أكد الدكتور منير جمعة عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أنه على الرغم من مصداقية وإيجابية مراجعات الجهاد التي قام بها سيد إمام منظر جماعة الجهاد في وثيقته "وثيقة ترشيد العمل الجهادي في مصر والعالم" فإن تلك المراجعات قد تضمنت سقطات فقهية شنيعة، على حسب قوله، مشيرا إلى أن تلك المراجعات تحتاج إلى دراسة فقهية تأصيلية من جانب الفقهاء والعلماء الشرعيين يعكف هو عليها حاليا. وطالب علماء الأزهر أن يكون لهم دور واضح في قراءة ودراسة تلك المراجعات؛ لأنها مراجعات فقهية شرعية لا سياسية ولا عسكرية، مؤكدا عدم وجود دراسة شرعية مفصلة تناقش أفكار وثيقة الدكتور فضل حتى الآن.
وأشار إلى أن سكوت علماء الأزهر والفقهاء عن إبداء الرأي في تلك المراجعات يرجع إلى "أن المراجعات ما زالت جديدة وهي تحتاج إلى جهد فقهي جماعي لبحث كل نقطة فيها لما يترتب عليها من آثار غاية في الخطورة على الحياة في المستقبل"، كما أن هذا الحقل شائك والعلماء ربما يظنون أن الدولة تجرهم جرا إلى منطقة ليست واضحة المعالم إلى الآن، وعلى الرغم من ذلك فبعض العلماء أيد ورحب بهذه المراجعات". جاء ذلك خلال الندوة التي عقدت بمركز سواسية لحقوق الإنسان ومناهضة التمييز تحت عنوان (مراجعات الجهاد.. هل تغير الواقع السياسي والاجتماعي؟) يوم الأحد 9/12/2007. مواطنة أم ذمة وعاب على صاحب الوثيقة معاملة أهل الكتاب على أساس فكرة المواطنة وعدم معاملتهم على أساس عقد الذمة الذي يضمن لهم أفضل من المساواة "وهو تخيل فاسد بأن نقول إن المواطنة مقابل سقوط الشريعة، وهذا أقصى ما يهلل له العلمانيون، بأن نقرن المواطنة بالعلمانية في حين أن المواطنة في أعظم أنواعها هي التي تستند إلى الشريعة حيث يجعل معاملة أهل الكتاب بالبر والقسط". وأشار إلى أن سيد إمام ذكر في المراجعات "(حكم جهاد المنفرد) وأكد أنه غير جائز وإن جاز فله شروط خاصة، ولم يشر بالتأصيل أو بالتفصيل لجهاد الطلب أو جهاد الدفع المستقر عند فقهاء الإسلام، والذي يخرج فيه الولد من غير إذن أبيه والعبد من غير إذن سيده والزوجة بغير إذن زوجها، والذي قال فيه ابن تيمية: جهاد الدفع.. يكون بحسب الإمكان.. وإنه آكد شيء بعد الإيمان". وعبر منير عن خشيته من إسقاط هذا الحديث على الواقع في العراق وأفغانستان وفلسطين "ونحن معه عند الحديث عن مجتمعاتنا، أما أن يعمم حديثه على العالم كله فهذا كلام فارغ، خصوصا أن الوثيقة قالت إن قضية فلسطين قضية أصحاب الشعارات! وهي في الحقيقة قضية الأمة بأسرها وكل المسلمين مطالبون بتحرير الأقصى والأرض المحتلة". واختتم كلامه بقوله: "ما الذي يريده سيد إمام من تلك الوثيقة؟ عدم حمل السلاح ضد الحاكم فقط أم يريد منا أن نكف عن المطالبة بالحرية والديمقراطية وتطبيق الشريعة؟ موضحا أنه كان ينبغي عليه أن يدعونا للنضال السلمي والدعوي بدءا من النصيحة ونهاية بالعصيان المدني، أما أن يقول لنا أن ندعو بالحسنى ونصبر على الظالمين فهذا موقف غير واقعي؛ لأن الشعب هم الأكثرية ويجب أن يناضل من أجل حقوقه وقول الحق والصدع به". أعمال مثمرة وذات "بركة" الأستاذ جمال سلطان مدير تحرير مجلة المنار الجديد اعتبر أن المراجعات سيكون لها آثار كبيرة داخل مصر والبلاد العربية على اعتبار أن الشخصية الرئيسية التي تقودها هي الدكتور فضل العقل الفكري والفقهي في تيار الجهاد وصاحب كتابي (العمدة في إعداد العدة، والجامع في طلب العلم الشريف). وفيما يتعلق بمسألة تأثيرها على ما يسمى تنظيم القاعدة فلا ينبغي أن يكون هذا هو المعيار الوحيد؛ لأن حسابات الخارج تختلف عن حسابات الداخل رغم وجود تصورات فقهية وفكرية مشتركة فلا تشابه بين من يواجه الاحتلال في العراق وأفغانستان مثلا وبين من يواجه الحكومات وتؤدي أعماله إلى إهدار الدماء والأموال والمصالح.
