--------------------------------------------------------------------

المشاركات الشائعة

زوار المدونة

أحدث التعليقات

المتابعون

إحصائية المدونة

تعلقات القراء

إقرأ أيضا

|


بقلم: د. محمد منصور
إنه معنى ومفهوم ومُلخص ومقصد ما يُطلق عليه تطبيق الشريعة الذي يُطالِب به ويسعى إليه المسلمون الآن.
إنه تغيير سلميٌّ إسلاميٌّ شرعيٌّ نبويٌّ عقليٌّ واقعيٌّ تدريجيٌّ عميقٌ مضمونٌ مستمرٌّ.
إنك إن أردتَ أنْ تغيِّرَ فاسدًا في مكان ما، وعلى أي مستوى كان، فانصحه بالحسنى، وبكل صدق وودٍّ، وبكل كلام مناسب، وبكل فِعل مفيد، وبكل قدوة صالحة مُمكنة أمامه، وفي توقيت ملائم، وبالتدرج وعلى فترات، وأقبل تغيّره نحو الخير حتى ولو كان بطيئًا، أو حتى لو كان تقدّمًا وتراجعًا، ثم تقدمًا مع بعض تراجُع إلى أن يصل إلى تقدّم دون تراجُع.. فإذا انتصح فبها ونِعمت، وقد تحقَّق المطلوب وسعِد الجميع في الدنيا، ثم أكثر وأتم وأخلد في الآخرة لمن يؤمن بها، بعودة الصلاح وانتهاء الفساد، وإن لم ينتصح، فاستخدم أسلوب التغيير بالإحلال.

