9:24 ص | كتبت بواسطة قبسات أون لاين
جاءني وأنا في طريقي إلي المصعد الأستاذ "مسعد ابو سته" أو كما يسمونه في الوزارة "مسعد مهموز" وهو من هواة دق الأسافين داخل الوزارة وخارجها. أقترب مني الأستاذ مسعد وهمس في أذني : مسعد: سيادة الوزير في موضوع مهم جدا عايزك أقول لسيادتك عليه. الحقيقة هو موضوع بايخ شوية بس سيادتك عارف مدي إخلاصي لسيادتك وللوزارة. أنا: اتفضل يا مسعد بيه. مسعد: أنا الحقيقة محرج جدا من سيادتك ومش عارف أبدأ منين. أنا: أبدأ من مطرح ما تحب يا مسعد وخلص أنا ورايا مشوار مهم. مسعد: يا فندم الموضوع خاص بمدير مكتب معاليك. أنا: الموضوع خاص بعبد العزيز. فيه حاجة خاصة بسمعته؟ مسعد: ياريت الموضوع خاص بسمعتك أنت يا باشا. أنا: وضح كلامك يا مسعد وبسرعة عشان أنا بدأت أتعصب. مسعد: يافندم عبد العزيز بيه ماشي في كل حته يقول إنه هو الكل في الكل وأن – متاخذنيش – سيادتك ولا حاجة وإن من غيره الوزارة متمشيش خالص وحاجات كتير بالشكل ده. أنا: الكلام ده خطير جدا يا مسعد وممكن يكلفك كتير كتير قوي لو مقدرتش تثبته. أنت عارف معني الكلام ده أيه؟ (ابتسم مسعد ابتسامة رضا تنم علي أنه قد وصل إلي ما يريد وأخرج شيئا من حقيبته) مسعد: يا فندم ده "سي دي" عليه بالصوت والصورة الدليل الكافي علي كلامي وبعد سيادتك ما تشوفه ممكن تتصرف بالشكل المناسب. أنا: وأنت يا مسعد أيه مصلحتك في الكلام ده؟ مسعد: مصلحتي هي مصلحة البلد ومصلحة سيادتك وصورتك تهمني أكتر ما تتصور سيادتك وكمان أنا سعادتك أكتر واحد يستحق المنصب ده. أنا: طيب يا مسعد أنا حأشوف "السي دي" وبعدين أقرر أعمل أيه بس خد بالك الكلام ده لازم يفضل سر بيني وبينك ولو حد عرف أي حاجة أنا باحذرك. (ما ان واتتني الفرصة لكي أشاهد "السي دي" وحدي حتى جلست وأغلقت علي نفسي وبدأت أشاهد السي دي وكان مسعد يقول الحقيقة تماما. بالصوت والصورة عبد العزيز يتكلم عن كل شيء خاص بي ويوضح للحضور أنه يعرف كل صغيرة وكبيرة في الوزارة وأنه بدونه لا يمكن للوزارة أن تمضي وهو يتحدث عن القرارات الجريئة التي تم اتخاذها في السابق وأنها كلها كانت من قريحته وبنات أفكاره وأن كل النجاحات التي تحققت في أي وقت مضي كانت بسبب عبقريته الشخصية وأنه يرفض منصب الوزير لأنه منصب زائل لا محالة وعرضة للنقد المباشر من كل من يعر ف أو لا يعرف ولذلك فهو منذ سنوات طويلة يرفض المنصب ويريد ان يظل في الظل طالما أن كل الخيوط في يده وأن الوزير (أنا) مجرد لعبة بين يديه لا يستطيع أن يذهب للحمام دون أخذ رأيه!!! توقفت طويلا أمام السي دي ورغم إقراري بأن كل ما قاله كان حقيقيا وصحيحا إلا أنني تملكني ذلك الشعور بالغضب والإحساس بنكران الجميل فلقد أغدقت علي مدير مكتبي بكل ما يمكن أن يتمناه أي شخص. ثقة مطلقة .. مكافآت مجزية .. رحلات في الخارج والداخل ورغم أنني كنت أحس دوما بما جاء في هذا السي دي وأنه يقول هذا الكلام في نفسه لكني لم اكن أتوقع أن يقول هذا في لقاء يضم