نصرة فلسطين وتباين المواقف التركية والمصرية
عدت من إسطنبول حيث شرفتُ بحضور (المؤتمر الشعبي العالمي لنصرة فلسطين)، والذي انعقد بعاصمة الخلافة الإسلامية يومي (22-23) مايو الجاري، وهو المؤتمر الذي تداعت لعقده مجموعة من مؤسسات المجتمع المدني على إثر التفاعل الشعبي غير المسبوق الذي شهدته الساحة العربية والإسلامية والعالمية (تعاطفًا ودعمًا لمقاومة الشعب الفلسطيني) أثناء الحرب الصهيونية على غزة؛ مما استوجب المسئولية التاريخية تجاه استيعاب هذا التفاعل الهادر وتوجيهه واستثماره وضمان استمراريته، وتنسيق جهوده.
فكان أن تداعى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والمنتدى العالمي للبرلمانيين الإسلاميين، والمؤتمرات الثلاثة (القومي الإسلامي، والقومي العربي، والأحزاب العربية) وآخرون؛ لعقد هذا المؤتمر الشعبي العالمي، وقامت جمعية الإصلاح الاجتماعي بالكويت بكافة التحضيرات والدعم لهذا المؤتمر.
كما قامت منظمة المساعدة الإنسانية التركية بكافة ترتيبات الضيافة الكريمة بإسطنبول، وقد حضر المؤتمر أكثر من خمسمائة شخصية عامة ممثلين لعشرات- بل مئات- من المنظمات، والمؤسسات، والجمعيات، والأحزاب من مختلف أقطار العالم، ورأس المؤتمر فخامة المشير عبد الرحمن سوار الذهب الرئيس السوداني الأسبق.
وشارك في أعمال المؤتمر إلى جانب العلامة الدكتور يوسف القرضاوي مشاركون من أرجاء العالم على تنوع أوطانهم ولغاتهم وأديانهم؛ يجمعهم المشترك الإنساني لنصرة حقوق الشعب الفلسطيني، واستشعار المسئولية الجماعية تجاه هذه القضية العادلة... ورغم وجود العشرات من المبرزين من العلماء والمفكرين والساسة والبرلمانيين والدعاة؛ أمثال: الشيخ رائد صلاح، د. عصام البشير، د. عبد الله الأشعل، د. سلمان أبو ستة، أسامة حمدان، بلال الحسن، سلمان العودة، عوض القرني، علي القرة داغي، فهمي هويدي، سعد الدين العثماني، نجمي صادق أوغلو...) وغيرهم من الذين أثروا ندوات المؤتمر بمشاركاتهم القيمة حول حاضر ومستقبل القضية الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني وتحدياته.
إلا أن المعلم الرئيسي للمؤتمر كان هو المشروعات والمبادرات والفعاليات العملية لتحقيق نصرة دائمة لفلسطين، والتي أطلقها المؤتمر على إثر جهود تنسيقية كبيرة تمت من خلال اللجان التحضيرية قبل المؤتمر ثم من خلال ورش العمل العشر التي كثفت جهودها لتعتمد خطط العمل الجاد في محاور عشرة (التنمية والإعمار- الإغاثة الإنسانية- مواجهة الحصار وفتح المعابر- الجوانب القانونية للحقوق الفلسطينية- التعاون والتضامن والتعبئة الجماهيرية- المقاطعة الاقتصادية- نصرة فلسطين في الغرب- نساء وشباب من أجل فلسطين)، وقد صدر عن المؤتمر (الوثيقة الإسلامية لنصرة فلسطين- الوثيقة المسيحية لنصرة فلسطين- الإعلان الإنساني العالمي لنصرة فلسطين), وهي مبادرات ومشروعات عظيمة تحتاج لتفاعل الأمة معها كي تحقق نصرة دائمة لفلسطين.
كان لافتًا للنظر منذ اللحظة الأولى لوصول المشاركين إلى مطار (أتاتورك) وحتى مغادرتهم لإسطنبول أن تركيا قد فتحت ذراعيها لاحتضان هذا المشروع الشعبي العملاق، فقد غمرتنا أجواء الترحيب والأريحية وكافة التسهيلات وكرم الضيافة, ونظرًا للخصوصية الشعبية للمؤتمر فقد أبرق السيد رجب طيب أردوغان للمؤتمر برسالة دعم وتأييد لأعمال المؤتمر؛ بينما شارك في الأعمال العديد من أعضاء البرلمان التركي من حزبي السعادة والعدالة والتنمية.
