تداعيات " ثورة 25 يناير" على المتدينين في مصر
اللهم هيئ لمصر ولسائر بلاد المسلمين أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة، ويهدى فيه أهل المعصية، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر.
ثار شباب مصر على أوضاع فساد وفقر ومظالم وأدت آمالهم وطموحاتهم في مستقبل مشرق يجدون فيه ذاتهم، ويشبعون من خلاله حاجاتهم. حقاً نجحت ثورة الشباب في الإطاحة بالقائد الأعلى للنظام المصري، ووضع قائمة بعض الفاسدين وناهبي ثروات البلاد قيد التحقيق، وتجميد الأرصدة، تمهيداً للمحاكمة ومصادرة الأرصدة.
وشاء الله سبحانه وتعالى أن يهلك الظالمين أنفسهم بأنفسهم، فأصدر قادة الشرطة المصرية قراراً بالانسحاب من الساحة البوليسية أدى هذا القرار إلى انفراط عقد جهاز الأمن المصري الداخلي وبخاصة ما عرف بجهاز مباحث أمن الدولة بصورة أدهشت كافة المراقبين والمحللين، بعد أن استخدم الأمن المصري أعنف وسائل القمع من اعتقالات موحشة في جوف الليل، تعذيب شنيع يسلب العقل وعيه والجسد حسه، تيتيم للأبناء، ترميل للنساء، قذف قنابل أمريكية مسيلة للدموع ومهلكة للعيون، الضرب المبرح بالعصي الكهربائية، استهداف أعين المتظاهرين بطلقات مطاطية فقدت معها آلاف الأعين، خراطيم للمياه فتحت على المصلين أثناء تأديتهم للصلوات، دهس للمتظاهرين بالسيارات، ليبلغ الأمر ذروته باستخدام الرصاص الحي في بعض مناطق التظاهرات الأخيرة يسقط على أثرها مئات القتلى- والذين نحتسبهم عند الله أن يكونوا من الشهداء- من شباب مصر، قدرتهم الجهات الصحية بأكثر من ثلاثمائة قتيل في يوم واحد فقط وهو اليوم المعروف إعلامياً بـ "جمعة الغضب" والموافق 28 يناير 2011، هذا فضلاً عن آلاف المصابين الكثير منهم في حالات خطرة.
ويفر رجال القمع من ساحتهم بأمر رؤسائهم، وقبل الفرار يفتحون السجون ليهرب البلطجية، ويروعوا الشعب المصري، وللمفارقة ولانقلاب السحر على الساحر ينقض البلطجية على مبان الشرطة بما فيها أفرع أجهزة أمن الدولة كرمز من رموز القمع والإرهاب والترويع فيسرقون الأسلحة والأثاثات ويخربون المباني ومن ثم يحرقونها، وليبقى للشعب المصري أن يتفحص وثائق أمن الدولة السرية المبعثرة في الطرقات حيث مخططات وأد المتدينين والمتظاهرين، وكشوف عملاء أمن الدولة المندسين في أوساط المتدينين باختلاف مشاربهم، وحجم المكافآت التي كانوا يحصلون عليها نظير وشاياتهم، وليتأمل المجتمع آية خراب أبنية أمن الدولة التي كانت قمعية وقد صارت خربة خاوية على عروشها ليجعلها الله أية لمن يعتبر، وقد صدمت بعض أطياف المجتمع المصري المغيبة بغرف التعذيب المهيبة في باطن أرض أجهزة أمن الدولة، ليصل الأمر كما في "اليوتيوب" إلى العثور على قبر أسفل أحد أبنية أمن الدولة به هياكل عظمية، لأناس ماتوا لا يعرفهم البشر، ولا ندري كيف ماتوا وبأي ذنب قتلوا، ولكن الله سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
في خضم هذه الأحداث يحمل المرء الهم أكثر وأكثر ويتساءل بعمق ما هي تداعيات "ثورة 25 يناير" على المتدينين في مصر باختلاف مشاربهم ومنطلقاتهم الفكرية؟.
سؤال تبسطه الأكثرية من المتدينين بأنهم غاية في التفاؤل مما هو قادم، فانقشاع الظلم من أعظم المكاسب، والتفاؤل بذلك يطغي عند البعض على أية محاذير أو تفكيرات مستقبلية معقدة. لا نختلف على مكسب انقشاع الظلم، والاستبشار ببزوغ فجر جديد من الحرية والعدل، لكن واقع مصر، وواقع المتدينين فيها، وموقع مصر الجغرافي والاستراتيجي، والأحداث والتحركات العالمية المتربصة بالعالم الإسلامي وبمصر، والتركيبة المموجة لبعض الأجنحة التي علا صوتها في أوساط شباب المتظاهرين، ومحاولتها لبرلة وعلمنة مستقبل الخطاب والمشهد السياسي والاجتماعي في مصر، كل ذلك يثقل من المهمة المستقبلية للمتدينين داخل المجتمع المصري. وعلى ذلك دعونا الآن نناقش تداعيات ثورة 25 يناير على المتدينين في مصر بمكتسباتها وتحدياتها.
أولاً.... مكتسبات ثورة 25 يناير للمتدينين
1) انقشاع غمة فزاعة وترهيب أمن الدولة.