العوام والخواص وهو ما مكن مسعد من تسجيله صوت وصورة. جلست أفكر طويلا في الإجراءات التي يمكن اتخاذها مع عبد العزيز وفي الصباح استدعيته مع دخولي إلي المكتب وطلبت منه الجلوس للحديث: عبد العزيز: خير يا فندم. أنا: طبعا خير يا عبد العزيز. أنا الحقيقة مقدر خدماتك الجليلة ليا وللوزارة وبصراحة أنت الكل في الكل هنا. عبد العزيز (منزعجا): لا يا فندم ده تقدير عالي من سيادتك أنا ماستاهلش الكلام الحلو ده. سيادتك طبعا الكل في الكل وإحنا كلنا من غير توجيهات سيادتك وأراءك الصايبة دايما منقدرش نعمل أي حاجة. أنا: لا بصراحة يا عبد العزيز أنت رائع وحكاية مدير المكتب دي شوية عليك. إحنا كلنا هنا من غيرك نقع وميكونش لنا ذكر ولا صفة. وأنا كمان مش ناسي المواقف الكتير اللي أنت أنقذت فيها الوزارة بحسن الرأي والمشورة وكنت المنقذ فعلا وكل ده من غير من ولا أذي يعني دايما بتنكر نفسك وتتواري بعد كل إنجاز رغم إنك أنت بتكون صاحب اليد الطولي فيه. غبد العزيز: يا فندم أنا شاكر لكل الثقة دي بس الكلام ده مش من حقي لأنك بصراحة ملهم لنا وتعليماتك وتوجيهاتك بتلهمنا وبتسهل لنا الطريق وبتصوب الرؤية. أنا: بس يا عبد العزيز أنا شايف إنك تستحق منصب أكبر كتير من مدير مكتب الوزير. يعني منصب الوزير نفسه شويه عليك ولولا أنه منصب زائل أنا كنت رشحتك وزير عشان كفاءتك النادرة. عبد العزيز: أنا شايف شيء من السخرية في كلام سيادتك هو أنا عملت حاجة غلط سيادتك؟ أنا: أبدا يا عبد العزيز أبدا .. دا أنت يا راجل دابح نفسك في الشغل ولازم يجي يوم تاخد حقك أو علي الأقل جزء منه. والنهاردة أنا قررت أنك تاخد جزء من حقك. أنا قررت إنك تبقي مساعد الوزير لشئون المعلومات وحتكون علي رأس لجنة تطوف المحافظات تجمع لي كل المعلومات المطلوبة عن كل المديريات في الجمهورية وبكده أبقي كافئتك وكمان تعمل شوية سياحة داخلية تريح فيها أعصابك من الشغل طول السنين اللي فاتت. عبد العزيز: بس دي شغلانه بسيطة وممكن يقوم بيها أي حد وكمان موضوع اللجنة اللي حتلف الجمهورية موضوع مرهق في الحر ده. أنا: بالعكس يا عبد العزيز دي شغلانة جامدة ومطلوب فيها الراجل صاحب أكبر كفاءة في الوزارة وموضوع اللجنة أنا مقدرش أعتمد علي حد غيرك وده عشان ثقتي فيك وفي قدراتك. يا راجل دأنته الكل في الكل. عبد العزيز: يعني دي هي النهاية يا سيادة الوزير. أنا: أنا مستغرب جدا يا عبد العزيز .. أي حد مكانك كان حيطير من الفرح يعني حيكون مبسوط من البدلات والبعد عن الروتين بتاع المكتب اللي زمانك زهقت منه وطبعا مكانتك عندي حتفضل زي ما هي وحنلجأ لك في أي موضوع يكون صعب علينا. عبد العزيز: طب ممكن سؤال أخير؟ أنا: طبعا يا عبد العزيز. عبد العزيز: مين حيجي مكاني سيادتك؟ انا: مسعد بيه مهموز قصدي مسعد أبو سته. عبد العزيز: كده أنا فهمت. طب حضرتك تحب أنفذ أمتي؟ أنا: ياريت النهاردة يا عبد العزيز عشان أنا مستعجل علي عمل اللجنة تحت رياستك. وعايزك تنقلهم كل خبراتك اللي أنت نقلتها ليا يا راجل. عبد العزيز: طبعا سيادتك وشاكر لثقتك وبأتمني لمسعد بيه كل التوفيق. (خرج عبد العزيز من مكتبي وهو متأثر بشدة لكني لاحظت في عينيه قدر كبير من التحدي وربما التشفي لم أكن قادرا علي فهمه في البداية ولكن توالت الأحداث عاصفة بعد ذلك) (في ذات اليوم وبعد أن خرج عبد العزيز من المكتب وبسرعة البرق جمع كل أغراضه وترك المكان وعلمت أنه أرسل تلغراف مفاده أنه مريض وملازم للفراش وهو ما أعتبرته أنا انتصارا كبيرا في حينه لكني لم أكن علي صواب هذه المرة فقد بدأت الأمور تسير بشكل غريب في الوزارة.) جاء الوفد الألماني الوزارة في الموعد المحدد وبدأنا في البحث عن جدول الأعمال وبعد فترة من الهرج والمرج وجدنا جدول أعمال الزيارة علي أحد أجهزة الحاسوب في السكرتارية ثم بدأنا في البحث عن الملفات المعدة مسبقا من أجل الزيارة والكلمة المعدة من جانبي من أجل افتتاح الجلسة الأولي معي ولما وصل الوفد ولم نجد الكلمة طلبت من مسعد مهموز مدير مكتبي الجديد كتابة كلمة ترحيب مقتضبة والتعريج علي الأمور العامة دون الدخول في التفاصيل خشية الخطأ وبدا بالفعل الاجتماع وبدأت أقرأ الكلمة التي أعدها مسعد ولم يكن هناك وقت لكتابتها علي الحاسوب: أنا: (أقرأ بتؤدة وتمهل وتعثر في كثير من الأحيان) أيها السيدات والسادة أعضاء الوفد الألماني الضيف الزائر لوزارتنا. إنني .إنني في الواقع أريد أن أرحب بكم في بلدكم الثاني مصر .. مصر الحضارة والتاريخ , مصر ذات الجذور العميقة في التاريخ , مصر التي قصدها علماء العالم علي الدوام من اجل العلم والحضارة والدراسة والتنمية. أنني هنا أريد أن أرحب بكم في بلدكم الثاني مصر , وأتمنى أن تكون إقامتكم هنا ممتعة وشيقة ومثيرة. (نظرت نحو مسعد بغضب فالكلمة لا تحوي أي شيء سوي كلمة مرحبا مكررة ومصر الحضارة والتاريخ وليس فيها ذكر من أي نوع لنوع الزيارة وطبيعتها وربما يكون معذورا لأنه لا يعلم مضمون الزيارة فقط عبد العزيز كان يعرف مضمون الزيارة وهدفها وليس أي شخص أخر). (توجهت إلي المترجم وقلت له كذلك أن يركز علي الترحيب بالوفد ويطلب منهم إلقاء كلمة علنا نفهم ما وراء الزيارة والهدف منها وقد كان) المترجم بالألمانية يرحب ويطلب منهم إلقاء الكلمة التي جاء فيها الهدف من الزيارة وهو توقيع البروتوكول التعاوني بين الوزارة وبين ألمانيا والذي تم إيداع نسخة منه في الوزارة وطلب رئيس الوفد التوقيع علي البروتوكول وأخذ بعض الصور التذكارية إذا لم يكن لدينا أي اعتراض علي البروتوكول المقدم من الجانب الألماني خصوصا وأنهم سيقومون بتقديم الدعم المالي والتدريب علي حسابهم. (وسُقط في أيدينا فنحن لا ندري أين وضع عبد العزيز أوراق البروتوكول ولا نعرف بالضبط المطلوب من الجانب المصري عمله وكنت قد طلبت منه منذ مدة طويلة قراءته واقتراح أي تعديل ضروري ولكن من الواضح أن الوفد جاء خصيصا من اجل التوقيع وساد الهرج والمرج وبدأ القلق يظهر علي الجميع وبدأ مسعد