--------------------------------------------------------------------

المشاركات الشائعة

زوار المدونة

أحدث التعليقات

المتابعون

إحصائية المدونة

تعلقات القراء

إقرأ أيضا

|

خواطر حول القرآن الكريم

محمد عبدالقادر/قبسات أون لاين
الحمد لله وكفى وصلاةً وسلاماً على عباده الذين اصطفى , وبعد ...
فهذه الخاطرة الخامسة من ( خواطر حول القرآن الكريم ) ... ولا يزال الحديث موصولاً عن الاستعاذة ... آمل أن تحوز على إعجابكم وأسأل الله تعالى أن يوفقني في أن أضيف إليكم ولو شيئاً جديداً مفيداً يفيدكم في دينكم ويقربكم إلى ربكم , إنه ولي ذلك والقادر عليه ... وجزاكم الله خيراً ...
5- الوقفة الخامسة معنا في الاستعاذة هي : أنه قد يسأل سائل ويقول إذا كان الشيطان بهذه الخطورة وهذا العداء البغيض لبني آدم فلماذا خلقه الله عز وجل ؟ وهل هناك حكمة من وجوده أصلاً ؟.نعم هناك بعض الناس يتصورون أن الشيطان لا فائدة له وهذا خطأٌ كبير , لأن خلق الله عز وجل لا يخلو من الحكمة , وكونك لا تعرف الحكمة فهذا لا يلزم انعدامها أصلاً .
إن الله عز وجل هو الذي خلق هذا الكون وخلق ما فيه وليس هناك مثقال ذرة من خلق الله عز وجل قد وُجدت هباءً أو عبثاً , بل كل شيءٍ خلقه الله عز وجل بقدر ومقدارٍ معلوم وبحكمة بليغة ,,, قال تعالى في سورة القمر " إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ " , وقال في سورة الرعد " وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ " , وقال في سورة الفرقان "وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً " ... وغير ذلك من الآيات الدالة على حكمة الله تعالى في خلقه فهو الحكيم الخبير " أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ " , بلي يا ربي ونحن على ذلك من الشاهدين .
وقد سمعت فضيلة الشيخ أبو إسحاق الحويني في خطبة جمعة بعنوان "فوائد خلق الشيطان" يقول : (( وهنا نعلم هذا الركن الهام وهو أن الله تبارك وتعلى إنما يبتلي عباده ببعض ما لا يفهمون حتى يرى امتثالهم له , كتقبيل الحجر الأسود مثلاً , وقد ثبت في الصحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يقول : "والله إني أعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك " , انظر إلى هذا التعليل !!! يقبله ولا يعلم للتقبيل معنى إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله , كذلك يجب عليك أيها المسلم إذا وصلك حديثٌ صحيحٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم تفهم له معنى فبادر بالامتثال فهذا أنجى لك ..)) ا هـ .
الشاهد : أن الله عز وجل جعل لوجود الشيطان الرجيم حكم وفوائد قد تغيب عن كثير منا ولكنها موجودة ولها أثر كبير في العملية الإيمانية لكل واحدٍ منا ...
ومن هذه الفوائد :
1- حكمة الله سبحانه وتعالى في إعطاء مطلق الاختيار للإنسان في تحديد مصيره واختيار الوجهة التي يريدها : وهذا لا يكون موجوداً إلا إذا كان هناك مجالاً للاختيار بين أكثر من طريق كل طريق يختلف عن الآخر وكل طريق له مسلك مختلف عن غيره وخصائص وملامح مختلفة عن غيره ومنهج مختلف وتبعات مختلفة ومصير مختلف , لابد من وجود ذلك كله حتى تكون هناك مساحة للاختيار وحتى يكون كل إنسان مسئولٌ عن نفسه وعن قرار اختياره بكل ما فيه وكل ما له وما عليه , فالقرار قرارك ولن تُجبر على شيء ,,, وقد يقول قائل , ولكن الله عز وجل حريص على الإنسان أكثر من حرص الإنسان على نفسه وأرحم به من أمه التي ولدته , فلماذا يوقعه في هذا الاختيار وقد يخطئ الاختيار لعجزه عن الإدراك ولقصر فهمه ...
- والرد على هذا يسير جداً , وهو أن الله عز وجل لم يكتفِ بمجرد إعطاء الإنسان مطلق حق الاختيار وتركه , بل بصره بالطريقين وبصره بخصائص كل طريق وتفاصيل كلٍ منهما قال تعالى " وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ" , وقال أيضاً "إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً" , بل ودعاه إلى سلوك طريقٍ معين وهو طريق الإيمان بالله وحذره من إتباع الطريق الآخر وهو طريق الزيغ والضلال , ورغبه في مصير الطريق الأول بالجنة ورهَّبه من الطريق الآخر بالنار, وما أرسل الرسل وما أنزل الكتب إلا من أجل ذلك .