وأضاف: إذا كنا نؤمن أن مرحلة العنف المسلح بين الشباب الإسلامي وبين الأنظمة السياسية في بلادنا كان سلبيا وغير مبرر فإن كل جهد فكري يصب في مصلحة تفكيك خطاب العنف وممارساته يمثل أمرا يستدعي الدعم وإفساح الطريق من أجل إنجاحه. وتوقع سلطان أن آثار هذا العمل على الحياة السياسية والاجتماعية والدعوية ستكون إيجابية ولا ينبغي أن نقول إنها تخدم أطرافا معينة خارجية كالولايات المتحدة أو داخلية كالأجهزة الأمنية، على اعتبار أن هذا لن يوصلنا إلى شيء وقد يشوش على الجهد الدائر، فضلا عن أن كون المراجعات تتقاطع مع مصالح آخرين فلا غضاضة في ذلك، فعلى سبيل المثال كان الجهاد ضد الاحتلال السوفيتي في أفغانستان والجهاد في البوسنة مصلحة إستراتيجية أمريكية وغربية، لكن هذا لا يعني أن الأعمال الجهادية كانت باطلة، ولا أظن أن هذا معيار صحيح. وأكد أن مراجعات الجهاد والجماعة الإسلامية كانت مثمرة وذات (بركة) لا يستشعرها إلا من تعايش مع أفكارها وأشخاصها، كما ستكون عاملا حاسما في تفكيك فكرة العنف لدى التيارات الشابة وبالتالي تحقيق السلام والأمن الاجتماعي وإفساح الطريق أمام الحركة الإسلامية لتعزيز فكرها السلمي والوسطي في المجتمع على اعتبار أنها تقطع الطريق أمام الاستدلال بالفقه القديم لتبرير العنف. وبكلمة وحيدة يقول سلطان: "إن المراجعات عمل إيجابي ومثمر يجب أن ندعمه ونحسن الظن بأطرافه وسيكون له تأثير إيجابي على الصعيد السياسي والدعوى والاجتماعي". غياب الواقع من جانبه أكد عمرو الشوبكي خبير الحركات الإسلامية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية أن المراجعات صادقة وتمثل تحولا حقيقيا، وأنها تكمل ما بدأته الجماعة الإسلامية والقول إنها نتيجة للتدخل الأمني غير صحيح لأنه يجب أن نضعها في إطار الخبرة الإنسانية ومراجعة الفكر والممارسة في أعقاب الفشل، ومن هنا تكون دلالة المراجعات في أن خيار العنف مهما كانت أسبابه لا بد أن يكون مرفوضا وخطا أحمر لا يجب اقترافه. ويرى أن الفكر أو الإطار الذي يحكم المراجعة هو نفس الإطار الفقهي الذي حكم الجماعات في سلوكها العنيف حيث قدمت تفسيرات متشددة في السبعينيات والثمانينيات في الاستحلال والخروج على الحاكم، ثم عادت واستعملت تفسيرات أخرى لرفض فكرة الخروج واعتبارها مفسدة، وبالتالي فالواقع السياسي والاجتماعي غائب تماما، فهل تعتبر المراجعات أن التنافس الحزبي والاحتجاجات والعصيان المدني الذي يأتي في سياق الأمر بالمعروف مفسدة؟! ومع ذلك يجب أن نتفهم أن من قام بالمراجعات لم يغادر السجن حتى الآن. وفيما يتعلق بتأثير المراجعات على خلايا القاعدة يعتبر الشوبكي أنه لن يكون موجودا إلا على الجماعات المشابهة كالجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر والسلفية الجهادية في المغرب وتنظيم القاعدة في السعودية، أما (الجيل الثاني) من التنظيمات العنيفة التي قامت بتفجيرات إندونيسيا ومدريد ولندن فهي نمط مختلف تماما حيث تتسم بالعنقودية والرغبة في الانتقام والإيذاء الدائم وهؤلاء هم السمة لتيارات العنف بعد أحداث 11 سبتمبر. ونوه بأن خروج الجهاد وانضمامهم للتيار السلمي الواسع يمثل عملا إيجابيا وتاريخيا، غير أنه لن يحل المشكلة السياسية للحركات الإسلامية على اعتبار أن ملفها أمني ولا ينتظر حتى عقب تلك المراجعات أن يكون ملفا سياسيا.
