الجزية في الإسلام - الدكتور راغب السرجاني
حقوق كثيرة كفلها الإسلام لغير المسلمين في الدولة الإسلامية، ولكن أليس في مقابل هذه الحقوق واجبات؟!
في هذه الحلقة الجديدة من درس الثلاثاء لفضيلة الدكتور راغب السرجاني نعيش مع واجب من واجبات غير المسلمين في الدولة الإسلامية، وهو واجب (الجزية)، وذلك بمسجد الرواس بالسيدة زينب 21 من يونيو 2011م.
أوضح فضيلته أن هناك من المستشرقين والكتَّاب من أخذ هذا الحق ووضعه في شكل شبهة أو يتهم به الإسلام والمسلمين، وتلقفها العديد من المستغربين من العلمانيين وغيرهم، ونقلوها على وسائل الإعلام ضمن حملاتهم في تشويه الإسلام. وهناك أيضًا من المستشرقين من أنصف وتكلم بحق، ووضع الأمور في مواضعها.
فما هي الجزية؟ وهل هي اتهام للمسلمين؟ وهل لو خرج مرشح للرئاسة في مصر وتكلم عن الحكم الإسلامي يتحرج من الحديث عن الجزية ويتهرب من الإجابة؟ أم هي شامةٌ كبيرة على جبين الأمة الإسلامية والتشريع الإسلامي والمسلمين الذين قبلوا أن يدفع المسلم أضعاف ما تدفع الأقلية من غير المسلمين؟
ذكر الدكتور راغب السرجاني أن الجزية من جزى يجزي، أي من أسدى لك معروفًا فجازيته به. فهي جزاء معروف معيَّن أُسدِي إليهم، فهم يدفعون جزاء هذا المعروف، إذ يدفعون جزءًا من المال. وهي مساوية لكلمة الضريبة، فهي ضريبة كأي ضريبة في العالم، يدفعها بعض اليهود والنصارى في الدولة الإسلامية.
وشدد فضيلته على كلمة (بعض اليهود والنصارى) وبيَّن أن 50 % من اليهود والنصارى لن يدفعوا، بل على الأقل قد لا يدفع أكثر من 75 %، وهذا يدل على منطلق الرفق والرحمة بالضعفاء، طالما أنهم ملتزمون بقوانين الدولة الإسلامية.
وتساءل الدكتور راغب السرجاني: هل هناك دولة في العالم ليس بها قانون ضرائب سواء في التاريخ أو الواقع بل والمستقبل؟
وأوضح فضيلته أن الضرائب شيء موجود في الدول مع اختلاف حجم هذه الضرائب، فهناك دول ترفع من قدرها، وهناك أخرى تخفض من قدرها، فكل دولة لديها نظام الضرائب. إذن فالأصل لا يختلف عليه أحد، والاختلاف في حجم الكمية للضرائب. وذكر فضيلته أن الدولة الرومانية كانت تفرض الضرائب على كل شيء في الدولة، بل على الميت، فلا يدفن الميت حتى تدفع ضريبة موته، حتى جاء الإسلام ورفع الظلم عن الناس.
وأوضح الدكتور راغب السرجاني أن دفع الجزية مقابل الدفاع عنه، فلا يلزم أبدًا في الدولة الإسلامية أن من يدفع الجزية يدافع عن الدولة، بل يُلزم المسلمون أن يدافعوا عنهم. وأوضح فضيلته أن غير المسلم لا يلزم المشاركة في القتال؛ لأن الجهاد في الإسلام قضايا دينية، فالجهاد هو ذروة سنام الإسلام، وإن فشل المسلم في الدفاع عن غير المسلم سقط عنه الجزية، وإن أخذها وجب على المسلم حمايته.
وذكر فضيلته قصة فتح المسلمين حمص وأخذهم الجزية من نصارى حمص على أن يحميهم المسلمون، ثم حدثت ملابسات في القتال بين المسلمين والروم، فانسحب المسلمون من حمص، ولم يعد هناك حماية من المسلمين لنصارى حمص، فجمع أبو عبيدة بن الجراح أموال الجزية مع حاجة المسلمين الشديدة لها، وردَّ الجزية لهم مرة أخرى؛ مما أذهل النصارى أنفسهم ودفعهم أن قالوا: "والله أنتم أقرب إلينا من إخواننا، أعادكم الله إلينا".
