الإخوان والسياسة.. محاولة للفهم
د. رفيق حبيب/قبسات أون لاين
أثار الجدل حول تجربة حزب العدالة والتنمية، قضية المراحل الانتقالية أو الدور الانتقالي، وأيضًا فكرة تحقيق ما هو متاح الآن من أهداف الحركة الإسلامية، حتى تصبح قادرةً على تحقيق أهدافها الأخرى في المستقبل، خاصةً أن ما قد يُتاح في ظلِّ الظروف الدولية والإقليمية والمحلية المعقدة، قد يكون من فروع المشروع الإسلامي، أو من الجوانب الممهدة له، وليس أهدافه وغاياته النهائية.
وبهذا أصبح السؤال المُلِّح يدور حول موقف جماعة الإخوان المسلمين من المراحل الانتقالية أو الأدوار الانتقالية أو المرحلية، ولأن الأوضاع لم تتضح بعد، ولم تكشف عن الاحتمالات التي قد تظهر في المستقبل بصورة دقيقة؛ لذا يصعب تحديد مختلف المواقف المتوقعة من جماعة الإخوان تجاه المرحلة الانتقالية، ولكن أسس موقف الجماعة، يمكن استنتاجها من مواقفها الحالية.
فجماعة الإخوان المسلمين، قد حددت دورها حتى الآن، في ممارسة الدور السياسي العام، دون التنافس على السلطة، أي حددت دورها في إطار جماعة الضغط السياسي؛ لذا فهي تعارض ما ترفضه من سياسات، وتوافق على ما تؤيده من سياسات، أيًّا كانت النخبة الحاكمة، وهو ما يفتح الباب أمامها لتؤيد أي نخبةٍ تصل للحكم وتحمل مشروعًا للإصلاح السياسي، ومواقف الجماعة تؤكد أنها تُعطي أولويةً لتحرير إرادة المجتمع، على أساس أن ذلك شرط أولي، يُمهِّد لبناء المشروع الإسلامي، ويسمح للمجتمع باختيار المشروع الإسلامي بإرادته.
لهذا فكل جهدٍ من أجل تحقيق الإصلاح السياسي، وبناء دولة القانون والمؤسسات، وتنظيم العملية السياسية بآليات الديمقراطية، تؤيده الجماعة، ومن هذا، نجد الجماعة تؤيد كل محاولات الإصلاح السياسي، حتى تلك التي لا تشترك فيها، وهو ما يعني ضمنًا، أن الجماعة تؤيد وجود تحالف سياسي، يقود المرحلة الانتقالية؛ لتحقيق الحرية للمجتمع.
وربما يكون هذا هو الخيار الأول المفضل، بحيث تتشكل المرحلة الانتقالية من تحالف بين القوى السياسية، يقوم بتحقيق الإصلاحات السياسية الجوهرية، ويمهد الطريق للتنافس السلمي للوصول للسلطة.
وبنفس المعيار الذي تلتزم به الجماعة، يمكن أن نتوقع تأييد الجماعة لأي مجموعةٍ أو نخبة وطنية، تلتزم بالقواعد الوطنية التي يؤمن بها المجتمع، إذا استطاعت هذه النخبة الوصول للسلطة، وقدمت برنامجًا إصلاحيًّا، يتوافق مع البرنامج الإصلاحي المتفق عليه بين جميع القوى السياسية؛ لذا فأي إصلاح يأتي من النخبة الحاكمة أو من تحالفٍ سياسي، أو من نخبةٍ وطنيةٍ جديدة، يمكن أن يلقى تأييدًا من جماعة الإخوان المسلمين، ما دام يحقق الحرية الكاملة وغير المنقوصة للمجتمع، حتى يختار المرجعية التي يريد بناء النظام السياسي عليها.
ولكن هناك احتمالات أخرى، فقد يتصدر المشهد حزب سياسي، يقدم برنامجًا إصلاحيًّا، وتُتاح له فرصة المنافسة الحرة، ويصبح من المرجح أن يقوم هذا الحزب بإصلاحٍ سياسي حقيقي، إذا وصل للسلطة.
وهنا يصعب ترجيح موقف جماعة الإخوان المسلمين، ولكن الأغلب أنها لن تحاول إيصال هذا الحزب للسلطة بنفسها وبمفردها، وباتفاق مباشر بينهما؛ لأن الحزب الذي سوف تتاح له فرصة الوصول للسلطة في هذه المرحلة، سيكون إما حزبًا علمانيًّا، أو حزبًا يتوافق مع الشروط العلمانية يؤسسه إسلاميون، على غرار حزب العدالة والتنمية، ورغم أن تحالف الجماعة مع مثل هذا الحزب ممكن، إذا توفرت الضمانات الكافية، والتي تؤكد أنه سوف يعمل لفتح الباب أمام جميع القوى بما فيها الحركة الإسلامية للتنافس الحر على السلطة، ولكن الأغلب أن الجماعة لن تفضل تحمل مسئولية إيصال نخبة ما إلى الحكم بمفردها، وسوف تحاول ربط تأييدها لهذا الحزب بوجود توافق شعبي عليه، بحيث يصبح اختيار هذا الحزب مبنيًا على رغبةٍ شعبيةٍ تشترك فيها الجماعة، وليس على انفراد الجماعة بتأييد الحزب وحشد التأييد الشعبي له، حتى لا تتحمل المسئولية بمفردها، خاصةً أنه لا يمكن تحديد ما ستقوم به نخبة ما إذا وصلت للسلطة، أيًّا كانت الضمانات أو المؤشرات المتاحة.