كم عانى المتدينون في مصر من جهاز أمن الدولة، والجميع يعلم حجم الاعتقالات، والأبرياء خلف الأسوار، والتعذيب الشنيع المدمر والمعاملات المرة داخل السجون والمعتقلات. وانقشاع هذه الغمة وهذا البلاء، من شأنه أن يكسر حاجز الخوف عند كثير بل غالب المتدينين في مصر، فيتنفسون أولاً الصعداء، ويذهب الخوف والروع من نفوسهم، فيتحرك المرء في المجتمع بهويته التدينية دون خوف من توقيف أو اعتقال مفاجئ، ويبيت المرء آمن في سربه لا يتوقع أن يزوره زوار الفجر ويكسرون باب بيته، دون إذن أو مراعاة للحرمات وكثير من البلاء المحزن الذي نسأل الله ألا يعود ثانية إلى مصر.
ولنقيس على ذلك فزاعة الخوف في كافة التحركات والسكنات في كافة مرافق مصر وشوارعها، حتى في المساجد، بل وغرف الإنعاش يكفي أن بعض الشباب المتدين حاولوا الذهاب إلى المستشفيات ليذكروا المرضى أصحاب الحالات الحرجة بالله ويعاونوهم على التوبة ورد المظالم، فكان مصير هؤلاء الشباب المتدين هو الاعتقال لسنوات، والقصص الأليمة كثيرة، ولله الأمر من قبل ومن بعد. من هنا كان انقشاع هذه الغمة وضياع مهابة الزبانية عقاب من الله للظالمين والمتكبرين.
وفي ذات الوقت فهي نعمة في حد ذاتها يمنها الله على المصريين وأحسب أنها اختبار إن نجحنا وتجاوزناه بمراد الله فيه دامت النعمة، وإن فشلنا أسأل الله ألا نؤخذ بفشلنا ويكون القادم مؤلم.
2) انفتاح ميدان الدعوة بصورة أوسع.
حال الدعوة في مصر ولله الحمد كان أفضل بكثير من دول عربية أخرى، يعاني الدعاة والمتدينين فيها أشد المعاناة، لكن المجتمع المصري الآن على الأقل في المرحلة الراهنة أصبح أكثر انفتاحاً، ومعرقلات الدعوة المتمثلة في الفزاعة الأمنية، القامعة للتدين تعتبر في أضعف حالاتها حالياً، ومن ثم فالرهبة السابقة عند المواطن العادي من اقترابه أو اقتراب أحد أفراد أسرته من حلقة التدين أصبحت لا مبرر لها.
والأهمية في هذه الجزئية أن هذه الرهبة الأمنية كانت تحول بين المواطن العادي، والاحتكاك المباشر بالخطاب الدعوي وتطبيقاته العملية في حياة المسلم. كما أن الدور الكبير الذي لعبه كثير من المتدينين بما فيهم الدعاة والعلماء بمعظم مشاربهم في تغذية ثورة الشباب أو مباركاتها، يجعل المجتمع المصري أكثر شوقاً لسماع الخطاب التديني بمزيد من الاهتمام، ويكون شغفاً للتعرف على واقع التدين مع السياسة، وتنظيم الإسلام لشئون العباد والبلاد.
هذا فضلاً عن سماح المرحلة القادمة لانتشار مظاهر التدين بحرية أكثر نسبياً، وعليه فمن المتوقع أن يكون هناك بإذن الله إقبال المجتمع المصري بصورة أكثر على مظاهر التدين وممارسة الشعائر التعبدية وحضور الدروس العلمية بمزيد من الحرية. كما نتوقع بإذن الله أن تنعدم الرهبة من التعاطي مع خطاب التدين في كافة المنابر الدعوية، وحلقات الدرس والبحث في المساجد والمدارس والجامعات والمراكز البحثية، وكذلك الخطاب الإعلامي في الوسائل الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية. وكل هذا بدوره سيصب بإذن الله في خدمة الدعوة الإسلامية، وانتشارها في المجتمع المصري، ومن ثم ارتفاع مؤشر التدين داخل المجتمع بصورة أعلى مما كانت عليه قبل ذلك
3) انتفاء الفساد والنهضة الاقتصادية المأمولة.
من أهم مكتسبات ثورة شباب "25 يناير" محاربة الفساد المالي والاقتصادي في المجتمع المصري، ومن ثم وجود بصيص أمل لعدالة توزيع الثروة، والاستثمار الاقتصادي والزراعي الآمن في المجتمع المصري والخالي من كافة المعيقات السابقة، كالرشاوى، والمصادرة، والسطو على المشروعات الناجحة، وطرد الكفاءات لصالح التفاهات والشهوات، وكل ذلك من شأنه صناعة مناخ عملي تقني ومهني مأمول منه بإذن الله أن يرتفع معه المستوى الاقتصادي للشعب المصري، وحدوث نوع من الاستقرار النفسي والمالي للمجتمع. وبهذا يهدأ بال المواطن المصري عن التفكير في الأزمات المالية اليومية، وسيكون المتدين بإذن الله أكثر استقراراً في ظل هذا المناخ المهني العادل المنشود فيبدع المتدين وينتج ويتطور، ونحسب أن يهذب له تدينه هذا التطور فيصب في مصلحة الإسلام وقوة المسلمين وعزتهم. وكل ذلك من شأنه توفير بيئة خصبة للاهتمام بعقيدة المرء وآخرته، وشريعته وقوة أمته، ومن ثم اقترابه أكثر من الله.
