فيليب فوتس : الإسلام دين جديد في بلجيكا وأوربا الغربية
علي بوراوي
هو صحفيّ ذو تجربة ثريّة وخبرة طويلة في المشهد الإعلامي البلجيكي، جريء لا يجامل في الحقّ، ولا يتردّد في الصّدع برأيه، صهذا هو فيليب فوتس، الذي عمل فترة طويلة في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون البلجيكية الحكومية، ويتولّى حاليا مهمّة الكاتب العام لمجلس الصحافة البلجيكي، وهي مؤسّسة تتولّى النّظر في القضايا التي يرفعها مختلف الفاعلين ضدّ وسائل الإعلام.
يؤكّد فيليب فوتس في حواره مع "إسلام اون لاين" أنّ صورة الإسلام والمسلمين في وسائل الإعلام الغربية سلبية لا تعكس الحقيقة، ولكنّها تعبّر عن واقع غير متوازن، ويحتاج إلى جهود من كلا الجانبين.
ويرى فيليب فوتس أنّ الحقيقة في هذا المجال،ص غابت بين إعلام يصنعه الرجل الأبيض، ويبحث عن الإثارة، ومسلمين اختلفت أصواتهم، ولم يعرفوا بعد كيف يتعاملون مع الإعلام، ويؤكّد الصحفي البلجيكي أنّ المتطرّفين من كلا الجانبين يروّجون لثقافة الصدام، وأنّ المصلحة تكون بالحوار والتّواصل بين الغرب والمسلمين.. وهذا نصّ الحوار معه.
* تقول إنّ صورة الإسلام في الإعلام الغربي سلبية، وهذا أمر يؤلم المسلمين، ويشوّش على علاقاتهم بالغربيّين، ويطعن جهود الحوار بينهم. فما هي الأسباب التي جعلت صورتهم سلبيّة ومشوّهة إلى هذا الحدّ؟
- نعم هي صورة سلبية، لأنّ هناك مشكلا في تمثيل ذوي الأصول الأجنبية في أوربا، ونظرا لأنّ دين هؤلاء المهاجرين هو الإسلام، فإنّ صورته تتأثّر بصورتهم، فقد لاحظنا أنّ هناك ضعفا كبيرا في تمثيلهم في مختلف وسائل الإعلام، سواء في أقسام التحرير أو في الإنتاج، أو في المتعاونين مع المؤسسات الإعلامية.
ففي بلجيكا مثلا، يمثل الصحفيون من أصول أجنبية نسبة 1% من مجموع الصّحفيين، في حين أنّ نسبتهم من مجموع سكّان البلاد تبلغ 10% أو أكثر بقليل، هذا الواقع له تبعاته في وسائل الإعلام، وفي صورة الإسلام فيها، لأنّ أغلبية المهاجرين مسلمون.
كما ينعكس هذا الواقع على علاقة الصحفيين البلجيكيين والغربيّين عموما، بالمسلمين، فهم لا يتوفّرون على مصادر معلومات وأخبار من أبناء الجالية المسلمة، رغم أنّ من طبيعة عمل الصّحفي أن يبحث دائما عن مصادر معلومات، وقد اطّلعت مؤخّرا على دراسة أجريت في بلجيكا تتحدّث عن إعلام الرّجل الأبيض، وتقول إنّ الإعلام الموجود عندنا هو إعلام من صناعة الرّجل الأوربي، الرّجل الأبيض، والصّورة التي يقدّمها هذا الإعلام عن المهاجرين والمجموعات المهاجرة، وهي في معظمها مجموعات من المسلمين، هي في الحقيقة صورة وضعها الرجل الأبيض الذي يمثّل أغلبية السّكان، عن المسلمين الذين هم أقلّية، وغير ممثّلين بشكل جيّد. هذا سبب أوّل.
السبب الثاني في وجود هذه الصّورة السلبية للإسلام والمسلمين في وسائل الإعلام، تتعلّق بما شهدته السّنوات القليلة الماضية من أحداث مهمّة وخطيرة، أستحضر هنا الأحداث الإرهابية، والحضور العسكري الغربي في العراق وأفغانستان، وقد أثّرت هذه الأحداث سلبا على العلاقة بين الغرب والإسلام بصفة عامة، فأصبحت أكثر توتّرا خلال السنوات الأخيرة، وانعكس هذا في وسائل الإعلام، فأصبح هناك ميل إلى أن تكون لكلّ من الجانبين سواء الغربي أو الإسلامي، وجهات نظر متشدّدة تجاه الطرف الآخر، ولديّ اعتقاد بأنّ أصوات الجماعات المتشدّدة، قد أخذت حيّزا كبيرا، فهي مجموعات ناشطة، وتعرف كيف تخاطب الرّأي العام وتبلّغ صوتها.
السّبب الثالث هو أنّ الإسلام دين جديد في بلجيكا وأوربا الغربية عموما، فهو دين الجالية المسلمة، وهذه الجالية لم تجد بعد المكان الذي يناسبها في المجتمع ومؤسّساته، ففي بلجيكا هناك مشكلة كبير في تمثيل المسلمين، وإنشاء هيئة تمثّلهم، هناك داخل المسلمين خلافات تؤثّر بشكل سلبي، وهذا يعطي صورة سلبية عنهم.
من جانب آخر، فإنّ جميع الأقليات الدينية والعقائدية في بلجيكا، لها الحقّ في برامج الإذاعة والتلفزيون الحكوميين، ولكن لا بدّ من أن يكون هؤلاء منظّمين ليتمكّنوا من ذلك، وما ألاحظه هو أنّ المسلمين لم ينجحوا بعد في أن ينظّموا أنفسهم ليستفيدوا من هذا الحقّ.
