فقهاء لـ" إسلام أون لاين " : تقليد " بوعزيزي تونس " أمرٌ لا يقره الشرع
حث عدد من أساتذة الفقه في تصريحات لـ"إسلام أون لاين" الشباب المسلم على عدم تقليد الشاب التونسي محمد البوعزيزي الذي أقدم على حرق نفسه قبل نحو شهر، مؤكدين أن تقليده "أمر لا يقره الشرع وهو منكر وعبث وقتل للنفس بدون طائل وهو يأس في غير محله ينهى عنه الإسلام" ، داعين إلى استنساخ الثورة التونسية بدون انتحار، والالتفات إلى جوهر الانتفاضة لا إلى خصوص النازلة التي هي حصرا على الظروف التونسية، مشيرين إلى أن "العلة القوية الكلية تتجلى في الاحتقان و إرادة الجماهير التي لا تقهر، لا في انتحار البوعزيزي الجزئي".
جاء هذا في تعليقهم على انتشار محاولات إحراق النفس في عدد من الدول العربية، والتي جاءت بعد إشعال البوعزيزي النار في نفسه مما أسفر عن احتجاجات أطاحت بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي، حيث أضرم أربعة النار في أنفسهم في الجزائر وواحد في مصر وآخر في موريتانيا.
انتشار الظاهرة
ففي القاهرة أشعل رجل النار في نفسه اليوم الإثنين 17/1/2011 أمام مجلس الشعب احتجاجا على تدني ظروف المعيشة.
وفي موريتانيا ذكرت مصادر بالشرطة لرويترز أن رجلا يبلغ من العمر 40 عاما ومن أسرة ثرية أشعل النار في نفسه احتجاجا على ما زعم انه سوء معاملة الحكومة لعشيرته.
وفي الجزائر حيث قامت احتجاجات على مدى الأسابيع القليلة الماضية، نشرت صحف تقاريرها عن أربعة جزائريين على الأقل أشعلوا النار في أنفسهم على مدى الأيام القليلة الماضية، بسبب البطالة أو الأوضاع الاقتصادية.
ويقول نشطاء في أنحاء العالم العربي إن تونس تمثل لهم نموذجا يحتذى باعتبارها أول بلد عربي منذ أجيال تسفر احتجاجات شعبية عن الإطاحة بالرئيس فيه.
ويشعر الكثير من العرب شأنهم شأن التونسيين بالإحباط نتيجة ارتفاع الأسعار والفقر وارتفاع معدل البطالة واستيائهم من أنظمة الحكم التي تتجاهل أصواتهم.
أمر لا يقره الشرع
وفي تعليقه على تلك الحوادث، قال الأستاذ الدكتور علي المحمدي عميد كلية الشريعة بجامعة قطر سابقا وأستاذ الفقه والأصول بكلية الشريعة حاليا لـ"إسلام أون لاين" إن الشريعة الإسلامية تحرم قتل الشخص لنفسه وتعتبره جريمة كبيرة وهو ما ورد فيه قوله صلى الله عليه وسلم: "من قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن شرب سما فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا" ومع ذلك في موقفه هذا كلام آخر يقال، فقد قال العلماء: المقصود به من يستحل الانتحار، ويعتقد حله، فيموت كافرا، فيكون في النار.
وتابع : "ولكن حالة الشاب التونسي البوعزيزي يمكن التماس بعض المخارج لها فقد تكون لهذا الشاب ظروف صعبة فوق الاحتمال جعلته يخرج عن طوعه وهو مايمكن إدخاله في باب ( الانغلاق ) عند الفقهاء فالشخص إذا وصل إلى مرحلة من الغضب لدرجة الانغلاق لايقع منه الطلاق عند أكثرية العلماء ، فلعل الشاب التونسي وصل لهذه المرحلة من الغضب واليأس مما جعله يقدم على فعلته ، التي جعلته يقدم نفسه لتحرير شعبه من الطغيان ، فذلك مخرج قد نجده لهذا الرجل الذي لاتشبه حالته الحالات الأخرى التي جاءت بعده .وشدد على أن تقليده من قبل آخرين "أمر لا يقره الشرع وهو منكر وعبث وقتل للنفس بدون طائل وهو يأس في غير محله ينهى عنه الإسلام فلايمكن تبرير الانتحار لمجرد أن الظروف الاقتصادية أو الاجتماعية غير مواتية ! فالإسلام يحرم قتل النفس البشرية لأي سبب ولنا في الأنبياء الكرام الأسوة الحسنة إذ أنهم تعرضوا للأذى الكبير من أقوامهم فصبروا وجاهدوا حتى وصلوا إلى مبتغاهم وفي ذلك يقول الله تعالى :"أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ".
ويؤكد الدكتور المحمدي أنه يجب التوقف عن عمليات الحرق للنفس لأنها عمليات يأس وهدر لطاقات وأرواح بريئة بدون فائدة وهو جرم عظيم ومنكر لايقره شرع ولادين.