ولكن من يدفع الجزية؟ وما مقدارها؟
ذكر الدكتور راغب السرجاني أن من يدفع الجزية "كل رجل عاقل صحيح غير معتزل الحياة للعبادة"، وأما مقدارها فاليهود والنصارى لا يدفعون نسبة من رءوس أموالهم، كما هو في فريضة الزكاة على المسلمين، وإنما يدفعون رقمًا معلومًا محددًا يحدده الوالي؛ ففي مصر -مثلاً- عندما فتح المسلمون مصر أخذ عمرو بن العاص -رضي الله عنه- الجزية بمقدار دينارين على كل يهودي أو نصراني، وأقره عمر بن الخطاب، وسُنَّة عمر -رضي الله عنه- تشريع للمسلمين "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي".
وفي مكان آخر أخذ عمر بن الخطاب مقدارًا آخر طبقًا لمعيار الغنى والفقر، فهناك شديد الغنى وهناك متوسط الغنى وهناك قليل الغنى، ومع أن الثلاثة مستويات هذه من الأغنياء إلا أن عمر -رضي الله عنه- فرَّق بينهم في الجزية، فالأكثر يسارًا كان يأخذ منهم 48 درهمًا في السنة، والأقل 24 درهمًا في السنة، والأقل 12 درهمًا في السنة، والفقراء لا يدفعون.
فالجزية يدفعها أهل الغنى والمال، بغض النظر عن رأس المال. وتلك عظمة الإسلام والتشريع الإسلامي، وهو تشريع في قمة الرحمة والرفق.
وفي حسبة يسيرة حول مقدار ما يدفعه غير المسلمين في مقابل ما يدفعه المسلمون، يتبين عظمة هذا التشريع؛ فنسبة ما يدفعه المسلم 2.5 % من رأس ماله، وأما غير المسلم فله نسبة محددة. فلو طبقنا ما شرعه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يتبين أنه لو أن هناك مسلمًا يمتلك مائة ألف درهم وغير المسلم يمتلك نفس النسبة، نجد أن المسلم يدفع 2500 درهم زكاة، وغير المسلم يدفع 48 درهمًا جزية. وهكذا لو يمتلك المسلم مليون جنيه وغير المسلم مليون جنيه، نجد أن المسلم يدفع 25 ألف جنيهًا زكاة، وغير المسلم 48 جنيهًا جزية.. وهكذا.
وأشار الدكتور راغب السرجاني أن مقدار هذه الجزية في مقابل عقد ولاء وانتماء ومواطنة بين غير المسلمين والدولة الإسلامية. وأوضح فضيلته أن ما ذكره في المحاضرة عن قضية الجزية موجود في التشريع الإسلامي الذي فتح المسلمون به العالم كله، وأسقط به عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بلاد كسرى وقيصر وفتح الدنيا كلها، وأنه على فقهاء القانون الآن أن يوظفوا هذا التشريع في قانون الدولة الحديثة.
وذكر فضيلته أن حديثه عن قوانين غير المسلمين في الدولة الإسلامية ليست على قدر الحصر، بل نفتح -فقط- أبوابًا ونتكلم عن رءوس أقلام، فهناك تفصيلات كثيرة جدًّا تحتاج إلى دقة وشيء من التفصيل.
وبيَّن أن المنطلق لأحكام غير المسلمين في الدولة الإسلامية عدة أمور، أوَّلها الرفق في المعاملة، وهذا ليس فيه شيء من التكلف، فهذه طبيعة الشريعة الإسلامية أنها كلها رفق وعدل. وذكر فضيلته أن الرفق هو أصل أخلاقي لا تنازل عنه في الإسلام.
وبيَّن الدكتور راغب السرجاني أن المنطلق الثاني هو تكريم بني الإنسان بشكل عام، والمنطلق الثالث هو تأليف القلوب، والمنطلق الرابع هو الرحمة مع الأقليات. فهذه المنطلقات هي التي أفرزت هذا القانون الرفيق الرحيم بغير المسلمين.
كما تناول فضيلته الحديث عن حملة المليون توقيع لإسقاط الأحكام الظالمة عن الدكتور وجدي غنيم، وأوضح فضيلته أن الحكم على د. وجدي غنيم هو حكم فاسد ظالم، وبسقوط النظام الظالم الفاسد يسقط هذا الحكم. وطالب فضيلته برفع الحكم فورًا عن الشيخ وجدي غنيم؛ لما يحمل الشيخ وجدي غنيم من مكانة رفيعة بين المسلمين، ولما له من جهود كبيرة في نشر دعوة الإسلام من اليابان إلى أمريكا.