لكن يخشى مع هذه النهضة المالية والاقتصادية المأمولة أن تصاحب بضعف أو تقصير في المناخ الدعوي أو التديني، فيكون بلاء الغني أشد وأهلك من بلاء الفقر.
4) الاهتمام بالبحث العلمي
كثيرة هي الكفاءات العلمية والمهنية في أوساط المتدينين والذين قد يكونوا أبعدوا عن الساحة العلمية والمهنية بسبب تدينهم، وتوافر العدالة في المجتمع المصري والمصاحب بالاهتمام بالبحث العلمي، من شأنه استثارة طاقات وإبداعات الشباب المصري، الأمر الذي يتوقع معه قلة عمليات تقل معه سرقة العقول الوطنية المفكرة وهروبها للخارج. وبالتالي حدوث نهضة علمية للدولة، نهضة نأمل أن تكون مصحوبة برؤية متدينة ومناخ دعوي يحاول ربط العلماء بالله، وربط البحوث والنتائج العلمية والعملية بآيات الله، وكل ذلك من شأنه حدوث علمية ملفتة لمصر، وإذا نهضت مصر علمياً وفق توجيه تديني يضبط مسار تلك النهضة فسيكون حال الأمة الإسلامية بإذن الله أفضل بكثير.
ثانياً.....التحديات التي عظمتها ثورة 25 يناير للمتدينين.
1. اتحاد صف المتدينين
تعد نقطة اتحاد المتدينين من أهم النقاط التي ستواجه المتدينين في مصر في المرحلة المقبلة ومن أعظم التحديات التي فرضتها ثورة شباب 25 يناير.
ومن ثم فالمرحلة الجديدة التي ستمر بها مصر تستلزم معالجة كثير من الخلافات بين المتدينين داخل المجتمع المصري، لأن فقه هذه المرحلة -فضلاً عن كل مرحلة- يستلزم وحدة الصف المتدين. فالمرحلة القادمة تحدياتها كثيرة على المستويين الداخلي والخارجي، وسيكون من المضعف جداً انتشار الخلافات في أوساط المتدينين، ولذا أقترح أن تشكل لجنة شرعية من كبار علماء مصر الشرعيين تحاول تقريب وجهات النظر بين قادة التدين في مصر، مع تقزيم الخلافات بأقصى قدر ممكن، حتى يكون خطاب المتدينين وقادتهم في المجتمع ذو فاعلية تكليفية مثمرة، توجه سفينة البلاد نحو الوجهة الربانية التي ترضي رب العباد
2. تطوير ذات المتدين لمزيد من الاندماج الدعوي في المجتمع
المرحلة التالية في مصر ستشهد بإذن الله ميداناً دعوياً مفتوحاً، وهذه المرحلة تستدعي تطوير ذات المتدين من أجل التمكن من الدعوة واكتساب مزيد من آليات الدعوة في أوساط من الشعب المصري وبخاصة الشباب غير المتدين. فقد كانت المرحلة الماضية تحول دون التحرك الدعوي المريح في أوساط هذه الفئات، ويمكن في هذا الصدد فتح قنوات دعوية شرعية متعددة، تتواجد في كافة قطاعات الدولة ومجالاتها التعليمية، الإعلامية، الخيرية، الاجتماعية، السياسية، الاقتصادية، البحثية، والثقافية. وذلك بالتنسيق والتعاون بين المتدينين وكافة مؤسسات الدولة.
أعلم أن الخيال الحالي للبعض قد يكون مجمداً ببرودة المرحلة السابقة ولا يتخيل مثل هذه التحولات، لكنه الواقع فعلياً فالجميع في الثورة طالب بهذا الانفتاح وقد تحقق كثير منه فعلياً، فلماذا لا يكون المتدين المصري في مقدمة هذا الانفتاح، وقد ظلم وحرم منه عقوداً كثيرة؟ .
3. التحديات الدولية في ظل صراع الغرب مع الإسلام
الدارس والمستقرأ للمخططات الدولية التي تهدف محاربة الإسلام بصفة عامة، والمتدينين بصفة خاصة، يجعل الحذر يبلغ مداه من آليات تفكير الغرب مع حالة المتدينين في مصر بعد ثورة "شباب 25 يناير"، فالمرحلة القادمة ستكون مفتوحة وكافة الاحتمالات فيها واردة، وبالتالي لابد أن يصاحب ذلك مزيد من اليقظة من قبل المتدينين في مصر ومحاولة استقراء ما سيقدم عليه أعداء الإسلام، واستراتيجياتهم الجديدة في ظل التحولات بالمنطقة، ومن ثم الاستعداد للتحولات الغربية مع تحصين المجتمع المصري ومتدينيه من مكر الأعداء، وحيلهم العدائية، وتعبئتهم عقدياً لكافة الخيارات المحتملة.
4. ورقة النصارى في مصر
بلا شك فإن انهيار المرحلة السابقة بهذه الصورة أحدث ارتباكاً وضعفاً شديداً وواضحاً في أوراق عصبة داخل الكنيسة المصرية كثيراً ما أحدثت توترات عنيفة في المجتمع المصري في السنوات الأخيرة، وتحامت على طول الخط بالضغوطات الأمريكية، وبالقبضة الأمنية تحت ذريعة أكذوبة الفتنة الطائفية. والتعامل مع هذه الورقة يحتاج لكثير من الحذر والانتباه، لكن بأي حال من الأحوال فإن من سيريد إعلان إسلامه الآن من نصارى مصر من الذين يخفون إسلامهم أو يرغبون في الدخول في الإسلام لن يجد بعد الآن تلك المخاطر والتهديدات التي كانت تواجهه بها الكنيسة من قبل، فطوفان الحرية أكبر من طموحات رعاة الكنيسة المصرية.
