--------------------------------------------------------------------

المشاركات الشائعة

زوار المدونة

أحدث التعليقات

المتابعون

إحصائية المدونة

تعلقات القراء

إقرأ أيضا

|

قراءة في الأزمة السياسية المصري

خالد محمود
بداية لا بد من القول إن حدة الأزمة السياسية المصرية تصاعدت بشكل فاق كل التوقعات؛ فالشرارة الصغيرة التي بدأت في منتصف الجمعة الماضية تحولت خلال ساعات إلى حريق شعبي هائل شمل كافة المدن المصرية.
ثورة النيل تعبّر عن نفسها اليوم بتظاهرات مليونية تؤكد أن لا حل إلا برحيل حسني مبارك، هي بلا شك أول ثورة شعبية حقيقية منذ حملة نابليون بونابرت على مصر عام 1797م، ثورة كشفت كل شيء على حقيقته، ولن يجرؤ أحد -أيًّا كان- منذ الآن فصاعدًا على الكذب أو الخداع أو تزييف التاريخ؛ فثمة قناعات وثوابت سقطت وتسقط في ميدان التحرير يوميًّا منذ يوم الغضب وحتى الساعة. ومضى ذاك الزمن الذي كنا نظنّ فيه أنّنا فقدنا قدرتنا على الغضب.
بعد هذه الكلمات نأتي للسياسة وقراءة المشهد ونتساءل: إلى أين تمضي قاطرة الأزمة السياسية المصرية؟ وهل ستنجح وتحقق أهدافها ومراميها؟
الأحداث توحي -بلا شك- أن مصر ستشهد تطورًا حرجًا ينطوي على المزيد من العوامل الجديدة المرتفعة الخطورة، وذلك بعد تزايد مخزونات الغضب الشعبي بما أدى إلى تحريك عمليات التعبئة الفاعلة وعمليات حشد مليونية في العاصمة القاهرة، ومدن الإسكندرية، السويس، الإسماعيلية، وأسيوط وغيرها.
ولغاية كتابة هذه السطور لا يزال حراك مصر في أَوْجِه؛ المسيرات والمظاهرات والاعتصامات كانت سببًا للحصول -حتى الآن- على حزمة وعود إصلاحية لم يتوقعها أي حزب سياسي في مصر، بل إن بعضها لم يكن ضمن جدول أعماله، حيث برامجهم تصاغ وفقًا للممكن في ظل "قوة النظام" وسطوته السياسية والأمنية. ولكن شباب 25 يناير فرضوا واقعًا سياسيًّا ليس على النظام وحده، بل ربما على المعارضة السياسية بكل تلاوينها، تغييرًا لا يقل عن تغيير متوقع للنظام في قادمات الأيام.
عند قراءة المشهد المصري يتضح للمراقب أن الأمور في مصر تتطور لحظة بلحظة والحدث السياسي سريع جدًّا، بينما الرؤية الداخلية فيها ما زالت مقيدة بقيود نظرة محدودة، خاصة تلك التي تتصل بالحزب الوطني الحاكم؛ فمن ناحية قام الرئيس حسني مبارك بتعيين عمر سليمان نائبًا لرئيس الجمهورية، وليس ذلك بالطبع بسبب رغبته في الاستجابة لمطالب الشعب، بل لاعتقاده أن هذا التعيين يمكن أن يقنع الكثيرين -خاصة في داخل مصر- بأنه لم يعد بفكر في توريث ابنه للنظام، وفي الوقت ذاته قام الرئيس بتعيين حكومة جديدة برئاسة أحمد شفيق..