وهو يعني بكل بساطة وعمق وتلخيص ووضوح استخدام أسلوب التربية والتخصص، أي أن ُتربِّي جيلاً منذ ولادتهم على الأخلاق، أخلاق الإسلام؛ لأنها أكمل الأخلاق؛ لأنه جاء ليكمِّل كل الشرائع والقوانين والأديان؛ لتسعد الحياة البشرية سعادةً كاملةً قلبيةً وعقليةً وجسديةً.
فإذا ما ترَبَّى الإنسان قبل ولادته وبعدها وسط أسرة أخلاقية هانئة هادئة، بين أبوين ودوديْن مُتفاهميْن مُتسامحيْن مُتعاونيْن عادليْن مُحسِنيْن، خرج للحياة ونمَا فيها بهذه الصفات، في حضانته ومدرسته وجامعته وعمله وتخصصه، مع والديه وجيرانه وأقاربه وأصدقائه وزملائه وأساتذته وكل الناس، على اختلاف أديانهم وثقافاتهم وبيئاتهم وظروفهم وأحوالهم.
فإذا ما تخصَّص هؤلاء المُترَبّون الأخلاقيون كلٌّ منهم في مجال ما من مجالات الحياة المختلفة، وأجاده وأزاحَ مسئوله الفاسد، هذا وحَلَّ محله تدريجيًّا وتلقائيًّا حينما يتقادَم أو يتقاعَدَ أو يموت، دون أيّ عنف أو تصادُم أو تعارُك أو إراقة دماء أو أموال، أو حتى بذل جهود كبيرة!.
فإذا ما طُلبَ منه فساد كرشوة مثلاً أو خيانة أو ظلم أو غشٍّ أو كذب أو غيره لم يفعله، ولن يستطيع أصلاً أن يفعله!؛ لأنه لا يعرفه! لأنه لم يَترَبَّ عليه من قبل، فهو لا يعرف إلا الصلاح، والسعادة، وهذه الأخلاق الفاسدة تُتعسه ومن حوله، فلماذا يفعلها؟!، وبذلك يَسعد الجميع في الداريْن.
إنَّ أسلوب التربية والتخصص مأخوذ من قوله تعالي: ﴿إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ﴾ (القصص: من الآية 26)، والذي قال فيه الإمام السعدي في تفسيره: "أي القوة والقدرة على ما استؤجِر عليه والأمانة فيه بعدم الخيانة، وهذان الوصفان ينبغي اعتبارهما في كل مَن يتولى للإنسان عملاً بإجارة أو غيرها، فإنَّ الخلل لا يكون إلا بفقدهما أو فقد إحداهما، وأما باجتماعهما فإن العمل يتمّ ويكمل".
وأمَّا أسلوب التغيير بالإزاحة فإنه يُفهَم ضمنًا من قوله تعالي: ﴿وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ﴾ (البقرة: من الآية 251)، والذي قال فيه الإمام الزمخشري في تفسيره "الكشاف": "ولولا أنَّ الله يدفع بعض الناس ببعض ويكفّ بهم فسادهم لغلبَ المُفسدون وفسدت الأرض وبطلت منافعها وتعطلت مصالحها"، ومعنى دَفعَ الشيء، كما وَرَدَ في المعجم الوجيز، أي َنحَّاه، فالله تعالى من فضله وحبه لخلقه وحرصه على إسعاد حياتهم يُعين الصالحين على تنحية وإزاحة المفسدين بمجرد أن يبدأوا في اتخاذ الأسباب الصحيحة الكاملة ما أمكن، حتى ينصلح الجميع ويسعدوا، ولذا ختمَ سبحانه الآية الكريمة بقوله: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ (البقرة: من الآية 251).
وهذا ما يؤكده قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ﴾ (المائدة: من الآية 105)، والذي قال فيه الإمام ابن عاشور في تفسيره "التحرير والتنوير": "أي اشتغلوا بإكمال اهتدائكم... وقد شمل الاهتداء جميع ما أمرهم به الله تعالى، ومن جملة ذلك دعوة الناس إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلو قصّروا في الدعوة إلى الخير والاحتجاج له وسكتوا عن المنكر لضرَّهم مَنْ ضلّ..".
فإذا بدأ كل مُصلح بنفسه، فأصلح حاله وأسعده بأخلاق الإسلام، وكان نموذجًا مثاليًّا في السعادة والنجاح، أثبت لغيره ومَنْ حوله عمليًّا أنَّ الإسلام يُسعد الحياة ويُصلحها، وكان دافعًا قويًّا لهم ليتمسكوا هم أيضًا به ليُصبحوا سعداء ناجحين تمام السعادة والنجاح، لأنَّ كل نفس بفطرتها تبحث عنهما، وبهذا تتسِع دائرة الإصلاح والسعادة، وتزيح الفساد والتعاسة تدريجيًّا وتلقائيًّا، والله تعالى: ﴿لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ (الرعد: من الآية 11). فلو ابتدأ كل فرد بنفسه فغيَّرها بالتدريج والرفق نحو الخير، لتَغيَّر القوم كلهم والمجتمع كله نحوه، ولعَمَّت السعادة الجميع، كما وَعَدَ ربنا.
وهذا أيضًا هو ما يُفهم ضمنًا من وعده سبحانه- ووعده الحق والأكيد- بقوله: ﴿وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)﴾ (فصلت). والذي قال فيه الإمام الرازي في تفسيره: "ادفع سفاهتهم وجهالتهم بالطريق الذي هو أحسن الطرُق، فإنك إذا صبرتَ على سوء أخلاقهم مرة بعد أخرى، ولم تقابل سفاهتهم بالغضب ولا إضرارهم بالإيذاء والإيحاش، استحيوا من تلك الأخلاق المذمومة وتركوا تلك الأفعال القبيحة، وانقلبوا من العداوة إلى المحبة".
فالفاسد لا بدّ وسيأتي يومًا مُتغيِّرًا نحو الأحسن بحُسْن المعاملة كما وَعَدَ بذلك ربنا، حتى ولو كان من قبل عدوًّا، وحتى لو بقي على فساده وضلاله لفترات! فما بالك إذا كان فاسدًا غير عدو؟ إنَّ تغييره سيكون ولا شك أسرع وأكثر احتمالية! وذلك لأن الخالق الكريم الرحيم قد وضعَ في عقل كل مخلوق صفة دوام مراجعة لذاته ولتصرفاته لينتفع في حياته ويَسعَد.
إنَّ هذا التغيير بالإزاحة، أي بالتربية والتخصص، هو فِعل الرسول- صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام على أرض الواقع فعليًّا، فقد ربَّيَ جيلاً تدريجيًّا على الأخلاق الحسنة، وصبَرَ على أخطائهم وصَوَّبَها بالحسنى والحب والقدوة شيئًا فشيئًا، ثم وَجَّههم وعاونَ كلاًّ منهم على تخصصه الذي يُحبه ويُجيده، فهذا مثلاً أبو بكر الصديق في العلاقات العامة، وعمر في الإداريات، وعثمان وابن عوف في الاقتصاديات، وعليّ وعمرو في السياسيّات، وابن عمر وابن مسعود وابن عباس في الشرعيات، وخالد في العسكريات، وهكذا.. فصنعوا رضي الله عنهم أجمعين مجتمعًا متكاملاً صالحًا سعيدًا، لأنه يُدير كل شئون حياته بعدل وأخلاق وتخصص وحرفية وارتباط بربٍّ يُعين على كل خير... صنعوه بإزاحتهم للفاسدين قبلهم والإحلال محلهم مع الوقت بأخلاقهم وتخصصاتهم.

