: حنين (الحلقة الأولى)
م. أحمد شوشة/قبسات أون لاين
هذه نبضات قلب أرسلها من وراء الأسوار؛ لعلها تصادف قلب أخ في الله فتتعانق أرواحنا في حديث أشواق لا ينتهي، أو لعلها تصادف قلبًا حائرًا أرهقته ضغوط الحياة فيطمئن بها، أو لعلها تصادف عقلاً شاردًا في المتاهات يبحث عن الحقيقة فترشده.
عجبتُ لهم قالوا: تماديت في المنى وفي المُثلِ العليا، وفي المرتقى الصعب
فقلتُ لهم: مهلاً فما اليأس شيمتي سأبذر حبيِّ، والثمارُ من الرَّبِّ
(من شعر: د. القرضاوي)
الماضي يضيء الحاضر والمستقبل
"الخطوة الأولى في تصفية شعب أن تمسح ذاكرته؛ دمر كتبه وثقافته وتاريخه، ثم اجعل شخصًا ما يكتب كتبًا جديدةً، واصنع ثقافةً جديدةً، واخترع تاريخًا جديدًا. ولن يمر وقت طويل حتى تبدأ الأمة بنسيان ما كانت وما تكون".
(ميلان كوندارا: الضحك والنسيان).
كيف يعمل المرء على اجتثاث جذور شعب؟ الجواب: يدمر ذاكرته، فيُحرم الشعب من معرفة من هو ومن أين جاء.
"اسقط عبر "ثقب الذاكرة" القصص الوطنية ومجدها وأنتج تواريخ كل "العيوب والنقائص".. والهدف النهائي هو: تدمير الوطنية، قتل حب البلاد، كسر معنويات الشعب، تفكيك البلاد".
(باتريك جيه. بوكانن: المستشار لثلاثة رؤساء أمريكيين ومرشح الرئاسة سنة 1992 إلى 1996 عن الجمهوريين وسنة 2... عن حزب الإصلاح وله عدة كتب ومقالات: متحدثًا عن أمريكا في كتابه موت الغرب).
(باتريك جيه. بوكانن: المستشار لثلاثة رؤساء أمريكيين ومرشح الرئاسة سنة 1992 إلى 1996 عن الجمهوريين وسنة 2... عن حزب الإصلاح وله عدة كتب ومقالات: متحدثًا عن أمريكا في كتابه موت الغرب).
"إن بعض القوى الكبرى في عالمنا- وعلى رأسها أمريكا- تريد أن نغير من أجلها هويتنا وذاتيتنا، وتريد أن تتحكم في حاضرنا، وأن تقرر لنا ما يجب أن نتعلمه، حتى أحكام ديننا!! وأن تنوب عنا في تقرير مصيرنا ومستقبلنا. هذه القوى نفسها تريد كذلك أن تتدخل في ماضينا لتصوره لنا على ما تريده هي، فتأخذ منه وتبقي، وتغير منه وتبدل. إنهم يريدون أن يكتبوا لنا التاريخ بأقلامهم- أو بأقلام عبيدهم وخدامهم- ليقدموا لنا مسخًا مشوهًا لا يمت إلينا بصلة ولا نعرفه ولا يعرفنا".
(د. يوسف القرضاوي: تاريخنا المفترى عليه).
"إن التاريخ يُدرس للعبرة؛ ليضيف إلى تجارب الإنسان الذاتية تجارب غيره من البشر خلال القرون. ومن خلال رؤية حركة البشر عبر التاريخ، ومحاولة تفسيرها والحكم عليها، يشعر الإنسان أنه صار أكثر خبرةً وأوسع قاعدةً، وأعمق فكرًا وأكثر أصالةً، وأوضح انتماءً مما كان من قبل وهو محصور في تجربته الذاتية الفردية. نستطيع أن نقول مطمئنين إن درس التاريخ في حقيقته درس في التربية".
(أ. محمد قطب: حول التفسير الإسلامي للتاريخ).
إن الحنين إلى ذكريات الماضي إنما هو في دعوة الإخوان المسلمين جسر إلى أحداث الحاضر وآمال المستقبل. ولقد كان هناك رجال ونساء لهم عظيم الأثر والفضل على حاضر دعوتنا الزاهر والمستقبل المرجو المشرق بفضل الله عز وجل.
وحديثنا هنا- في هذه السلسلة- عن رجال منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً أضاءوا حياتهم بهذه الدعوة المباركة فعمروها بالإسلام والإيمان واليقين والإحسان فعاشوا أحرارًا، استعصت أرواحهم على الطغاة والجلادين رغم السجون والمعتقلات وسياط التعذيب ورصاص الغدر وأعواد المشانق، فانطلقت تلك الأرواح من بين القيود تبلغ رسالة رب العالمين في عزة وإباء.
﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175﴾ (آل عمران).
إن هذه الخواطر والمشاهد السريعة لن توفي هؤلاء الرجال القدوة حقهم، ولكن لعلها تفي لنا ببعض الزاد التربوي الذي يزيدنا ولاءً وثباتًا وحبًّا لهذه الدعوة المباركة، وأيضًا لعلها توضح لنا بعض معالم طريق الدعوة والجهاد في سبيل إقامة هذا الدين، وكذلك لعلها تزيدنا يقينًا بحتمية التمكين لدين الله في الأرض، أو لعل هذه الخواطر تكون دافعًا للإخوة لأن يكتبوا عمن عايشوهم من إخوانهم فتكون زادًا لنا، ولمن بعدنا على الطريق الدعوة إن شاء الله.
أيها الأحباب...
وأخيرًا هي نبضات قلب لا ولن يمنعه السجن أن يظل يخفق بحب هؤلاء الرجال القدوة الأفذاذ، وأمثالهم وبحب هذه الدعوة المباركة التي جمعتنا بهم بفضل الله عز وجل ورحمته.
﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29)﴾ (الفتح).
﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29)﴾ (الفتح).
الأستاذ محمد العدوي (عليه رحمة الله) أحب الناس فأحبوه هو أحد تلامذة الأستاذ البنا (عليه رحمة الله)، عمل سكرتيرًا للدكتور خميس حميدة وكيل جماعة الإخوان المسلمين (عليه رحمة الله). دخل السجن عام 1954 ليخرج منه بعدما أمضى فيه ما يقارب من العشرين عامًا في أوائل السبعينيات من القرن الماضي الميلادي؛ ثابتًا عاملاً مجاهدًا في سبيل نصرة دين الله عز وجل، وفي عام 1981 وبعد أحداث مقتل الرئيس السادات (عليه رحمة الله) عاد إلى مصر بعد أداء فريضة الحج، وهو يعلم أنه مطلوب اعتقاله، ولكنه آثر أن يعود ليكون مع إخوانه وتلامذته في محنتهم فيدخل معهم السجن ليخرج منه أكثر ثباتًا، وأصلب عزيمةً إلى أن لقي ربه راضيًا مرضيًا عنه إن شاء الله.
كان (رحمه الله) أستاذًا مربيًا فاض من قلبه الحب فارتوى منه جميع الناس رحمةً ورأفةً وعطفًا فاجتمع عليه الخلق من كل الأصناف، فقراء وأغنياء، رجالاً ونساءً، كبارًا وصغارًا، طلابًا وعلماء، فأسس بهم صرحًا دعويًّا عظيمًا في محافظة الدقهلية وما حولها. وما زالت كلماته الرقراقة الندية تعيش في نفوس الإخوان، ومن هذه الكلمات:
"إنما يحتضن الإخوان الناس برفق ورحمة، يعالجون أرواحهم ومشاعرهم وأفكارهم وواقعهم حتى تستقيم على درب الإسلام كما أُنزل على خير الأنام صلى الله عليه وسلم".
كان بيته- المتواضع- قبلة لكل طارق، وكانت زياراته تلبية لكل داعٍ إلى الخير، ينثر كلماته الذهبية فتضيء بالقرآن والسنة سبل الهداية فتجتمع حوله الصفوف وتتوحد تحت قيادته القلوب.
أما حياته فكانت قدوة عملية لجيل كامل تتلمذ على يديه في محافظة الدقهلية، وما حولها ومن هذه المواقف:
الالتزام والجدية في أداء العمل الوظيفي
تواعد أخوان يومًا للذهاب إلى الأستاذ العدوي ليستشيراه في أمر من أمور الدعوة، فاتفقا أن يذهبا إليه في بيته صباحًا قبل خروجه إلى العمل- وكان يعمل موجهًا في التعليم الصناعي وكانت مدرسة الصنائع تبعد عن بيته ما لا يزيد عن خمسة دقائق- وذهبا فعلاً قبل موعد بداية العمل بوقت كافٍ، ولكن قال لهما أهل بيته: إنه خرج إلى مدرسة الصنائع. فذهبا إلى المدرسة فقيل لهما: نعم إنه حضر، ولكن ذهب إلى الإدارة التعليمية؛ فسُقط في أيديهما وقررا الانصراف، وعند خروجهما من المدرسة وجداه عائدًا إلى المدرسة من الإدارة التعليمية، وعند رؤيته لهما سلم عليهما وانصرف عنهما حتى أنهى بعض أعماله مع العاملين في المدرسة. ثم التفت إليهما يسألهما عن حاجتيهما فأخبراه، فكأنه لم يجد فيما عرضاه عليه أمرًا عاجلاً فطلب منهما بلطف المرور عليه في البيت بعد انتهاء العمل وعودته إلى منزله، ثم تركهما ليباشر عمله؛ فكان درسًا في التزام الأخ وجديته في أداء العمل الوظيفي، وأن الإسلام يفرض علينا الاتقان والإحسان في العمل؛ لأنه سبيل إلى تقوية بلدنا ونهضة أمتنا.
