--------------------------------------------------------------------

المشاركات الشائعة

زوار المدونة

أحدث التعليقات

المتابعون

إحصائية المدونة

تعلقات القراء

إقرأ أيضا

|

الحركة الإسلامية.. وحصار الخطاب الوسطي

د. رفيق حبيب
   من بين المشكلات التي تواجه الحركات الإسلامية، هي أن خطابها تراقبه الدول الغربية والأنظمة الحاكمة والنخب العلمانية، كما تستمع له الجماهير، فيصل الخطاب إلى أكثر من متلق، لكل منهم مواقف مختلفة.
فالخطاب الموجه للجماهير، يفهم من خلال الموروث الحضاري والثقافي للمجتمع، ولكن هذا الخطاب يراقب من قبل العديد من الجهات التي تقيسه على الوضع السياسي القائم، وترى مدى خروجه على النموذج السياسي القومي العلماني. فينتج عن ذلك مواقف متعارضة بين ردود فعل النخب الحاكمة والعلمانية والدول الغربية على الخطاب الإسلامي، وردود فعل الجماهير عليه.
وخطاب الحركة الإسلامية موجه أساساً للجماهير، ولكن كل الجهات الفاعلة والحاكمة تراقبه وتعمل على تشويه صورته، بقدر ما ترى أنه يغير الأوضاع السياسية القائمة.
                             شعارات منَفرة
وتبدأ عملية حصار الحركات الإسلامية من خلال حصار مصطلحات بعينها، وتشويه بعض التعبيرات والشعارات والمصطلحات، حتى تجد الحركة الإسلامية نفسها داخل سياق معاد لها، ويحد من قدرتها على إعلان خطابها بصورة واضحة، بعيدا عن التشويه المتعمد، إلى الجماهير التي تستهدفها بخطابها. مما يجعل الحركة الإسلامية غير قادرة على رفع شعاراتها وإعلان غاياتها بالصورة الواضحة، والتي تساعد على شرح رؤيتها للجماهير. كما يؤدي هذا إلى حرمان الحركات الإسلامية من شعاراتها القادرة على جذب الجماهير، ومن رفع اللافتات التي تساعد على تعبئة وحشد الجماهير.
ومن الواضح أن تلك القيود المفروضة على الخطاب الإسلامي، تؤدي إلى عرقلة مسيرته، وتحد من قدرته على الانتشار، كما تحد من قدرته على توحيد جهود التيارات الإسلامية المختلفة. لأنه في ظل الحصار المضروب على التيار الإسلامي، تأخذ كل حركة أو فريق موقفا مختلفا، بين من يتمسك بشعاره ويتشدد في تعبيراته، وربما يخاصم الوضع القائم جملة، وبين من يحاول الحفاظ على تميز خطابه السياسي الإسلامي، ويحاول الرد على الشبهات المثارة حوله، والحفاظ على اعتدال الخطاب، ومن يحاول التجاوب مع المصطلحات المسموح بها في ظل الوضع السياسي القائم، ويتنازل عن المصطلح الإسلامي المميز.
                          ردود الفعـل
ولعل العنوان الأبرز للحركة الإسلامية في المجال السياسي، تمثل في عنوان الدولة الإسلامية، فالمشروع الإسلامي يبني دولة تستند على المرجعية الإسلامية، لذا فهي دولة إسلامية، ولكن رفع شعار بناء الدولة الإسلامية في العمل السياسي، أصبح يواجه بردود فعل شديدة، لأن ذلك يعني أولا أن المشروع الإسلامي يهدف لتغيير جذري في الواقع، كما يعني أن الحركة الإسلامية تحشد الجماهير من أجل بناء مرجعية جديدة للدولة، وأنها تريد تغيير الوضع القائم.
والمشروع الإسلامي يستهدف بالفعل بناء دولة على المرجعية الإسلامية، إذن فغايته إقامة الدولة الإسلامية. ولكن رفع هذا الشعار، أصبح ينظر له على أنه عمل عدائي للدولة القائمة، خاصة إذا تم رفع الشعار من قبل الحركات الإسلامية التي تمارس دورا سياسيا.
ولكن في المقابل يمكن القول إن شعار إقامة الدولة الإسلامية، يمثل شعارا جماهيريا، له القدرة على حشد الجماهير وتعبئة حركتهم السياسية. ومحاولة منع الحركات الإسلامية من رفع هذا الشعار في عملها السياسي، تساعد على نزع بعض الأدوات النشطة للحركة الإسلامية، والتي تمكنها من حشد الجماهير. لذا فإن حصار مصطلحات الحركة الإسلامية ذات التأثير الشعبي، يضغط على الحركة حتى يفقد خطابها السياسي جزءا من قدرته على التعبئة والحشد.
كما أن هناك بعض الشعارات القادرة على توحيد صفوف الحركة الإسلامية، مثل شعار إقامة الدولة الإسلامية، فأغلب تلك الحركات تعلن أن هذا هدفها النهائي، ولكن حصار هذا الشعار واعتباره خروجا على الدولة القائمة، يمنع من التفاف الحركات الإسلامية تحت شعار موحد يجمعها رغم التباين بينها، ويظهر الحد المتفق عليه بينها، والذي يمثل الأسس المشتركة للرؤى الإسلامية المختلفة.