فروق جوهرية وأشار منتصر الزيات محامي الجماعات الإسلامية أن المتخصصين والدعاة ومؤسسات المجتمع لم تقم بدورها بما فيه الكفاية من زاوية الاشتباك مع المراجعات ونقلها كملف مجتمعي، بدلا من استمرارها كملف أمني، مؤكدا أن المراجعات صادقة وتعبر عن الإرادة الحرة لجماعة الجهاد وجاءت نتيجة لعوامل متشابكة، أهمها الخبرة والعلم والهزيمة العسكرية والسياسية، لكنها لا تزال تفتقد الثقة من جانب الرأي العام ما لم تنبئ عن تصورات متوازنة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا. واعتبر أن المراجعات الاختيارية أفضل من المراجعات القسرية ودائما تؤدي إلى نتائج إيجابية ولعل النموذج الواضح على ذلك يتمثل في مراجعات جماعة الإخوان المسلمين حول التكفير وصدور كتاب "دعاة لا قضاة" وكتب أخرى لعلماء الجماعة ردا على تيار التكفير بزعامة شكري مصطفى، والتي يقابلها مراجعات قسرية وقفت وراءها بعض القيادات الأمنية من أجل تكسير الرموز والقيادات بواسطة بعض الأشخاص الذين كانوا يوجهون الشتائم للإخوان في الندوات والمؤتمرات وقتذاك.
وقارن بين مراجعات الجهاد ومراجعات الجماعة الإسلامية بالقول: إن التركيبة الفكرية والعناصر المكونة لآلية اتخاذ القرار لدى كل منهما مختلفة حيث صدرت مراجعات الجماعة الإسلامية عن قيادة جماعية وجماعة شعبية دعوية أقرب إلى الإخوان، وهذا ما يفسر نجاحها، أما جماعة الجهاد فهي جماعة نخبوية عسكرية سرية انقلابية وحاول قادتها توحيدها قبل ذلك، لكنها دائما ما تعرضت للانشطار إلى خلايا عنقودية وقاد الدكتور عمر عبد الرحمن أحد هذه المحاولات عام 1980 ثم كرر الدكتور فضل والدكتور الظواهري المحاولة بين عامي 89-1993 م. ومنذ ذلك العام انفرط عقدها إلى مجموعات حيث خرج الدكتور فضل من الجماعة وهاجم بعض العمليات العسكرية التي استند قادتها إلى كتابيه العمدة والجامع، ثم عاد وقاد المراجعات الأخيرة ليصحح ما وقع بالجهاد من أخطاء. فقه إسلامي جديد وجه الدكتور كامل عبد الفتاح -دكتوراه في الجماعات الإسلامية- في مداخلة له نداء للعلماء بضرورة تأسيس فقه سياسي إسلامي جديد يمزج بين الأصول المنزلة وبين فقه الواقع على اعتبار أن هذه الجماعات تعتمد على كتب الفقه والسياسة القديمة مما أدى إلى وقوعها في أخطاء كثيرة. وشدد على قضية المواطنة بين المسلمين وغير المسلمين بالقول: "يجب أن نقف مع المسيحي الذي يطالب بحرية بناء الكنائس، وممارسة شعائره، ويجب أن نقف وبنفس القوة مع المسلم لأنه يمنع من حرياته في وطنه". واختتم بالقول: "إن الإخوان المسلمين لم يعرف عنهم استعمال العنف منذ توجيه آخر اتهام لهم سنة 1966، ورغم توالي المراجعات فإن العنف لن ينتهي على اعتبار أن أسبابه ما زالت قائمة، وأهمها عنف الدولة وقمع الحريات وإقصاء الناس عن المشاركة" |