بن أرشيد: لا يوجد لدينا ما نخسره في ظل المقاطعة
ذهب القيادي في حركة الإخوان المسلمين في الأردن زكي بن أرشيد إلى أن قرار الجماعة بمقاطعة الانتخابات النيابية قبل أيام؛ إنما جاء استجابة لتوجه القاعدة الذي أظهر ميلا واضحا نحو المقاطعة، مؤكدا أن قرار المقاطعة الحالي مختلف عن نظيره عام 2007.
وأكد بن أرشيد في حواره مع موقع "إسلاميون" التابع لبوابة "إسلام أون لاين. نت" أن جزءا كبيرا من أهداف قرار المقاطعة تحقق بمجرد صدوره، موضحا أن الحركة حين اتخذت القرار لم تهدف "استجداء الحكومة، وبالتالي العودة إلى مجلس النواب من النافذة بعد أن كان الباب مفتوحا".
ونفى بن أرشيد أن تكون الأزمة الداخلية في الحركة وراء قرار المقاطعة؛ لأن "الحركة استطاعت تجاوز أزمتها الداخلية قبل المقاطعة"، معتبرا أن الحكومة تعيش بين أزمتين في مرحلة ما بعد مقاطعة الإخوان، فهي إما أن تختار أزمة الاستفراد والاستعلاء والاستبداد، أو أن تعاني من أزمة فشل العملية الانتخابية.
** قرار الحركة الإسلامية بمقاطعة الانتخابات النيابية المقبلة كان مفاجئا لكثير من القطاعات، بل هناك من ذهب إلى أنه كان مفاجئا للحركة الإسلامية ذاتها، ما الذي جرى في جلسة شورى الجماعة ليلة الجمعة الماضية؟
*أود أن أتقدم بالشكر الجزيل لقواعد الحركة الإسلامية التي هي من صنعت هذا القرار، فتوجه أبناء الحركة هو الذي فرض القرار على القيادة، وأصبح متعذرا الحديث عن تبنّي أي قرار آخر مصادم لتوجه الرأي العام، ذلك أنه في الحالات الديمقراطية لا بد من احترام رأي القواعد والشعب.
**معنى كلامك أن الاستفتاء الذي جرى بين القواعد الإخوانية قبل شهر وأظهر تبني أكثر من 80% من عناصر الحركة لخيار المقاطعة هو الذي دفع أغلبية أعضاء مجلس الشورى لتبني قرار المقاطعة؟
*لا شك أن هذا هو أحد العوامل الحاضرة والقوية، لكنه ليس السبب الوحيد، كانت هناك قراءات سياسية سبقت تلك الجلسة، هناك من اقتنع بفشل التجارب السابقة..هدف أي عملية انتخابية هو التغيير أو على الأقل التأثير في القرار، وتجربة الحركة الإسلامية في المجالس النيابية أوصلتنا إلى أن هذه المشاركة لم تخدم إلا النظام والحكومة، ونحن لا نرغب في منح الحكومة هدية مجانية هي بأمس الحاجة لها.
نحن لا نثق بالحكومة ولا بنزاهة الانتخابات المقبلة، والانتخابات السابقة التي جرت عام 2007 كانت أسوأ انتخابات في تاريخ الأردن، والحكومة لم تقدم ضمانات كافية حول نزاهة الانتخابات، هذا إلى جانب قانون الانتخابات الجديد السيئ الذكر الذي جاء ليفتت المفتت.
لماذا تحتاج الإخوان؟
**أنتم تمثلون جزءا مهما في المجتمع ولكنه محدود، لماذا تحتاج الحكومة إلى مشاركتكم؟
*الحكومة تعاني من عزلة ومن فقدان ثقة من قبل المواطنين، الوضع في الأردن يعاني من عدة أزمات، أزمة اقتصادية من قبيل ارتفاع الأسعار وتراكم الضرائب وتعددها، وأزمة مع قطاع المعلمين وعمال المياومة والقضاء والإعلام، واجتماعيا هناك انفلات اجتماعي وتصارع بين هُويات جزئية وإقليمية.