ومن هنا فإن دور العلماء والمتدينين في احتضان هؤلاء المهتدين وتوفير الحماية لهم، يتعاظم كثيراً، ويتعاظم معه كذلك تمهيد الطريق الدعوي لمزيد من المهتدين ليتنفسوا عبير الإسلام وينعموا بلذة عبادة الواحد الغفار.
5. ورقة الشيعة
المرحلة السابقة كانت تتميز بأنها ذات خصومة سياسية واضحة مع الكيان الفارسي، انعكست هذه الخصومة السياسية على البعد العقدي في المسألة الإيرانية ومن ثم المسألة الشيعية برمتها، فحفظت مصر من ظهور أية خلايا شيعية داخل المجتمع المصري، ومن ثم كانت مصر في آمان نسبي من هذه الناحية، وعلى الرغم من أن الجيش وأجهزته الاستخباراتية، لم يهتزا بسقوط القائد الأعلى للنظام وبعض أركانه الفاسدة الأمر الذي يبشر باستمرار نفس السياسة الحازمة مع محاولات التغلغل الفارسية والشيعية في المجتمع المصري. فإن التوترات التي تشهدها مصر حالياً، ستسمح لبعض المرتزقة بالتبشير الداخلي للفكر الشيعي الأمر الذي سيعظم معه دور المتدينين في مصر لتعقب بؤر هؤلاء المرتزقة، ومنع محاولات إنبات مثل هذا الفكر الضال في المجتمع المصري السني الحصين.
6. ورقة العلمانيين والليبراليين والآكلين على موائد الغرب ممن شاركوا في الثورة.
كما أشرنا من قبل فإن ثورة "شباب 25 يناير" كانت مسرحاً لكافة الأجنحة والمشارب والتوجهات، وقد لعب العلمانيون والليبراليون والآكلين على موائد الغرب دوراً تصعيدياً بارزاً في هذه الثورة، ومنطقي أن يحاول هؤلاء جني ثمار الثورة، وقد بدأت مطالبهم الحقيقية بالدعوة للمدنية المطلقة، عدم قيام الأحزاب على أسس دينية، وتعديل المادة الثانية من الدستور المصري المعطل حالياً -وفقاً لطبيعة المرحلة العسكرية الراهنة وأحكامها العرفية-، والتي تنص على أن الإسلام دين الدولة والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي من مصادر التشريع. من هنا وفي ضوء هذا التحدي المتوقع تصعيده وعلو صوته مستقبلاً فإن المتدينين سيكونون على موعد مع معركة فكرية من نوع خاص مع هؤلاء التغريبيين. مع ضرورة التشديد في هذا الصدد إلى أن بعض أصحاب التوجهات الليبرالية والعلمانية قد خسروا كثيراً بانطواء المرحلة السابقة، لكن يبقى أن التحذير والتحدي هو ممن يرون في أنفسهم من العلمانيين أنهم كانوا سبباً في إقصاء المرحلة السابقة.
7. تحدي الدور السياسي الجديد للمتدينين
المرحلة الجديدة التي ستقبل عليها مصر يتوقع لها الكثيرون أن تكون ذات زخم سياسي غير عادي، ولما كان المتدينون في مصر أصحاب ثقل بشري ومهني، ومكانة اجتماعية نافذة مصحوبة بتوقير وتقدير شعبي، تعاظم التوقير لدى فئات كثيرة من الشعب بعد ثورة شباب 25 يناير، حيث لعب كثير من الدعاة وعلماء الأزهر والمتدينين باختلاف مشاربهم، دوراً بارزاً في تأييد ثورة شباب 25 يناير.
فإن هذا الثقل وتلك المكانة المجتمعية ستجد نفسها مضطرة ومدفوعة شعبياً للدخول إلى الحلبة السياسية، سواء من خلال الأحزاب أو البرلمان، أو تكوين ثقل انتخابي يؤثر في الاستفتاءات على الدستور، أو على مسار رئيس الدولة الجديد. وبالتالي فإن انسحاب بعض المتدينين خاصة من أيدوا الثورة من المشهد السياسي قد يكون محل نظر، وهنا نعود إلى النقطة الأولى والخاصة بأهمية اتحاد المتدينين، وبحث كافة الإشكالات الشرعية المتعلقة بالممارسات السياسية ومن ثم الوصول إلى أقرب النقاط التوافقية والتي بها يتم الاستثمار الأمثل لثقل المتدينين في مصر بما يحقق مراد الله سبحانه وتعالي على أرض مصر.
وفي الختام أود التأكيد على أن قضية الدور المستقبلي للمتدينين في مصر في ظل تداعيات ثورة "25 شباب يناير" بحاجة إلى جهود علماء الأمة الثقات، لرسم معالمه. كما أنها بحاجة إلى العديد من الدراسات البحثية الشرعية، العلمية، السياسية، الدولية، الاجتماعية، الاقتصادية، والإعلامية لتكوين رؤية واضحة المعالم يستنير بها المتدينون في المرحلة المقبلة التي نسأل الله أن تتحقق فيها العبودية لله على أرض مصر في كافة القطاعات، ولدى الحاكم والمحكوم.
