فتح القرم (رمضان 889هـ= 1474م)
بقلم: د. خالد فهمي
من آفات العقل العربي والإسلامي المعاصر الوقوع في فخ النسيان، وفي فخ الاختزال، وهو ما أدعو القارئ الكريم إلى التسليم معي به، مما يدعونا إلى أن نقرر أننا في حاجةٍ ماسةٍ إلى التذكر.
أقول هذا من قسوته على مسامع القارئين، وعندي دليل مبدئي موجز هنا على صحة دعواي، وهي أن محمدًا الفاتح يختزل في العقل المسلم إلى فاتح القسطنطينية، وحسبك بهذا فخرًا وشرفًا ومجدًا، لكنه ليس كل الأمر في تقدير وزن الفاتح رضي الله عنه، وهو الأمر الذي يوشك مع تكرار والإلحاح عليه أن يكون مملولاً، مستهانًا به مع استمرار الاحتفاء به وحده معزولاً عن كبريات الإنجازات التي أجراها الله سبحانه وتعالى على يد هذا الفاتح العادل العظيم.
والقرم شبه جزيرة داخلة في نطاق جغرافية روسيا، وهو ما يلفت النظر إلى أن الإسلام امتدَّ سلطانه حتى يسيطر على عدد ضخم من مدن أوروبا من جهة روسيا والمجر وبولندا، وهو ما ينبغي تفهمه في إطار صناعة العلاقات على الجمهوريات الروسية المختلفة، باعتبار أن الإسلام ظلَّ واحدًا من الروافد المهمة التي شكلت ثقافة هذه البلاد حتى مشارف العصر الحديث.
وقد شكلت القرم بما عاش فيها من شعوب أسلمت على أثر فتحها جزءًا من العالم الإسلامي ما يتضح من كِتاب بروكلمان "تاريخ الشعوب الإسلامية".
ومن هذا الذي نذكره من فتح القرم وتحويل شعبها إلى الإسلام بأثر ما وجدوه من عظمة الدين نلاحظ ما يلي:
أولاً: حاجة العقل المعاصر فتح الملف المتعلق بتاريخ الدولة العثمانية، وتصحيح الصور الشائهة التي روَّج لها الغرب بعد صراعه الطويل معها، وخسارة الرهيبة من ضرباتها وفتوحها فما تزال أوروبا المسلمة إن صح هذا التعبير- في ألبانيا وكوسوفا وروسيا وبولندا والمجر وغيرها بعض من منح الدولة العثمانية، وهو بعض المفهوم من كتاب المنح الرحمانية في الدولة العثمانية وذيله لمحمد بن أبي السرور البكري الصديقي.
ثانيًا: ضرورة إعادة النظر في المناهج الدعوية والتربوية المتعاطية مع أعلام الإسلام العظام لتغذية الوجدان الإسلامي المعاصر، بعد أن اتضح أن منجز محمد الفاتح ليس مقصورًا على فتح القسطنطينية على جلال قدرها هذا الفتح، وإنما ينبغي أن تجاوزه إلى قراءة المنجز الحضاري والحربي الذي حققه للإسلام لما فتحه من بلدان روسيا وأوروبا معًا، فقد رصد الدكتور سالم الرشيد في كتابه المهم عن المهم عن محمد الفاتح (طبعة الحلبي 1956م) له الفتوحات التالية: صربية والبوسنة والهرسك، فتح أثينا والمورة وغيرها.
ثالثًا: ضرورة تقديم نماذج بجوار النماذج الأولى محمد الفاتح وغيره من قيادات العالم الإسلامي المتأخرين لا يصح أن يغيبوا لمصلحة عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد وعلي بن أبي طالب وغيرهم، لأن الإسلام صاحب حضارة ولود منتجة.
