عمير بن وهب
عداد: أحمد صلاح
كان ضمن معسكر الكفر في غزوة بدر، وكان رجل المخابرات لمعسكر الكفر، الذي استطلع ورصد أخبار المسلمين، وحلَّل المعركة، وأخبر قريش بقوله في لهجة تحذيرية: لم أجد وراءهم شيئًا، ولكن يا معشر قريش وجدت البلايا تحمل المنايا، ورأيت المطايا تحمل الموت الناقع، قوم ليس معهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم، والله ما أرى أن يُقتَل رجل منهم حتى يقتل رجلاً منكم، فإن أصابوا منكم مثل عددهم، فما خير العيش بعد ذلك؟! فانظروا رأيكم.
لم يكن عمير بن وهب مجرد ناقل أخبار فحسب، بل كان صاحب فراسة، دفعته أن يتوقع سير المعركة من مجرد رؤية عابرة لحال المعسكر الإسلامي عند بئر بدر، وبلغت به الثقة أن حذرهم من مغبة الحرب.
وكانت رجاحة عقل عمير وثقة قومه في رأيه دفعتا عددًا من الزعماء أن يقتنعوا برأيه؛ مما تسبَّب في تكوين جبهة معارضة شديدة لأبي جهل، والذي كان مصرًّا على الحرب مهما كانت الظروف، واستطاع في النهاية أن يكسب الموقف لصالحه، ويحمل الجيش على المعركة.
ودارت المعركة لتشهد انتصارًا ساحقًا للمسلمين، رجَّ أنحاء الجزيرة العربية، بعد أن قتل فيه العديد من زعماء قريش وعلى رأسهم أبو جهل.
أما عمير بن وهب.. فلقد عاد منكسرًا محزونًا، بعدما أُسِرَ ابنُه في المعركة.
كانت الصدمة أكبر من أن يتوقعها أحد.. جعلت الجميع في حالة ذهول كامل مما حدث، في انتظار الفرصة التي يثأرون بها لأهلهم، ويستعيدون بها كرامتهم وهيبتهم في الجزيرة العربية.
أما عمير.. فلقد أكل الغيظ قلبه مرتين، مرةً لهزيمة قريش في بدر، ومرةً من أجل ابنه الذي وقع أسيرًا في أيدي المسلمين.
ولم يكن الحديث لينتهي بما تجيش به النفوس في كل مجالسه مع صديقه صفوان بن أمية، الذي كان يأكله الحقد هو الآخر على مقتل أبيه أمية بن خلف في نفس المعركة.
فما إن يجتمع الاثنان حتى تطلَّ الذكريات المؤلمة عليهما، فتغشى المكان والزمان بالأسى والحزن "والله ما في العيش بعدهم من خير".. نطق بها صفوان بن أمية في حسرة لعمير بن وهب الذي هزَّ رأسه موافقًا وهو يقول في أسى: صدقت يا صفوان، ثم تابع وهو يضرب بعينيه في الفراغ قائلاً: والله لولا دَين علي لا أملك قضاءه، وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدي؛ لركبت إلى محمد حتى أقتله، فإن لي عنده علةً أعتلُّ بها عليه، هي ابني الأسير.
وهنا نهض صفوان في حماسة قائلاً: إن كان حقًّا ما تقول يا عمير.. فعليَّ دينك، أنا أقضيه عنك، وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا.
ويبدو أن "عمير" كان جادًّا إلى الدرجة التي وافق بها على عرض صفوان، قبل أن يضع يده على كتفه ويقول له بنبرة حاسمة: إذن فاكتم شأني وشأنك يا صفوان.
وتوجه للمدينة لقتل رسول الله، غير أنه ما غادرها بعد أن أخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما حدث بينه وبين صفوان إلا أن يسلم لله رب العالمين ويشهد أن محمدًا رسول الله.
وبدأ عمير يفكر في خطته الجديدة.. الخطة التي سيفاجئ بها مكة كلها، وعلى الأخص صديقه الحميم صفوان بن أمية.
فلقد عاد عمير بن وهب إلى مكة، عاد إليها داعيةً إلى الله والى الإسلام، واستغلَّ عمير شجاعته ومكانته ورجاحة رأيه، في أن يستقطب الكثير والكثير من أهل مكة، ونجحت خطته نجاحًا باهرًا، وما هي إلا بضعة أسابيع.. حتى كان عمير بن وهب سببًا في إسلام العديد من أهل مكة، وللمرة الثالثة يتوجَّه عمير بن وهب للمدينة ولكنه كان هذه المرة على جمله، يتلو آيات من القرآن الكريم، وهو يقود وراءه موكبًا كبيرًا من المؤمنين إلى رسول الله، يهللون ويكبرون، كما أسلم صفوان بن أمية.