تواضع وتلبية سريعة لأمر الدعوة:
في أحد الأيام قام إخواننا الطلبة بالدعاية اللازمة في أنحاء الجامعة لمحاضرة سيلقيها أحد الدعاة من القاهرة، وفي الموعد المحدد لم يأت الأستاذ الداعية، وبالاتصال به أخبر إخواننا بأن الموعد الذي أُخبر به غير هذا اليوم، فذهب إخواننا إلى الأستاذ العدوي- وكان يقيم بجوار الجامعة بشارع متفرع من شارع الجلاء- ليحاضر بدلاً من الأستاذ الذي لم يحضر، فأعد نفسه سريعًا، وألقى محاضرته القيمة، وعند خروجه في رفقة بعض الإخوان الطلبة سألهم عن ملاحظاتهم عن المحاضرة، فاعتبروا ذلك تلطفًا منه، ولكنه أصر قائلاً: أحب أن أسمع الملاحظات لعلي أستدركها في لقاءات قادمة.
وكان درسًا في سرعة تلبية الأخ لنداء الدعوة ولينه وتواضعه لإخوانه وتدريبًا لهم على إبداء الرأي وسماع المشورة.
نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه
كان أحد طلبة الإخوان يدعو شابًا ينتمي إلى جمعية إسلامية عاملة في مجال الدعوة فذهب معه إلى الأستاذ محمد العدوي لعله يقنعه، ويترك هذه الجمعية وينضم إلى الإخوان المسلمين. وفعلاً استقبلهما الأستاذ وبدأ أخونا الطالب حديثه مهاجمًا لهذه الجمعية، وأن دعوة الإخوان أولى بالانضمام إليها والعمل من خلالها للإسلام. فأوقفه الأستاذ العدوي وبدأ حديثه مع هذا الشاب متحدثًا عن جمعيته وأفضالها على الدعوة الإسلامية، ولم يأت بذكر لجماعة الإخوان مما أثار حفيظة الأخ الطالب، ولكن عندما رأى هذا الأخ بعد ذلك جهد هذا الشاب وتفانيه في الدعوة إلى الإسلام من خلال جمعيته استوعب الدرس.. ورحم الله تعالى هذا الشاب فقد لقي ربه شابًا يافعًا.
فكان الدرس بأن ساحة الدعوة تتسع للجميع، وعلينا أن نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه.
الأخوة الخاصة والأخوة العامة
عندما حدثت أحداث التاسع والعاشر من يونية عام 1977 فيما أسماه الرئيس السادات "انتفاضة الحرمية" لجأ إلى المدينة الجامعية بعض الطلبة الذين شاركوا في تلك الأحداث- وكان موقف الإخوان غير مؤيد لها- طلب هؤلاء الطلبة بعض الطعام من طلبة الإخوان المقيمين بالمدينة الجامعية، ولكن بحماس الشباب رفض بعض طلبة الإخوان إعطاءهم الطعام؛ وعندما علم الأستاذ العدوي بذلك انزعج بشدة، وأعطى طلبة الإخوان درسًا في الأخوة العامة والأخوة الخاصة، وأن الطعام والشراب من أساسيات الحياة التي لا يجب أن تكون أداة نشهرها في وجه من يخالفنا الرأي، وفعلاً ذهب طلبة الإخوان واعتذروا للإخوة الزملاء عن موقفهم.
وكان الدرس بأن قلب الداعية إلى الله عز وجل قلب محب يتسع للناس جميعًا- مهما خالفونا في الرأي- في أخوة عامة لا تتعارض مع أخوتنا الخاصة لإخواننا.
حريصًا على إخوانه:
أخطأ أحد شباب الإخوان خطأً دعويًّا فعاتبه الأستاذ، وبحماس الشباب، انقطع عن زيارته؛ فكان الأستاذ يرسل له ويتجاهل أخونا الشاب الدعوة، حتى كان عقد زواج هذا الأخ في مدينة بعيدة عن المنصورة، فلم يذهب الشاب لدعوة الأستاذ، وأرسل إليه غيره ليدعوه، فحضر الأستاذ قبل الموعد حاملاً هدية مصحفًا كريمًا عليه إهداء منه.