رابعًا: تأمل تفاصيل فتح القرم والتعامل مع ثقافة التتار المسلمين، وطبيعة الجغرافية والأرض المجاورة للدولة العثمانية، قائد إلى أمور مهمة جدًّا تصب في ضرورة إعادة فتح ملف التعليم في العالم العربي والإسلامي لأن واحدًا من الأسباب التي عزاها المؤرخون للمقدرة والعبقرية الحربية التي أظهرها محمد الفاتح راجع إلى الثقافة الممتازة التي حصلها محمد الفاتح في نطاق نسق تعليمي متقدم جدًّا، وهو ما يؤكده الدكتور سالم الرشيدي عندما يقرر أن عناية محمد الفاتح بالعلم والعلماء هو السبب الخطير في تقدمه الحربي والحضاري.
خامسًا: برز الإسلام عاملاً مهمًّا في قيادة حركة الفتوحات التي قادها محمد الفاتح وهو الأمر الذي حاول ولم يزل بعض أنصار القومية التركية بعد مد أتاتورك العلماني أن يعزو التقدم العثماني بتفسير خصائص القومية التركية، وهو الأمر الذي يكذبه المؤرخون يقول سالم الرشيدي ص 280: "وإذا صح أن يقال إن العرب إنما قامت دولتهم ومجدهم بفضل الإسلام وأنهم ما كانوا ليكونوا شيئًا في التاريخ لولا هذا الدين صح أن يقال إن العثمانيين إنما قامت دولتهم ومجدهم بفضل الإسلام وإنهم ما كانوا ليكونوا شيئًا في التاريخ لولا هذا الدين".
هذا الصوت الأخير هو الأمر المستقر في أدبيات الذين عرفوا تاريخ الدولة العثمانية من قبل محمد عنان ونادية مصطفى والصلابي وعبد الرزاق بركات ومحمد حرب وغيرهم.
باسم الإسلام وباسم الثقافة الإسلامية الممتازة، وباسم التربية على تقدير جلال العلم والعلماء، وامتد سلطان محمد الفاتح فحرر وفتح ما لم يتم فتحه خلال تاريخ ممتد مع توافر المحاولات ليقوم الدليل مجددًا على أن مواهب الله سبحانه وتعالى ليست حكرًا على عصر بعينه، وأن عطاءاته تتنزل دومًا بحسبان الإسلام هو الدين الخاتم.
------------
* كلية الآداب- جامعة المنوفية
من آفات العقل العربي والإسلامي المعاصر الوقوع في فخ النسيان، وفي فخ الاختزال، وهو ما أدعو القارئ الكريم إلى التسليم معي به، مما يدعونا إلى أن نقرر أننا في حاجةٍ ماسةٍ إلى التذكر.
أقول هذا من قسوته على مسامع القارئين، وعندي دليل مبدئي موجز هنا على صحة دعواي، وهي أن محمدًا الفاتح يختزل في العقل المسلم إلى فاتح القسطنطينية، وحسبك بهذا فخرًا وشرفًا ومجدًا، لكنه ليس كل الأمر في تقدير وزن الفاتح رضي الله عنه، وهو الأمر الذي يوشك مع تكرار والإلحاح عليه أن يكون مملولاً، مستهانًا به مع استمرار الاحتفاء به وحده معزولاً عن كبريات الإنجازات التي أجراها الله سبحانه وتعالى على يد هذا الفاتح العادل العظيم.
والقرم شبه جزيرة داخلة في نطاق جغرافية روسيا، وهو ما يلفت النظر إلى أن الإسلام امتدَّ سلطانه حتى يسيطر على عدد ضخم من مدن أوروبا من جهة روسيا والمجر وبولندا، وهو ما ينبغي تفهمه في إطار صناعة العلاقات على الجمهوريات الروسية المختلفة، باعتبار أن الإسلام ظلَّ واحدًا من الروافد المهمة التي شكلت ثقافة هذه البلاد حتى مشارف العصر الحديث.
وقد شكلت القرم بما عاش فيها من شعوب أسلمت على أثر فتحها جزءًا من العالم الإسلامي ما يتضح من كِتاب بروكلمان "تاريخ الشعوب الإسلامية".