ثم هذا المجتمع الصالح يختار وينتخب بوعي وحرية واستقلالية فيما بينه حكامًا ومسئولين صالحين صادقين أخلاقيين متخصصين مناسبين يُديرون كل شئونه باحتراف وعلم وتخطيط، فيُقيموا دولة أخلاقية إسلامية وطنية مؤسَّسيَّة عادلة سعيدة لجميع مواطنيها مسلميهم وغير مسلميهم يشاركون جميعًا في إدارتها ورعاية مصالحها وتطويرها وإسعادها بغضّ النظر عن الدين أو الثقافة أو الطائفة طالموا كانوا وطنيين أخلاقيين متخصصين، ويكون لها قوانينها وُنظمها وضوابطها التي ُتعين على استمراريتها دون الاعتماد والارتباط بأفراد بعينهم بحيث إذا زالوا زالت بزوالهم.
ثم هذا المجتمع الصالح الأخلاقي الوطني السعيد يبدأ في دعوة غيره من المجتمعات حوله الأقرب ثم الأبعد بالحسنى وبكل الوسائل السلمية المُمكِنة لأخلاق إسلامه، ليسعدوا تمام السعادة هم أيضًا مثله، فتتسع بذلك تدريجيًّا دائرة الدول الأخلاقية الوطنية الإسلامية الصالحة السعيدة.
ثم دولة إسلامية أخلاقية وطنية شراكية تعاونية قوية صالحة سعيدة بجوار أخرى وثالثة ورابعة وخامسة تَتَّحِد فيما بينها ليتكوَّن منها اتحادًا إسلاميًّا أخلاقيًّا وطنيًّا صالحًا (أي خلافة إسلامية) يكون له نظامه السياسي الحرّ الذي يسمح بتعدّد الآراء الصالحة الصادقة النافعة وبتعدّد المسئولين المُنتَخَبين الصالحين الصادقين المتخصصين النافعين ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ (الشورى: من الآية 38)، ويكون له مِن القوَى البشرية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والعلمية والإعلامية والرياضية والفنية والعسكرية وغيرها ما يُمّكنه مِن نشر الإسلام بالحسنى للعالم كله، وما يُمكنه من منع أي ظلم ودفع أي احتلال وإخافة أي باغٍ يُفكر في الاعتداء مستقبلاً، فتسعد الأرض كلها بأخلاق الإسلام، ويفرح الله تعالى بأنْ تحقق مراده من الخلق وهو إسعادهم فيها ثم في آخرة أتمَّ وأخلد سعادة لمن يؤمن بها ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ﴾ (الروم: من الآية 4).
إنَّ هذا النوع من التغيير هو تغيير عميق لا سطحي، تدَرّجِيّ ُمَطمْئِن مقبول محبوب مُرَحَّب به مَحْمِيّ من الشعوب لا َطفريّ ُفجائيّ عنيف مْقلِق َتعجّليّ مرفوض مكروه مصدود عنه ملفوظ منهم، ولذا فاحتمالية استمراره وبقائه بين البشر لفترات زمنية طويلة مُسعِدة هو احتمال كبير، وحتى لو حدث أيّ تراجُع بسبب نسيانه أو البُعد عنه فإنهم ولا شك سيعودون إليه سريعًا بأقل تذكرة من المُصلحين والدعاة حينما يُقارنون حالهم التعيس الحاليّ بالسعيد السابق.
إنَّ هذا النوع من التغيير لا يعني أبدًا جُبْن المسلم عن قول الحق أو تخاذله عن تغيير السيئ والباطل والمنكر الذي يُنكره العقل المُنصف وتلفظه الفطرة قبل الأخلاق والشرع! كما لا يُنافِي أبدًا حديث الرسول- صلى الله عليه وسلم- المعروف (وما يُشبهه من أحاديث أو حتى آيات): "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبقلبه فإن لم يستطع فبلسانه وذلك أضعف الإيمان" (رواه مسلم).
وذلك لأن معنى التغيير باليد ليس فقط استعمال السلاح والضرب والتصادُم والخروج بالقوة! لأن هذا له شروطه وضوابطه الصارمة قبل فِعله، وملخصها ألا ّيؤدي إلى فتنة وضرر، وأن يغلب على الظن غلبة شبه أكيدة القدرة على التغيير وتحققه بهذه القوة المُتاحَة، لأن هدف التغيير أصلاً هو إسعاد الناس وإصلاحهم لا إتعاسهم وإضرارهم!