                        فكرة الحزبية
وبنفس هذا المعنى، نجد أن تعبير الحزب الإسلامي، أصبح يواجه أيضا بحرب واضحة، حيث تحاول بعض الأنظمة منع الأحزاب الدينية، وتعتبر أن الحزب الإسلامي حزبا دينيا، وبالتالي فهو حزب يعمل من أجل إقامة الدولة الدينية، أي الدولة التي تستند فيها السلطة على الحكم باسم الله. ولكن الحزب الإسلامي، ليس حزبا دينيا بهذا المعنى، ولا يستهدف بناء دولة يحكم فيها الحاكم باسم الله، ويعتبر نفسه مفوضا من الله في الحكم. وبهذا يرتبط تعبير الحزب الإسلامي، بسلسلة من التعبيرات التي يوضع لها تعريف سلبي، حتى يتحول تعبير الحزب الإسلامي إلى تعبير سلبي، فيتم اللجوء من قبل الحركة الإسلامية، إلى تعبير حزب مدني له مرجعية إسلامية.
وبعض التيارات الإسلامية ما زالت ترفض فكرة الأحزاب كمؤسسات سياسية لممارسة وتنظيم العمل السياسي. والموقف الرافض لتسمية الحزب الإسلامي أو الذي يضع عليه العديد من القيود يدفع تلك التيارات إلى الاستمرار في رفض فكرة الأحزاب السياسية، لأنه يضع شروطا على الحركة الإسلامية، تراها هذه التيارات مؤثرة على فكرتها. وكثرة الشروط التي توضع على الحركات الإسلامية، التي تقبل العمل من خلال الحزب السياسي، تشجع البعض على المزيد من التشدد في اتجاه رفض الأوضاع السياسية القائمة. ويصبح من يريد الاستمرار في موقفه الإصلاحي القائم على الإصلاح السلمي المتدرج، ملزما بوضع تعريفات دقيقة لكل مسمى يستخدمه، حتى لا يساء فهمه، وفي نفس الوقت يؤكد حرصه على التمسك بثوابته.
                        الاستغناء عن المسميات
ولكن بعض الأطراف الإسلامية، ترى أنه من الممكن الاستغناء عن المسميات التي تلقى رفضا من قبل الأنظمة الحاكمة والنخب العلمانية والدول الغربية، وتحاول تمرير المشروع الإسلامي أو بعضه على الأقل، من خلال المسميات التي تتوافق مع طبيعة الدولة القومية العلمانية القائمة. وتواجه تلك المحاولة بحصار المصطلح السياسي الغربي، الذي لا يسمح بتمرير العديد من المفاهيم الإسلامية، مما يدفع إلى تجزئة المشروع الإسلامي، وتبني ما يمكن ربطه بالعناوين المتاحة والمساحات المتاحة للحركة، وتأجيل كل ما يختلف مع النموذج السياسي القومي العلماني، وهو تأجيل قد يكون مؤقتا، أو قد يكون نهائيا.
وكأن الحركة الإسلامية أصبحت محاصرة من اتجاهات عدة، وهو حصار يدفع أحيانا كثيرة نحو المزيد من التشدد أو المزيد من المرونة، وتبقى المنطقة المتوسطة، والتي توازن نسبيا بين مختلف المواقف، هي المنطقة الأكثر حصارا، والتي تتعرض لتشويه أكبر، حيث يتم دفعها نحو مربع أكثر تشددا أو أكثر مرونة. لأن حرب المصطلحات التي تشنها الاتجاهات العلمانية المختلفة، تريد تصنيف الحركة الإسلامية إلى تيار متشدد يتهم بالتطرف، وتيار تحديثي يعتبر متجاوباً مع شروط الواقع السياسي العلماني، بحيث لا تبقى مساحة بينهما. مما يوضح أن هناك مساحة تثير قلق العديد من الجهات، وهي المساحة التي تتمسك بموقف معتدل، يوفق بين التمسك بثوابت المشروع الإسلامي، وبين المرونة في التعامل مع الواقع.
هي حرب على الشعارات والعناوين، تهدف إلى عرقلة تشكل الفكرة الإسلامية المتوازنة بصورة طبيعية، حتى لا تتشكل رؤية إسلامية، لها جاذبية جماهيرية مرتفعة، مما يمكن من يحملها من التوصل إلى الصيغة التي تشكل التيار السائد فيما بعد، خاصة أن الحركات الإسلامية لها شعبية بالفعل أكثر من أي تيارات أخرى، لذا يصبح وصولها إلى الخطاب القادر على حشد تيار سائد في المجتمعات العربية والإسلامية بمثابة اللحظة التي تمكنها من تأسيس نظام سياسي جديد، وهي اللحظة التي يحاول خصوم المشروع الإسلامي منعها.

قبسات من أنوار وأقلام العلماء والكتاب قبسات أون لاين حيث الإعلام الهادف قبسات أون لاين 6:06 م .

0 التعليقات "الحركة الإسلامية.. وحصار الخطاب الوسطي"

شاركنا برأيك ولا تحرمنا من قلمك

الأرشيف