11:23 ص | تحت قسم | إقرأ المزيد
الدستور أولا .. معركة العلمانيين لتهديد الثورة
الفريق الأول: فريق يرى ضرورة الالتزام بخريطة الطريق التي حددها الاستفتاء الشعبي على التعديلات الدستورية، وهي تقتضي أن تجرى الانتخابات البرلمانية أولاً، ثم ينتخب نواب البرلمان من بينهم لجنة من مائة تستعين بمن تراه من أهل الخبرة من خارجها لوضع مشروع الدستور، ثم يطرح هذا المشروع للاستفتاء. وهذا الفريق يمثله الإسلاميون وبعض القوى الثورية وقطاع من المثقفين.
والفريق الثاني يضم غالبية التيارات العلمانية ومعهم الكنيسة، وهم يرون ضرورة وضع الدستور أولاً ثم الاستفتاء عليه، ثم تجرى الانتخابات البرلمانية بعد ذلك.
لبُّ القضية هو في أن القوى العلمانية تخشى (أو لنقل تعلم يقينًا) أن الإسلاميين (إخوانًا وسلفيين) هم التيار المقبول شعبيًّا، والذي من المنتظر أن يحصد الأغلبية البرلمانية، وبالتالي يكون مهيمنًا على وضع الدستور، فيضعه وفق مبادئ الشريعة الإسلامية، التي لا يحبها ولا يريدها العلمانيون ومعهم الكنيسة.
ومن هنا أطلقت هذه القوى دعوتها، التفافًا على الديمقراطية، واستعلاءً على المواطنين، وكان على هؤلاء الذين يدعون لـ"الدستور أولاً" احترام قواعد اللعبة الديمقراطية، وعدم تجاهل نتائج الاستفتاء الذي حصل على رأي الأغلبية.
ومن عجائب مطالب هذه القوى العلمانية المعلنة أنهم يريدون أن يضعوا "نصوصًا" فوق دستورية تمنع من قيام أي حزب أو جماعة بفرض تفسيرها للمرجعية الإسلامية، بصورة تتجاوز قواعد المواطنة والمساواة والديمقراطية؛ لذا فإنهم يريدون تحصين المواد المتعلقة بالحقوق والحريات الأساسية ضد أي محاولة لتعديلها في المستقبل.
مبرر هؤلاء أنهم يخافون من تيار أو حزب إسلامي متشدد، لكن واقعهم يؤكد أن مخاوفهم تشمل كل التيار الإسلامي بكل أحزابه وجماعاته؛ أي أنهم يعتقدون أن حزبًا إسلاميًّا ما، سوف يكشف عن وجه متشدد في المستقبل، وسوف يحظى بتأييد شعبي واسع يمكّنه من الحصول على ثلثي مقاعد مجلس الشعب، ليطلب تعديل الدستور، أو تغييره كله، وأنه سوف ينجح في تحقيق الأغلبية اللازمة لتعديل الدستور، وسوف يحظى بتأييد شعبي واسع على التعديلات التي خطط لها.
مشكلة العلمانيين أنهم مرعوبون من الإسلاميين، وفي الوقت نفسه لا يثقون في أنفسهم وفي قدراتهم وفي شعبيتهم، وهم يخافون تمامًا من الشارع ومن الاحتكام إليه؛ لإدراكهم أنهم منفصلون عنه ولا يمثلونه، وأنه لا يتفاعل معهم ولا يحبهم ولا يريدهم؛ ولذلك فإنهم يريدون منع الإسلاميين من حقهم الطبيعي في الحصول على حقوقهم السياسية التي يكفلها لهم تعبيرهم عن الشارع. ولذلك فإنهم يعملون بكل ما يستطيعون للحيلولة دون أن يأخذ الإسلاميون حقوقهم، فيسعون إلى وضع قيود دستورية تمنع أغلبية الشعب من تعديل الدستور.
القوى العلمانية تريد أن تتحايل لكي يكون صندوق الانتخاب ليس هو القاعدة، ولكي تكون الأغلبية ليست صاحبة القرار؛ حتى لا تتمكن من تعديل الدستور.