إنَّ هذا هو ما يُفهم من شرح الإمام العيني في "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" لحديث الرسول-صلى الله عليه وسلم-:
مَنْ رأىَ مِن أميره شيئًا يكرهه فليصبر عليه فإنه مَن فارق الجماعة شبرًا فمات إلا مات ميتة جاهلية"، وحديث عبادة بن الصامت قال: "دعانا النبي- صلى الله عليه وسلم- فبايعنا فقال فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعُسرنا ويُسرنا وأثرَة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان"، حيث يقول الإمام العيني: ".. والمراد بالأمر الملك والإمارة، وزاد أحمد من طريق عمير بن هانئ عن جنادة: "وإن رأيت أنَّ لك"، أي في الأمر حقًّا لك، فلا تعمل بذلك الرأي بل اسمع وأطع إلى أن يصل إليك بغير خروج عن الطاعة....... وقال الداودي: الذي عليه العلماء في أمراء الجور أنه إنْ قدَرَ على خلعه بغير فتنة ولا ظلم وَجَبَ وإلا فالواجب الصبر، وعن بعضهم لا يجوز عقد الولاية لفاسق ابتداءً، فإن أحدثَ جورًا بعد أن كان عدلاً، اختلفوا في جواز الخروج عليه، والصحيح المنع إلا أن يكفر فيجب الخروج عليه".
وقال الإمام القاري في "مرقاة المفاتيح" في تعريف لفظ "أهله" في قوله- صلى الله عليه وسلم-: ".. وأن لا ننازع الأمر أهله". "والمراد بالأهل مَنْ جعله الأمير نائبًا عنه"؛ أي كل مسئول.
إنَّ التغيير باليد أوسع وأشمل، إنه يعني إزاحة الفساد وتصحيح آثاره تدريجيًّا مع الوقت وإحلاله بالصلاح، كما يُفهم ضمنًا من شرح الإمام ابن رجب لمعنى "فليغيره بيده" في كتابه "جامع العلوم والحِكم" حيث يقول: "قال أحمد: التغيير باليد ليس بالسيف والسلاح، وحينئذٍ فجهاد الأمراء باليد أن يزيل بيده ما فعلوه من المنكرات... أو يبطل بيده ما أمروا به من الظلم إنْ كان له قدرة على ذلك..".
بل لهذا النوع من التغيير ثوابه العظيم، لأنه يحفظ الدماء ويُؤسِّس المؤسسات الأخلاقية المتخصصة التي تُحسن إدارة البلاد لتسعدها، فهو من باب ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾ (يوسف: من الآية 18)، أي الصبر الإيجابي، الصبر مع التحضير والتجهيز للتغيير المُسْعِد، لا الصبر السلبي المستسلم للواقع المُتباكِي عليه دون سعي لتصحيحه والذي يُتعس فاعله ويُخزيه في الدنيا ويؤثمه في الآخرة
إنه الصبر العمليّ الذي له ثواب المجاهدين ﴿وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ (النساء: من الآية 95)، الذين يسيرون في كل طرق وأنواع الجهاد المختلفة، جهاد الدعوة والتربية والكلمة والعلم والتخصص والإعلام والاقتصاد والإدارة والسياسة ونحو ذلك، كما يُفهم ضمنًا من تعدّد صور الجهاد في قوله تعالى عن القرآن الكريم: ﴿وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾ (الفرقان: من الآية 52)، وقوله- صلى الله عليه وسلم-: "جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم" (رواه أبو داود)... إضافة بالطبع إلى الجهاد بكل أنواع القوة وأكملها وبالقدْر المناسب للمعتدين من غير المسلمين على المسلمين إذا استخدموا هم القوة وبدأوا بها ﴿فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ (البقرة: من الآية 194) ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾ (الأنفال: من الآية 60).
