نهاية الصليبيين في العصور الوسطى (رمضان 675هـ= 1276م)
بقلم: د. خالد فهمي
ما بين بدء التصدي للحملات الصليبية على يد عماد الدين زكي في حلب سنة 532 هـ= 1138م، وما بين طردهم نهائيًّا على يد الظاهر بيبرس سنة 675هـ= 1276م، ما يقرب من قرن ونصف القرن، وفي هذا وحدة من الدلائل على خلل الرؤية لدى الذين أصابهم اليأس من جرَّاء إحدى وستين سنة فقط هي عمر النكبة الفلسطينية التي هي في الحقيقة حلقة من حلقات الحملات الصليبية في العصر الحديث.
هذا صوت افتتحت به الحديث عن تحرير الأرض الإسلامية من دنس الحملات الصليبية المتقدمة؛ لأنه الصوت الأهم في هذا السياق المعاصر الذي يضغط على مشاعرنا وعقولنا، ويوشك بسبب من أن يعود كثيرًا من الفصائل والنخب والأفراد، وأن يستسلموا ويفرطوا في القضية العادلة لبلادنا الإسلامية.
قرن ونصف القرن من رمضان سنة 532هـ إلى رمضان 675هـ والتضحيات لتحرير الأرض لا تتوقف، والدماء الذكية تروي الأرض، وترضي السماء والأسماء الجليلة، والأحساب العريقة، والأصول الإسلامية من عرب وعجم تسطر بطولات الشرف الذي لا يدانيه شرف آخر.
كل هذا ينبغي أن يكون على ذكر من المعاهدين قبل أن يقعوا فريسة لليأس، ويضيعوا فلا دنيا يكسبون ولا آخرة.
وتقرر الأدبيات التاريخية أن حركة الجهاد ضد الصليبيين والتتار استمرت سنوات طويلة، واستردت مدنًا وقلاعًا وفتحت أخرى، وهو ما نقرؤه في البداية والنهاية لابن كثير (طبعة 17/524 وبعدها)؛ حيث يقرر أنه بدءًا من المحرم من هذه السنة بدأت التحركات، وكان في القمة منها شهر رمضان إذْ بدأت التحركات لفتح البلسين وقيسارية من بلاد الروم (تركيا)، ومن المهم هنا أن نتوقف أمام الملاحظات التالية:
أولاً: انشغال القيادة السياسية بأمر الفتوحات تخطيطًا وقيادةً ومشاركةً، وهو ما قررته الأدبيات التاريخية من حمل السلطان الظاهر نفسه، ومشاركته في معارك هذا الفتح، وهو الأمر الذي يعكس وعي الدولة الإسلامية في العصور المتعاقبة بوظائفها ومهامها.
ولعل من المفيد أن نقرر أن مشاركة السلطان الظاهر في المعارك فضلاً عما يعكسه من وعي بطبيعة وظيفة رأس الدولة في التاريخ الإسلامي، عكست مسألة أخرى مهمة جدًّا أترك للقارئ الكريم تقديرها عندما أنقل له أن وفاة الظاهر كانت في العام التالي أي سنة 676هـ، وهو ما يعكس معنى خطيرًا جدًّا أن الملك حتى في هذه الأجواء التي طالما حاول العلمانيون المعاصرون تشويهها لم يركن إلى الراحة أو الدعة واستثمار امتيازات خاصة، وهو الأمر الذي ينبغي علينا أن نُحسن عرضه، المنادين للفكرة الإسلامية وعلى المتخوفين من تنامي تقدمها في الحياة المعاصرة.
ثانيًا: يظهر في أجواء هذه الفتوحات التي تمت طرد الصليبيين والتتار من الأراضي الإسلامية، وضمت إليها بلدانًا أخرى ذكرت سلفًا الدور العظيم للحركة العلمية على اختلاف تخصصاتها شرعية بما لها من دور إنهاض الجهاد ودعم أجواء العدل المحقق للنصر من جانب، وغير الشرعية التي أظهرت تطوير الكثير من الأسلحة التي واجهت بها الآلة العسكرية الغربية، وهو ما أدَّى إلى تطوير كثيرٍ من مفردات الآلة العسكرية الغربية، وتُظهر أدبيات هذا العصر مدى التقدم الذي أحرزه علماء المسلمون في هذا الميدان، وهو ما يفسر بروز أسماء معروفة من العلماء أرخوا لهذا التطوير في هذا العصر من مثل علي بن أبي بكر الهروي 611هـ- ونجم الدين حسن الرماح المعروف بالأحدب 695هـ، ولابن أرنبغا الزردكاش 867هـ، ومصنفاتهم في هذا الميدان مطبوعة منشورة تؤكد ما كان للعرب من فضلٍ في مجال علم الحروب، وآلاتها المستخدمة بأنواعها، وهو الأمر الذي يدل على أن العرب لم يفرطوا في شيء من العلوم باسم دينهم على ما يقرر الدكتور خالد الماغوط في تقديمه للكتاب (الأنيق في المنجانيق).