أمام هذه الأزمات كانت الحكومة بحاجة إلى شكل من أشكال الحراك السياسي والاجتماعي للهروب منها؛ فكان أن قررت إجراء الانتخابات النيابية، ولكنها أخطأت عندما لم تستشر ولم تحاور قوى المجتمع، الحكومة استعلت على قوى المجتمع الأردني والتيارات السياسية، رئيس الوزراء لم يلتق مع أي أمين عام لأي حزب من الأحزاب الأردنية، قانون الانتخاب (الصوت الواحد) الذي هو موضع نقد من معظم المواطنين، أكاد أقول إن هناك إجماعا وطنيا على رفضه، أعدت قانون الانتخاب في غرف مقفلة أو مظلمة، أو حتى تم استيراده من جهات أخرى مثل السفارة الأمريكية.
** لكن للجماعة تجربة سابقة في مقاطعة الانتخابات عام 1997 وجميعكم يتحدث عن فشلها؛ نظرا لعجزكم عن تطبيق برنامج المقاطعة الذي وعدتم به، لماذا تكررون هذا التجربة؟
*أنا أفرق بين القرار الفاشل والتجربة الفاشلة، القرار الذي اتخذ عام 1997 كان صحيحا، ولكن تطبيقه كان تجربة فاشلة.
مقاطعة الحركة لانتخابات عام 1997 تختلف عن قرار المقاطعة الحالي؛ ذلك أن القرار السابق صنعه قيادات الإخوان، فهم من قاد حملة داخلية وتنظيمية وإعلامية أثرت في نسبة من قواعد الحركة، أما هذا القرار لم يسبقه تحشيد أو تحريض أو توجيه من القيادة على الإطلاق، كل ما جرى أن القيادة استفتت الهيئة العامة، وكانت النتيجة أن النسبة العظمى من قواعد الحركة الإسلامية صوتت للمقاطعة.
هذا التصويت لم يكن ليعبر عن توجهات الحركة الإسلامية، وإنما عبر عن توجه غالبية شرائح المجتمع الأردني، فالمواطن الأردني ليس معنيا بمهزلة اسمها الانتخابات، المواطن لا يثق الآن بكل الإجراءات التي تصدر عن الحكومة على الرغم من حملة مكثفة قادتها بكل ما تملك لإقناع الناس بالتسجيل وتثبيت مقار الإقامة على بطاقات الأحوال المدنية، حصاد الحملة كان ضعيفا جدا، ولم يزد مَن ثبت مقره الانتخابي عن 25%، هذا على افتراض أن كل من سجل كان مقتنعا بالانتخابات.
** في انتخابات 97 كان هناك برنامج وفشلتم، كيف الحال الآن وأنتم بلا برنامج من البداية؟
*هذه المرة لا يوجد برنامج وإنما إرادة مقاطعة، وآمل أن يتم تشكيل جبهة وطنية واسعة لإعادة تشكيل برنامج وطني، من الخطأ أن تستفرد الحركة الإسلامية بصناعة البرنامج لتفرضه على القوى الوطنية الأخرى، ربما من الأنسب أن يتم تشكيل جبهة وطنية للتوافق على برنامج لمقاطعة الانتخابات والتوافق على رؤى وطنية للإصلاح.
**ما الذي اختلف بين عامي 1997 و 2010 على صعيد الحركة الإسلامية لتنفيذ برنامج المقاطعة الذي أشرت إليه؟
*أنا سأقول حتى لو لم تستطع الحركة الإسلامية أن تحقق أيًّا من أهداف المقاطعة لاحقا، فإن جزءا كبيرا منها تحقق بمجرد صدور قرار المقاطعة، حقق هدفا على المستوى التنظيمي الداخلي، إذ إن الثقة بالتنظيم عادت إلى صفوف أبنائه، وهذا مكسب مهم.