إن الهداية نعمة كبيرة من الله، فهي تعنى البصيرة ورؤية الحق واتخاذ القرار الصحيح باتباعه، ثم القدرة على ذلك، فقد نرى الحق، ولكن تدفعنا عدم القدرة على اتباعه إلى محاربته واتهامه اتهامات باطلة؛ لنبرِّر لأنفسنا ما نفعل، ولكن مع الأيام حتمًا ستتضح الأمور وتظهر الحقائق رغمًا عن الجميع.
2- التجارب تقول إن النفوس قد تنقلب انقلابًا مذهلاً، وهذا أمرٌ يعطينا الأمل وفي نفس الوقت يُشعرنا بالخوف (عمير بن وهب يعود إلى مكة مسلمًا بعد أن كان ذاهبًا لاغتيال الرسول).
3- حب الهداية هو أقوى دليل على حب الصديق لصديقه (عمير بن وهب يحاول جاهدًا أن يدخل صديقه صفوان الإسلام.. وينجح).
عندما يحب الصديق صديقه، يحب له الهداية والبعد عن المعاصي ودخول الجنة، والصداقة اليوم هي التي تجلب المعصية؛ فتجعل غير المدخن مدخنًا، وتجعل الشاب المؤدب يعرف طريقه للقاء الفتيات، والذهاب لأماكن الرذيلة.
إن الصديق يدعو صديقه اليوم إلى ما يضرُّه، دون أن يدري أنه يفسد عليه دينه وأخلاقه، وربما عمله وأسرته.
إن الصداقة الحقيقية، هي الصداقة التي يظلِّلها حب الله وطاعته، وتحميها النصيحة الصادقة ومعاني الوفاء والنصرة في الحق والتعاون على الخير.
كان ضمن معسكر الكفر في غزوة بدر، وكان رجل المخابرات لمعسكر الكفر، الذي استطلع ورصد أخبار المسلمين، وحلَّل المعركة، وأخبر قريش بقوله في لهجة تحذيرية: لم أجد وراءهم شيئًا، ولكن يا معشر قريش وجدت البلايا تحمل المنايا، ورأيت المطايا تحمل الموت الناقع، قوم ليس معهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم، والله ما أرى أن يُقتَل رجل منهم حتى يقتل رجلاً منكم، فإن أصابوا منكم مثل عددهم، فما خير العيش بعد ذلك؟! فانظروا رأيكم.
لم يكن عمير بن وهب مجرد ناقل أخبار فحسب، بل كان صاحب فراسة، دفعته أن يتوقع سير المعركة من مجرد رؤية عابرة لحال المعسكر الإسلامي عند بئر بدر، وبلغت به الثقة أن حذرهم من مغبة الحرب.
وكانت رجاحة عقل عمير وثقة قومه في رأيه دفعتا عددًا من الزعماء أن يقتنعوا برأيه؛ مما تسبَّب في تكوين جبهة معارضة شديدة لأبي جهل، والذي كان مصرًّا على الحرب مهما كانت الظروف، واستطاع في النهاية أن يكسب الموقف لصالحه، ويحمل الجيش على المعركة.
ودارت المعركة لتشهد انتصارًا ساحقًا للمسلمين، رجَّ أنحاء الجزيرة العربية، بعد أن قتل فيه العديد من زعماء قريش وعلى رأسهم أبو جهل.
أما عمير بن وهب.. فلقد عاد منكسرًا محزونًا، بعدما أُسِرَ ابنُه في المعركة.
كانت الصدمة أكبر من أن يتوقعها أحد.. جعلت الجميع في حالة ذهول كامل مما حدث، في انتظار الفرصة التي يثأرون بها لأهلهم، ويستعيدون بها كرامتهم وهيبتهم في الجزيرة العربية.
أما عمير.. فلقد أكل الغيظ قلبه مرتين، مرةً لهزيمة قريش في بدر، ومرةً من أجل ابنه الذي وقع أسيرًا في أيدي المسلمين.
ولم يكن الحديث لينتهي بما تجيش به النفوس في كل مجالسه مع صديقه صفوان بن أمية، الذي كان يأكله الحقد هو الآخر على مقتل أبيه أمية بن خلف في نفس المعركة.