ثالثًا: عكست العمليات الحربية التي تممت طرد المعتدين أمرين لافتين جدًّا متعانقين معًا وهما:
1- وحدة العالم الإسلامي الذي مكَّن واحدًا كالظاهر بيبرس من أن يتحرك ليقود الجيوش الإسلامية وأصلابها إلى حدود قيسارية والبلسين من بلاد الروم (تركيا) وهو يومئذ ملك مصر على التعيين، وما ينضم إليها من بلدان الشام، وهو الأمر الذي ينبغي أن يُفعَّل في ضوئه ما يسمى باتفاقيات الدفاع المشترك الذي أثمر ثمرات يانعة عندما فُعِّل في الأجواء المعاصرة، وهو ما ينبغي أن يفك الارتباط بينه وبين مخاوف النيل من سيادة كل قطر على أجوائه وحدوده.
2- الدور المصري الذي لا يصح التغافل عنه أو إهماله لأن منطقة التاريخ والجغرافيا لا يصح أن يُهملا من أجل دعاوى ساقطة بكل المقاييس.
باسم الوحدة الإسلامية، وباسم تعظيم دور مصر والالتفاف حولها باسم وعي القيادة التي حكمت مقدراتها قديمًا تحرير البلدان الإسلامية، واتسع نطاق حدودها، وضمت إليها مدنًا جديدةً.
هكذا نطق التاريخ بحكمه، وما على المعاصرين كل في موقعه إلا أن يعيد تغذية الإيمان بهذا الذي شهد به التاريخ.
------------
* كلية الآداب- جامعة المنوفية
ما بين بدء التصدي للحملات الصليبية على يد عماد الدين زكي في حلب سنة 532 هـ= 1138م، وما بين طردهم نهائيًّا على يد الظاهر بيبرس سنة 675هـ= 1276م، ما يقرب من قرن ونصف القرن، وفي هذا وحدة من الدلائل على خلل الرؤية لدى الذين أصابهم اليأس من جرَّاء إحدى وستين سنة فقط هي عمر النكبة الفلسطينية التي هي في الحقيقة حلقة من حلقات الحملات الصليبية في العصر الحديث.
هذا صوت افتتحت به الحديث عن تحرير الأرض الإسلامية من دنس الحملات الصليبية المتقدمة؛ لأنه الصوت الأهم في هذا السياق المعاصر الذي يضغط على مشاعرنا وعقولنا، ويوشك بسبب من أن يعود كثيرًا من الفصائل والنخب والأفراد، وأن يستسلموا ويفرطوا في القضية العادلة لبلادنا الإسلامية.
قرن ونصف القرن من رمضان سنة 532هـ إلى رمضان 675هـ والتضحيات لتحرير الأرض لا تتوقف، والدماء الذكية تروي الأرض، وترضي السماء والأسماء الجليلة، والأحساب العريقة، والأصول الإسلامية من عرب وعجم تسطر بطولات الشرف الذي لا يدانيه شرف آخر.
كل هذا ينبغي أن يكون على ذكر من المعاهدين قبل أن يقعوا فريسة لليأس، ويضيعوا فلا دنيا يكسبون ولا آخرة.
وتقرر الأدبيات التاريخية أن حركة الجهاد ضد الصليبيين والتتار استمرت سنوات طويلة، واستردت مدنًا وقلاعًا وفتحت أخرى، وهو ما نقرؤه في البداية والنهاية لابن كثير (طبعة 17/524 وبعدها)؛ حيث يقرر أنه بدءًا من المحرم من هذه السنة بدأت التحركات، وكان في القمة منها شهر رمضان إذْ بدأت التحركات لفتح البلسين وقيسارية من بلاد الروم (تركيا)، ومن المهم هنا أن نتوقف أمام الملاحظات التالية:
أولاً: انشغال القيادة السياسية بأمر الفتوحات تخطيطًا وقيادةً ومشاركةً، وهو ما قررته الأدبيات التاريخية من حمل السلطان الظاهر نفسه، ومشاركته في معارك هذا الفتح، وهو الأمر الذي يعكس وعي الدولة الإسلامية في العصور المتعاقبة بوظائفها ومهامها.