وإلى حدّ الآن، لا وجود لوسائل إعلام إسلامية أو أصوات إسلامية في وسائل الإعلام، أحسب أنّ هذا الصوت يجب أن يكون له مكان، صوت إسلامي معتدل وليس متشدّد، وهذا شرط من شروط إدارة الحوار بين مختلف مكوّنات المجتمع.
اسمح لي أن أضيف أنّ بعض المسلمين، لهم مشكلة مع حرية التعبير كما نراها نحن في الغرب، فعندما نشرت صوراً اعتبرها المسلمون مسيئة للرّسول محمد في صحف سويدية، وقع تهديد بعض الكتّاب بالقتل، وهذا ما اضطرّهم إلى الاختفاء، هذا بالنّسبة لنا غير مقبول، لأنّه يتناقض مع واقع التعدّدية والإيمان بحرية التعبير وحرية المعتقد كما نراها نحن الغربيون، التحركات التي قامت بها مجموعات صغيرة من المسلمين، تركت أثرا سلبيا جدّا.
هذه بعض العناصر التي ساهمت في إعطاء صورة سلبيّة في الغرب عن المسلمين بصفة خاصّة والإسلام بصفة عامّة في وسائل الإعلام الأوربية، وجعلها تقدّم صورة سلبية تخالف الحقيقة.
*لكنّ المسلمين من جانبهم، يؤكّدون أنّ الكثير من وسائل الإعلام ترفض تقديم الحقيقة عنهم، وتتعمّد الإساءة إليهم وتشويه دينهم، مهما بذلوا معها من جهد في التعريف بأنفسهم وحقيقة دينهم. ويؤكّد الكثيرون أنّ إرادة تقديم الحقيقة وتصحيح صورة الإسلام والمسلمين في وسائل الإعلام الغربية، ضعيفة أو شبه منعدمة، ما رأيك؟
- نعم، هناك توجّه لدى وسائل الإعلام نحو تصعيد الخلافات، فهي تروي قصصا لا بدّ أن تكون فيها جهة حسنة وأخرى سيّئة، وهي تتّجه كثيرا إلى المبالغة في نقل الحقائق والمواقف، هذه مشكلة حقيقية في وسائل الإعلام.
من الجانب الآخر، أقصد المسلمين، هناك أيضا مشكلة، وهي أنّ كثيرين منهم لم يفهموا منطق وسائل الإعلام، ولو فهموا منطقها لعرفوا كيف يمرّرون رسالتهم إليها، يجب أن يخاطبوها بلغتها، أقصد أنّ عليهم أن يدرسوا وسائل الإعلام وأن يذهبوا إليها، عليهم أن يدرسوا الصحافة وكيف هي تعمل، هذا النّقد الذي ذكرته يردّده الجميع عن وسائل الإعلام، وليس المسلمون فقط، عندما نعرف كيف تشتغل وسائل الإعلام، نعرف كيف نستعملها ونوظّفها لتنقل ما نريد.
*هل تعتقد أنّ هذه الصّورة السلبية عن الإسلام والمسلمين، هي فقط مشكلة تعامل مع وسائل الإعلام وتبليغ للمعلومات؟ أم هي تعكس قضية أعمق، أعني مشكلة ثقافية يمكن اختصارها في ضعف أو غياب الحوار بين الثقافات والحضارات، أو حتّى ضعف إيمان البعض بجدواها؟
-نحن في مرحلة بالغة الصعوبة فيما يتعلّق بالعلاقة بين الثقافات، هناك من يؤمن بالصدام بين الحضارات، وهذا فكر خطير لا يخدم إلاّ المتطرّفين من كلا الجانبين، فالعلاقة بين العالم الغربي والعالم الإسلامي أصبحت صعبة فعلا خلال السّنوات الأخيرة، هذا له جذور تاريخية، وهناك أحداث حصلت خلال السنوات القليلة الماضية ساهمت في التّسريع بالخلافات بينهما. هذه مسألة خطيرة، وجدت صداها في وسائل الإعلام، وعندما تفعل وسائل الإعلام ذلك، فإنّها تخدم المتطرّفين، وتصبّ الزيت على النّار. نحن بحاجة ماسّة إلى تنشيط الحوار ومدّ جسور التواصل بين الجانبين، لأنّ ذلك يخدم مصلحة الجميع.
*بصفتك صحفيا له تجربة طويلة وخبرة في التعامل مع مختلف الأحداث، ما المطلوب من وسائل الإعلام الغربية لتنشيط الحوار بين المسلمين والغرب، وبناء جسور الثّقة وتعميق التفاهم بينهم؟
-على الصّحفي أن يتعامل مع الأحداث بمهنية، مهنتنا هي البحث عن الحقيقة وتقديمها للنّاس، المطلوب من الصّحفي أن يجتهد في البحث عن المعلومة، وتقديمها بشكل موضوعي، وليس البحث عن التناقضات والخلافات بدعوى السّبق الصّحفي، ويجب ألاّ ينسى الصّحفي أنّ المجتمع الأوروبي مجتمع متنوّع ومتعدّد، وحتّى يعطي صورة عن هذا المجتمع، فإنّ على هذا الصّحفي أن يعرف مختلف المجموعات الموجودة في أوربا، وأن تكون له معها علاقات واتصالات.
-المسلمون مدعوّون إلى فهم منطق الصحافة وطرق عملها، وعليهم أن يجتهدوا في الاتصال بها، وأن يشجّعوا شبابهم على التّخصص في هذا المجال، ليساهموا بدورهم في صناعة هذا الإعلام، وإنتاج المادة الإعلامية.
قبسات من أنوار وأقلام العلماء والكتاب قبسات أون لاين حيث الإعلام الهادف قبسات أون لاين
10:07 م
مقالات متنوعة
.