--------------------------------------------------------------------

المشاركات الشائعة

زوار المدونة

أحدث التعليقات

المتابعون

إحصائية المدونة

تعلقات القراء

إقرأ أيضا

|

فرصتنا في فك الحصار ومعاقبة القتلة الأربعاء,

أ. فهمي هويدي
فرصتنا في فك الحصار ومعاقبة القتلةأمامنا الآن فرصة نادرة لكسر حصار غزة ومحاسبة قادة إسرائيل على جرائمهم، لكني لست واثقًا من أن دول الاعتدال العربية راغبة في ذلك حقًّا!(1)
قافلة الحرية فضحت إسرائيل لا ريب، لكنها فضحت النظام العربي أيضًا.. نعم نحن نعرف الكثير عن قبح وجه إسرائيل وعربدتها، لكن ما فعلته بحق السفينة مرمرة، حين قتلت بعض ركابها واستولت عليها وهي في المياه الدولية، عمم تلك الصورة القبيحة على أنحاء الكرة الأرضية، مما أطلق مظاهرات السخط والغضب في العديد من عواصم العالم، ودفع بلدا مثل نيكاراجوا إلى قطع العلاقات مع إسرائيل، كما دفع الإكوادور وجنوب إفريقيا إلى سحب سفيريهما لدى تل أبيب، وكانت تركيا قد سبقتهما بطبيعة الحال. بل إننا فوجئنا بأن عمال الموانئ في السويد قرروا مقاطعة سفن الشحن الإسرائيلية لمدة أسبوع.
بالمقابل فإن الدولتين اللتين عقدتا معاهدة صلح مع إسرائيل (مصر والأردن) قررتا فقط استدعاء السفير الإسرائيلي وتسليمه مذكرة احتجاج تضمنت عتابًا دبلوماسيًّا ليس أكثر. ونحمد الله على أن موريتانيا كانت أسبق وأشجع؛ لأنها قطعت علاقاتها مع تل أبيب وطردت السفير الإسرائيلي قبل عام، استجابة للضغوط الشعبية التي دعت إلى التخلص من تلك الوصمة.
رد الفعل الخجول والمتواضع لم يكن مقصورًا على موقف حكومة مصر والأردن، ولكنه ألقى بظلاله على موقف الجامعة العربية ووزراء الخارجية العرب الذين "اضطروا" إلى الاجتماع في القاهرة بعدما وقعت الواقعة، وأصدروا بيانًا كان دون الموقف الذي اتخذته نيكاراجوا!
صحيح أن الشارع العربي كان أفضل حالاً بقليل، حيث تظاهر الناس فيه واستجابوا لنداءات الإسهام والإغاثة بعد الإعلان عن فتح معبر رفح، إلا أننا نعرف جيدًا أن صوت الشارع العربي لا يسمع من قبل أهل القرار، وأن كلاًّ منهما يمضي في واد لا علاقة له بالآخر.
بؤس الموقف العربي عبرت عنه الأبواق الرسمية، من ذلك مثلاً أن المتحدث باسم الخارجية المصرية حين سئل عن احتمالات التحرك إقليميًّا أو دوليًّا في أعقاب الهجمة الإسرائيلية على القافلة، قال في رده إن ذلك منوط بأطراف أخرى، في إشارة إلى تركيا التي وقع الهجوم على سفينة رفعت علمها، ناسيًا أو متناسيًا أن "القضية" تهم مصر، أو كانت كذلك.(2)
إسرائيل في موقف حرج الآن، فبعدما تلقت ضربة موجعة عام 1979م حين خسرت حليفًا مهمًّا مثل إيران بعد قيام الثورة الإسلامية، فإن الغرور والاستعلاء سببا لها خسارة حليف آخر لا يقل أهمية هو تركيا. وهي خسارة جاءت مغموسة بالدم التركي الذي عمق من الفجوة والمرارة. ولا تنس أن دورها الاستراتيجي تراجع بصورة نسبية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وفي الوقت الراهن تتزايد مؤشرات مناهضة سياساتها في أوساط النخب الأوربية التي شاركت بعض عناصرها في قافلة الحرية، وعبرت عن ذلك المظاهرات التي انطلقت في عواصم القارة.
لا تقل عن ذلك أهمية شهادة قائد المنطقة الوسطى الأمريكية الجنرال بتراوس التي قال فيها إن الجنود الأمريكيين يقتلون بسبب السياسة الإسرائيلية. وشهادة رئيس الموساد مائير داجان أمام الكنيست التي تحدث فيها عن تراجع الدور الاستراتيجي لإسرائيل في المنظور الأمريكي، بحيث لم تعد الشريك الاستراتيجي لواشنطن، وإنما غدت خصمًا على قدرتها.