كما أن القرار استجاب لنداءات وقطاعات واسعة في المجتمع الأردني، وخصوصا القطاعات المسحوقة، لم نخذل هؤلاء واستجبنا لصرخاتهم ومظالمهم، هذا القرار حقق كسبا آخر على المستوى الجماهيري ونحن بحاجة إليه.
قرار المقاطعة أكد أن الحركة مستقلة في قراراتها، لقد راهنت الحكومة على أن الإخوان سيقررون المشاركة، وكانت ترسل رسائل في كل الاتجاهات، لكنها فشلت وأثبتت الحركة الإسلامية أن قرارها مستقل وذاتي.
المقاطعة والأزمة الداخلية
**إذن القول بأن قرار المقاطعة تعبير عن أزمة داخلية صحيح؟
*الأزمة الداخلية في الحركة تم التعافي منها قبل المقاطعة، ومما يحسب للحركة الإسلامية أنها استطاعت تجاوز أزمتها الداخلية بصيغة متماسكة، لو حصل جزء بسيط مما حصل في الحركة الإسلامية في أحزاب أخرى لرأينا انشقاقات واستقالات وانقسامات، لكن الإخوان استطاعوا إدارة خلافهم بطريقة خرج الجميع فيها متماسكا، قبل قرار المقاطعة كان التوافق قد ساد وكنا قد خرجنا من تلك الأزمة، ولا يوجد هناك أي رابط بين قرار المقاطعة والأزمة الداخلية.
**مع ذلك قيل إن الحركة الإسلامية أبقت الباب مواربا أمام الحكومة لعقد صفقة ما، هل هذا صحيح؟ ثم ما هو شكل الصفقة التي ترغبون فيها؟
*أولا- الحركة الإسلامية لو أرادت أن تتعامل مع الانتخابات بأنانية لاختارت المشاركة؛ لأن الحركة تستطيع في هذه الانتخابات تحقيق مقاعد في مجلس النواب أكثر من التجارب السابقة، لكن الحركة الإسلامية كعادتها أرادت أن تقدم مصالح الحركة الوطنية على مصالحها الذاتية.
ثانيا- الحركة الإسلامية ظلمت في المرحلة السابقة ظلما كبيرا، وآثار العدوان ماثلة قائمة حتى هذه اللحظة، ومع ذلك لم يعد هذا البعد حاضرا أثناء عملية تبني قرار المقاطعة.
ما أود أن أقوله إن الحركة لم تشترط لنفسها أية شروط، كل مطالبها واشتراطاتها متعلقة بالمواطن وبشروط الانتخاب، وعليه فنحن نفضل أن يكون الحوار حوارا وطنيا، لكن إذا أرادت الحكومة أن تبدأ معنا فلا مانع لدينا، ولكننا لن نخذل المجتمع والقوى الحزبية جميعها؛ لذلك لا نطالب الحكومة بالمطالب الخاصة؛ وإنما بمطالب الوطن.
**إذا قدرت الحكومة أن هذه المطالب ستتدحرج حتى تصل إلى أزمة بالنسبة إليها فإنها لن تقبل بالحوار الذي تتحدث عنه؟
*الحكومة مخيرة للعيش بين أزمتين: أزمة الاستفراد والاستعلاء والاستبداد، وأزمة فشل العملية الانتخابية، ما معنى أن تجري الانتخابات وأن تكون نسبة الإقبال عليها متدنية جدا؟ هذه ليست انتخابات، هناك شرعية شعبية إذا لم تتوافر في أي عملية انتخابية لا قيمة لها.
الحوار يحتاج إلى حكومات قوية واثقة بنفسها لا تخشى المواطن، سيسجل لأي حكومة إذا تقدمت بخطوات نحو شعبها، وسيسجل على أي حكومة استمرار إدارة الظهر، والاستماع إلى الأصوات القادمة من خلف الحدود.