ولعل من المفيد أن نقرر أن مشاركة السلطان الظاهر في المعارك فضلاً عما يعكسه من وعي بطبيعة وظيفة رأس الدولة في التاريخ الإسلامي، عكست مسألة أخرى مهمة جدًّا أترك للقارئ الكريم تقديرها عندما أنقل له أن وفاة الظاهر كانت في العام التالي أي سنة 676هـ، وهو ما يعكس معنى خطيرًا جدًّا أن الملك حتى في هذه الأجواء التي طالما حاول العلمانيون المعاصرون تشويهها لم يركن إلى الراحة أو الدعة واستثمار امتيازات خاصة، وهو الأمر الذي ينبغي علينا أن نُحسن عرضه، المنادين للفكرة الإسلامية وعلى المتخوفين من تنامي تقدمها في الحياة المعاصرة.
ثانيًا: يظهر في أجواء هذه الفتوحات التي تمت طرد الصليبيين والتتار من الأراضي الإسلامية، وضمت إليها بلدانًا أخرى ذكرت سلفًا الدور العظيم للحركة العلمية على اختلاف تخصصاتها شرعية بما لها من دور إنهاض الجهاد ودعم أجواء العدل المحقق للنصر من جانب، وغير الشرعية التي أظهرت تطوير الكثير من الأسلحة التي واجهت بها الآلة العسكرية الغربية، وهو ما أدَّى إلى تطوير كثيرٍ من مفردات الآلة العسكرية الغربية، وتُظهر أدبيات هذا العصر مدى التقدم الذي أحرزه علماء المسلمون في هذا الميدان، وهو ما يفسر بروز أسماء معروفة من العلماء أرخوا لهذا التطوير في هذا العصر من مثل علي بن أبي بكر الهروي 611هـ- ونجم الدين حسن الرماح المعروف بالأحدب 695هـ، ولابن أرنبغا الزردكاش 867هـ، ومصنفاتهم في هذا الميدان مطبوعة منشورة تؤكد ما كان للعرب من فضلٍ في مجال علم الحروب، وآلاتها المستخدمة بأنواعها، وهو الأمر الذي يدل على أن العرب لم يفرطوا في شيء من العلوم باسم دينهم على ما يقرر الدكتور خالد الماغوط في تقديمه للكتاب (الأنيق في المنجانيق).
ثالثًا: عكست العمليات الحربية التي تممت طرد المعتدين أمرين لافتين جدًّا متعانقين معًا وهما:
1- وحدة العالم الإسلامي الذي مكَّن واحدًا كالظاهر بيبرس من أن يتحرك ليقود الجيوش الإسلامية وأصلابها إلى حدود قيسارية والبلسين من بلاد الروم (تركيا) وهو يومئذ ملك مصر على التعيين، وما ينضم إليها من بلدان الشام، وهو الأمر الذي ينبغي أن يُفعَّل في ضوئه ما يسمى باتفاقيات الدفاع المشترك الذي أثمر ثمرات يانعة عندما فُعِّل في الأجواء المعاصرة، وهو ما ينبغي أن يفك الارتباط بينه وبين مخاوف النيل من سيادة كل قطر على أجوائه وحدوده.
2- الدور المصري الذي لا يصح التغافل عنه أو إهماله لأن منطقة التاريخ والجغرافيا لا يصح أن يُهملا من أجل دعاوى ساقطة بكل المقاييس.
باسم الوحدة الإسلامية، وباسم تعظيم دور مصر والالتفاف حولها باسم وعي القيادة التي حكمت مقدراتها قديمًا تحرير البلدان الإسلامية، واتسع نطاق حدودها، وضمت إليها مدنًا جديدةً.
هكذا نطق التاريخ بحكمه، وما على المعاصرين كل في موقعه إلا أن يعيد تغذية الإيمان بهذا الذي شهد به التاريخ.
------------
* كلية الآداب- جامعة المنوفية
قبسات من أنوار وأقلام العلماء والكتاب قبسات أون لاين حيث الإعلام الهادف قبسات أون لاين
12:07 م
مناسبات
.