القوى العلمانية التي تنادي بأن يكون الدستور أولاً لا تثق في المجتمع المصري، وتفترض أن هذا المجتمع متطرف ومؤيد للمتطرفين، ولا تعترف بأن هذا المجتمع الذي صنع ثورة 25 يناير العظيمة مجتمع حي وواعٍ ومعتدل. والتناقض هنا في أن العلمانيين دائمًا يرددون أن المجتمع المصري يخشى من الإسلاميين ولا يحبهم ولا يريدهم.. هذا في العلن وأمام الإعلام، أما في مكنون أنفسهم فإنهم على يقينٍ من أن الإسلاميين يحظون بدعم شعبي هائل.
وهكذا فإننا نجد أنفسنا أمام موقف علماني مؤسف يفترض أن الشعب المصري متطرف يحب المتطرفين ويؤيدهم؛ ولذلك فلا بد من وضع الدستور أولاً، وكذلك وضع مواد "فوق دستورية" غير قابلة للتعديل، ومعنى ذلك أن المجتمع المصري غير مؤتمن على الدستور الجديد، وعلى التحول الديمقراطي، وأن هذا التحول إلى الحرية والعدالة لن يكون إلا بأيدي العلمانيين فقط.
بعض الاتجاهات الإسلامية والوطنية، في محاولة لاحتواء الجدل الذي من شأنه أن يهدد وحدة المجتمع المصري بعد الثورة، عقدت لقاءً بهدف الوصول لصياغة رؤية وسطية تجمع كافة القوى السياسية وتنهي الجدل القائم، واتفقت على احترام الشرعية الديمقراطية والالتزام بإجراء الانتخابات أولاً، ثم تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع دستور البلاد الجديد، ولكن مع إرجاء ميعاد الانتخابات البرلمانية نظرًا للظروف الأمنية مع إعطاء جميع الأحزاب والمرشحين المستقلين فرصة حقيقية للتفاعل مع تعديلات قانون الانتخابات والاستعداد للانتخابات وفقًا للنظام الجديد.
وحرصًا على تمثيل كافة طوائف الشعب بالجمعية التأسيسية لوضع الدستور ولحل أزمة غياب التوازن بالبرلمان القادم ومن ثَمَّ الجمعية التأسيسية، رأت هذه الاتجاهات أن الحل يتمثل في الاجتهاد الجماعي لتحديد معايير رشيدة وموضوعية لاختيار أعضاء الجمعية التأسيسية على نحو يضمن تمثيل كافة القوى السياسية والمجتمعية، ويضمن حضورًا متوازنًا للمواطنين المصريين بغير تمييز بسبب الدين أو الجنس.
كما شددت هذه الاتجاهات الوطنية والإسلامية على توحد القوى السياسية حول مجموعة من المبادئ الدستورية الأساسية، تضمن احترام كرامة وحريات المواطنين وحقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية الأساسية ومدنية الدولة الملتزمة بسيادة القانون والديمقراطية ومواطنة الحقوق المتساوية وتداول السلطة، بحيث تشكل إطارًا أخلاقيًّا وفلسفيًّا وسياسيًّا لوضع الدستور الجديد من قبل الجمعية التأسيسية، واستنادًا إليها تتأسس قواعد اللعبة السياسية إلى حين الانتهاء من وضع الدستور بعد توافق وطني.
إلا أن القوى العلمانية تصر على موقفها بضرورة وضع الدستور أولاً، مستقوية بالرأي الشخصي الذي أعلنه د. عصام شرف رئيس الوزراء ونائبه د. يحيي الجمل بأنهما يؤيدان (بصفة شخصية) وضع الدستور أولاً. لكن القوى الإسلامية والوطنية التي تتمسك بشرعية الاستفتاء اعتبرت أن رئيس الوزراء ونائبه ينحازان إلى "أقلية"، متجاهلين رأي الأغلبية التي صوتت بـ"نعم" في الاستفتاء الدستوري، معتبرين الانقضاض على الشرعية انقضاضًا على أول عُرس ديمقراطي تشهده مصر بعد الثورة. كما تعتبر القوى السياسية والوطنية أن النُّخب العلمانية تُريد أن تحكم من خلال الصوت العالي في الإعلام، وتمارس تأثيرها دون تفويض شعبي.
