--------------------------------------------------------------------

المشاركات الشائعة

زوار المدونة

أحدث التعليقات

المتابعون

إحصائية المدونة

تعلقات القراء

إقرأ أيضا

|

الحسد والحقد


د.إبراهيم قويدر - بتاريخ:
من الآفات التي تصيب وتهدد العلاقات الإنسانية في تاريخ المجتمعات البشرية وتعتبر من أخطر الظواهر الاجتماعية التي تهدد بنيان وكيان المجتمعات وتضرب فى الصميم الترابط والتكافل الاجتماعي بين الأفراد والجماعات - ظاهرة الحسد والحقد والكراهية وتفرعاتها الكثيرة التي منها نشر الأكاذيب وإشاعة الفتن بين الناس ولذلك قال تعالى :  إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [النور:19]، كما نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن تكفير بعضنا بعضا فقال: "أيما رجل قال لأخيه يا كافر، فقد باء بها أحدهما" إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث والسلوكيات التي علمنا ووجهنا إليها نبينا ومعلمنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

إن كافة الأصول التشريعية في ديانتنا السمحاء تنهانا عن الحقد والكراهية، كما قال الإمام أبي حامد الغزالي في كتابه "الإحياء": "قال‏ صلى الله عليه وسلم:‏ ‏"‏لا تباغضوا، ولا تقاطعوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً‏"‏‏.‏ وفى حديث آخر‏:‏ ‏"‏إن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب‏"‏ ‏. ‏وفى حديث آخر ‏:‏ ‏"‏يَطْلُع عليكم من هذا الفج- الطريق بين هذين الجبلين- ‏رجل من أهل الجنة، فطلع رجل، فسئل عن عمله، فقال‏:‏ إني لا أجد لأحد من المسلمين في نفسي غشاً ولا حسداً على خير أعطاه الله إياه‏"‏‏.‏وروينا أن الله تبارك وتعالى يقول‏:‏‏"‏الحاسد عدو نعمتى، متسخط لقضائي، غير راض بقسمتي بين عبادي‏"‏‏.‏
إنها آيات وأحاديث تحثنا على محبة بعضنا البعض وتبين لنا قيمة التسامح والمحبة والتعاطف وتنهانا عن التكفير والتخوين ورمي إخواننا المسلمين بألفاظ لا يصح للناس أن يتعاطوها فيما بينهم.
ولقد اهتممت كثيرًا بهذا الموضوع وتناولته في أكثر من مرة وقرأت كثيرًا للعديد ممن كتبوا في هذا الموضوع وأشير هنا أيضًا إلى فتاوى تعود إلى القرون الوسطى للعالم الإسلامي ابن تيمية الحَرّاني المتعلقة بالتكفير والجهاد، وهي تعتبر أساسًا تاريخيًا، ولابد لكل مهتم بهذا الموضوع أن يطلع عليها ويقتبس منها لأنها أصبحت ملكًا فكريًا عامًا كفتاوى هامة تبين لنا مساوئ الحقد والتكفير والكراهية.
ومن أبرز من كتب في هذا الموضوع الشائك أيضًا الكاتب السعودي الأستاذ جميل الذيابى الذي اقتبست منه مقدمة مقال سابق لي وأيضا الكاتب السعودي محمد بن على المحمود والأستاذ جمال أبو زيان الناشط الاجتماعي الجزائري، ومن الكتابات التي تعالج نفس القضية من منظور بعض الديانات الأخرى ما قدمه الأستاذ حبيب بولس لمركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية.
ولا يفوتني أيضًا أن أشير إلى البحث الدقيق الذي قدمه الأستاذ لؤي عبد الله بعنوان "الطائفية إلى أين؟!" وقدم فيه تحليلاً واقعيًا حول سؤال: كيف يكون للتعصب الطائفي دور كبير في نمو ظاهرة الحقد والكره والتكفير بين الطوائف التي أبرزها ما يدور بين السُّنة والشيعة على سبيل المثال لا الحصر.
إن ظاهرة الحسد والحقد بدأت للأسف تظهر بشكل مخيف في مجتمعنا العربي الليبي، وأصبحنا نحسد جارنا وصديقنا بسبب أو بدون سبب، ونكره من ينجح في عمله أو يجتهد ويقدم لنا النصح أو الخير، ونقابل عطاءه بنفاق أمامه، ونقدح فيه من خلفه، مع أن النبي الكريم "ذم ذا الوجهين" الذي يقول أمام الناس كلامًا ومن خلف ظهورهم ينبذهم بكلام مغاير، وأصبح ذلك متفشيًا بينا، حتى وصل الأمر بنا إلى ترديدنا للإشاعات وتأليف إشاعات كاذبة وتركيبها وكأنها حقيقة، وننسى قوله تعالى في سورة الحجرات:  يا أيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسقٌ بنبأٍ فتبينوا أن تصيبوا قومًا بجهالةٍ فتصبحُوا على ما فعلتُمْ نادمين .
 وأتذكر أنني عندما أصيبت منذ سنوات بمرض عضال وأجريت جراحة قلب مفتوح أشاع البعض وفاتي وقال أحدهم: رأيت الجثمان ينقل من طرابلس إلى بنغازى ومعه فلان وفلان!
تصوروا، لماذا تحولنا من مجتمع متماسك نحب بعضنا بعضا إلى هذه الحاله.....، لا يوجد سبب أو مبرر إلا أن المحرك الرئيسي لحركة المجتمع والمؤثر فيه أصيب بخلل انتقل إلى مركز الإشعاع الاجتماعي وأصابه في مقتل، وبالتالي فإن فساد التعليم وإيقاف مناهج التربية وتهميش دور الأسرة والانضباط بحجج حرية المرأة والاهتمام المزيف بلشباب الذي هدفه فسخ الأخلاق ووضع عقبات أمام التوجه الإسلامي والسلوكيات الاجتماعية الإسلامية بالتخوين والتآمر.. كل هذه الأسباب وغيرها أدت بنا إلى ذلك.
وعمومًا، فلا مقالي هذا ولا مقالات من سبقني أو ممن اقتبستُ منه أو من اقتبس مني ستحل المشكلة...لكن الحل المأمول هو عودة الشباب إلى الله والعودة إلى سلوكيات الإسلام لأنها هي الحل الذي سيحول الحقد والكراهية إلى محبة وتآلف وتكامل اجتماعي.

قبسات من أنوار وأقلام العلماء والكتاب قبسات أون لاين حيث الإعلام الهادف قبسات أون لاين 6:40 م .

0 التعليقات "الحسد والحقد"

شاركنا برأيك ولا تحرمنا من قلمك

الأرشيف