أجـر حراسـة المنشآت والأمـوال في انتفاضة بتونس
الشيخ حامد العطار
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
يحتاج الشعب التونسي في هذه الأيام مطالب اجتماعية لا تقل أهمية عن المطالب السياسية، وعلى رأس هذه الاحتياجات الاجتماعية حاجته للأمن والأمان، فقد اندلعت عقب الإطاحة بالرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، أعمال سلب ونهب للمتلكات العامة والخاصة، تتهدد الناس في أموالهم وأرواحهم، في ظل غيبة في بعض المناطق من رجال الأمن الرسميين، وقد تداعى أهل المروءة والنخوة من المدنيين إلى تنظيم مجموعات لحراسة الأنفس والأموال والمحال، وهذه – لا شك- خطوة مباركة يحبها الله ورسوله، ويثيب عليها القائمين بها.
الأمن ضرورة حياتية
فالأمن ضرورة من الضرورات الأساسية للأفراد والمجتمعات على السواء، وقد امتن الله عز وجل بإسباغه على أهل مكة بهذه النعمة، فقال سبحانه: "الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ [قريش/4] وقال سبحانه: "أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ" [العنكبوت/67]، وقال سبحانه: "وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً" [النحل/112].
الامتنان بهذه النعمة على هذا النحو القرآني يؤكد على عظيم أهميتها ومسيـس حاجة الأفراد إليها، وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم الأمن ثلث متاع الدنيا فقال صلى الله عليه وسلم: "من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه ؛ فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها" رواه البخاري في الأدب المفرد بسند حسنه الألباني.
فبالأمن يهنأ الطعام ويسوغ الشراب ويكون النهارُ معاشا والنومُ سباتا والليلُ لباسا.
ولما فضل الله المدينة اختصها بنعمة الأمن يوم تزول هذه النعمة من الأرض، ففي البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يدخُل المدينةَ رعْبُ المسيح الدجال، لها يومئِذ سبعةُ أبواب، على كلِّ باب ملكان" ولما قرب الله الجنة إلى الناس، ورغبهم فيها ذكرهم بأن أهل الجنة: "وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ" [سبأ/37].
التحذير من ترويع الآمنين
وحذَّرت الشريعة من إظهارِ أسباب الرَّوع بين صفوفِ المسلمين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يُشِر أحدُكم إلى أخيه بالسلاح؛ فإنه لا يدري لعلَّ الشيطانَ ينزِع في يده، فيقعُ في حفرةٍ من النار) متفق عليه.
وحرَّمت على المسلم الإشارةَ على أخيه المسلم بالسّلاح ولو مازحًا، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: (من أشار إلى أخيه بحديدةٍ فإنّ الملائكة تلعنُه حتى يدعَها، وإن كان أخاه لأبيه وأمه) رواه المسلم، قال النوويّ رحمه الله: "هذا مبالغة في إيضاح عُموم النهي في كلِّ أحدٍ، سواء من يُتَّهم فيه ومن لا يتَّهم، وسواء كان هذا هزلاً ولعبًا أم لا؛ لأن ترويعَ المسلم حرامٌ بكلِّ حال".
ودعا الإسلامُ إلى كلِّ عمل يبعَث على الأمن والاطمِئنان بين صفوفِ أفراده، وأمر بإخفاء أسباب الفزَع في المجتمع، فقال عليه الصلاة والسلام: (لا يحلُّ لمسلمٍ أن يروِّع مسلِمًا) رواه أحمد.
وقد زخرت السنة بمجموعة من الأحاديث التي تحث على التطوع ببذل أسباب الأمن، وأن من يقوم بذلك ويحرس المسلمين مما يتهددهم أن له من الله فضلا لا يدانيه من يقوم الليل أو يصوم النهار، ومن هذه الأحاديث:-
1- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حرمت النار على عين دمعت أو بكت من خشية الله وحرمت النار على عين سهرت في سبيل الله عز وجل" رواه أحمد بسند صحيح.
2- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة. ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه " رواه مسلم.
بين الحراسـة والربـاط
قد جاءت أحاديث كثيرة تدل على أن الرباط في سبيل الله من أعظم القربات، وأن المرابط ينال ما لا يناله الصائم القائم، من هذه الأحاديث:
1-قوله صلى الله عليه وسلم: (كل ميت يختم على عمله إلا الذي مات مرابطا في سبيل الله فإنه ينمي له عمله إلى يوم القيامة ويأمن فتنة القبر). رواه الترمذي، وصححه الشيخ الألباني.
2-وقوله صلى الله عليه وسلم: (رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه. وإن مات، جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه، وأمن الفتان) رواه مسلم.
3-وعن مجاهد عن أبي هريرة: (أنه كان في المرابطة ففرغوا فخرجوا إلى الساحل ثم قيل لا بأس فانصرف الناس و أبو هريرة واقف فمر به إنسان فقال ما يوقفك يا أبا هريرة فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: موقف ساعة في سبيل الله خير من قيام ليلة القدر عند الحجر الأسود ) رواه ابن حبان والبيهقي، وصححه الشيخ الألباني.