ولو كانت القوى العلمانية مخلصة في دعاواها لأعلنت أنها تريد تحقيق إجماع وطني على مجموعة من المبادئ، منها ضرورة الاتفاق على عدد من المبادئ والضمانات الرئيسية التي تحمي المواطن وتحمي حقوقه الأساسية بين التيارات السياسية المختلفة، بحيث يكون هناك قدر من التوافق العام في المجتمع حول فلسفة الدستور القادم، فتعمل الجمعية التأسيسية في إطار من المرجعية الفكرية التي تعبر عن وجدان وقناعات الشعب المصري وما يحقق مصالحه.
ولو كانت القوى العلمانية مخلصة في دعاواها لأعلنت أنها تريد أن يتمسك المصريون جميعًا بأن تكون الجمعية التأسيسية -سواء تشكلت بإرادة مجلس الشعب، أم بإرادة الشعب مباشرة، أم بقرار من المجلس العسكري- معبرة عن كل القوى السياسية والاجتماعية في المجتمع وجميع المصالح والطوائف والأقاليم والتخصصات.
لكن العلمانيين لا يريدون ذلك، إنهم يريدون شيئًا واحدًا هو إبعاد التيار السياسي الرئيسي (التيار الإسلامي) من أن يأخذ حقه القانوني ويمثل الشعب ويسعى إلى وضع دستور متوازن يعبر عن المصريين جميعًا. ونسي هؤلاء أن الإسلاميين أكثر ديمقراطية من العلمانيين الذين طالما انحازوا للقوى الخارجية ضد الوطن ومصالحه.
ولهؤلاء العلمانيين نهدي ما كتبه مؤخرًا بوبي جوش بمجلة تايم الأمريكية الذي قارن بين وضع الإسلاميين في العراق عقب سقوط صدام حسين ومرحلة ما بعد مبارك، وقال: إنه مع سقوط صدام حسين اندهش الكثير من المحللين الغربيين من سهولة إنشاء القوى الدينية نظامًا سياسيًّا تعدديًّا، بعكس الأحزاب العلمانية التي عاش قادتها في الديمقراطيات الغربية لعقود، بينما أقام الإسلاميون في بلدان مثل سوريا وإيران. وقال جوش: إن نفس الشيء يصدق على مصر، فعلى الرغم من ظهور ما لا يعد ولا يحصى من الحركات السياسية العلمانية والليبرالية واليسارية، فإن "الإخوان المسلمين" وحدهم هم من قرأ بوضوح مرحلة ما بعد مبارك، وأنهم وضعوا القوى العلمانية في مأزق عقب تأييد الإسلاميين للتعديلات الدستورية، التي فازت بأكثر من 77% من الأصوات الشعبية، وهذا الخيار وضع الليبراليين في موقف معادٍ للديمقراطية.
محاولات العلمانيين للانقضاض على نتائج الاستفتاء الشعبي على التعديلات الدستورية لا تنتهي، فدشنوا حملة لجمع 15 مليون توقيع لرفعها للمجلس الأعلى للقوات المسلحة لتأييد خيار الدستور أولاً، ومبرر الـ 15 مليون توقيع هو أن تكون أكبر من الـ 14 مليون الذين صوتوا لصالح التعديلات الدستورية. وهي محاولة بائسة ويائسة؛ لأنه لا شرعية ولا قانونية لتوقيعات لا نعرف عنها شيئًا ولا عمَّن وقعها أو أشرف عليها وإن كانت مزورة أو صحيحة، ولا يمكن لها أن تكون ملغية لاستفتاء شعبي دستوري وقانوني تم تحت إشراف مؤسسات الدولة بشفافية كاملة.
وضمن المحاولات العلمانية أيضًا للالتفاف على نتائج التعديلات الدستورية، المطالبة باللجوء إلى مجلس الدولة من أجل النظر في جواز الالتزام بنتائج الاستفتاء الدستوري واحترام إرادة الشعب، أم يمكن لنا تجاهل ذلك كله. لكن المستشار الدكتور محمد عطية، النائب الأول لرئيس مجلس الدولة ورئيس الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع، قطع الطريق على هذه المحاولات بتأكيده أنه لا محل لتقديم أي طلب للمجلس يخالف الشرعية وسيادة القانون اللتين أقرهما الاستفتاء الشعبي على التعديلات الدستورية في 19 مارس الماضي، وما يقال عن تقديم طلب لوضع "الدستور أولاً" هو مخالف للشرعية التي أقرتها أحكام المادة 60 من الإعلان الدستوري، والتي تنص على أنه "يجتمع الأعضاء غير المعينين لأول مجلس شعب وشورى في اجتماع مشترك بدعوة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة خلال 6 أشهر من انتخابهم لانتخاب جمعية تأسيسية من 100 عضو تتولى إعداد مشروع دستور جديد للبلاد في موعد غايته ستة أشهر من تاريخ تشكيله".