والذين قدر لهم أن يطلعوا على عدد جريدة "الشروق" الصادر يوم الأحد الماضي (6/6)، أغلب الظن أنهم لاحظوا أن صفحتي الرأي نشرتا أربع مقالات ورسمًا كاريكاتيريًّا في نقد الانقضاض الإسرائيلي على قافلة الحرية. الملاحظة المهمة أن الكتاب الثلاثة أمريكيون والرابع إسرائيلي (عاموز عوز)، وعنوان مقال أحد أولئك الكتاب (أنتوني كوردسمان الأستاذ في مركز الدراسات الاستراتيجية بواشنطن) كان كالتالي: عندما تصبح إسرائيل عبئًا استراتيجيًّا. أما الرسم الكاريكاتيري -وهو أمريكي أيضًا- فقد صور حلبة ملاكمة وقف فيها شخص مفتول العضلات أشير إلى أنه رمز لإسرائيل، وآخر يمثل أسطول الحرية وقع على الأرض مهشم الوجه، ولكن حكم المباراة رفع يد الأخير وأعلن على الملأ أنه الفائز. ورسالة الصورة واضحة في التعبير عن أن إسرائيل هي الطرف الخاسر في المعركة التي خاضتها في مواجهة أسطول الحرية.
نجح ناشطو قافلة الحرية في أن يجعلوا إسرائيل في موقف الدفاع لا موقف الهجوم الذي اعتادت عليه، ومن ثم لفتوا الأنظار إلى جريمة الحصار الذي فرضته الرباعية الدولية على القطاع، واشتركت فيه بعض الدول العربية، إما بسد المنافذ أو بالصمت على استمراره، وترتب على ذلك استدعاء ملف الحصار على الطاولة، بحيث لم يعد أحد يدافع عن استمراره، وإنما أصبح البعض يتحدثون عن رفعه تماما، في حين بدا البعض يتداولون أفكارًا حول "تخفيفه" فقط. وفرصة البديل الثاني أقوى وأرجح من الأول؛ لأن إسرائيل وسلطة رام الله ومصر مع استمرار الحصار لحين الخلاص من حكومة حركة حماس في غزة، رغم أن كل طرف له أسبابه في ذلك.
في إطار التخفيف هناك بدائل عدة، أحدها يتحدث عن استقدام فريق يمثل الاتحاد الأوربي لتفتيش سفن الإغاثة القادمة، والتأكد من أنها لا تحمل سلاحًا. الثاني يتحدث عن فتح ممر بحري من ميناء أزمير التركي إلى القطاع، وبمقتضاه تتولى السلطات التركية المقبولة من كل الأطراف مراقبة وتفتيش السفن قبل إبحارها. الاقتراح الثالث أن يعود الأوربيون إلى معبر رفح لإدارته في وجود حرس الرئاسة الفلسطينية كما كان العهد به في السابق، وهو اقتراح وافقت عليه حكومة حماس. أما الاقتراح الرابع فيتمثل في إقامة معابر للسلطة في الجانب المصري تتولى إنهاء الإجراءات، على غرار المعابر الأمريكية في كندا وأيرلندا (الحياة اللندنية 5/6).(3)
سألني أحد الصحفيين الفلسطينيين من غزة عن رأيي في فكرة التخفيف، فقلت: إن الهدف منها هو التعامل مع القطاع باعتباره حديقة حيوانات، يعيش كل سكانها في الأقفاص ويقاس مدى نجاح الإدارة فيها بمقدار توفيرها الغذاء ومتطلبات بقائهم أحياء داخل تلك الأقفاص. وأضفت أن الفكرة تحتاج أيضًا إلى تحرير وتفصيل، بحيث تعرف حدود ممارسة البشر لحق الانتقال، وبحيث تعرف ماهية "الاعتبارات الإنسانية"، وهل لا بد أن يكون الراغب في المرور على شفا الموت أو في حالة ميئوس منها؟ ومن المخول بتمرير أو مصادرة البضائع التي تمر؟ وما دور إسرائيل في تحرير المحظور والمباح من تلك البضائعئ
وقلت لمحدثي: إن معبر رفح يسمح الآن بمرور الأشخاص والأدوية، أما الأغذية فلها معبر آخر مثل العوجة تتحكم فيه إسرائيل. وقد حدث في الأسبوع الماضي أن إحدى سيارات نقل الأدوية حملت كمية من عسل النحل الذي يتم التداوي به في بعض الأحيان، وأثناء التفتيش اعتبر عسل النحل غذاء لا دواء، فسمح بإدخال السيارة بعد احتجاز عسل النحل منها!
أسطول الحرية وكسر حصار غزةإن قافلة الحرية والقوافل القادمة من أوربا التي سبقتها استهدفت أمرين هما كسر الحصار وإغاثة المحاصرين، وفكرة "التخفيف" المثارة الآن تحقق مطلب إسرائيل وأصدقائها باستمرار الحصار، كما أنها تمكن إسرائيل -وهي في موقف الدفاع- من التحكم فيما يدخل القطاع من سلع. وإذا أردنا أن نذهب إلى أبعد في الظن فسنقول: إن فكرة التخفيف يراد بها وقف حملات التضامن الأوربية، وإقناع الرأي العام الدولي بأنه ما دام باب وصول البضائع والاحتياجات المعيشية قد فتح، فلا داعي لحملات التضامن الدولية مع المحاصرين.(4)
