عبد الله بن ياسين.. داعية الغرب الإسلامي
قصة الاسلام /قبسات أون لاين
تبدأ قصة دعوة المرابطين بحج يحيى بن إبراهيم زعيم حلف صنهاجة إلى البيت الحرام، ولقائه بالفقيه أبي عمران الفاسي بالقيروان، حيث دار بينهما حوار حول الأوضاع الدينية والمذهبية بموطن الملثمين (بلاد شنقيط)، ثم دلّه هذا العالم على وجاج بن زلو فقيه مدرسة المرابطين بنفيس، الذي اختار له بدوره تلميذه الشاب عبد الله بن ياسين مرشدًا ومصلحًا دينيًّا..
عبد الله بن ياسين القائد الذي استرخص وباع نفسه للدعوة والجهاد! وإلا فمن يستطع -ولو كان من أبناء الدعوة أحيانًا- أن يترك بلده ويغامر في صحراء مجهولة العواقب لدعوة قومٍ لا يعرفون القمح إلا أن يمر بهم بعض التجار فيتحفونهم به! فجعل منهم سادة الغرب الإسلامي في زمن قياسي! من هنا ظهرت الملامح والخطوات الأولى لتلك الحركة الإصلاحية الهادفة إلى الرجوع إلى ينابيع الإسلام الصافية المخلصة من كل الشوائب الوثنية والبدعية الضالة.
وهكذا قبل الداعية المجاهد عبد الله بن ياسين المغامرة للقيام بمهمة تبليغ الرسالة، فكان رباطه بنهر السنغال مركزًا لخلق وعي جماعي مرتكز على تبني مفهوم الأمة الذي هو أوسع من مفهوم القبيلة؛ إذ اجتمع فيه مستجيبون وأتباع من قبائل مختلفة وعصبيات متنابذة، واسترخص المرابطون أنفسهم في سبيل تحقيق هدفهم المنشود المتمثل في بناء مجتمع مثالي.
لتحقيق ذلك المجتمع الإسلامي المنشود كان عبد الله بن ياسين لا يتوانى في معاقبة من تخلف عن صلاة الجماعة، بل حتى من فاتته ركعة واحدة منها حسب ما ترويه المصادر التاريخية، كما عمل على تأهيل وتدريب رجال أخذوا على عاتقهم فريضة الجهاد شمالاً وجنوبًا؛ إذ "لما كمل معهم ألف من الرجالات، قال لهم شيخهم عبد الله بن ياسين: إن ألفًا لن تغلب من قلة، وقد تعين علينا القيام بالحق والدعاء إليه وحمل الكافة عليه، فاخرجوا بنا لذلك، فخرجوا إلى قبائل لمتونة وكدالة ومهمومة حتى أنابوا إلى الحق، واستقاموا على الطريقة
ويورد صاحب "الحلل"أن الشيخ أبا محمد عبد الله بن ياسين لما رأى استقامة لمتونة واجتهادهم، أراد أن يظهرهم ويملكهم بلاد المغرب، فقال لهم: "إنكم صبرتم، ونصرتم دين رسول الله ، وقد فتحتم ما كان أمامكم. وستفتحون -إن شاء الله- ما وراءكم، فأمرهم بالخروج من الصحراء إلى سجلماسة ودرعة...".
رغم انتشار الإسلام بالمغرب منذ الفتح، فإن مبادئه لم تكن تطبق بشكل موحد ووفق رؤية موحدة، فكثيرًا ما امتزجت العادات المحلية والتأثيرات الدينية السابقة و"اجتهادات" بعض المتنبئين بجوهر الدين الإسلامي الصحيح؛ ولهذا شنَّ المرابطون بقيادة عبد الله بن ياسين حملة شعواء على كل هذه البدع، وجاهدوا معتنقيها بدافع ديني بالأساس.
لقد أصبح هذا الوضع المزري يستدعي استنفار دعوة إسلامية جديدة قوية، ولقد بدا واضحًا أن تطور الأحداث في منطقة الغرب الإسلامي قد جعلت من عبد الله بن ياسين الرجل المناسب لقيادة إصلاح هذه الأوضاع، وأهلته للعب دور حاسم في دعم الإسلام واسترجاع هيبة المسلمين وتوحيد الغرب الإسلامي في سابقة تاريخية.
وبينما يقوم عبد الله بن ياسين بأداء واجبه الرسالي وفتح المناطق والبلدان تلو الأخرى، أصيب في إحدى المعارك الفاصلة بجروح بليغة، فجمع شيوخ المرابطين وأوصاهم قبيل وفاته أن "...كونوا ألفة وأعوانًا على الحق، وإخوانًا في ذات الله تعالى، وإياكم والمخالفة والتحاسد على طلب الرياسة؛ فإن الله يؤتي ملكه من يشاء، ويستخلف في أرضه من أحب من عباده...
بهذه الكلمات الرائعة المضيئة ودع عبد الله الإمام والزعيم والمرشد الديني أصحابه المرابطين في سبيل الله تعالى بعد أن أدى الأمانة، وبعد أن قاد مسيرة الإسلام الصحيح بتفانٍ وتضحية قل نظيرهما، وليترك لأتباعه مهمة مواصلة المشوار الذي رسم خطوطه العريضة؛ لتتوحد أنحاء الغرب الإسلامي لأول مرة تحت سلطة إسلامية واحدة.
فرحم الله مثل هؤلاء العظماء الذين لهم فضل عظيم علينا بعد الله تعالى، وتقبلهم عنده في الشهداء، ورحم كل من يعمل ويضحي لإقامة الدين في النفس والحياة، ولتكون كلمة الله هي العليا، ورحم الله قافلة الحرية والدعوة والتضحية وأهل الفضل والمسلمين أجمعين، وهدى الناس إلى دينه من جور النظم الظالمة والأديان، وأبدلهم ضيق الدنيا ومرارتها بسعة وسعادة الدنيا والآخرة.. آمين، والحمد لله رحمان ورحيم العالمين.
قبسات من أنوار وأقلام العلماء والكتاب قبسات أون لاين حيث الإعلام الهادف قبسات أون لاين
7:01 م
قصص
.