جولات مكوكية بيني وبين بقية أعضاء الوفد علنا نجد أي معلومة تساهم في فك طلاسم الموضوع أو تساعدنا في التصرف في هذا الوضع الغريب. وفي النهاية أقترح أحد الوفد المصري أن يقوم الوفد بزيارة الأهرامات وأبو الهول ريثما نجهز الرد النهائي علي المقترحات الألمانية. (ومر المطب الأول – إلي حين – علي خير ولكن نفس اليوم شهد الكثير من المطبات الأكثر صعوبة فقد طلبني مكتب رئيس الوزراء وطلب الميزانية الخاصة بالإنشاءات الجديدة بمبني الوزارة لدراستها واعتمادها في اجتماع مجلس الوزراء بعد حوالي ساعة واحدة فقط. وسُقط في أيدينا ثانية وهذه المرة لم نجد بدا من أن نطلب عبد لعزيز علي الموبايل والتليفون الأرضي وكان النتيجة صفرا كبيرا فلم يرد علي الموبايل وفي البيت لم يكن هناك من يعرف أين هو. وبعد محاولات كبيرة وكثيرة استخدمت الرقم الخاص جدا وكلمته بنفسي فكان الرد النهائي أنه في أجازة مرضية بحكم القانون وأنه علي الوزارة أن تحوله إلي القومسيون الطبي وأعتذر عن الحضور وأغلق الهاتف.) تحولت الوزارة كلها بكل أطيافها وموظفيها وعمالها إلي فريق بحث يبحث في كل الأوراق في كل الأدراج وأختلط الحابل بالنابل وربما ضاعت ملفات أخري وطويت اوراق مهمة وتم إلقاءها في سلة المهملات لكننا في النهاية ورغم كل الوقت والجهد لم نصل إلي أي شئ. ودق جرس التليفون ثانية وكان المتصل هو مكتب رئيس مجلس الوزراء مرة أخري وكان الكلام هذه المرة بحدة أكبر وصوت أعلي لأن الميزانية لم تصل وهي لُب الاجتماع. وأخذت السماعة من مسعد وطلبت محادثة رئيس الوزراء بنفسي والذي بدا غاضبا هو الأخر من التأخير وعبثا حاولت ان أشرح له الموضوع: أنا: يا سيادة الريس بس فيه مشكلة صغيرة. مدير المكتب مش موجود والملف ده كان معاه ولازم حطه هنا ولا هنا. رئيس الوزراء: اتصرف يا رشوان الموضوع غير قابل للتأجيل. شوف عبد العزيز راح فين وأطلبه أنت مسمعتش عن حاجها أسمها الموبايل. أنا: (الصوت لا يكاد يخرج) ماهو أصل .. أنا قصدي هو يعني مش بيرد علي الموبايل. رئيس الوزراء: ليه غريبة حيكون بيعمل أيه وأزاي ما بيردش يمكن يكون في حاجة واحشة. أنا: لا مش أي شيء م اللي في بالك أصل بصراحة أنا استغنيت عنه كمدير لمكتبي. رئيس الوزراء: أنت مجنون يا رشوان هو أنت تعرف تروح ولا تيجي من غيره يا راجل. أنا: أصله بيقول كلام عني كتير ملوش لازمة. رئيس الوزراء: يعني زي ايه؟ أنا: كلام فارغ عن الكفاءة ومين اللي بيعمل كل حاجة يعني. رئيس الوزراء: تقصد أنه بيقول أنك مبتعرفش تعمل حاجة من غيره وان هو مسمار الوزارة وحاميها والدينامو المحرك لها. كلام زي إن في قرارات كتير مهمة هو اللي بيأخدها مش أنته وإن كل الملفات المهمة في الوزارة هو بس الللي فاهمها. أنا: يعني تمام. بس حضرتك عرفت منين؟ رئيس الوزراء: ما هو مدير مكتبي داير يقول كده برضه بس أن حصيف شوية عنك أنا بعرف أداري أموري. كل مدير مكتب بيعرف أسرار كتير أوي ومفيش واحد فينا يعرف يستغني عنهم إلا في الوقت المناسب وساعتها نعرف نطلع القديم والجديد لكن كده فجأة وبدون مقدمات ومن غير ما نشوف البديل وندربه ونعرفه كل صغيرة وكبيرة في الشغل. وخد بالك البديل بعد شويه حيقول نفس الكلام المهم يحترمونا أدام الناس. أسمع يا رشوان اتصرف وبسرعة وصالحه .. اعتذرله المهم الشغل يرجع تاني زي الساعة دي مشكلتك سامع. كان لكلمات رئيس الوزراء وقع شديد علي نفسي فأحسست أنني لن أستطيع أن أخرج من هذا المأزق بسهولة وأن الموضوع كبير ومحتاج تضحيات ولابد أن أحاول بسرعة لكي أخرج من المشكلة. لقد وضح الأمر الوزارة لا تستطيع أن تستمر في العمل بدون عبد العزيز وعلي الجميع أن ينصاع له ولطلباته ولابد من ترضيته بأي شكل. همس أحدهم في أذني قائلا : يا سيادة الوزير الوحيد اللي ممكن يتصل بعبد العزيز بيه هو إبراهيم بتاع الحسابات هو ده عين عبد العزيز في الوزارة. حضرتك قله يتصل بيه ويقولوا تعالي ضروري وإلا وهو عارف الطريقة كويس. وبالفعل استدعيت إبراهيم هذا وطلبت منه بشكل لا يحتمل التسويف أو المماطلة أن يطلب عبد العزيز وكان لي ما أردت بعد نصف ساعة فقط كان عبد العزيز في مكتبي وكانت جلسة صعبة جدا عليً. أنا: ايه عبد العزيز يعني فجأة قفلت الموبايلات وسبتني ومشيت زي ما تكون ما صدقت ياراجل. عبد العزيز: يا فندم سيادتك اللي تخليت عني رغم إني كنت دايما معاك وجنبك ووراءك وعمري ما قصرت مع سيادتك في حاجة يا فندم. أنا: ده صحيح انت فعلا كنت نعم العون دايما يا عبده. ومواقف كتيرة يا عبده أنت كنت البطل فيها وأنا لازم اعترف بكده. لكن أنت يا راجل ما تعرفش شيء اسمه هزار خالص. عبد العزيز)بجدية) الموضوع ما كنش هزار يا سيادة الوزير وأنا بصراحة متمسك بموقفي وأعتقد صعب أرجع تاني اشتغل في الوزارة في أي منصب. أنا: ما هو أنت مش حتسيب منصبك يا راجل. ده انت حتظل في منصبك زي ما أنت أنا بس كنت بشوف مدي مدي مدي قدرتك علي الصمود ومحبتك للعمل وإخلاصك ليا وللوزارة وأنا أتاكدت من ده. عبد العزيز: يا سيادة الوزير أنا لا أقبل إطلاقا بأي تشكيك في إخلاصي ودي تعتبر طعنة أخري في قلبي وفي قدراتي وفي وفاءي لك وللوزارة. أنا: يا عبده خلاص أنا يا سيدي أسف وتأكد أن هذا الموقف لن يتكرر ودي كانت وشاية ظالمة وأنا تأكدت من الخطأ وحاعاقب اللي عمل كده. عبد العزيز: لا يا سيادة الوزير اللي عمل كده سيبهولي أنا أعرف أزاي أعاقبه. لكن مبدئيا أنا معدش أقدر أعمل مع سيادتك بعد ما صار في وشاية وعدم ثقة. انا أسف يا سيادة الوزير أنا حقعد في بيتنا وحكتب مذكراتي. (وقعت كلمة "حكتب مذكراتي" علي كالصاعقة , فقد كان عليً أن أتخيل في الحال ما يمكن أن يُكتب في هذه المذكرات. لقد كنت غاضبا بشدة عندما رأيته يذكر في جلسة خاصة النذر اليسير مما يحدث في الوزارة فكيف يمكن أن أتحمل وقع هذه الكلمات وبتفاصيلها ومواقفها علي جموع الشعب في كل مكان خصوصا وأنا أعرف أن هناك كثيرون سيتلقفون هذا ويستغلونه ضدي وضد الحكومة. كثير من الناس لا يحبونني