ولكن موقف الجماعة من أي حزب يحمل اللافتة الإسلامية، ويُقدِّم رؤيةً إسلاميةً تختلف مع مشروعها، سوف يكون مختلفًا؛ لأن هذا الحزب سيقدم المشروع الإسلامي برؤية تختلف عن رؤية الجماعة، ويحاول جذب الجمهور المؤيد للمشروع الإسلامي له، وبالتالي سوف يبعده ضمنًا عن المشروع الذي تحمله جماعة الإخوان المسلمين، وحتى إذا كان هذا الحزب يحمل مشروعًا للإصلاح السياسي المتفق عليه بين القوى السياسية، فإن تأييد جماعة الإخوان المسلمين له سيكون صعبًا؛ لأنها في هذه الحالة تؤيد رؤية تُنسب للعنوان الإسلامي، ولا توافق عليها الجماعة، مما يُؤثِّر بالسلب على رؤية الجماعة، وعلى رؤية الجمهور المؤيد لها.
وهذا الأمر يمكن أن يتكرر مع أي نخبة، تحمل مشروعًا سياسيًّا له ملامحه الخاصة، ويتعارض مع مشروع الجماعة، أكثر من كونها تحمل مشروعًا للإصلاح السياسي.
نعني بهذا، أن الحزب الذي يُقدِّم برنامجًا لتعميق العلمانية في مصر، لن يحظى بتأييد الجماعة أيًّا كان برنامجه الإصلاحي؛ لأنه لا يريد فقط إصلاح النظام السياسي، بل يريد بناء نظام سياسي بعينه، يخالف رؤية الجماعة.
وهنا يظهر الفرق المهم بين الحزب الذي يقوم بدور انتقالي، والحزب الذي يحمل مشروعًا نهائيًّا يريد تحقيقه، فالحزب الذي يحمل رؤيةً انتقاليةً، يُقدِّم برنامجًا لتحسين الأوضاع الحالية، والتمهيد لنظامٍ سياسي حر، يسمح بالتداول السلمي للسلطة، ولكن الحزب الذي يحمل رؤيةً سياسيةً نهائية، فهو يهدف إلى تحويل النظام السياسي القائم إلى رؤيته، مما يعني أنه يؤسس لوضع سياسي نهائي، يحدد التيارات التي يسمح لها بالتنافس على السلطة، فإذا قدَّم حزبٌ برنامجًا لبناء نظام علماني، فمعنى هذا أنه يبني نظاما يقصي المشروع الإسلامي، ولا يقدم برنامجا لتحرير المجتمع حتى يختار بحرية المشروع الذي يريده، لذا فكل نخبة أو تحالف، يُقدِّم برنامجًا انتقاليًّا، يحدد مراحل التحول من الاستبداد إلى الحرية، ومن الدولة الفاشلة إلى دولة القانون والمؤسسات، سوف يجد دعمًا من جماعة الإخوان المسلمين غالبًا، ولكنها لن تفضل أن تكون الداعم الوحيد له، والذي يتحمل مسئولية تصرفاته في الحكم.
ولكن يبقى السؤال، هل يمكن أن تقوم جماعة الإخوان المسلمين بالدور الانتقالي، فتؤسس حزبًا لا يحمل المشروع الإسلامي، ولكن لا يحمل ما يتعارض مع المشروع الإسلامي، ويُركِّز فقط على الإصلاحات السياسية الأساسية، أو تقوم الجماعة بهذا الدور بنفسها؟ معظم المؤشرات تدل على أن جماعة الإخوان المسلمين، لا يمكن أن تحصر دورها في جانب من الجوانب، أو أن تؤجل كل مشروعها وفكرتها، لتحصر نفسها في مهمة انتقالية محددة، وفي الوقت نفسه، لا يبدو من المحتمل أن تلجأ الجماعة إلى تأسيس حزب سياسي يحمل مشروعًا انتقاليًّا إصلاحيًّا يحمل جزءًا من برنامجها المتفق عليه مع القوى السياسية الأخرى، ولا يحمل أي جانبٍ من رؤيتها السياسية الإسلامية، فالدول الغربية ترفض وصول الحركة الإسلامية للسلطة؛ لذا فإن الظرف الذي سوف يسمح بقيام مرحلة انتقالية، لن يكون من السعة لدرجة أن يسمح لجماعة الإخوان المسلمين بقيادة هذه المرحلة وتنفيذها من خلال حزب تؤسسه؛ لأن الأوضاع الدولية السائدة، تسمح فقط للقوى العلمانية، أو للإسلاميين الذين يتبنون المشروع العلماني المعتدل، بالتنافس للوصول للسلطة.
لكن إذا وُجد ظرف يسمح لجماعة الإخوان المسلمين بالتنافس على السلطة من خلال حزب إسلامي تؤسسه، ولكن هذا الظرف يتطلب تقديم وتأخير في الأولويات وبرامج العمل، فإن الجماعة في الغالب سوف تقوم بالتنافس للوصول للسلطة؛ لتحقق ما هو متاح، حتى تتمكَّن من بناء مشروعها الإسلامي.
قبسات من أنوار وأقلام العلماء والكتاب قبسات أون لاين حيث الإعلام الهادف قبسات أون لاين
6:43 ص
مقالات متنوعة
.