إنهم يريدون التخييل على الناس بالحديث عن أنهم خمسة وثلاثون حزبًا وائتلافًا سياسيًّا، والحقيقة أنهم مجموعات صغيرة ولا يملكون أي وجود قانوني أو شرعي أو شعبي.
وأخيرًا، فإن هؤلاء الذين يطالبون بالانقلاب على نتيجة التعديلات الدستورية هم الذين كانوا أقوى المؤيدين لنظام مبارك قبل أن يركبوا موجة الثورة ويتحدثوا باسمها، وهم نفس الأسماء التي طالبت الناس بالانصراف من ميدان التحرير إلى بيوتهم؛ لأن الرئيس البائد قد وعد بالإصلاحات
11:16 ص | تحت قسم قضايا معاصرة, مقالات متنوعة | إقرأ المزيد
مصر: القضاء الإداري يقرر حل المجالس المحلية
11:13 ص | تحت قسم أخبار | إقرأ المزيد
فضل شهر شعبان
اللّهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه ..
أما بعد أوصيكم ونفسي بتقوى الله..
اتقوا الله عباد الله .. اتقوا الله حق التقوى فإنَّ بتقوى الله تتنزل البركات وتعم الرحمات ..
عباد الله ..
امتدح الله تعالى في كتابه شهر رمضان بقوله : {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْآَنُ}[البقرة:185] .. وبيَّن أنَّ فيه ليلة القدر وهي خير من ألف شهر، فاهتمَّ المسلمون بهذا الشهر العظيم واجتهدوا فيه بالعبادة من صلاة، وصيام، وصدقات، وعمرة إلى بيت الله الحرام وغير ذلك من أعمال البر والصلاح ..
ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم انتباه النّاس إلى شهر رجب في الجاهلية، وتعظيمه وتفضيله على بقية أشهر السنة ورأى المسلمين حريصين على تعظيم شهر القرآن أراد أن يبين لهم فضيلة بقية الأشهر والأيام ..
عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله لم أرك تصوم شهر من الشهور ما تصوم في شعبان، فقال صلى الله عليه وسلم : «ذلك شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله تعالى فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم» ..
وسؤال أسامة رضي الله عنه يدل على مدى اهتمام الصحابة الكرام وتمسكهم بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ..
وبالفعل كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان إلاّ قليلاً كما أخبرت عنه عائشة رضي الله عنها في الحديث المتفق على صحته ..
ولا بدَّ من وجود أمر هام وراء هذا التخصيص من الصيام في مثل هذا الشهر وهذا ما نبَّه عليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : «إنّه شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله تعالى» .
فإذاً أعمال العباد ترفع في هذا الشهر من كل عام، وتعرض الأعمال يوم الإثنين والخميس من كل أسبوع فأحب النبي صلى الله عليه وسلم أن ترفع أعماله إلى ربّ العالمين وهو صائم لأنَّ الصيام من الصبر وهو يقول: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:10]
فشهر شعبان شهر عظيم عظمَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم فحري بنا أن نعظمه وأن يكثر من العبادة والاستغفار فيه تماماً كما جاء وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك .
في هذا الشهر ليلة عظيمة أيضاً هي ليلة النصف من شعبان عظَّم النبي صلى الله عليه وسلم شأنها في قوله : «يطّلع الله تبارك وتعالى إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلاَّ لمشرك أو مشاحن» ..
فمن دعا غير الله تعالى فقد أشرك، ومن سأل غير الله فقد أشرك، ومن زار قبر النبي صلى الله عليه وسلم وسأله قضاء الحاجات فقد أشرك، ومن ذبح لغير الله فقد أشرك، ومن قرأ المولد عند قبر الحسين أو المرغلي أو سيدتهم زينب أو الشعراني أو ابن العربي أو أبو عبيدة أو إلى غير ذلك من الأضرحة فمن فعل ذلك وسألهم الحاجات فقد كفر وأشرك، ومن حكَّم غير شرع الله وارتضى ذلك فقد أشرك ..