أمام هذه الحفاوة التركية التي وفَّرت كل الأسباب لنجاح أعمال المؤتمر تساءل العديد من الحضور- من مصريين وعرب- هل يمكن أن ينعقد مثل هذا المؤتمر في القاهرة أو غيرها من العواصم العربية؟؟ مؤكدين أن تركيا الدولة استفادت كثيرًا- سياسيًّا وماديًّا وسياحيًّا- من مثل هذه الفعالية على أرضها؛ فقلت لمحدثي إن هذا العمل بلا شك مما تكبر به الدول، ويعظم دورها ومكانتها، وإن مصر تحديدًا أولى بهذا الدور، وإنه لو صحت واستقامت رؤية متجردة للمصالح المصرية- السياسية والاقتصادية- (فضلاً عن الواجب العربي والإسلامي والإنساني) لكان لنا في فتح معبر رفح أمام قوافل الإغاثة الإنسانية، وأمام متطلبات إعادة إعمار غزة ما يحقق للسوق المصرية والعمالة المصرية والسياحة المصرية الكثير والكثير، ولعل الجميع يذكر أن التجارة بين غزة والعريش خلال أسبوعي فتح المعبر في يناير 2008م وحدها قد زادت قيمتها عن واحد ونصف مليار دولار، وهو رقم يكاد يعادل المعونة الأمريكية السنوية لمصر، تلك التي رهنت قرارنا السياسي، وصارت سيفًا على رقابنا.
ثم عدت أتساءل: لقد كان المؤتمر بعنوان (نحو نصرة دائمة لفلسطين)، وهذا الهدف يتماشى مع موقف الشعوب وقد شرفت كمصري (ومعي المستشار محمود الخضيري، والأستاذ فهمي هويدي، واللواء طلعت مسلم) بالمشاركة؛ ولكن هل تتماشى رسالة هذا المؤتمر مع مواقف الحكومات العربية وموقف الحكومة المصرية خصوصًا؟
وهنا ذهب بي شريط سجل الأحداث المصرية إلى استقبال ليفني وزيرة الخارجية الصهيونية بالقاهرة قبل الحرب على غزة بيومين؛ حيث أعلنت عن قرارها بالحرب على غزة أمام وزير الخارجية المصري (أحمد أبو الغيط)، وإلى الموقف السياسي الهزيل طوال الحرب على غزة، وإلى الإصرار المستمر على إغلاق المعبر؛ بل هدم الأنفاق على مَن فيها وإلى منع قوافل الإغاثة الإنسانية المصرية والليبية والغربية والقطرية وغيرها، وإلى ترك المساعدات في العراء شهورًا، ومنع دخولها إلى غزة لحين أن تلفت وفسدت، ثم إلى استقبال نتنياهو، وكأن شيئًا لم يكن، ثم إلى برقية التهنئة المصرية الرسمية لإسرائيل في الذكرى الواحدة والستون لنكبة 15 مايو 1948م (أي التهنئة بعيد الاستقلال كما يسميه الصهاينة)، بل مشاركة سفير مصر في القدس في هذه المناسبة ولقائه بليبرمان وطمأنته أن العلاقات المصرية الصهيونية طيبة، ولم تتأثر بتهديدات ليبرمان ولا بسباباته، وأن ما حدث لا يعدو أن يكون خلافًا طبيعيًّا يحدث بين الإخوة، ثم التوحد المصري "الإسرائيلي" في الموقف من العدو المشترك (إيران)، وإعلان الحرب عليها.
وهكذا صار الموقف الرسمي بعيدًا عن نصرة فلسطين؛ بل هو أقرب إلى دعم ونصرة إسرائيل، وهكذا مر بي شريط الأحداث؛ تلك التي جعلتني أتقدم أثناء الحرب على غزة بطلب للمناقشة العامة لم يُكتب له القيد بجدول أعمال المجلس الموقر بعنوان مسئولية الحكومة المصرية عن الإساءة لسمعة مصر بسبب ممارساتها وسياساتها في التعامل مع القضية الفلسطينية والحرب على غزة، وهي نفسها الأسباب التي جعلت أخي الدكتور حمدي حسن يتقدم باستجواب برلماني بعنوان (تواطؤ الحكومة المصرية مع الصهاينة ضد الشعب الفلسطيني).
وهكذا تكبر أنظمة ويتعاظم دورها، وهكذا تصغر أنظمة وتتقازم مكانتها.
-----------
* الأمين العام المساعد للكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين.
قبسات من أنوار وأقلام العلماء والكتاب قبسات أون لاين حيث الإعلام الهادف قبسات أون لاين
4:33 م
مقالات متنوعة
.
بارك الله فيك يا دكتور واكتر من امثالك