أدعو الحكومة للتوقف عن كل الإجراءات المتعلقة بالانتخابات النيابية والشروع مباشرة في حوار صريح وجريء مع الحركة الإسلامية، وإعادة النظر بكل المنظومة الانتخابية، ابتداء من القانون، ومرورا بالإجراءات والهيئات المشرفة وسجلات الناخبين، وصولا إلى انتخابات نظيفة تمسح من الذاكرة صورة التزوير الشنيع الذي حصل في الانتخابات السابقة عام 2007.
** في ظل استفراد الحكومة بالطريقة التي تتحدث عنها سيكون من الطبيعي أن تمتنع عن أي مبادرة نحو الحركة الإسلامية، وبالتالي سيصبح قرار المقاطعة قطعيا بالنسبة لكم؟
*نحن لم نتخذ قرار المقاطعة من أجل استجداء الحكومة، ومن ثَم العودة إلى مجلس النواب من النافذة بعد أن كان الباب مفتوحا، كان قرارنا واضحا، لتستمر الحكومة في إجراءاتها، وتستمر القوى الوطنية في معارضاتها، والخاسر هو الوطن، لا بد أن يكون هناك مرجع آخر مسؤول عن الوطن والحكومة، ونحن ننتظر من صانع القرار أن يتخذ قراره، الأردن ليس حلبة مصارعات أو اتجاها معاكسا.
**المنطقة مقبلة على قرارات مهمة فيما يتعلق بتسوية القضية الفلسطينية، والأردنيون سيكونون أول المتأثرين إلى جانب الفلسطينيين، هل من الحكمة أن تغيب الحركة الإسلامية عن هذه المرحلة؟ حتى رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل تمنى على الحركة الإسلامية أن تشارك في الانتخابات في ظل الحراك السياسي المقبل؟
*دعنا نجزئ المسألة، هل من الحكمة أن تكون الحركة ضعيفة وغير مؤثرة في مجلس النواب، وأن يتم تمرير كل المشاريع المشبوهة مع وجودها باعتبار أنها جزء من المشهد السياسي، تماما كما حصل عام 1994 لما مررت اتفاقية وادي عربة بين الأردن والإسرائيليين، صحيح أنهم عارضوا وصحيح أنهم سجلوا مواقف ورفضوا، لكن المواطن لم يغفرها للحركة الإسلامية، لو غابت أو انسحبت أو استقالت من مجلس النواب لكان أفضل.
الحضور له سيئات وسلبيات، والغياب لا شك أن له ثمنا، لكنه في تقديرنا أن الغياب عن المشهد السياسي في مثل هذه المراحل يكشف الغطاء الشعبي والشرعي عن مؤسسة تشترك في مثل هذه المؤامرات.
أما في الشق الثاني: فلاشك أننا حركة إسلامية مستقلة إداريا وتنظيميا، وربما يكون تمني الأستاذ مشعل نوعا من تقديم النصح، هذا من شؤون الحركة الإسلامية، هذا القرار أظهر أن الحركة مستقلة عن الجميع.
**ألا تخشون من رد فعل عنيف للحكومة؟
*هذا الموضوع يقودنا إلى شكل العلاقة بين الحكومة والمجتمع، لا يوجد لدينا ما نخسره، اعتقلت نوابنا، وشنت علينا حملات إعلامية شديدة، وصادرت مؤسساتنا، وفصلت موظفينا ومعلمينا، لم يبق هناك إجراءات متوقعة، والأهم من ذلك هو أن الحكومة لو أقدمت على إجراءات انتقامية فإن الحكومة تريد مجتمعا مدنيا مكونا من قوى تابعة لها، وهذا أدعى لأن يعاد ترتيب العلاقة بين الحكومة والمجتمع.
قبسات من أنوار وأقلام العلماء والكتاب قبسات أون لاين حيث الإعلام الهادف قبسات أون لاين
5:22 م
حوارات
.