ومن هذا الذي نذكره من فتح القرم وتحويل شعبها إلى الإسلام بأثر ما وجدوه من عظمة الدين نلاحظ ما يلي:
أولاً: حاجة العقل المعاصر فتح الملف المتعلق بتاريخ الدولة العثمانية، وتصحيح الصور الشائهة التي روَّج لها الغرب بعد صراعه الطويل معها، وخسارة الرهيبة من ضرباتها وفتوحها فما تزال أوروبا المسلمة إن صح هذا التعبير- في ألبانيا وكوسوفا وروسيا وبولندا والمجر وغيرها بعض من منح الدولة العثمانية، وهو بعض المفهوم من كتاب المنح الرحمانية في الدولة العثمانية وذيله لمحمد بن أبي السرور البكري الصديقي.
ثانيًا: ضرورة إعادة النظر في المناهج الدعوية والتربوية المتعاطية مع أعلام الإسلام العظام لتغذية الوجدان الإسلامي المعاصر، بعد أن اتضح أن منجز محمد الفاتح ليس مقصورًا على فتح القسطنطينية على جلال قدرها هذا الفتح، وإنما ينبغي أن تجاوزه إلى قراءة المنجز الحضاري والحربي الذي حققه للإسلام لما فتحه من بلدان روسيا وأوروبا معًا، فقد رصد الدكتور سالم الرشيد في كتابه المهم عن المهم عن محمد الفاتح (طبعة الحلبي 1956م) له الفتوحات التالية: صربية والبوسنة والهرسك، فتح أثينا والمورة وغيرها.
ثالثًا: ضرورة تقديم نماذج بجوار النماذج الأولى محمد الفاتح وغيره من قيادات العالم الإسلامي المتأخرين لا يصح أن يغيبوا لمصلحة عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد وعلي بن أبي طالب وغيرهم، لأن الإسلام صاحب حضارة ولود منتجة.
رابعًا: تأمل تفاصيل فتح القرم والتعامل مع ثقافة التتار المسلمين، وطبيعة الجغرافية والأرض المجاورة للدولة العثمانية، قائد إلى أمور مهمة جدًّا تصب في ضرورة إعادة فتح ملف التعليم في العالم العربي والإسلامي لأن واحدًا من الأسباب التي عزاها المؤرخون للمقدرة والعبقرية الحربية التي أظهرها محمد الفاتح راجع إلى الثقافة الممتازة التي حصلها محمد الفاتح في نطاق نسق تعليمي متقدم جدًّا، وهو ما يؤكده الدكتور سالم الرشيدي عندما يقرر أن عناية محمد الفاتح بالعلم والعلماء هو السبب الخطير في تقدمه الحربي والحضاري.
خامسًا: برز الإسلام عاملاً مهمًّا في قيادة حركة الفتوحات التي قادها محمد الفاتح وهو الأمر الذي حاول ولم يزل بعض أنصار القومية التركية بعد مد أتاتورك العلماني أن يعزو التقدم العثماني بتفسير خصائص القومية التركية، وهو الأمر الذي يكذبه المؤرخون يقول سالم الرشيدي ص 280: "وإذا صح أن يقال إن العرب إنما قامت دولتهم ومجدهم بفضل الإسلام وأنهم ما كانوا ليكونوا شيئًا في التاريخ لولا هذا الدين صح أن يقال إن العثمانيين إنما قامت دولتهم ومجدهم بفضل الإسلام وإنهم ما كانوا ليكونوا شيئًا في التاريخ لولا هذا الدين".
هذا الصوت الأخير هو الأمر المستقر في أدبيات الذين عرفوا تاريخ الدولة العثمانية من قبل محمد عنان ونادية مصطفى والصلابي وعبد الرزاق بركات ومحمد حرب وغيرهم.
باسم الإسلام وباسم الثقافة الإسلامية الممتازة، وباسم التربية على تقدير جلال العلم والعلماء، وامتد سلطان محمد الفاتح فحرر وفتح ما لم يتم فتحه خلال تاريخ ممتد مع توافر المحاولات ليقوم الدليل مجددًا على أن مواهب الله سبحانه وتعالى ليست حكرًا على عصر بعينه، وأن عطاءاته تتنزل دومًا بحسبان الإسلام هو الدين الخاتم.
------------
* كلية الآداب- جامعة المنوفية
قبسات من أنوار وأقلام العلماء والكتاب قبسات أون لاين حيث الإعلام الهادف قبسات أون لاين
12:06 م
مناسبات
.