الموقف التركي الداعي إلى كسر الحصار يعد المطلب الأجدر بالتأييد والمساندة. وأخشى ما أخشاه أن يكون الاعتراض على ذلك المطلب ليس إسرائيليًّا فحسب، ولكنه قد يكون عربيًّا أيضًا؛ لأن حكومة السلطة في رام الله قد تعتبر ذلك انتصارًا لحماس وتثبيتًا لأقدامها، وهو ما ترفضه يقينًا. وهو ما لا تريده مصر أيضًا بسبب موقفها التقليدي من حماس والإخوان المسلمين.
لحسن الحظ فإن تركيا مضطرة لأن تتشدد في موقفها؛ لأن الغرور الإسرائيلي الذي استهدف الباخرة مرمرة وأدى إلى قتل تسعة من الناشطين الأتراك وإصابة عشرات آخرين، استثار الكبرياء التركي وشحن الرأي العام بدرجة عالية من الغضب، الأمر الذي جعل من الحزم إزاء التصرف الإسرائيلي خيارًا وحيدًا أمام الحكومة. صحيح أن ذلك الحزم عبر عن نفسه بعدة إجراءات مثل وقف بعض الأنشطة المشتركة العسكرية والمدنية، والحديث عن تقليص العلاقات إلى الحد الأدنى.
كما عبر عن ذلك أيضًا كل من رئيس الوزراء التركي ووزير الخارجية بانتقادهما الشديد للسياسة الإسرائيلية، واعتبار ما جرى للسفينة مرمرة من قبيل إرهاب الدولة. ولا شك أن تمسك أنقرة برفع الحصار عن غزة كأحد شروط المصالحة مع إسرائيل، خصوصًا في ظل الأجواء الدولية المستعدة للتجاوب مع هذه الدعوة، يشكل نقلة مهمة في نهج التعامل مع ملف القطاع، إلا أن نقطة الضعف الوحيدة التي يمكن أن تعطل التقدم على هذا المسار هي الموقف العربي الذي سبقت الإشارة إليه.
وإذا كانت تركيا تحتاج إلى جهد آخرين لكي ترفع الحصار عن غزة، فإن دعوتها إلى محاسبة ومحاكمة المسئولين عن الجريمة التي ارتكبت بحق السفينة مرمرة لا تحتاج بالضرورة إلى ذلك الجهد، ومن ثم فبوسع حكومة أنقرة أن تقوم بها، بما قد يشكل فضيحة أخرى لإسرائيل وتهديدًا لقادتها لا يمكن تجاهله، ذلك أن قتل المدنيين الأتراك في المياه الدولية وهم على سفينة تعد أرضًا تركية، يمكن القضاء التركي من محاكمة المسئولين عن تلك الجريمة ومعاقبتهم. لذلك فإن عملية جمع الأدلة التي يقوم بها الادعاء التركي الآن تعد خطوة مهمة باتجاه إجراء تلك المحاكمة التي فشل العرب في إجرائها بعد حرب غزة، رغم الأدلة والقرائن التي سجلها تقرير القاضي جولدستون.
في هذا السياق فإنني أستحي أن أقول: إن المركز العربي لتوثيق جرائم الحرب والملاحقة القانونية التابع لاتحاد المحامين العرب، الذي يديره الأستاذ عبد العظيم المغربي، وثق كل الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في عدوانها على لبنان عام 2006م، وعدوانها على غزة عام 2008م، لكنه لم يجد حتى الآن تمويلاً يغطي متطلبات رفع تلك القضايا في الساحة الدولية، خصوصًا أن تكلفة القضية الواحدة تصل في المتوسط إلى 40 ألف دولار.
شهداء أسطول الحريةإن دم الشهداء الأتراك لم يجف بعد، والمشاعر الغاضبة لا تزال تعبر عن نفسها كل يوم في الشارع التركي، من ثم فالفرصة مواتية لدفع عملية محاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين على ما فعلوه سواء إزاء قافلة الحرية أو في العدوان على غزة. وليتنا نضم جهود مركز توثيق جرائم الحرب مع الجهود التركية التي تحظى بتأييد شعبي ورسمي كبير لتحقيق الهدف المنشود، وإقناع القادة الإسرائيليين بأنهم لن يظلوا فوق القانون دائمًا، ولكنهم سيحاسَبون يومًا ما.
الحديد ساخن الآن، والفرصة مواتية للطرق، قبل أن ينشغل العالم الخارجي سواء بمعاقبة إيران وحصارها أو بمباريات كأس العالم لكرة القدم.. قلتُ العالم الخارجي؛ لأن العالم العربي مشغول "باعتداله" الذي أخرج نظمه من معادلة القوة ومن التاريخ!

قبسات من أنوار وأقلام العلماء والكتاب قبسات أون لاين حيث الإعلام الهادف قبسات أون لاين 3:14 م .

0 التعليقات "فرصتنا في فك الحصار ومعاقبة القتلة الأربعاء,"

شاركنا برأيك ولا تحرمنا من قلمك

الأرشيف