والمشرك لا يطّلع الله عليه ولا يغفر له الذنوب..
وكذلك من كانت بينهما شحناء وعداوة لا يغفر الله لهما حتى يصطلحا ..
سبحان الله يستصغر النّاس مثل هذه الأمور .. يستصغر النّاس مثل هذه الأمور .. لذلك ترى اليوم في مجتمعنا ظهور هذه الصفات الذميمة بين أفراده.. وخصوصاً الذي يعمرون المساجد يبغض بعضهم لمجرد أمر حقير لا يستحق أن يذكر.
وإنّي لأذكرهم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم هذا .. والمطلوب منهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا ..
وليكن الذين هم على شحناء وعداوه على علم ودراية بخطورة هذا الأمر وأنَّ الشحناء والبغضاء بين أخوة الإيمان سبب في عدم قبول صلاتهم، وعدم قبول أعمالهم، وعدم تطلع ربّ العزة والجلال إليهم في ليلة النصف من شعبان ..
{يَومَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ(88)إلاَّ مَن أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلَيمٍ(89)} [الشعراء88-89].. قلب لا يحمل حقداً ولا حسداً ولا غشاً على أحد من المسلمين ..
عباد الله..
قبل أن نأتي على نهاية الكلام أود عرض بعض البدع والأحاديث الواهية عن ليلة النصف من شعبان ..
أولها بدعة الصلاة الألفية وهذه من محدثات وبدع ليلة النصف من شعبان وهي مائة ركعة تصلي جماعة يقرأ فيها الإمام في كل ركعة سورة الإخلاص عشر مرات.. وهذه الصلاة لم يأتِ بها خبر وإنّما حديثها موضوع مكذوب فلا أصل لهذا فتنبهوا عباد الله من البدع والضلالات ..
من ذلك أيضاً تخصيص ليلة النصف من شعبان بصلاة ونهارها بصيام لحديث : إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها .. هذا حديث لا أصل له .. هذا حديث لا أصل له ..فتنبهوا عباد الله ..
من البدع أيضاً صلاة الست ركعات في ليلة النصف من شعبان بنية دفع البلاء، وطول العمر، والاستثناء عن النّاس، وقراءة سورة يس والدعاء ..فذلك من البدع والمحدثات المخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم .
قال الإمام الغزالي في الأحياء : " وهذه الصلاة مشهورة في كتب المتأخرين من السادة الصوفية التي لم أرَ لها ولا لدعائها مستنداً صحيحاً من السنة إلاَّ أنه من عمل المبتدعة ".
وقد قال أصحابنا أنه يُكره الاجتماع على إحياء ليلة من مثل هذه الليالي في المساجد أوفي غيرها .
قال الإمام النووي رحمه الله : " صلاة رجب - صلاة الرغائب - وصلاة شعبان بدعتان منكرتان قبيحتان ".
وعلى هذا يجب عليك عبد الله أن تعبد الله بما شرع لك في كتابه أو جاء مبنياً في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده ..
وإياكم عباد الله ومضلات الأمور فإنَّ البدع ضلالات وطامات ولا يستفيد العبد من عملها إلاَّ البعد من الله تبارك وتعالى ..
فتفقهوا عباد الله في دينكم ..
فيوم الجمعة هو أفضل الأيام ..
وشهر رمضان هو أفضل الشهور ..
وليلة القدر أفضل الليالي ..
والمسجد الحرام أفضل المساجد ..
وجبريل أفضل الملائكة ..
ومحمدٌ صلى الله عليه وسلم هو سيد الأنبياء والمرسلين بل هو سيد ولد آدم أجمعين ولا فخر
وقد أمركم الله بالصلاة عليه فقال عز من قائل : {إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَ سَلِّمُواْ تَسْلِيماً} [الأحزاب:56].
اللّهم صلي وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
وارضى اللهم عن صحابته أجمعين عن الأربعة والعشرة والمبشرين وسائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك ولطفك وجودك وكرمك يا أرحم الراحمين .
عباد الله ..
{إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بَالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِيْ القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعْلَكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90 ] .
فاذكروا الله عباد الله يذكركم واشكروا على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون..
11:04 ص | تحت قسم مناسبات | إقرأ المزيد