غير أن موقف الشارع المصري منها كان واضحًا جدًّا، وهو أن رسالته لم تصل حتى الآن إلى الرئيس؛ إذ المطلوب ليس تغييرات في هيكل السلطة بل المطلوب -في نظر الكثيرين- هو إسقاط النظام واختفاء الرئيس مبارك من الصورة. وفي ضوء ذلك بدأت الأنظار تتجه نحو الجيش لتعرف موقفه، ويبدو الجيش في موقف حرج جدًّا؛ إذ هو يعرف أنه لا يستطيع في هذه المرحلة أن يقوم بانقلاب عسكري، إذ يعني ذلك العودة إلى المربع الأول وبدء مسلسل الانقلابات من جديد في مرحلة لم تعد صالحة لهذا النوع من الحكم، ويعرف الجيش في الوقت ذاته أنه لا يستطيع أن يواجه الجماهير بكون ذلك يعني أنه قد قرر الانحياز للحكومة التي يرفضها الشعب؛ ولذلك أصدر الجيش بيانه الذي يقول فيه: إنه يتفهم مطالب الشعب ولن يقف في وجه هذه المطالب، كما أنه لن يقف في وجه الشعب الذي يعبر عن رأيه بطريقة سلمية، وكل ما يريده الجيش هو أن يلتزم الشعب النظام ولا يلجأ إلى العنف.
على مدى العشر أيام الماضية ظلت الأزمة السياسية المصرية تكتسب عمقًا أكثر في مسألتين رئيسيتين هما: تزايد ضغوط الشارع المصري واستمرار ثورته المنادية بإسقاط النظام، وتزايد ضغوط عامل الوقت الذي انتهى بالفعل، فقد تجاوزت تطورات الأحداث والوقائع الهامش الزمني المتاح، ولم يعد من سبيل أو جدوى لتطبيق أي أساليب وقائية أو علاجية لاحتواء الأزمة.
وبالتالي تتراوح السيناريوهات القادمة ما بين: سيناريو سقوط النظام، الذي يتوقف نجاحه على مدى وقوف قوات الجيش المصري إلى جانب الجماهير الشعبية.
وهناك سيناريو الصفقة من خلال عقد اتفاق بين قوى المعارضة السياسية المصرية والنظام المصري الحاكم، إلا أن فرص نجاح هذا الخيار أصبحت ضئيلة للغاية؛ فالوقائع على الأرض تشير إلى غير ذلك.
وهناك سيناريو استمرار عمليات العنف كما حصل في ميدان التحرير بين المؤيدين للرئيس مبارك والمعارضين له بما يؤدي إلى اندلاع المواجهات الدامية، التي يمكن أن تقود إلى الصراع الأهلي الداخلي الدامي المصري المرتفع الشدة، وتفتح المجال -لا قدر الله- إلى قوى وحركات تعيث فسادًا وخرابًا وتدميرًا في مصر.
ويبقى سيناريو الانكسار والتراجع الذي يعتمد على وقوف الجيش وأجهزة الأمن والشرطة المصرية إلى جانب نظام الرئيس مبارك بما يؤدي إلى إرهاق طاقة الغضب الجماهيري، وإفراغ الكتل الجماهيرية من طاقة المعارضة السياسية بما يؤدي إلى تفشي الإحباط، وتزايد عدم الرغبة في المعارضة والذي يقود إلى نشوء ظاهرة انكماش وتراجع المعارضة.
وبناء على المعطيات أعلاه، يمكن الاستنتاج أنه إذا نجحت الاحتجاجات المصرية وحققت مطالبها، فإن الأمور سوف تهدأ، ولكن إذا فشلت فعلى الأغلب ما ينتظر مصر سيكون الأسوأ.. فقد شاهدنا على شاشات الفضائيات مناظر عشرات الشبان المصريين يرتدون الأكفان ويقولون بأنهم قد لبسوا هذه الأكفان استعدادًا للموت؛ لأنهم قرروا إمّا أن يموت نظام الرئيس مبارك لكي يستمروا في الحياة، أو يموتوا ويستمر نظام مبارك في الحياة! فهل وصلت الرسالة؟!

قبسات من أنوار وأقلام العلماء والكتاب قبسات أون لاين حيث الإعلام الهادف قبسات أون لاين 5:11 م .

0 التعليقات "قراءة في الأزمة السياسية المصري"

شاركنا برأيك ولا تحرمنا من قلمك

الأرشيف