4-وقوله صلى الله عليه وسلم: (رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل) رواه الترمذي وغيره، وحسنه الشيخ الألباني.
5-وقوله صلى الله عليه وسلم: (من رابط ليلة في سبيل الله كانت له كألف ليلة صيامها وقيامها) رواه ابن ماجة، وحسنه الشيخ الألباني.
والرباط والمرابطة ملازمة ثغر العدو، وأصله أن يربط كل من الفريقين خيله، ثم صار لزوم الثغر رباطا، وربما سميت الخيل أنفسها رباطا، ويقال: الرباط من الخيل: الخمس فما فوقها. ومنه قوله تعالى: {اصبروا وصابروا ورابطوا} أي: أقيموا على جهاد عدوكم.
فهل تلحق حراسة المسلمين من اللصوص والمخربين بالرباط في الأجر؟
جاء في الموسوعة الفقهية:
اختلف الفقهاء في المحل الذي يتحقق فيه الرباط، فإنه لا يتحقق في كل محل، فقال الحنفية: المختار: أنه لا يكون الرباط، إلا في موضع لا يكون وراءه إسلام ؛ لأن ما دونه لو كان رباطا فكل المسلمين في بلادهم، والأصل في هذا: حديث " من حرس من وراء المسلمين في سبيل الله متطوعا لا يأخذه سلطان لم ير النار بعينيه إلا تحلة القسم ". وقال ابن حجر في فتح الباري: إذا نوى بالإقامة في أي مكان وإن كان وطنه دفع العدو، فإنه يكون مرابطا، قال: ومن ثم اختار كثير من السلف سكنى الثغور. وعزا إلى ابن التين أنه قال: الرباط ملازمة المكان الذي بين المسلمين والكفار لحراسة المسلمين منهم، بشرط أن يكون غير الوطن، وعزا ذلك إلى ابن حبيب عن مالك. دائما بأهليهم الذين يعمرون ويكتسبون هنالك فهم وإن كانوا حماة فليسوا بمرابطين. انتهىوأيا ما كان الأمر، فإن لحراسة المسلمين فضلا كبيرا، سواء سمي رباطا بالاصطلاح الشرعي العام، أو الفقهي الخاص أم لم يسم بشيء من ذلك، وفي الحديث الصحيح الذي رواه الحاكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أنبئكم ليلة أفضل من ليلة القدر حارس حرس في أرض خوف لعله أن لا يرجع إلى أهله".وأخرج ابن عساكر عن أرطأة بن المنذر: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لجلسائه: أي الناس أعظم أجرا؟ فجعلوا يذكرون له الصوم والصلاة ويقولون: فلان وفلان بعد أمير المؤمنين ! فقال ألا أخبركم بأعظم الناس أجرا؟ ممن ذكرتم ومن أمير المؤمنين؟ قالوا: بلى، قال: رويجل بالشام آخذ بلجام فرسه يكلأ ويحرس من وراء بيضة المسلمين لا يدر: أسبع يفترسه ؟ أم هامة تلدغه ؟ أم عدو يغشاه ؟ فهذا أعظم أجرا ممن ذكرتم ومن أمير المؤمنين..!!
تهنئة.. ورجـاء.. ودعاء
تهنئة خالصة من القلب لكل الشرفاء والأحرار على أرض تونس الحبيبة، فقد أبيتم إلا أن تكون لكم الحرية كاملة غير منقوصة، وأبيتم إلا تحطيم رأس الفساد في البلاد، وصدقتم في عزمكم وإرادتكم فصدقكم الله، وكان لكم ما أردتم، وأذهلتم العالم بأسره، ودفعتم ثمن حريتكم دماء زكية طاهرة، نحتسبها عند الله تعالى خالصة، وهذه الدماء أحيت أمة من سباتها وأحيت الأمل في نفوس كل الشعوب المقهورة التي استبد بها اليأس من زوال عروش كل الطواغيت، فجزاكم الله عن أمتكم خير الجزاء. ورجاؤنا أن تثبتوا للعالم كله أنكم على قدر المسؤولية –ونحسبكم كذلك- وكما وقفتم بصدق وإصرار لإسقاط الطاغوت بن علي فكونوا على هذه الدرجة من الوعي والمسؤولية وفوتوا الفرصة على المأجورين من اللصوص والمخربين، وإياكم أن يشوهوا هذا النصر أو يفسدوا عليكم فرحتكم بنهبهم لأموال الشعب ومقدراته، فكونوا عينا ساهرة واضربوا بأيد من حديد على كل طغى في البلاد وسعى في الأرض بالفساد واصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله.. ونسأل الله تعالى أن يحفظ هذا الشعب الحبيب الكريم وأن يجعل تونس آمنا مطمئنا سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين.. اللهم آمين.
قبسات من أنوار وأقلام العلماء والكتاب قبسات أون لاين حيث الإعلام الهادف قبسات أون لاين
4:21 م
أخبار
.