ولم يقتصر الأمر على ذلك بل أعطاه معينات تعينه على اختيار الطريق المستقيم بعد الرسل والكتب التي تحوي المنهج الصحيح وخطة الوصول إلى بر الأمان , أعطاه الفطرة السليمة الحنيفة "فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" , أعطاه النفس اللوامة أو ما يسمى في عرف الناس الآن بـ ( الضمير ) "لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ , وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ", أعطاه عقلاً يفكر به بإنصاف إن أراد "كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ" , وقلباً يشعر به ويقيس به إن أراد إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ", وعيناً لتنظر وتعتبر وتبصر وتقوده إلى التفكر والإيمان إن أراد "أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ , وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ , وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ , وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ" , أعطاه دلائل تظهر له كل يوم تبرهن على حقيقة سلامة طريق الإيمان بالله "وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ" , أعطاه آياتٍ كونية تصرخ فيه وتدعوه إلى الإيمان "وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً" , أعطاه نِعماً عظيمة تدعوه إلى شكر المُنعِم العظيم الذي أنعم عليه والإيمان به "سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" , أعطاه حجة الدعوة وأنه قد دعاه أحد الناصحين إما من أصدقائه أو أحد معارفه أو أحد العلماء أو الدعاة بشكلٍ أو بآخر فيذكِّره بضرورة الإيمان والاستقامة "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا"...
وبعد كل هذا تُرى هل ظُلم الإنسان ؟ هل كان مجنياً عليه ؟ بعد كل هذه العطايا والمنح الإلهية ماذا يستحق الإنسان إن أعرض عن ربه وخالقه ومولاه واتبع عدوه وعدو الله وهو (الله تعالى) الذي قد حذره من عدوه مراراً وتكراراً كما ذكرنا من قبل , ومع ذلك ضرب بكلام مولاه عرض الحائط وذهب بإرادته إلى ما فيه هلاكه ...
- ومع العلم أن الإنسان لم يُظلم من البداية كونه حمل الأمانة بل هو الذي قبلها وتصدى لها في حين أن كثيراً من مخلوقات الله أشفقن منها وأبين حملها , قال تعالى "إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً" ...
- أرجو أن أكون بذلك قد وُفقت في إيصال هذه الفكرة الحرجة التي قد تلتبس على كثير من الناس بتلبيس إبليس اللعين لهم . (عصمني الله وإياكم من شره) .
2- وجود الشيطان له دورٌ كبيرٌ في التعرف على كثير من أسماء الله تعالى وصفاته : وهذا نلحظه واضحاً جلياً فلولا وجود الشيطان لما تعرفنا على اسم الله الغفور ولا الرحيم ولا العفو ولا التواب وغيره من الأسماء الحسنى والصفات العلى ,,,
قال الشيخ أبو إسحاق الحويني حفظه الله " أهم شيء في خلق الشيطان أن نتعرف على مقتضى أسماء الله وصفاته , تصور أنك معصوم أي لا تخطيء , متى تعلم أن الله غفورٌ رحيم ؟, لا تعلم ذلك إلا إذا أخطأت واستغفرت ... , لو أنك لا تخطيء لا تستشعر هذه الصفة وهي صفة الغفران ,,,
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله تعالى فيغفر لهم" رواه الإمام مسلم في صحيحه كتاب التوبة من حديث أبي هريرة .
- إذن لابد أن نتعرف على آثار أسماء الله وصفاته عز وجل ولا يكون هذا إلا بمقتضى هذه الصفات بطبيعة الحال .
- وقال أيضاً " وكل أنواع المعاصي إنما هي من وسواس الشيطان للعبد , كما شبه بعض العلماء قائلاً : أرأيتم إلى دورة المياه في بيت الرجل ؟ فبرغم أنه لا يطيب المُقام فيها إلا أنه لا يستطيع أحد أن يستغني عنها ... فوجود الشيطان سببٌ عظيم جداً في الإحساس بالإيمان بالله والاعتصام به عز وجل " ا هـ ..
