مخطط إجهاض الثورات في العالم العربى
خالد مصطفى
ما إن نجحت الثورة في مصر وتونس في إسقاط حكم حسني مبارك وزين العابدين بن علي وفريق من حاشيتهما حتى بدأت المخططات تُحاك من الداخل والخارج؛ لكي تخرج الثورتين عن أهدافهما وطبيعتهما؛ في محاولة لترتيب نظام جديد يبدأ مستأنسًا، ثم يتحول إلى وحش يفترس الشعب كما فعل سابقه..
لقد بدأت ثورة الجيش في مصر عام 1952م بأهداف نبيلة وأنهت الاحتلال البريطاني وأعلنت عن بناء جيش قوي للدفاع عن البلاد، ووضعت خططًا لإصلاح التعليم والصحة وإقامة نهضة اقتصادية عن طريق بناء عشرات المصانع، ووعدت بإصلاحات سياسية تقوم على أسس "ديمقراطية"، وتمكنت بالفعل من تحقيق بعض هذه الأهداف، ولكنها سقطت في هاوية تأليه الفرد وتقريب المنتفعين, وتحول الإقطاع الذي حاربته الثورة إلى مجموعة من الضباط وحاشيتهم الذي استغلوا نفوذهم في تحقيق ثروات كبيرة, وبدأ حَمَلة المباخر بتزيين الحكم الفردي والترويج لنظرية "الدكتاتور العادل"، حتى انتفخ عبد الناصر وحوّل البلد إلى سجن كبير، وانتهك أبسط مبادئ حقوق الإنسان، وخاصم الهوية الإسلامية للشعب، وقرّب مجموعة من علماء السوء زيفوا له باطله, وانتشرت مراكز القوى، وتبددت ثروات البلاد على أحلام العظمة الزائفة, وهو ما حدث أيضًا في الجزائر وتونس.
وها نحن نرى الآن أحلام الثوار وقد بلغت عنان السماء مطالبين بالعدل والحرية ومحاسبة الفاسدين والقتلة الذين وجهوا رصاصهم إلى صدور الشباب الأعزل، ولكننا نرى المحاولات تحاك ضدهم لتثبيطهم وتفريقهم والسطو على ثورتهم وتضحيتهم، ليس من قبل السياسيين فقط ولكن الإعلاميين أيضًا الذين عاشوا في أحضان الأنظمة الاستبدادية وتغزلوا في "أفكارهم البراقة"، وسوّدوا آلاف الصفحات تمجيدًا في "نظرياتهم السديدة"، و"آرائهم النافذة" التي أورثت الأمة الذل والعار والفقر..
الآن يخرجون على قرَّائهم ومستمعيهم للإشادة بالثورة وشبابها الفذ الذي غيَّر التاريخ بعد أن كالوا له الاتهامات بالعمالة والعمل لصالح الخارج، وأنهم "قلة مارقة أعمتها الأحقاد", لقد حاول وزير الإعلام المصري السابق أن يتبرأ من جريمته في حق الشعب على الهواء ببجاحة منقطعة النظير, مدعيًا "أنه حمى البلاد من انقلاب كان يخطط لإلقاء بيانه الأول من مبنى التليفزيون, وأنه طالما قابل الشباب واستمع لمشاكلهم", ناهيك في ذلك عن أعضاء الأحزاب الحاكمة السابقة الذين ربحوا الملايين من استغلال نفوذهم, وهم يفرون لتكوين أحزاب تتناسب مع العصر الجديد، وتدعو "إلى الحرية والديمقراطية وتحقيق أحلام الشباب".
في مصر الآن كما في تونس هناك فلول الأنظمة السابقة تتشبث بالبقاء في الضوء، وتلون جلدها تبعًا للمرحلة الجديدة، وما زال بعضهم يتبوأ أرفع المناصب رغمًا عن أنف الثورة, وكما هتف الشيخ القرضاوي في ميدان التحرير خلال جمعة النصر "مبارك ساب القصر.. وأعوانه لسه بيحكموا مصر".
كذلك نجد بعض المرجفين من العلمانيين وأقباط مصر وهم يوجهون سهامهم إلى أي توجُّه إسلامي قادم للبلاد، فبعضهم يريد إلغاء أي مواد في الدستور تشير إلى دين الأمة وثقافتها، والبعض ينتقد أي وجود لأحزاب إسلامية تسعى للوصول إلى السلطة، وهم في ذلك يجدون أكبر الدعم من جهات خارجية تريد إبعاد الأمة عن دينها؛ ليسهل استضعافها والسيطرة عليها وإخضاع حكامها وإفسادهم لتوجيه قراراتهم لمصلحتها.
وليس بعيدًا عن ذلك ما استمعنا إليه من تصريحات بعض المسئولين الغربيين الذين حذروا مما أسموه "سيطرة الرجعيين على مقاليد الحكم في البلاد العربية التي تشهد ثورات"، متجاهلين حق الشعوب في اختيار حكامها كما تفعل شعوبهم دون وصاية من أحد.
هناك صراع الآن تشهده تونس ومصر، وستشهده غيرهما من البلاد العربية التي في طور الثورة على أنظمتها حول المرحلة القادمة، وهو صراع حسم غير مرة لصالح الفاسدين والعملاء والتغريبيين, وهو ما ينبغي الحذر منه حتى لا تضيع أرواح الشهداء هباء.
قبسات من أنوار وأقلام العلماء والكتاب قبسات أون لاين حيث الإعلام الهادف قبسات أون لاين
6:04 م
مقالات متنوعة
.