--------------------------------------------------------------------

المشاركات الشائعة

زوار المدونة

أحدث التعليقات

المتابعون

إحصائية المدونة

تعلقات القراء

إقرأ أيضا

|

شهادة الزور


 
د. منير جمعة

شهادة الزور، وقول الزور، وعمل الزور، كلها بمعنى متقارب، وقد كثرت فى هذا العصر كثرة فاحشة، لذا وجب علينا جميعاً التصدى لهذه الأمور من باب حديث النبى (صلى الله عليه وسلم): "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان"(رواه مسلم). 

  شهادة الزور هى الشهادة بالكذب ليتوصل بها إلى الباطل، من إتلاف نفس، أو أخذ مال حرام أو تحليل حرام، أو تحريم حلال.
وقد عدَّها النبى (صلى الله عليه وسلم) من الكبائر، بل من أكبرها، فقد جاء فى الحديث عن أبى بكر رضى الله عنه قال  قال النبى (صلى الله عليه وسلم) "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا، قالوا بلى يا رسول الله، قال الإشراك بالله، وعقوق الوالدين  وجلس وكان متكئا، فقال ألا وقول الزور قال  فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت" (متفق عليه) 
وعن أيمن بن خزيم الأسدى رضى الله عنه: "أن النبى (صلى الله عليه وسلم) قام خطيبا فقال يا أيها الناس عدلت شهادة الزور إشراكا بالله ثم قرأ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) (الحج:30) (رواه الترمذى). 
من صور شهادة الزور:
تنوعت صور شهادة الزور فى عصرنا تنوعاً كبيراً، نتيجة للحياة المادية القاحلة التى انغمس فى أتونها كثير من الناس، وسوف نشير هنا لمظاهر الزور بمعناه المهم، سواء ما هو معروف من قديم أو ما ظهر فى أيامنا هذه وعمت بلواه.
                         1-اليمين الفاجرة:
إن الأصل فى الشهادة أن تكون سنداً لجانب الحق، معينة للقضاء على إقامة العدل، والحكم على الجناة الذين ينحرفون، فيظلمون أو يبغون أو يأكلون أموال الناس بالباطل، لكن من الناس من يحولون الشهادة عن وظيفتها، لتكون سنداً للباطل، ومضللة للقضاء، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فى هؤلاء:"من حلف على يمين وهو فيها فاجر ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقى الله وهو عليه غضبان"  (رواه البخارى) 
وهذه هى اليمين الغموس التى تغمس صاحبها فى النار، وليس لها كفارة إلا التوبة، وقد كثر –للأسف- استئجار الشهود، حتى أصبح عملاً روتينيا أمام المحاكم، وهذا من علامات قرب الساعة، لأنه من باب  (إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة). 
                   2- وصف المفسدين بالصلاح:
إن وصف المفسد بالصلاح خيانة لله ولرسوله (صلى الله عليه وسلم) وللمؤمنين.  وهو عمل يستوجب غضب الله عز وجل على فاعله، لأنه لون من قول الزور، "فعن بريدة رضى الله عنه قال رسول الله  (صلى الله عليه وسلم) لا تقولوا للمنافق سيد فإنه إن يك سيداً فقد أسخطتم ربكم عز وجل"  (رواه أبو داود). 
                     3-وصف الصالحين بالإجرام:
يحلو لبعض شياطين الإنس أن يصفوا الصالحين بالإجرام والإفساد، كما كان يشيع فرعون عن موسى عليه السلام: (إِنِّى أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِى الأَرْضِ الْفَسَادَ)   (غافر:26).     
وقد حكى القرآن الكريم صورة تتكرر فى كل عصر، حيث قال سبحانه (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ انقَلَبُوا فَكِهِينَ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) (المطففين:29-36).        
ويكاد هذا الكلام ينطبق على الذين لا يتورعون عن إلصاق التهم الباطلة بكل دعاة الإسلام.
   4-وصف الزوجات بالأمهات:
