السلوك إلى تأثير النوايا، وبسبب هذه الثغرات فقد تم الطعن على هذا النص بعدم الدستورية فى عام 2003، ولم يفصل فى ذلك الطعن للآن!
4- كل ذلك ليس كافيا فى نظر أهل السلطة، الذين باتوا يعلقون إلغاء قانون الطوارئ على الانتهاء من قانون الإرهاب، الذى يراد له أن يضيف المزيد من التوسع فى التجريم ومزيد من الخروج على القواعد العامة فى شأن الأحكام المتعلقة بالمساهمة الجنائية والأحكام المتعلقة بالشروع فى الجريمة. وهو ما لا يبعث على الاطمئنان أو التفاؤل.
يؤيد ذلك أنه فى عام 2008 نشرت بعض الصحف 15 مادة مقترحة لمشروع قانون الإرهاب، جاءت مطابقة للآراء التى أيدها فى الموضوع الدكتور مفيد شهاب وزير الدولة للشئون القانونية ورئيس اللجنة المكلفة بإعداد المشروع. وهو ما دفع الدكتور محمد نور فرحات استاذ القانون إلى القول إن المشرع المصرى تحت ذريعة مكافحة الإرهاب.
يتجه لحرمان المصريين من الحريات المنصوص عليها دون إذن قضائى مسبق، اكتفاء بما يسمى الرقابة القضائية اللاحقة، وتشمل هذه الحقوق الحرية الشخصية وحرية السكن وحرية المراسلات والاتصالات وغيرها «الدستور 29/2/2008».
ولأن الأمر كذلك، فلا يختلف أهل الذكر على أن قانون الإرهاب لا يراد به إلا تأبيد حالة الطوارئ، وإضفاء الصبغة القانونية الدائمة عليها، بحيث يتحول الهم الاستثنائى إلى هم أزلى. وهو ما يدعونا إلى القول بأنه إذا كان ذلك هو الإصلاح السياسى، فاسمحوا لنا أن نعلن على الملأ أننا نعتذر عنه، لنطالب ببعض «الإفساد السياسى» الذى يخفف عنا وطأته!
قبسات من أنوار وأقلام العلماء والكتاب قبسات أون لاين حيث الإعلام الهادف قبسات أون لاين
11:28 ص
مقالات متنوعة
.