ثار شباب مصر على أوضاع فساد وفقر ومظالم وأدت آمالهم وطموحاتهم في مستقبل مشرق يجدون فيه ذاتهم، ويشبعون من خلاله حاجاتهم. حقاً نجحت ثورة الشباب في الإطاحة بالقائد الأعلى للنظام المصري، ووضع قائمة بعض الفاسدين وناهبي ثروات البلاد قيد التحقيق، وتجميد الأرصدة، تمهيداً للمحاكمة ومصادرة الأرصدة.
وشاء الله سبحانه وتعالى أن يهلك الظالمين أنفسهم بأنفسهم، فأصدر قادة الشرطة المصرية قراراً بالانسحاب من الساحة البوليسية أدى هذا القرار إلى انفراط عقد جهاز الأمن المصري الداخلي وبخاصة ما عرف بجهاز مباحث أمن الدولة بصورة أدهشت كافة المراقبين والمحللين، بعد أن استخدم الأمن المصري أعنف وسائل القمع من اعتقالات موحشة في جوف الليل، تعذيب شنيع يسلب العقل وعيه والجسد حسه، تيتيم للأبناء، ترميل للنساء، قذف قنابل أمريكية مسيلة للدموع ومهلكة للعيون، الضرب المبرح بالعصي الكهربائية، استهداف أعين المتظاهرين بطلقات مطاطية فقدت معها آلاف الأعين، خراطيم للمياه فتحت على المصلين أثناء تأديتهم للصلوات، دهس للمتظاهرين بالسيارات، ليبلغ الأمر ذروته باستخدام الرصاص الحي في بعض مناطق التظاهرات الأخيرة يسقط على أثرها مئات القتلى- والذين نحتسبهم عند الله أن يكونوا من الشهداء- من شباب مصر، قدرتهم الجهات الصحية بأكثر من ثلاثمائة قتيل في يوم واحد فقط وهو اليوم المعروف إعلامياً بـ "جمعة الغضب" والموافق 28 يناير 2011، هذا فضلاً عن آلاف المصابين الكثير منهم في حالات خطرة.
ويفر رجال القمع من ساحتهم بأمر رؤسائهم، وقبل الفرار يفتحون السجون ليهرب البلطجية، ويروعوا الشعب المصري، وللمفارقة ولانقلاب السحر على الساحر ينقض البلطجية على مبان الشرطة بما فيها أفرع أجهزة أمن الدولة كرمز من رموز القمع والإرهاب والترويع فيسرقون الأسلحة والأثاثات ويخربون المباني ومن ثم يحرقونها، وليبقى للشعب المصري أن يتفحص وثائق أمن الدولة السرية المبعثرة في الطرقات حيث مخططات وأد المتدينين والمتظاهرين، وكشوف عملاء أمن الدولة المندسين في أوساط المتدينين باختلاف مشاربهم، وحجم المكافآت التي كانوا يحصلون عليها نظير وشاياتهم، وليتأمل المجتمع آية خراب أبنية أمن الدولة التي كانت قمعية وقد صارت خربة خاوية على عروشها ليجعلها الله أية لمن يعتبر، وقد صدمت بعض أطياف المجتمع المصري المغيبة بغرف التعذيب المهيبة في باطن أرض أجهزة أمن الدولة، ليصل الأمر كما في "اليوتيوب" إلى العثور على قبر أسفل أحد أبنية أمن الدولة به هياكل عظمية، لأناس ماتوا لا يعرفهم البشر، ولا ندري كيف ماتوا وبأي ذنب قتلوا، ولكن الله سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
في خضم هذه الأحداث يحمل المرء الهم أكثر وأكثر ويتساءل بعمق ما هي تداعيات "ثورة 25 يناير" على المتدينين في مصر باختلاف مشاربهم ومنطلقاتهم الفكرية؟.
سؤال تبسطه الأكثرية من المتدينين بأنهم غاية في التفاؤل مما هو قادم، فانقشاع الظلم من أعظم المكاسب، والتفاؤل بذلك يطغي عند البعض على أية محاذير أو تفكيرات مستقبلية معقدة. لا نختلف على مكسب انقشاع الظلم، والاستبشار ببزوغ فجر جديد من الحرية والعدل، لكن واقع مصر، وواقع المتدينين فيها، وموقع مصر الجغرافي والاستراتيجي، والأحداث والتحركات العالمية المتربصة بالعالم الإسلامي وبمصر، والتركيبة المموجة لبعض الأجنحة التي علا صوتها في أوساط شباب المتظاهرين، ومحاولتها لبرلة وعلمنة مستقبل الخطاب والمشهد السياسي والاجتماعي في مصر، كل ذلك يثقل من المهمة المستقبلية للمتدينين داخل المجتمع المصري. وعلى ذلك دعونا الآن نناقش تداعيات ثورة 25 يناير على المتدينين في مصر بمكتسباتها وتحدياتها.
أولاً.... مكتسبات ثورة 25 يناير للمتدينين
1) انقشاع غمة فزاعة وترهيب أمن الدولة.