إنَّ التغيير بالقوة وإراقة الدماء، أي تغيير الرأس دون الجسد، أي تغيير المسئول أو الرئيس وخلعه وإبعاده دون تغيير أخلاق المرؤوسين وتربيتهم، أي التغيير من أعلى لا من أسفل، أي التغيير دون إقناعٍ وإصلاح وتربية وتخصّص وإحلال وإزاحة سلمية تدريجية تلقائية زمنية طبيعية، له أضراره وسلبياته الكبيرة الخطيرة
فيكفي إراقة دم بريء واحد، سواء أكان مسلمًا أم غير مسلم، ذكرًا أم أنثى، كبيرًا أم صغيرًا، آدميًّا أم حتى حيوانًا أم نباتًا أم جمادًا.
ويكفي بالقهر والإجبار والإكراه وعدم الإقناع، وهو الذي ينافِي بكل صراحة ووضوح قوله تعالي: ﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ﴾ (البقرة: من الآية 256)، تكوين أفراد جبناء منافقين سلبيين لا يعملون عملاً إلا تحت تأثير التهديد، فهل هؤلاء سعداء أو يُصلحون لإسعاد أنفسهم ومَنْ حولهم!! وهل أنزل الله تعالى الإسلام لإرهاب الناس هكذا، وليُنشِئ أناسًا ضعفاء جبناء غير أمناء غير آمنين تعساء؟!!
ويكفي أنه لا ضامِن لمَنْ يُغيِّر بالقوة ألا َّيصِلَ اليوم الذي فيه يأتيه مَنْ هو أقوى منه غير أخلاقي فيقضي عليه كما فعل هو مِن قبْل ويسود الفساد ويَعمّ الظلم لمصلحة هذا المُتغلبِّ بالقوة!! إنَّ الذي يُغيِّر بالقوة يبدو أنه يريد دولة إسلامية قلقة متوترة مُتقلبة تعيسة مؤقتة تدوم فقط ليوم أو شهر أو سنة أو عدة سنوات لا إلى قيام الساعة!
إنَّ أهم وأقوى ما يحمي أيَّ مسئول أو رئيس ويُعينه على نجاح مهمته والرُقيّ بهم وبلدهم وسعادتهم هو مرؤوسيه، هو مَنْ يُديرهم أو يرأسهم، يحمونه بتجمعهم معه بإمكاناتهم وخبراتهم وعقولهم وجهودهم، وبحبهم له وحبه لهم، وبعلاقات الود والوفاء والصدق والوضوح والأمانة والعدل والحوار والتعاون والتكامل وحُسن التخطيط والإدارة وتوزيع المهامّ فيما بينهم.. ثم يحميه بعد ذلك وجود نظام مؤسَّسِيّ عادل مُنتخَب بحُرّية من عمومهم وأغلبيتهم له لوائحه وضوابطه الأخلاقية كما جاء بها الإسلام بحيث يُدير المُتخصصون الأخلاقيون بكل طوائفهم وثقافاتهم ودياناتهم إدارة جماعية أخلاقية سواء وُجِد الرئيس أم لا، وهذا لن يحققه أسلوب التغيير بالقوة أبدًا، بل يحققه فقط أسلوب التربية والتخصص،
فكن أيها الداعي إلى الله والإسلام مِمَّن يُغيِّرون بأسلوب الرسول- صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام، فهو أفضل وأكمل وأضمن أسلوب، لأنه مُؤيَّد من الخالق العالِم بالخلق وما يُصلحهم ويُسعدهم: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى (3)﴾ (النجم).. كن ممّن يُغيّرون بالتعايُش الودود والقدوة الحسنة والصبر الجميل والتدرّج الرفيق المُطمْئِن المقبول، ثم بالإزاحة لمن بقِيَ مُصِرًّا على الشر رافضًا العودة إلى الخير، ولا تكن مِمَّن يُغيّرون بالعنف والتصادُم والتنافر وإراقة الدماء وإضاعة الأموال والتي ستُسأل عنها يوم القيامة والتي ستؤدي إلى إساءات وتعاسات من حيث أردتَ إحسانات وسعادات ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ﴾ (آل عمران: من الآية 159)، بذلك تسعد ولا تتعس في الداريْن ﴿إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ﴾ (الأعراف: من الآية 170).


قبسات من أنوار وأقلام العلماء والكتاب قبسات أون لاين حيث الإعلام الهادف قبسات أون لاين 2:08 ص .

0 التعليقات " "

شاركنا برأيك ولا تحرمنا من قلمك

الأرشيف