--------------------------------------------------------------------

المشاركات الشائعة

زوار المدونة

أحدث التعليقات

المتابعون

إحصائية المدونة

تعلقات القراء

إقرأ أيضا

|

فتح ميسولونجي (رمضان 1241هـ= 1826م




بقلم: د. خالد فهمي
من غَيَّب هذا الوجه للامتداد والتقدم الذي أحرزته جيوش مصر الإسلامية، نعم مصر الإسلامية، وفي عصرٍ قريبٍ جدًّا من عصرنا، معدودة في أدبيات التاريخ الحديث والمعاصر بأنه جزءٌ من مصر الحديثة، وهو الأمر الذي ينبغي أن يُعاد تأمله في قراءة المنجز الحضاري لدولة محمد علي ولا سيما بعد قدرٍ من التشويه وُجِّه إلى منجز هذه الدولة العلمية بسبب من رفع منجز ما سمي باسم ثورة يوليو 1952م.فميسولونجي أو ميسولونكي واحدةٌ من المدن الكبرى في اليونان، فتحها إبراهيم باشا بعد حصار دام شهورًا، وهو ما قرره بروكلمان في "تاريخ الشعوب الإسلامية"، ص541 عندما قال: "كانت آخر حصون اليونان هي ميسولونكي التي اضطرت إلى الاستسلام في سنة 1826م، بعد حصار دام ستة أشهر".
وهذا الحدث الفذ في التاريخ الإسلامي المعاصر يعكس تساؤلات وعلامات خطيرة لا يصح التغافل عنها هي كما يلي:


أولاً: لا بد أن يكون ظاهرًا أن عمر بناء النهضة ليس أمرًا معجزًا ممتدًا طويلاً، وهو الدرس الأظهر من تأمل دولة مصر الحديثة، ففي أقل من ربع قرن استطاع الجيش المصري المسلم أن يخضع عددًا من الدول والمدن والموانئ الأوروبية للسيادة المصرية، وهو عمر قصير جدًّا شهد بناء صناعة وجيش وتعليم بقدرات ذاتية في المقام الأول.
ثانيًا: ظهر جليًّا العداوة الغربية والأوروبية وتنبهها إلى كل حركات النهضة والتقدم في العالم العربي والإسلامي، وهو الصوت المهم الذي ينبغي أن يلتفت إليه كل الذين يقاومون ما يسمونه في سخريةٍ وازدراءٍ باسم نظرية المؤامرة، وأعتقد أن ما سطَّرته الأدبيات التاريخية التي أرَّخت لأحداث هذا العصر بما فيها الأدبيات الغربية أن تكتلاً وتجمعًا وتآمرًا غربيًّا واجه تطلعات الدولة العلية، كما قالوا، والحق أن هذه المواجهة التي قادتها أوروبا ضد الجيش المصري المسلم كان أثرًا من آثار ما حدث من الدولة العثمانية من فتوحاتٍ، ولاسيما في عصر محمد الفاتح، وهو ما يؤكد أن أوروبا تقرأ تاريخ الإسلام بما هو كل غير مجزأ، وأنهم يبنون خططهم على أساسٍ من الإفادة من تجارب الفتح الإسلامي خلال تاريخه الطويل.
ثالثًا: أظهرت حركة فتح ميسولونكي على يد الجيش المصري بقيادة إبراهيم باشا شيئًا مهمًّا جدًّا يتعلق بالقوة الظاهرة الحربية البحرية المصرية التي هي ميراثٌ لتاريخ طويل منذ زمن بعيد، وهو ما يبعث على الأقل في إمكان استعادة هذا التمكين بسبب هذا الميراث العظيم للبحرية المصرية في ظل امتداد رائع لحدود البحرية المصرية شرقًا وشمالاً، مضافًا إليها أثر النيل في تنامي هذه القوة، وهو ما يفرض ضرورة العناية بهذا الأمر في برنامج التعليم العالي في مصر.
رابعًا: تجلى من خلال استمرار مدة الحصار الذي ضربه الجيش المصري على ميسولونكي ومن خلال توالي الإمدادات البحرية لاستبقاء قوته أمرٌ مهمٌّ للغاية؛ وهو تقدم المعرفة الإستراتيجية والعسكرية للدولة المصرية.
خامسًا: أظهر هذا الإبحار قيمة الخلافة الإسلامية التي كانت ما تزال قائمةً مع تقديرِ ضعفها، كما يقال، لكنها وفَّرت إطارًا من الوحدة بين شعوب الخلافة الإسلامية مكَّنت الجيش المصري من هذه الحركة، وهو الأمر الذي يعجزها الآن بعد حركة تفتيت العالم الإسلامي بعد نجاح الغرب في فرض ذلك في أعقاب اتفاقية (سايكس- بيكو) في الثلث الأول من القرن العشرين.
وهو الأمر الذي وعاه جيدًا الغرب فكانت خطته الإستراتيجية الأولى هو: إسقاط الخلافة والحئول دون عودتها في أي شكلٍ من الأشكال، وهو يستدعي عملاً واعيًا وذكيًّا لتحقيق وحدة بين دول عالمنا الإسلامي.
سادسًا: عكس هذا الفتح بُعدًا ما زلنا نلحُّ على خطره، وهو تقديم التاريخ مختزلاً ومبتسرًا وانتقائيًّا.
فما زال أنصار الحركة الوهابية يذكرون لإبراهيم باشا حروبه ضدها، وهو صحيحٌ لكن ينبغي أن يُقرأ في إطار صورةٍ شاملةٍ كليةٍ كانت تُهدد من وجهة نظر أخرى تماسك الخلافة الإسلامية، ولا يصح تقديمها دليلاً على عداوة الدولة المصرية للإسلام في حركته الإصلاحية، فإن تأكَّد ذلك أمكن النظر إليها باعتبارها خطأ يجاور صوابًا متعلقًا بتوسع دولة الخلافة على حساب العالم الغربي؛ طلبًا لتأمين أعمق لبلدان الخلافة في هذا الميدان.
إن فتح ميسولونكي على أعتاب العصر الحديث، وفي عمقه يجدد الأمل في أن إمكان استنهاض همم الشعوب العربية المسلمة أمرٌ ممكنٌ في ظل وقتٍ قصير بشرط استجماع شرائط النهضة، كما ظهرت من هذا الفتح وهي: الوحدة الجامعة لبلدان العالم الإسلامي، واستثمار الثروة البحرية في تنمية الآلة البحرية الإسلامية وتفعيلها، وإعادة بناء الجيوش العربية بقوى ذاتية.

قبسات من أنوار وأقلام العلماء والكتاب قبسات أون لاين حيث الإعلام الهادف قبسات أون لاين 12:04 م .

0 التعليقات "فتح ميسولونجي (رمضان 1241هـ= 1826م"

شاركنا برأيك ولا تحرمنا من قلمك

الأرشيف