كم عانى المتدينون في مصر من جهاز أمن الدولة، والجميع يعلم حجم الاعتقالات، والأبرياء خلف الأسوار، والتعذيب الشنيع المدمر والمعاملات المرة داخل السجون والمعتقلات. وانقشاع هذه الغمة وهذا البلاء، من شأنه أن يكسر حاجز الخوف عند كثير بل غالب المتدينين في مصر، فيتنفسون أولاً الصعداء، ويذهب الخوف والروع من نفوسهم، فيتحرك المرء في المجتمع بهويته التدينية دون خوف من توقيف أو اعتقال مفاجئ، ويبيت المرء آمن في سربه لا يتوقع أن يزوره زوار الفجر ويكسرون باب بيته، دون إذن أو مراعاة للحرمات وكثير من البلاء المحزن الذي نسأل الله ألا يعود ثانية إلى مصر.
ولنقيس على ذلك فزاعة الخوف في كافة التحركات والسكنات في كافة مرافق مصر وشوارعها، حتى في المساجد، بل وغرف الإنعاش يكفي أن بعض الشباب المتدين حاولوا الذهاب إلى المستشفيات ليذكروا المرضى أصحاب الحالات الحرجة بالله ويعاونوهم على التوبة ورد المظالم، فكان مصير هؤلاء الشباب المتدين هو الاعتقال لسنوات، والقصص الأليمة كثيرة، ولله الأمر من قبل ومن بعد. من هنا كان انقشاع هذه الغمة وضياع مهابة الزبانية عقاب من الله للظالمين والمتكبرين.
وفي ذات الوقت فهي نعمة في حد ذاتها يمنها الله على المصريين وأحسب أنها اختبار إن نجحنا وتجاوزناه بمراد الله فيه دامت النعمة، وإن فشلنا أسأل الله ألا نؤخذ بفشلنا ويكون القادم مؤلم.
2) انفتاح ميدان الدعوة بصورة أوسع.
حال الدعوة في مصر ولله الحمد كان أفضل بكثير من دول عربية أخرى، يعاني الدعاة والمتدينين فيها أشد المعاناة، لكن المجتمع المصري الآن على الأقل في المرحلة الراهنة أصبح أكثر انفتاحاً، ومعرقلات الدعوة المتمثلة في الفزاعة الأمنية، القامعة للتدين تعتبر في أضعف حالاتها حالياً، ومن ثم فالرهبة السابقة عند المواطن العادي من اقترابه أو اقتراب أحد أفراد أسرته من حلقة التدين أصبحت لا مبرر لها.
والأهمية في هذه الجزئية أن هذه الرهبة الأمنية كانت تحول بين المواطن العادي، والاحتكاك المباشر بالخطاب الدعوي وتطبيقاته العملية في حياة المسلم. كما أن الدور الكبير الذي لعبه كثير من المتدينين بما فيهم الدعاة والعلماء بمعظم مشاربهم في تغذية ثورة الشباب أو مباركاتها، يجعل المجتمع المصري أكثر شوقاً لسماع الخطاب التديني بمزيد من الاهتمام، ويكون شغفاً للتعرف على واقع التدين مع السياسة، وتنظيم الإسلام لشئون العباد والبلاد.
هذا فضلاً عن سماح المرحلة القادمة لانتشار مظاهر التدين بحرية أكثر نسبياً، وعليه فمن المتوقع أن يكون هناك بإذن الله إقبال المجتمع المصري بصورة أكثر على مظاهر التدين وممارسة الشعائر التعبدية وحضور الدروس العلمية بمزيد من الحرية. كما نتوقع بإذن الله أن تنعدم الرهبة من التعاطي مع خطاب التدين في كافة المنابر الدعوية، وحلقات الدرس والبحث في المساجد والمدارس والجامعات والمراكز البحثية، وكذلك الخطاب الإعلامي في الوسائل الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية. وكل هذا بدوره سيصب بإذن الله في خدمة الدعوة الإسلامية، وانتشارها في المجتمع المصري، ومن ثم ارتفاع مؤشر التدين داخل المجتمع بصورة أعلى مما كانت عليه قبل ذلك
3) انتفاء الفساد والنهضة الاقتصادية المأمولة.
من أهم مكتسبات ثورة شباب "25 يناير" محاربة الفساد المالي والاقتصادي في المجتمع المصري، ومن ثم وجود بصيص أمل لعدالة توزيع الثروة، والاستثمار الاقتصادي والزراعي الآمن في المجتمع المصري والخالي من كافة المعيقات السابقة، كالرشاوى، والمصادرة، والسطو على المشروعات الناجحة، وطرد الكفاءات لصالح التفاهات والشهوات، وكل ذلك من شأنه صناعة مناخ عملي تقني ومهني مأمول منه بإذن الله أن يرتفع معه المستوى الاقتصادي للشعب المصري، وحدوث نوع من الاستقرار النفسي والمالي للمجتمع. وبهذا يهدأ بال المواطن المصري عن التفكير في الأزمات المالية اليومية، وسيكون المتدين بإذن الله أكثر استقراراً في ظل هذا المناخ المهني العادل المنشود فيبدع المتدين وينتج ويتطور، ونحسب أن يهذب له تدينه هذا التطور فيصب في مصلحة الإسلام وقوة المسلمين وعزتهم. وكل ذلك من شأنه توفير بيئة خصبة للاهتمام بعقيدة المرء وآخرته، وشريعته وقوة أمته، ومن ثم اقترابه أكثر من الله.
لكن يخشى مع هذه النهضة المالية والاقتصادية المأمولة أن تصاحب بضعف أو تقصير في المناخ الدعوي أو التديني، فيكون بلاء الغني أشد وأهلك من بلاء الفقر.