- ولكن هناك أمران لابد أن ننتبه إليهما :
1. الأمر الأول : أن الله عز وجل صفاته أزلية لا يلزم لوجودها وجود من يتعرض لها ويتعرف عليها , قيل : (( لما ثبتت الأزلية لذات الله تعالى وجب أن تكون صفاته أزلية، لأن من كانت صفاته حادثة فذاته لا بد أن يكون حادثا ، قال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه في الفقه الأبسط : " فصفاته غير مخلوقة ولا محدثة، والتغير والاختلاف في الأحوال يحدث في المخلوقين، ومن قال إنها محدثة أو مخلوقة أو توقف فيها أو شك فيها فهو كافر"..
وقال الإمام الطحاوي في متن العقيدة الطحاوية :" ما زال بصفاته قديما قبل خلقه ، لم يزدد بكونهم شيئا لم يكن قبلهم من صفاته ، وكما كان بصفاته أزليا كذلك لا يزال عليها أبديا , ليس بعد خلق الخلق استفاد اسم الخالق ، ولا بإحداث البرية استفاد اسم الباري ".
وهذا معناه أن صفات الله عز وجل ليست مستحدثة بحدوث شيءٍ ما ولكنها أزلية ذاتية , فالله عز وجل خالق قبل أن يخلق الخلق ورازق قبل أن يرزق العباد وغفور قبل أن يذنبوا ويستغفروا فيغفر لهم .... وهكذا .
الشاهد : أن أول حكمة من وجود الشيطان ليست هي وجود صفة الغفران أو التوبة أو العفو , لا , فكل هذه الصفات موجودة ابتداءً , ولكن الحكمة هي تعرفنا نحن على هذه الصفات ومقتضاها وأثرها , فنزداد إجلالاً له سبحانه وتعالى وتقديساً وتنزيهاً وخشيةً وحباً وقرباً وشوقاً ....
2- الأمر الثاني : أنه لا يعني من ذكر هذه الحكمة من وجود الشيطان وهي التعرف على مقتضى أسماء الله وصفاته أننا نتعمد بذلك أن نذنب ونقول نحن فعلنا هذا لأنه مراد الله عز وجل منا أن نذنب ونستغفر ,, فيكون ذلك باباً عظيماً من الفتنة والشبهة والتلبيس الذي يترتب عليه تمكين الشيطان من العباد .... فهذا خطأ كبير في الفهم إن فُهِمَ الكلام بهذا الفهم .
- ليس المراد من ذلك أبداً أن نبحث عن الذنوب لنفعلها ونستغفر بعدها مدَّعين بذلك أننا نريد التعرف على مقتضى اسم الله الغفور , لا لا لا , وهذا للأسف يفهمه البعض عندما يسمع حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي ذكرناه آنفاً " والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله تعالى فيغفر لهم" , فهل يُعقل أن هذا الحديث بمثابة دعوةً لفعل الذنوب والمعاصي ؟ من يقول هذا الكلام من العقلاء ؟ ..
- هذا الكلام المراد منه بكل بساطة هو أننا بشر ضعفاء وسنذل في وقتٍ ما ,لكن إذا زللنا لا يعني بذلك أننا قد شردنا من الطريق المستقيم وأننا قد خرجنا من إطار رحمة الله عز وجل , لا , بل يجب علينا أن نلتفت إلى أن الله عز وجل غفورٌ رحيمٌُ توابٌ , فنتوب سريعاً وبذلك نغلق على الشيطان الرجيم باباً عظيماً من أبواب التسلل إلينا وإغوائنا وإضلالنا فننجو منه برحمة الله وفضله.
- فالأصل هو أن نسلك طريق الاستقامة بكل جدٍ وعزمٍ وبكل بغضٍ وقبحٍ للذنوب والمعاصي ... وهذا من علامات الإيمان ومقتضاه كما قال ربنا تبارك وتعالى في سورة الحجرات " وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ " .
ولا نفكر حتى في مجرد إمكانية فعلنا للمعاصي والذنوب , لكن إذا حدث ووقعنا ننهض سريعاً ونتوب ونستكمل السير على منهج الله عز وجل دون يأسٍ أو قنوطٍ أو تكاسل أو تخاذل .
جعلني الله وإياكم من أهل طاعته والسائرين على منهجه
اللهم وفقنا لطاعتك وثبتنا عليها حتى نلقاك وأنت راضٍ عنا
وللحديث بقية نكلمه إن شاء الله تعالى في الخاطرة السادسة , إن قدر الله تعالى البقاء واللقاء , أترككم في رعاية الله وأمنه , وأرجو من الجميع أن لا يبخل علي بتعليقاته وآرائه حول هذه الخاطرة , وأن ينشرها إن أمكن له ذلك , نفع الله بكم جميعاً ...
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

قبسات من أنوار وأقلام العلماء والكتاب قبسات أون لاين حيث الإعلام الهادف قبسات أون لاين 8:36 ص .

0 التعليقات "خواطر حول القرآن الكريم"

شاركنا برأيك ولا تحرمنا من قلمك

الأرشيف