سمى القرآن الكريم قول الرجل لامرأته  أنت حرام علىَّ كظهر أمى بأنه منكر وزور، فقال سبحانه:(الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِى وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنْ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) (المجادلة:2).    
              5-الشعر المستعار للمرآة:
عن سعيد بن المسيب -رحمه الله- قال: قدم معاوية المدينة فخطبنا، وأخرج قصّة من شعر، فقال  ما كنت أرى أن أحدا يفعله إلا اليهود، إن رسول الله(صلى الله عليه وسلم) بلغه فسماه الزور" (متفق عليه). 
وقد جاء هذا الحديث من طريق حميد بن عبد الرحمن أنه كان مع معاوية بن أبى سفيان -عام حج- على المنبر، فتناول قصة من شعر...  فقال: يا أهل المدينة،؟ أين علماؤكم؟ سمعت النبى   ينهى عن مثل هذه ويقول: إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذها نساؤهم" (البخارى). 
إن معاوية رضى الله عنه يهيب بالعلماء أن ينكروا هذا المنكر الذى كان فى بداياته الأولى، بعد موت أكثر الصحابة، ولكن الزمان قد استدار حتى أصبحنا نرى بعض العلماء، هم الذين يزعمون أن الباروكة تحل محل الحجاب للمرأة فبالله عليكم ما هذا الزور البين!
إن المنافق ليـس صاحب مبادئ يعمل لها ويخلص فى سبيلها.. بل هو يميل مع الريح حيث تميل ولذلك فإنه حتى إعلانه الوقوف بجوار الأعداء ليس إلا كلاما فى الهواء سرعان ما تبدده الشدائد.
                    6-التفاخر بالكذب:
يحلو لبعض الناس أن يفخر على غيره ولو باختلاق أمور لم تحدث، سعيا للذكر والشهرة وجذب ثناء الناس عليه، وهذا من قول الزور الذى ينبغى الإمساك عنه، فعن عائشة رضى الله عنه أن امرأة قالت يا رسول الله، أقول  أن زوجى أعطانى ما لم يعطنى. فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم)  المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبَى زور.
                    7- قلب الحقائق:
جاء فى الحديث الشريف: "سيأتى على الناس سنوات خداعات، يُصدق فيها الكاذب، ويُكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويُخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة، قيل وما الرويبضة؟ قال  الرجل التافه فى أمر العامة (رواه ابن ماجة). 
ولعل هذه الصفات تنطبق أتم الانطباق على أيامنا هذه، التى صار فيها الحق- عند كثير من الناس- باطلاً، والباطل حقا. وصار الزيف والزور خلقاً شائعاً!!  فسُمى التمسك بالدين: تشدداً أو تطرفا وسُميت مجاهدة الأعداء المحتلين لديار الإسلام: إرهاباً، وسمى الجبن عن رد الاعتداء:  حكمة وبٌعْدَ نظر، وسمى المجون فنا وصار التافهون يتحدثون فى عظائم أمور المسلمين بل تقلب الحقائق جهاراً نهاراً فى كثير من المواقع، ولا يستجاب للمخلصين الذين لا يبغون إلا الخير. فهل هذا إلا الزور بعينه، وعمل الزور لا يصلح معه عبادة؟ فقد جاء فى الحديث عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: "قال رسول الله  (صلى الله عليه وسلم) من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه"  (البخارى). 

واجبنا تجاه قول الزور:

   1- لا ينبغى أن نيأس (لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ) (يوسف:87) والله سبحانه قادر على كل شىء.
   2-محاولة الإصلاح بكل الوسائل: (إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ) (هود:88).     
   3-الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فقد جاء فى فضل من ينكر المنكر فى آخر الزمان  إن من أمتى قوماً يعطون مثل أجور أولهم، ينكرون المنكر"( رواه أحمد وصححه الألبانى).

قبسات من أنوار وأقلام العلماء والكتاب قبسات أون لاين حيث الإعلام الهادف قبسات أون لاين 8:20 م .

0 التعليقات "شهادة الزور"

شاركنا برأيك ولا تحرمنا من قلمك

الأرشيف