4) الاهتمام بالبحث العلمي
كثيرة هي الكفاءات العلمية والمهنية في أوساط المتدينين والذين قد يكونوا أبعدوا عن الساحة العلمية والمهنية بسبب تدينهم، وتوافر العدالة في المجتمع المصري والمصاحب بالاهتمام بالبحث العلمي، من شأنه استثارة طاقات وإبداعات الشباب المصري، الأمر الذي يتوقع معه قلة عمليات تقل معه سرقة العقول الوطنية المفكرة وهروبها للخارج. وبالتالي حدوث نهضة علمية للدولة، نهضة نأمل أن تكون مصحوبة برؤية متدينة ومناخ دعوي يحاول ربط العلماء بالله، وربط البحوث والنتائج العلمية والعملية بآيات الله، وكل ذلك من شأنه حدوث علمية ملفتة لمصر، وإذا نهضت مصر علمياً وفق توجيه تديني يضبط مسار تلك النهضة فسيكون حال الأمة الإسلامية بإذن الله أفضل بكثير.
ثانياً.....التحديات التي عظمتها ثورة 25 يناير للمتدينين.
1. اتحاد صف المتدينين
تعد نقطة اتحاد المتدينين من أهم النقاط التي ستواجه المتدينين في مصر في المرحلة المقبلة ومن أعظم التحديات التي فرضتها ثورة شباب 25 يناير.
ومن ثم فالمرحلة الجديدة التي ستمر بها مصر تستلزم معالجة كثير من الخلافات بين المتدينين داخل المجتمع المصري، لأن فقه هذه المرحلة -فضلاً عن كل مرحلة- يستلزم وحدة الصف المتدين. فالمرحلة القادمة تحدياتها كثيرة على المستويين الداخلي والخارجي، وسيكون من المضعف جداً انتشار الخلافات في أوساط المتدينين، ولذا أقترح أن تشكل لجنة شرعية من كبار علماء مصر الشرعيين تحاول تقريب وجهات النظر بين قادة التدين في مصر، مع تقزيم الخلافات بأقصى قدر ممكن، حتى يكون خطاب المتدينين وقادتهم في المجتمع ذو فاعلية تكليفية مثمرة، توجه سفينة البلاد نحو الوجهة الربانية التي ترضي رب العباد
2. تطوير ذات المتدين لمزيد من الاندماج الدعوي في المجتمع
المرحلة التالية في مصر ستشهد بإذن الله ميداناً دعوياً مفتوحاً، وهذه المرحلة تستدعي تطوير ذات المتدين من أجل التمكن من الدعوة واكتساب مزيد من آليات الدعوة في أوساط من الشعب المصري وبخاصة الشباب غير المتدين. فقد كانت المرحلة الماضية تحول دون التحرك الدعوي المريح في أوساط هذه الفئات، ويمكن في هذا الصدد فتح قنوات دعوية شرعية متعددة، تتواجد في كافة قطاعات الدولة ومجالاتها التعليمية، الإعلامية، الخيرية، الاجتماعية، السياسية، الاقتصادية، البحثية، والثقافية. وذلك بالتنسيق والتعاون بين المتدينين وكافة مؤسسات الدولة.
أعلم أن الخيال الحالي للبعض قد يكون مجمداً ببرودة المرحلة السابقة ولا يتخيل مثل هذه التحولات، لكنه الواقع فعلياً فالجميع في الثورة طالب بهذا الانفتاح وقد تحقق كثير منه فعلياً، فلماذا لا يكون المتدين المصري في مقدمة هذا الانفتاح، وقد ظلم وحرم منه عقوداً كثيرة؟ .
3. التحديات الدولية في ظل صراع الغرب مع الإسلام
الدارس والمستقرأ للمخططات الدولية التي تهدف محاربة الإسلام بصفة عامة، والمتدينين بصفة خاصة، يجعل الحذر يبلغ مداه من آليات تفكير الغرب مع حالة المتدينين في مصر بعد ثورة "شباب 25 يناير"، فالمرحلة القادمة ستكون مفتوحة وكافة الاحتمالات فيها واردة، وبالتالي لابد أن يصاحب ذلك مزيد من اليقظة من قبل المتدينين في مصر ومحاولة استقراء ما سيقدم عليه أعداء الإسلام، واستراتيجياتهم الجديدة في ظل التحولات بالمنطقة، ومن ثم الاستعداد للتحولات الغربية مع تحصين المجتمع المصري ومتدينيه من مكر الأعداء، وحيلهم العدائية، وتعبئتهم عقدياً لكافة الخيارات المحتملة.
4. ورقة النصارى في مصر
بلا شك فإن انهيار المرحلة السابقة بهذه الصورة أحدث ارتباكاً وضعفاً شديداً وواضحاً في أوراق عصبة داخل الكنيسة المصرية كثيراً ما أحدثت توترات عنيفة في المجتمع المصري في السنوات الأخيرة، وتحامت على طول الخط بالضغوطات الأمريكية، وبالقبضة الأمنية تحت ذريعة أكذوبة الفتنة الطائفية. والتعامل مع هذه الورقة يحتاج لكثير من الحذر والانتباه، لكن بأي حال من الأحوال فإن من سيريد إعلان إسلامه الآن من نصارى مصر من الذين يخفون إسلامهم أو يرغبون في الدخول في الإسلام لن يجد بعد الآن تلك المخاطر والتهديدات التي كانت تواجهه بها الكنيسة من قبل، فطوفان الحرية أكبر من طموحات رعاة الكنيسة المصرية.