استنساخ الانتحار مرفوض !
بدوره قال الأستاذ الدكتور حسن يشو عضو هيئة التدريس بقسم الفقه والأصول بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر في تصريح لـ " إسلام أون لاين " إن الإسلام يقدم حلولا للناس حتى لا ييأسوا من روح الله تعالى ويحث أتباعه على التحلي بالصبر عند النوازل والمحن ، كما يحثهم على إنقاذ النفس البشرية و لذلك من أسهم في إنقاذ روح واحدة فكأنما أسهم في إنقاذ البشرية جمعاء؛ لقوله تعالى " ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا " .وأشار إلى أن ما وقع في تونس من ثورة عارمة كان مثار ترحيب واسع فقد رحب بها كل الأحرار و الشرفاء في العالم، و كان من جملة من أشعل فتيلها ذلك الشاب "البوعزيزي" لما ضاقت به أرض تونس بما رحبت، و كان الفتح من الله أن وقع انفراج ما كان يتوقع على هذه السرعة، فله وزره الفردي على انتحاره و نحن نشفع له جميعا و كل المعذبين في تونس، لكن حسناته الراجحة هي بالأطنان و رفع الجبال التي كانت على عاتق الشرفاء المكممين في أرض تونس. هي حسنات على المستوى الجماعي و مستوى الأمة فصار اسمه في تزاحم المصالح و المفاسد أكبر من أن تحصى.وأوضح إنه في قضية البوعزيزي يقول ما قاله علماء القرآن العبرة بخصوص السبب لا بعموم النص بمعنى الالتفات إلى جوهر الانتفاضة لا إلى خصوص النازلة التي هي حصرا على الظروف التونسية، فالعلة القوية الكلية تتجلى في الاحتقان و إرادة الجماهير التي لا تقهر، لا في انتحار البوعزيزي الجزئي، و من أجل الاعتبار نستنسخ الثورة بدون انتحار و لو مع تقديم الأرواح فلا تعدم الأمةُ و لا الشرفاء الأحرار و كل المعذبين في الأرض وسيلة لقلب الموازين وإزاحة الباطل فليبتكر الشباب وسائل شريفة يخلدهم التاريخ و لا ينساهم أبدا لكن استنساخ الانتحار ليس بالأمر الحسن ، إنما الانتحار عند الصدمة الأولى.
وختم حديثه بالتأكيد على أن من أبرز الحقوق التي أثبتها الإسلام حق الحياة العزيزة ، ولأن الإسلام جاء لحفظ كلية النفس بمختلف الوسائل من جهة الوجود فأحل أكل الطيبات وشرع التداوي.. و من جهة العدم فشرع القصاص ، وبناء على النصوص المستفيضة من الكتاب و السنة يتبين أن الانتحار ظاهرة غريبة على الإسلام، لم يسلم بها طريقا و أسلوبا أيام الإحن و المحن.
عدوى وجدانية
وتعليقا على الجانب النفسي لهذه الظاهرة الآخذة في الانتشار تحدثت الدكتورة بتول محي الدين خليفة أستاذ الصحة النفسية المشارك بجامعة قطر لـ " إسلام أون لاين " فقالت: إن ما نشاهده من عمليات انتحار أو محاولات حرق النفس هو نوع من العدوى الوجدانية التي تجعل كل الأفراد الذين يعانون من ظروف اقتصادية واجتماعية مشابهة لتلك التي مر بها البوعزيزي ينظر لنفسه بنفس الطريقة ، فيحاول التعبير الوجداني عن هذا الرفض للواقع بنفس الطريقة !.
وتابعت: ولذلك فإن من يؤمن بنظرية المؤامرة سيقول إن هناك من يحرك هذا الشباب في هذا الاتجاه ، ولكن واقع الحال غير ذلك فهذه ظاهرة نفسية معروفة لدى علماء النفس ، فالقهر الذي يعانيه هؤلاء يجعلهم يبحثون عن أي وسيلة لابتزاز الجهات الحكومية والمؤسسات الحاكمة في بلادهم للالتفات لمشكلاتهم المستعصية ، وتقديم خدمات لهم ، ولكن هذه الظاهرة لاتنطبق إلا على أشخاص لديهم وازع ديني ضعيف ، فعدى عن تحريم الدين لهذه الظاهرة فإن علم النفس يعتبرها سلوكا عدوانيا ضد الذات لأن الإضرار بالنفس من أكثر السلوكيات ضررا بالمجتمع .وطالبت الدكتورة بتول علماء النفس في الدول التي ظهرت فيها هذه الحالات بدراستها والتصدي لها وتكوين مجموعات عمل لمناقشة وتدارس هذه السلوكيات حتى لاتتحول إلى ظاهرة شائعة يلجا إليها أي شخص بمجرد تعرضه لأبسط ضغط نفسي .
قبسات من أنوار وأقلام العلماء والكتاب قبسات أون لاين حيث الإعلام الهادف قبسات أون لاين
1:20 م
مقالات متنوعة
.