فأعطى الأستاذ المربي المثل والقدوة في كيفية التعامل مع النفوس البشرية حين نفورها، وأن على الأخ المسئول المحافظة على إخوانه مهما كلفه ذلك من مشقة وجهد.
محتضنًا الشباب
دعا الاستاذ العدوي أخًا شابًا لحضور لقاء دعوي في أحد القرى، وكان الموعد في صلاة العصر بمسجد النصر بالمنصورة، فوجد الشاب حوله كوكبة من كبار الإخوان فانكمش خجلاً. ومما زاد في خجله أن أحد الإخوة كان يصلي في المسجد فجاء ليسلم عليهم، ولما رأى هذا الشاب صغير السن بينهم أظهر امتعاضه؛ فنهره الأستاذ العدوي لذلك. وأخذ الأستاذ العدوي يتحدث مع هذا الشاب؛ ليذهب عنه ذلك التوتر.
ويحكي هذا الأخ الشاب أنه كان لهذا اللقاء بأحداثه وكلماته أصداء طيبة ما زالت في نفسه إلى يومنا هذا. فجزى الله أستاذنا خيرًا.
التزام وجندية وقيادة:
عندما اقترح الإخوان دخول انتخابات مجلس الشعب في تحالف مع حزب الوفد عام 1984 عارض الأستاذ العدوي هذا الاتجاه معارضة قوية، ولكن كان قرار الجماعة هو دخول الانتخابات بهذا التحالف. ولقد رآه إخوانه باذلاً جهده ليلاً ونهارًا في سبيل إنجاح مرشحي التحالف.
فكان درسًا في حسن إبداء الرأي بقوة وأدب، أما بعد اتخاذ القرار فهو التزام وأداء جاد في التنفيذ.
الأرواح جنود مجندة:
لقد ارتبطت أرواح الإخوان بأستاذهم محمد العدوي فإذا مرض رآه أحد الإخوة في الرؤية مريضًا فيأتي فيعوده. أو يرى أحد الأخوة في الرؤية أن الأستاذ يريده؛ فيذهب فيجده على وشك الإرسال في طلبه.. وهكذا الحب إذا ملأ القلوب امتزجت الأرواح في منظومة لا يدركها إلا أصحابها.
وهذا هو سر قوة جماعتنا ودعوتنا ورسالتنا، اعتصام بالله سبحانه، وقلوب جمعها الله في ألفة على عينه؛ فتعارفت أرواحها، وامتزجت نفوسها فكانت كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
أيها الأحباب:
لقد أحببت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وصحابته الكرام (رضوان الله عليهم) بصحبة هذا الرجل الكريم. فقد رُوي عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ما معناه: "خير القرون قرني ثم الذي يليه ثم الذي يليه"، فكنت أسأل نفسي إذا كان هذا الرجل بأخلاقه ودينه وزهده وجهاده هو نتاج المدرسة المحمدية في خيريتها بعد ألف، وخمسمائة عام؛ فكيف كان خلقه (صلى الله عليه وسلم) وأخلاق الصحابة من حوله رضي الله عنهم أجمعين؟!.
إن هذا الرجل كان يقيم في الدور الأرضي في شقة خلفية لا تطل على الشارع ثم انتقل إلى شقة أمامية تطل على الشارع في نفس العقار لها حوائط تشكو من آثار الرطوبة ثم انتقل إلى أخرى مُلحقة بمسجد الدعوة بالدور الأول في "توريل".. هذا الرجل الذي كان يحسب ميزانيته الشهرية بدقة لتكفيه لنهاية الشهر هو من ملأ الأرض رجالاً يجاهدون في سبيل الله لا يخشون في الله لومة لائم.
وهكذا ظل (عليه رحمة الله) عاملاً مجاهدًا صابرًا حتى دخل في غيبوبة الموت، فكان لا يُسمع منه (عليه رحمة الله) إلا قرآنًا أو ذكرًا.. فهذا هو كل ما علق في ذاكرته من أمر الدنيا. ثم هنيئًا له شهادة هذه الجموع التي سارت في جنازته شاهدة له أمام الله عز وجل على حسن عمله.
اللهم ألحقنا به مع النبيين والصديقيين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا.
لم يَمُتْ مَنْ له أَثَرهْ وحياةٌ مِنَ السِّيَرْ
آيبُ الفضل كلمــا آبتِ الشمسُ والقمر
إنما الميتُ مَنْ مشى ميتَ الخيرِ والخبر
من إذا عاش لم يُفد وإذا مات لم يضر
الشاعر أحمد شوقي عليه رحمة الله
قبسات من أنوار وأقلام العلماء والكتاب قبسات أون لاين حيث الإعلام الهادف قبسات أون لاين
6:53 ص
مقالات متنوعة
.