ومن هنا فإن دور العلماء والمتدينين في احتضان هؤلاء المهتدين وتوفير الحماية لهم، يتعاظم كثيراً، ويتعاظم معه كذلك تمهيد الطريق الدعوي لمزيد من المهتدين ليتنفسوا عبير الإسلام وينعموا بلذة عبادة الواحد الغفار.
5. ورقة الشيعة
المرحلة السابقة كانت تتميز بأنها ذات خصومة سياسية واضحة مع الكيان الفارسي، انعكست هذه الخصومة السياسية على البعد العقدي في المسألة الإيرانية ومن ثم المسألة الشيعية برمتها، فحفظت مصر من ظهور أية خلايا شيعية داخل المجتمع المصري، ومن ثم كانت مصر في آمان نسبي من هذه الناحية، وعلى الرغم من أن الجيش وأجهزته الاستخباراتية، لم يهتزا بسقوط القائد الأعلى للنظام وبعض أركانه الفاسدة الأمر الذي يبشر باستمرار نفس السياسة الحازمة مع محاولات التغلغل الفارسية والشيعية في المجتمع المصري. فإن التوترات التي تشهدها مصر حالياً، ستسمح لبعض المرتزقة بالتبشير الداخلي للفكر الشيعي الأمر الذي سيعظم معه دور المتدينين في مصر لتعقب بؤر هؤلاء المرتزقة، ومنع محاولات إنبات مثل هذا الفكر الضال في المجتمع المصري السني الحصين.
6. ورقة العلمانيين والليبراليين والآكلين على موائد الغرب ممن شاركوا في الثورة.
كما أشرنا من قبل فإن ثورة "شباب 25 يناير" كانت مسرحاً لكافة الأجنحة والمشارب والتوجهات، وقد لعب العلمانيون والليبراليون والآكلين على موائد الغرب دوراً تصعيدياً بارزاً في هذه الثورة، ومنطقي أن يحاول هؤلاء جني ثمار الثورة، وقد بدأت مطالبهم الحقيقية بالدعوة للمدنية المطلقة، عدم قيام الأحزاب على أسس دينية، وتعديل المادة الثانية من الدستور المصري المعطل حالياً -وفقاً لطبيعة المرحلة العسكرية الراهنة وأحكامها العرفية-، والتي تنص على أن الإسلام دين الدولة والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي من مصادر التشريع. من هنا وفي ضوء هذا التحدي المتوقع تصعيده وعلو صوته مستقبلاً فإن المتدينين سيكونون على موعد مع معركة فكرية من نوع خاص مع هؤلاء التغريبيين. مع ضرورة التشديد في هذا الصدد إلى أن بعض أصحاب التوجهات الليبرالية والعلمانية قد خسروا كثيراً بانطواء المرحلة السابقة، لكن يبقى أن التحذير والتحدي هو ممن يرون في أنفسهم من العلمانيين أنهم كانوا سبباً في إقصاء المرحلة السابقة.
7. تحدي الدور السياسي الجديد للمتدينين
المرحلة الجديدة التي ستقبل عليها مصر يتوقع لها الكثيرون أن تكون ذات زخم سياسي غير عادي، ولما كان المتدينون في مصر أصحاب ثقل بشري ومهني، ومكانة اجتماعية نافذة مصحوبة بتوقير وتقدير شعبي، تعاظم التوقير لدى فئات كثيرة من الشعب بعد ثورة شباب 25 يناير، حيث لعب كثير من الدعاة وعلماء الأزهر والمتدينين باختلاف مشاربهم، دوراً بارزاً في تأييد ثورة شباب 25 يناير.
فإن هذا الثقل وتلك المكانة المجتمعية ستجد نفسها مضطرة ومدفوعة شعبياً للدخول إلى الحلبة السياسية، سواء من خلال الأحزاب أو البرلمان، أو تكوين ثقل انتخابي يؤثر في الاستفتاءات على الدستور، أو على مسار رئيس الدولة الجديد. وبالتالي فإن انسحاب بعض المتدينين خاصة من أيدوا الثورة من المشهد السياسي قد يكون محل نظر، وهنا نعود إلى النقطة الأولى والخاصة بأهمية اتحاد المتدينين، وبحث كافة الإشكالات الشرعية المتعلقة بالممارسات السياسية ومن ثم الوصول إلى أقرب النقاط التوافقية والتي بها يتم الاستثمار الأمثل لثقل المتدينين في مصر بما يحقق مراد الله سبحانه وتعالي على أرض مصر.
وفي الختام أود التأكيد على أن قضية الدور المستقبلي للمتدينين في مصر في ظل تداعيات ثورة "25 شباب يناير" بحاجة إلى جهود علماء الأمة الثقات، لرسم معالمه. كما أنها بحاجة إلى العديد من الدراسات البحثية الشرعية، العلمية، السياسية، الدولية، الاجتماعية، الاقتصادية، والإعلامية لتكوين رؤية واضحة المعالم يستنير بها المتدينون في المرحلة المقبلة التي نسأل الله أن تتحقق فيها العبودية لله على أرض مصر في كافة القطاعات، ولدى الحاكم والمحكوم.
قبسات من أنوار وأقلام العلماء والكتاب قبسات أون لاين حيث الإعلام الهادف قبسات أون لاين
6:14 م
مقالات متنوعة
.