ويعتقدون أنني قضيت في الوزارة أكثر مما يجب والمعارضة تنتظر بلهفة أي سقطة مدوية لأي طرف من أطراف الحكم فما بالك بأقدم وزير في الحكومة خصوصا عندما تكون المذكرات خاصة بمدير المكتب الذي يعرف كل شيء ومن المؤكد أن لديه علي كل شئ دليل ولن أستطيع أن أرد عليه أو أكذبه. والزملاء في الحزب يحقدون عليً وعلي الثقة التي أحصل عليها دائما من الكبار وكيف استطعت البقاء في الأضواء رغم كل التغيرات التي عصفت بالبلاد علي مدار العقود الأخيرة ومنهم من يطمع في المنصب ومنهم من يريد أن ينقض علي الامتيازات الممنوحة لشخصي.) (لاحظ عبد العزيز وقع كلماته الأخيرة عليً فأستدرك قائلا: عبد العزيز: يا فندم المذكرات لن تكون سوي بكل الخير علي سيادتك فقط ساروي وقائع معينة كنت أنا طرفا فيها ولكنني لن امسك بسوء فقط ساروي القصة من وجهة نظري وكيف تدخلت في هذا العمل أو ذاك وكيف نجحنا في حل مشكلات صعبة والمواقف الحرجة التي تعرضت لها خلال عقود طويلة من العمل ومواقف جريئة ومضحكة. أنا: مواقف جريئة ومضحكة ياعبده. يعني ممكن تحكي عن يوم ما قابلت السفير الكندي وأنا لابس فردة شراب مختلفة عن الأخري مش كده. ولا يوم ما كنا أنا والمدام في روما والمدام أشترت بسبعين ألف يورو أحذية وشنط علي حساب السفارة. ويمكن تحكي عن الانتخابات الأخيرة وأزاي فزنا فيها. وتحكي عن الخطاب التاريخي أمام مجلس الشعب واللي اتلخبطت فيه الأوراق وقرأت عليهم الخطاب اللي كان مخصص لزيارة مستشفي السرطان ومن فرط الإرهاق مخدتش بالي غير بعد ثلاث دقايق. يمكن عاوز تحكي في المذكرات عن يوم ما تكلمت مع السفير بتاع كوريا الشمالية علي أنه سفير كوريا الجنوبية و الأزمة اللي نشأت بسبب الخطأ ده. ولا يمكن عاوز تتكلم عن حبي للأسماك وغسيل المعدة اللي أنا عملته في اليونان لما أكلنا أكلة سمك جامدة أوي. أنت عاوز تنتقم مني يا عبده مش كده. عبد العزيز: إطلاقا يا فندم أنا ممكن أذكر بعض الوقائع دي لكن أنا ليا طريقتي يا باشا , يعني عمري ما حطلع سيادتك غلطان. أنا: عبده الموضوع ده مرفوض من الأصل وممنوع الكلام فيه ويا سيدي شوف الترضية اللي أنت عايزها وأنا حعمل اللي أنت عايزه وحالا بس عايز البروتوكول بتاع الوفد الألماني وملف الميزانية الخاصة بالإنشاءات روح يا عبده جيبهم وتعالي. (خرج عبده إلي مكتبه وعاد بعد نصف دقيقة وفي يده البروتوكول عليه كل الملاحظات والنقاط القانونية وكل شيء معد للتوقيع ومعه كذلك الميزانية الخاصة بالإنشاءات الجديدة) أنا: الحاجات كانت فين يا عبده؟ كانت هنا في المكتب؟ عبد العزيز: طبعا يا باشا أنا لا يمكن أعمل حاجة غلط وشغلي عمري ما أستغله ضد الوزارة أو ضد سيادتك. أنا: أمال موضوع المذكرات أيه يا عبده؟ عبد العزيز: دي حاجة يا فندم عشان أسلي بيها نفسي بدل ما اقعد علي القهوة وأجيب في سيرة الناس. أنا: وهو في سيرة يا عبده أكتر من المذكرات. دي فضيحة يا راجل. بلاش الأفكار اللي تودي في داهية دي وبعدين يا سيدي لما أطلع من الوزارة أبقي أعمل اللي أنت عايزه ماشي. عبد العزيز: عموما حضرتك عايز حاجة تاني؟ أنا في اجازة مرضية وطلبت تحويلي للقوسيون الطبي وجيت بس عشان خاطر سيادتك يا فندم. أنا: متبقاش بايخ يا عبد العزيز أنا بأعرض عليك الترضية اللي أنت عايزها. عبد العزيز: ماشي يا باشا. اول شيء سعادتك تصدر أمر فوري بتعيني مدير عام لمكتب سيادتك ومستشارك الأول بدون حد أقصي للمكافأة. سيادتك تصدر أمر فوري بإعادة تصميم وتأثيث مكتبي عشان معدش يليق بمنصب المستشار الأول للوزير. وكمان سعادتك تصدر أمر فوري بتغير العربية اللي أنا بأركبها عشان تبقي نفس موديل عربية سيادتك. سيادتك تصدر قرار فوري بأن كل صغيرة وكبيرة في الوزارة لازم تمر عليا قبل وبعد توقيع سيادتك عليها. سيادتك تصدر أمر فوري بجعلي المسئول الأول عن كشوف البركة قصدي المكافآت في الوزارة ويبقي ليا الحق في حذف أو إضافة الأسماء التي أراها مناسبة أو غير مناسبة. سيادتك تصدر أمر فوري بجعلي المسئول الأول عن اختيار كل البعثات المسافرة للخارج علي حساب الوزارة وكمان تخليني المسئول عن بعثة الحج الخاصة بالوزارة وتبعت سيادتك الأستاذ "مسعد مهموز" علي رأس اللجنة بتاعة السياحة الداخلية بس بعد ما تنقله عندي هنا في المكتب عشان أتفاهم معاه كويس. الوزارة تصدر في كل الجرائد القومية والمسموعة والمرئية تهنئة بالمنصب الجديد لشخصي المتواضع. الوزارة تعمل حفلة كبيرة وتكون سيادتك علي رأسها عشان التهنئة بالترقية ده بالإضافة لشوية حاجات صغيرة خاصة ببعض التنقلات الداخلية في الوزارة والتعيينات حبقي أكتب لسيادتك بيها مذكرة وعلي فكرة يا فندم كل اللي أنا طلبته لصالح العمل مش مطالب شخصية علي الإطلاق. أنا: يا عبده مش عاوز حاجة تاني. يعني عربية تجيب بيها الخضار للبيت , أو جاكوزي زي اللي عندي في مكتبي , التكييف بتاع مكتبك كويس ولا نغيره؟ عبد العزيز: لا يا فندم كفاية كده دلوقتي عشان سيادتك ما تفتكرش أني أنا باستغل الموقف. أنا: لا أبدا أنت ملاك يا عبد العزيز. عبد العزيز: أنا خدامك يا فندم بس بلاش سعادتك تسمع وشاية من حد , دول ناس حاقدين يا فندم وعايز سعادتك من هنا ورايح لو سمعت الكلام بودنك متصدقش لأن أنا أكتر شخص مخلص لسيادتك وطبعا للوزارة والنظام. أنا: مش بقولك أنت ملاك يا عبد العزيز. (وفي طريقي للخروج من المكتب رأيت عبد العزيز منفردا ب"مهموز" الذي وقف مكسورا أمامه) عبد العزيز: لازم تعرف أن الوزارة فيها عبد العزيز واحد بس يا مسعد. عبد العزيز هو الكل في الكل هو اللي عارف كل الخبايا وكل القضايا وكل المصائب. أنا عارف عنك أكتر مانت تعرف عن نفسك يا مسعد. عارف حتة الأرض بتاعة الساحل الشمالي قبل ما تمضي العقد كان عندي كل التفاصيل وأنا اللي قلت ماشي عشان عينك تبقي مليانة. الكرسي ده محدش يعررف يهزه لا أنت (ونظر إلي) ولا غيرك. |
|
قبسات من أنوار وأقلام العلماء والكتاب قبسات أون لاين حيث الإعلام الهادف قبسات أون لاين
9:24 ص
مقالات متنوعة
.