فما إن يجتمع الاثنان حتى تطلَّ الذكريات المؤلمة عليهما، فتغشى المكان والزمان بالأسى والحزن "والله ما في العيش بعدهم من خير".. نطق بها صفوان بن أمية في حسرة لعمير بن وهب الذي هزَّ رأسه موافقًا وهو يقول في أسى: صدقت يا صفوان، ثم تابع وهو يضرب بعينيه في الفراغ قائلاً: والله لولا دَين علي لا أملك قضاءه، وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدي؛ لركبت إلى محمد حتى أقتله، فإن لي عنده علةً أعتلُّ بها عليه، هي ابني الأسير.
وهنا نهض صفوان في حماسة قائلاً: إن كان حقًّا ما تقول يا عمير.. فعليَّ دينك، أنا أقضيه عنك، وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا.
ويبدو أن "عمير" كان جادًّا إلى الدرجة التي وافق بها على عرض صفوان، قبل أن يضع يده على كتفه ويقول له بنبرة حاسمة: إذن فاكتم شأني وشأنك يا صفوان.
وتوجه للمدينة لقتل رسول الله، غير أنه ما غادرها بعد أن أخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما حدث بينه وبين صفوان إلا أن يسلم لله رب العالمين ويشهد أن محمدًا رسول الله.
وبدأ عمير يفكر في خطته الجديدة.. الخطة التي سيفاجئ بها مكة كلها، وعلى الأخص صديقه الحميم صفوان بن أمية.
فلقد عاد عمير بن وهب إلى مكة، عاد إليها داعيةً إلى الله والى الإسلام، واستغلَّ عمير شجاعته ومكانته ورجاحة رأيه، في أن يستقطب الكثير والكثير من أهل مكة، ونجحت خطته نجاحًا باهرًا، وما هي إلا بضعة أسابيع.. حتى كان عمير بن وهب سببًا في إسلام العديد من أهل مكة، وللمرة الثالثة يتوجَّه عمير بن وهب للمدينة ولكنه كان هذه المرة على جمله، يتلو آيات من القرآن الكريم، وهو يقود وراءه موكبًا كبيرًا من المؤمنين إلى رسول الله، يهللون ويكبرون، كما أسلم صفوان بن أمية.
درس ومعنى
1- قد تتراءى الحقيقة أمام الإنسان ولكنه يصر على الخطأ رغم ذلك (عمير بن وهب يؤمن بمجرد تأكده واقتناعه بحقيقة الرسول).إن الهداية نعمة كبيرة من الله، فهي تعنى البصيرة ورؤية الحق واتخاذ القرار الصحيح باتباعه، ثم القدرة على ذلك، فقد نرى الحق، ولكن تدفعنا عدم القدرة على اتباعه إلى محاربته واتهامه اتهامات باطلة؛ لنبرِّر لأنفسنا ما نفعل، ولكن مع الأيام حتمًا ستتضح الأمور وتظهر الحقائق رغمًا عن الجميع.
2- التجارب تقول إن النفوس قد تنقلب انقلابًا مذهلاً، وهذا أمرٌ يعطينا الأمل وفي نفس الوقت يُشعرنا بالخوف (عمير بن وهب يعود إلى مكة مسلمًا بعد أن كان ذاهبًا لاغتيال الرسول).
3- حب الهداية هو أقوى دليل على حب الصديق لصديقه (عمير بن وهب يحاول جاهدًا أن يدخل صديقه صفوان الإسلام.. وينجح).
عندما يحب الصديق صديقه، يحب له الهداية والبعد عن المعاصي ودخول الجنة، والصداقة اليوم هي التي تجلب المعصية؛ فتجعل غير المدخن مدخنًا، وتجعل الشاب المؤدب يعرف طريقه للقاء الفتيات، والذهاب لأماكن الرذيلة.
إن الصديق يدعو صديقه اليوم إلى ما يضرُّه، دون أن يدري أنه يفسد عليه دينه وأخلاقه، وربما عمله وأسرته.
إن الصداقة الحقيقية، هي الصداقة التي يظلِّلها حب الله وطاعته، وتحميها النصيحة الصادقة ومعاني الوفاء والنصرة في الحق والتعاون على الخير.
قبسات من أنوار وأقلام العلماء والكتاب قبسات أون لاين حيث الإعلام الهادف قبسات أون لاين
12:18 م
من رموز الاسلام
.